الحقوق محفوظة لأصحابها

مصطفى حسني
نستكمل حديثنا عن التجربة العُمرية وكيف كان يختار سيدنا عمر الولاة والمبادئ التي اعتمد عليها. كان سيدنا عمر أولاً واضعاً على عاتقه إرساء الخُطوات لأي حاكم يأتي من بعده، وكان يُدرك أهمية لقب الفاروق الذي منحه إياه رسول الله.

· المبدأ الأول: كان لا يُعين إنسان أقل كفاءة على إنسان أكثر كفاءة، لأن ذلك يُعد خيانة للأمة والمسلمين.

· المبدأ الثاني: كان لا يُعين أي شخص لا يفهم في الشر، لأن ذلك أحرى أن يقع فيه، فيجب أن يكون على علم بالشر كما هو على علم بالخير، مع البعد عن هذا الشر.

· المبدأ الثالث: تعين الشخص المناسب في المكان المناسب، فيُعين أفراد من الحضر ولاة على الحضر، ويُعين أفراد من الريف على مناطق الريف.

· المبدأ الرابع: وضع مبدأ أن يأمنه الأبرار ويهابه الفجار.

· المبدأ الخامس: تعين من إذا رؤيّ َ بين الناس لا تراه أميرا، أي لا يستكبر على أحد، وإذا رؤيَّ وحده تراه أميراً، أي يكون قائدا على نفسه.

وكان سيدنا عمر لا يُعين أي شخص إلا ويجعله يدرك الوصايا التي على أساسها يتم تعين الولاه:

· كان أولا يُوصي بالصدق في إقرار الزمة المالية، تُكتب في ورقة وتُضع في ما يُسمى بتابوت عمر، وكان مكان يُحفظ فيه كل الأوراق.

· كان الفاروق يمنع الولاة من اتخاذ فرساً غالياً خوفاً على قلب الولاة، وأن لا يتخذ الوالي قصراً له باب يُحجب فيه عن معرفة احتياجات الرعية.

· ألا يكثروا من الكلام والتركيز في العمل، فمن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياءه.

وكانت هناك مهام واضحة يُكلف بها الولاة:

· اتزان روحاني: أي توفير الجو الروحاني دون إجبار، والناس وحدها ستنجذب إلى الله.

· اتزان اقتصادي: توفير قوت الناس ومعرفة احتياجات المجتمع، ومن كان لا يستطيع القيام بذلك يعتزل.

· اتزان اجتماعي: كان يُحاسب الولاة من لا يقوم بزيارة المرضى والضعفاء.

· اتزان نفسي: كان لا يُعين أي شخص غير سوي نفسياً، فدخل عليه شخص ما كان سيعينه عمر والي، وعندما دخل عليه وجد سيدنا عمر يُقبل اولاده، فقال له الرجل أن له عشرة أبناء ما قبّل منهم أحدا، فقال "ذلك أحرى ألا تكون رحيماً بالمسلمين"، وقام بعزله قبل أن يعينه.

أما الحساب العُمري فكان لا يتأخر فيها، ولا يتبع مبدأ التباطئ الذي يوحي بالتواطؤ، فكان دوماً حريصا أن يجعل الشعب مطمئنا، فاتبع مبدأ سرعة الحساب لمن خالف الشروط الموضوعة.

كان الفاروق يأخذ حق الرعية من الولاة خاصة في مواسم الحج، فكان يحضر مع سيدنا عمر الولاة للحج، فيسأل الرعية إذا ظلمه أحد، وإذا تبين ظُلم الوالي للرعية، إما ان يأخذ الرعية حقه من الوالي أو أن يسترضيه.