الحقوق محفوظة لأصحابها

مصطفى حسني
استكمالاً من المرة السابقة، بعدما تحدثنا عن "البرنامج الإنتخابي" لسيدنا عمر، نتحدث اليوم عن ما هي أسس النهضة والحضارة التى اعتمد عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. أولاً ليس معنى أن همّ زمن الصحابة أننا نقول أين نحن منهم - سواء حكام أو محكومين - لأن الله عزل وجل عندما قال "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَ‌سُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْ‌جُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ‌ وَذَكَرَ‌ اللَّـهَ كَثِيرً‌ا" الأحزاب 21، لم تكن مبالغة، ونحن نحاول على قدرنا البشري، "فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.." التغابن 16. كان سيدنا عمر رمز العدل، وإذا عشنا بمدأ كيف نكون مثلهم، لمّا اقتدى عمر بن عبد العزيز بجده عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أما كمحكومين، يجب أن نحاول بقدر الإمكان أن نسير على خطاهم، والتمسك بالإتقان في العمل والوسطية في الدين.

وعن كيفية تحول وعود سيدنا عمر إلى أفعال وتطبيقها، فكان من خلال أهم ثلاث دعائم لبناء الحضارة والنهضة الإسلامية وهم العمل، المنظومة الأخلاقية، والعلم والمعرفة. أول دعامة هى العمل، وهو الباب الأعظم إلى الله عز وجل، أكثر ما كان يميّز سيدنا عمر أنه جعل المجتمع يتفق على العمل، من خلال أنه كان من أوائل الناس الذين يعملون بإتقان، فكان ينزل إلى السوق صباحاً بعد صلاة الفجر ويتأكد من عدم احتكار سلعة ما من أي بائع كي لا يزيد على المسلمين، بالإضافة إلى أنه كان يرفض أن يقوم أي تاجر بزيادة سعر أي سلعة، كان هذا عمله بالنهار، أما عمله بالليل فكان يسير في الشوارع والناس نيام، كي يتأكد ويطمئن بنفسه أن الناس في مأمنهم بلا خوف. كان سيدنا عمر يقول لأحد الشباب الذي يمشي مستحياً في الشارع وهو ذاهب إلى العمل وهو يمسك العصا في يده، قال له سيدنا عمر "لا تمت علينا ديننا"، أي اذهب إلى عملك بإتقان وسرعة دون تخاذل، وفي إحدى المرات رأى سيدنا عمر شاب وسيم، فسأله "ألك حرفة"؟ فقال لا، فقال سيدنا عمر "سقط من عيني" وطالما سقط من عين سيدنا عمر فهو سقط من عين سيدنا محمد صل الله عليه وسلم. وكان يقول سيدنا عمر "مكسبة فيها دنائة خير من أن تسأل الناس" وكان يقول أيضاً "لأن يأتيني أجلي وأنا بين شعبة راحلتي أطلب من فضل الله، أحب إلى من أن يأتيني أجلي وأنا أجاهد في سبيل الله"، وأنا أقول هذا الكلام لكل أم "مطحونة" مع أولادها، ولكل شاب يعمل بجهد.

ففي النهاية يجب على الشعوب أن تراجع نفسها، يعني الساعة 12:10 تقوم للصلاة ثم تعود سريعاً لعملك، فكما تراعي وقت الصلاة وتحرص أن تكون من الصف الأول في الجامع، يجب أن تحرص أن تكون من الصف الأول في الحضور والإتقان في العمل، ولذلك أختم معكم اليوم بهذا المفهوم وبقول سيدنا عمر رضى الله عنه، حينما قال "يا معشر القراء، ارفعوا رؤوسكم واتجروا، قد وضح الطريق"، فكانت هذه أول دعامة لبناء النهضة في الأمة الإسلامية.