الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
التفسير المطول - سورة التوبة 009 - الدرس (14-70):تفسير الآيتان 14-15، قوتنا وتكافؤنا خزي وهزيمة لأعدائنا.

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2010-06-25

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

كل شيء وقع في الكون أراده الله عز وجل :

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الرابع عشر من دروس سورة التوبة، ومع الآية الرابعة عشرة وهي قوله تعالى:

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾

أيها الأخوة، كان من الممكن أن يعذبهم الله عز وجل من قِبله مباشرة، لأن هناك قضاء وقدراً يأتي من قِبل الله مباشرة، كأن يقع الابن من شرفة فيموت، وهناك قضاء وقدر يأتي على يد إنسان، قد يدهس سائق مركبة هذا الطفل فيموت، الحالة الأولى قضاء وقدر من الله مباشرة، والحالة الثانية قضاء وقدر جرى على يد إنسان.

دائماً كل شيء وقع أراده الله، بمعنى سمح به، لأنه لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد، كل شيء وقع في الكون أراده الله بمعنى أنه سمح به.

وقال علماء العقيدة: أراد ولم يرضَ، أراد ولم يأمر، إنسان ارتكب سرقة، الله سمح له أن يسرق، لحكمة بالغةٍ بالغة من حيث السارق والمسروق، الله عز وجل قال:

﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة الأنعام]

فخطة الله تستوعب خطة البشر، أضرب لكم مثلاً: باخرة عملاقة تتجه نحو الشرق عليها ركاب، هذا الراكب على ظهرها أراد أن يتحداها، فمشى على ظهرها نحو الغرب، لكن الباخرة العملاقة تتجه نحو الشرق، فحركة راكب على ظهر الباخرة باتجاه الغرب لا تقدم ولا تؤخر.

خطة الله تستوعب خطة البشر لأنه لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد :

خطة الله تستوعب خطة البشر، مرة في مؤتمر إسلامي قام مندوب دولة عانت ما عانت من الغرب، والآن محتلة من قبله، قال: والله لقد أصابنا من القهر والبؤس ما لم يصب به المسلمون في مئة عام، وبكى في المؤتمر، ثم قال: ولكننا ارتقينا في سلم الإيمان ما لم نرتقِ به في ثلاثمئة عام، فجاء دوري في الكلام، قلت: إذاً خطة الله استوعبت خطة المحتلين.

كل شيء وقع أراده الله، بمعنى سمح به، ويجب أن نقول لشيء كالاحتلال، كالاغتصاب، كالأعمال الشريرة، نقول: أراد ولم يأمر، أراد ولم يرضَ، الإنسان مخير.

أنت صيدلي أردت أن تعين موظفاً عندك في الصيدلية، أردت أن تمتحن خبرته في الأدوية، وضعت له بعض الأدوية على الطاولة، قلت له: هذا المكان للفيتامينات، هذا للمسكنات، هذا للنوع الفلاني، وزع هذه الأدوية على رفوف الصيدلية، فإذا أخذ دواء متعلقاً بالفيتامينات نقله إلى المسكنات، لو أنك منعته ألغيت اختياره، لابد من أن يتحرك وفق خبرته، وفق إرادته.

فلذلك كل شي وقع أراده الله، لأنه لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد، لكن هذا الإنسان الذي فعله، والذي أوقعه، قالوا: لكل واقع حكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، لكل واقع حكمة، مادام الله سمح بوقوعه فهناك حكمة قد لا نكتشفها الآن، لكن قد نكتشفها بعد فترة طويلة.

والأحداث الأليمة التي وقعت في حياتنا أثناء وقوعها مؤلمة جداً، لكن بعد حين ترى إيجابيتها، للتقريب: الذي فعله العدو حينما قصف سفن المعونات الغذائية، والله لو دفعنا مليارات ممليرة لتشويه سمعته في العالم لا نستطيع، لكنه شوه سمعته بيده، حتى أنصار هذا الكيان استنكروا ذلك.

فكل شيء وقع لأنه وقع سمح الله به، لحكمة بالغةٍ بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، أحداث غزة مثلاً أذابتنا جميعا في بوتقة واحدة، أيقظت فينا الدافع الإنساني والإسلامي.

لكل واقع حكمة :

لذلك أيها الأخوة في حيز الأفعال كل شي وقع، وسمح الله له أن يقع، فيه حكمة بالغة بالغة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، لذلك قالوا: لكل واقع حكمة، مادام الشيء وقع، وقد يأتي يوم بعد أمد بعيد أو قريب نعرف إيجابيات الأحداث الكبيرة التي وقعت في العالم، أحياناً توحدنا، أحياناً تذيبنا في بوتقة واحدة، أحياناً توقظ معنى الجهاد، أي انتصار أخوتنا في فلسطين وفي البلاد المحتلة هذا أعطى فكراً آخر للحرب، فكر المقاومة ليس إنساناً مقاوماً إذا قتلته تنتهي المقاومة، أصبح هناك فكر للمقاومة، وأصبح هناك منهج.

قال بعض المسؤولين الكبار في بلاد قوية: ماذا نفعل بحاملات الطائرات والصواريخ العابرة للقارات وليس هناك على وجه الأرض دوله تجرؤ أن تحاربنا؟ لكن ماذا نفعل بهذا الإنسان الذي أراد أن يهز كياننا؟.

أخواننا الكرام، أريد أن أقول هذا العبارة أرددها دوماً لأنها تلخص العقيدة: كل شيء وقع أراده الله بمعنى سمح به فقط، لأنه قد يريد ولم يأمر، وقد يريد ولم يرضَ .

مثلاً الأب كتلة من الرحمة، فإن التهبت زائدة ابنه و هو طبيب جراح، يضعه على الطاولة ويخدره، ويفتح بطنه والدم يسيل، ويستأصل هذا الزائدة، ثم يخيط الجراح، وهو أب، مادام هذا الطبيب الجراح الرحيم الأب فعل هذا هناك حكمة بالغة بالغة لهذا العمل، لكن هذا الأب كان يتمنى ألا تلتهب هذه الزائدة، أما وقد التهبت لابد من هذا العمل.

إذاً ننطلق من أن كل شيء وقع أراده الله بمعنى سمح به، لأنه قد يريد ولم يأمر، السارق حينما يسرق سمح الله له أن يسرق وهناك حكمة بالغةٌ بالغة حينما سمح لهذا أن يسرق، وحينما سمح لهذا البيت أن يُسرق منه هناك حكمة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.

لكل شيء وقع حكمة بالغةٌ تكشف بعد حين :

لذلك نقول: لكل واقع حكمة، وقد يكون الموقع مجرماً، مادام وقع، مادام الله سمح بوقوعه، هناك حكمة بالغةٌ بالغة لكن عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، وقد ذكرت بعد حين هذه الآية:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

[ سورة القصص ]

الآية واضحة،

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

سمح الله لفرعون أن يكون طاغية، وأن يجعل من حوله شيعاً، لكن من أجل

﴿ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾

هذا أخطر فكرة في القضاء والقدر، بل أخطر فكره قي العقيدة، شيء وقع مؤلم لكن الله سمح به، لأنه وقع سمح الله به، ولأن الله سمح به هناك حكمة بالغةٌ عرفها من عرفها وجهلها من جهلها تكشف بعد حين.

لذلك قد يأتي يوم نكتشف أن الأحداث الكبيرة التي ألمت بأمتنا هي أحد أسباب اجتماعنا ووحدتنا، هي أحد أسباب قناعتنا بمنهج الله عز وجل، هذه حكم إلهية.

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

لذلك نعيد هذا الحقيقة التوحيدية: كل شيء وقع، معنى وقع أي سمح الله به، وقد يسمح بشيء لحكمة بالغةٍ بالغة لم يأمر بهذا الشيء، ولم يرضه، لكن سمح به لحكمة بالغة.

تماماً لو أن مرض الغرغرين في اليد، أي أقرب الناس لهذا الإنسان يسمح بقطع اليد، الذي سمح بقطع اليد هو الأب، لكن الابن لو لم تقطع من هذا المكان لقطعت من هذا المكان، هذا مثل يقرب المعنى.

إذاً نصل إلى الحقيقة الأساسية: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لذلك ليس في الكون شر مطلق، هناك شر نسبي، كالعمل الجراحي لإنسان التهبت زائدته، لابد من فتح البطن، لابد من التخدير، لابد من أن يسيل الدم، لابد من أن يتألم بعد انتهاء المخدر، كل هذا من سلبيات العمل الجراحي، لكن هذا العمل الجراحي لابد منه حينما تفهم القضاء والقدر، حينما تفهم ماذا يحدث بالعلم بهذا المنظور الإسلامي ترتاح نفسك.

الحكمة من أن الله لم يرد أن يهذب المشركين مباشرة بل أراد أن يعذبهم بأيدي المؤمنين :

أيها الأخوة الله عز وجل يقول:

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾

ما الحكمة أن الله جلّ جلاله لم يرد أن يهذبهم من عنده مباشرة بل أراد أن يعذبهم بأيدي المؤمنين؟ قال: ليكون للمؤمنين هيبة في المجتمعات، القوي محترم دائماً، والضعيف غير محترم، القوي محترم، والناس يتطلعون إلى القوي، يُعظمون القوي، فحينما يسمح الله للمؤمنين أن يكونوا أقوياء، وأن يوقعوا الألم الشديد بمن خان العهد، وتنكر للوعد، ولم يعبأ بهذا الدين، يكون لهم مهابة.

الآن كيف أن الدول العظمى التي تملك قنابل نووية، ومعها أسلحة فتاكة، وصواريخ، وأقمار صناعية ،وبوارج، وقنابل عنقودية، وجرثومية، خارقة، وحارقة، وليزرية، كيف أن هذه الدول التي تملك أسلحة فتاكة مرهوبة الجانب؟ لِمَ لا يكون المؤمنون في الأرض مرهوبي الجانب؟ لماذا نرضى أن نكون ضعافاً؟ نشتكي، ونندد، ونستنتج، ونشدد على كذا، ولا نستطيع أن نفعل شيئاً، بل ونتمتع بضبط النفس، لماذا نحن كذلك؟ لماذا لا نكون أقوياء يهابنا الأعداء؟.

لذلك الحكمة من هذه الآية

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾

من أجل أن يكون لكم رهبة في قلوبهم، القوي محترم، يجب أن تكون قوياً، وأقول لكم: إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، والقوة أنواع، قوة المال، وقوة العلم، وقوة المنصب، لك منصب رفيع بجرة قلم تحق حقاً وتبطل باطل، بتوقيع تقر معروف وتزيل منكراً، إن كنت غنياً تزوج الشباب، تقيم المعاهد الشرعية، تنشئ الجمعيات الخيرية، تطعم الجياع، تكسو العراة، أمامك خيارات لا تعد ولا تحصى، وإذا كنت صاحب قرار بتوقيع، إذا كنت عالماً بإلقاء العلم، إذا كنت غنياً بإنفاق المال.

فرص العمل الصالح المتاحة أمام القوي لا تعد ولا تحصى :

لذلك مرة ثانية: إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً لأن فرص العمل الصالح المتاحة أمام القوي لا تعد ولا تحصى.

إذاًً إرادة الله من هذه الآية

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾

من أجل أن يكون لك مهابة، أقسم لي بالله إنسان مسلم في بلاد آسيوي يعد تسعمئة مليون، وفيه تسعة ملايين مسلم، المسلمون مضطهدون معذبون، حقوقهم مهضومة، يعانون ما يعانون، وفي بلد إسلامي مجاور لهذا البلد الكبير، بلد الإسلامي استطاع أن يطور قنبلة نووية، يقسم لي بالله الأخ المقيم في هذا البلد الأسيوي أن معاملة هذا البلد للمسلمين تطورت مئة وثمانين درجة لأن الجيران أصبح لديهم سلاح نووي.

والآن ما لم نكن أقوياء لا أحد يعبأ بنا، كلمة أخرى ما لم تكن متفوقاً بدنياك لا يحترم دينك، مسلم حاجب، ضارب آلة كاتبة، كاتب، أما الأقوياء أصحاب المعامل الضخمة، الصناعيون الكبار ليسوا مسلمين، هذه مشكلة كبيرة جداً، يجب أن نكون أقوياء، أقول للشاب: لِمَ ترضى أن تكون رقم سهلاً لا أحد يعبأ بك؟ لِمَ لا تكن رقماً صعباً؟ تفوق يا أخي، تعلم، اختص اختصاص نادر، قدم شيئاً لهذه الأمة، مشكلتنا بالضعف، نحن ضعفاء ـ كمسلمين طبعاً ـ لا أقصد بلداً معيناً، لا نملك إلا أن نندد، وأن نستنكر، وأن نشدد على كذا، وأن نحرق علماً، ونحرق صورة، هل يوجد عندنا غير هذا؟ خلال خمسين عاماً بالتنديد، والشجب، والاستنكار، وحرق العلم، وحرق الصورة هل فعل هذا معنا شيئاً؟ هم يضحكون علينا.

أمة الإسلام أمة عظيمة قلبت وجه التاريخ فعلينا أن نسعى لخدمتها :

لذلك أيها الأخوة، أنا أخاطبكم جميعاً وأنا واحد منهم: تفوق، تفوق بعلم اخدم به أمتك، تفوق باختصاص نادر، تفوق بخبرة عالية، نأتي بالخبير يأخذ مئة ضعف راتب مواطن عادي، وقد يكون أقل ذكاء من المواطن، تفوق، لا تكن رقماً بسيطاً، لا تكن شخصاً لا أحد يعبأ بك، تفوق، النبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة قال:

(( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ))

[ورد في الأثر]

عندما أسلم سيدنا عمر توقف إيذاء قريش للمسلمين، ولما أسلم سيدنا حمزة صلى المسلمون في بيت الله الحرام، نريد طالباً متفوقاً، العلم مفتوح الباب للكل، عندك اختصاص نادر تخدم به أمتك؟ تقوي به هذه الأمة؟ وإلا لماذا أردت أن تكون رقماً لا قيمة له؟ الذي جاء للدنيا ملايين مملينة، كبروا، وتزوجوا، وأنجبوا، وماتوا، ولم يدرِ بهم أحد.

مرة من باب الطرفة سألت طلابي: من منكم يذكر تاجراً كبيراً عاش في الشام عام 1660 أعطيه علامة تامة؟ فكروا،لا أحد يعرف، قلت لهم: ولا أنا أعرف، أما سيدنا عمر، سيدنا خالد، صلاح الدين الأيوبي ردّ الفرنجة، هؤلاء الأعلام لا ينساهم أحد.

فأنا أستنهض هممكم، لا تكن إنساناً عادياً من سقط المتاع، لا تكن رقماً سهلاً، ينبغي أن تكون رقماً صعباً، تفوق واخدم هذه الأمة، هذه الأمة لها فضل كبير على البشرية.

والله كنت بألمانيا، حدثنا رئيس كنيسة كبيرة في مدينة بألمانيا، حتى أبكانا، قال: أنتم أيها المسلمون لكم فضل كبير علينا، حضارتنا من عندكم، أنا ما رأيت إنساناً منصفاً كهذا، أنصفنا إنصافاً عالياً جداً.

فنحن أمة عظيمة، أمة قلبت وجه التاريخ، أمة وصلت فتوحاتها إلى مشارف الصين، إلى مشارف باريس، إلى فيينا، هذه الأمة الآن كبا جوادها، فكل واحد منا ينبغي أن يسعى، يسعى ليكون رقماً صعباً، يضع خبرته، ومكانته، وعلمه، وقوته، في خدمة أمته.

حاجة الأمة الإسلامية إلى من يعيش في سبيلها ويتفوق ويتعلم :

أخواننا الكرام، مع احترامي اللامحدود لمن يموت في سبيل هذه الأمة، أقول لكم هذه الكلمة: نحن بأمس الحاجة إلى إنسان يعيش في سبيل هذه الأمة، مع احترامنا الغير محدود لمن يموت في سبيل هذه الأمة، هذه الأمة بحاجة إلى من يعيش في سبيلها، يتفوق، يتعلم، يقدم خبرات، هناك مثل بسيط من خبرتي المتواضعة: المعامل الضخمة معها حواسيب معقدة جداً، هذا الحاسوب يتعطل أحياناً، إصلاحه يكلف عدة ملايين، معمل إنتاجه كبير يديره حاسوب معقد جداً، يتعطل هذا الحاسوب، فإصلاحه يحتاج إلى شهر، يتعطل الإنتاج، ويذهب هذا الحاسوب إلى بلد بعيد، أقصد الحواسيب الصناعية المعقدة جداً، بعد شهر يأتي الحاسوب وقد تمّ إصلاحه، والمبلغ بالملايين، بهذا البلد الطيب مواطن استطاع أن يحل هذه المشكلة في بيته، يأخذ على كل حاسوب صناعي معطل عشرة آلاف ليرة ، حلّ لنا مشكلة أي حاسوب صناعي مربوط بمعمل وتعطل، هذا الأخ بتوفيق من الله استطاع أن يحل هذه المشكلة، والله مرة أطلعني على خارطة "mother board " طولها ستة أمتار، خارطة لجهاز الحاسوب خطير جداً طولها ستة أمتار.

نحن بحاجة إلى إنسان يتفوق، وأقول مرة ثانية: ما لم نتفوق في دنيانا لا يحترم ديننا، الغرب لا يحترم إلا القوي، تقول: أنا مسلم، أنا معي وحي السماء، قوي؟ يحترمك، وما لم نتفوق في دنيانا لا يحترم ديننا، أنا أستثير همم الشباب، لا تقبل أن تكون إنساناً عادياً جداً، فقط يريد أن يتزوج، لا يريد أي شيء من الحياة، يريد فقط بيتاً يسكن فيه، ألا يوجد لك أي هدف ثان أبداً؟ هذا من سقط المتاع، وكلما علت همومك ارتقيت عند الله، هذه الأمة، الأمة التي قادت العالم الآن كبا جوادها ألا تغار عليها؟ ألا تتمنى أن تقدم لها كل شيء؟ ألا تتمنى أن تعيد لها مجدها التليد؟ هذه مشكله يا أخوان.

الأشياء الشفهية لا تقدم ولا تؤخر فعلينا أن نكون أقوياء لنُرهب أعداءنا :

فلذلك لفت نظري في هذه الآية لِمَ لم ينزل بهم الله العقاب من عنده مباشرة؟ يصيبهم بزلزال مثلاً، لنا أعداء ـ فرضاً اليهود ـ الله قادر بزلازل واحد ألا يبقي منهم أحداً، هناك زلزال، هناك وباء جماعي، هناك صواعق، الله قادر، قال لك:

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾

فانتصار أخواننا في عام 2006 و 2008 على أكبر جيش بالمنطقة، على الجيش العملاق، على الجيش الأول في العالم بتنوع الأسلحة، وعلى الجيش الرابع في العالم، وعلى الجيش الأول في المنطقة، انتصار عشرة آلاف مقاوم على جيش عملاق، والله قلب الموازين في العالم، والله أعطى لمعنى الجهاد معنى واقعياً، وصار هناك اضطراب في الفكر العام.

فيا أيها الأخوة، كل هدفي من هذه الآية

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾

ليكون لكم شأن كبير عند أعدائكم، أما كل الأشياء الشفهية لا تقدم ولا تؤخر، تستنكر، تشدد على كذا، تندد، لم ننتفع بهذا طول حياتنا، لا ننتفع إلا بالقوة، كن قوياً، وافرض على عدوك ما تريد

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ ﴾

شيء يخزهم، أي عقب المقاومة التي جرت في فلسطين والله أخبار العدو يندى لها الجبين، كيف انهزموا، كيف كُسرت العصا الغليظة، الكيان الصهيوني أخواننا الكرام عصا غليظة للغرب، وأي بلد في الشرق الأوسط يقول: لا، مهمة هذه العصا أن تسحقه، هذا ملخص الملخص، عصا غليظة بيد الغرب في الشرق الأوسط، وأي بلد يقول: لا، هذه العصا تسحقه، لكن هذه العصا الغليظة والحمد لله كُسرت مرتين، مرة في عام 2006 في جنوب لبنان، ومرة في عام 2008 في غزة، ولا تزال مكسورة، والضرب العنيف من قبلهم دليل أن عصاهم كُسرت.

الله تعالى موجود و نحتاج بأن نستجب له فقط :

فيا أيها الأخوة، صار هناك أخبار منعشة، انهيار النظام العالمي القائم على الربا، والله هذا خبر منعش، معنى ذلك:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 276 ]

أي هناك تطورات بالعالم كبيرة جداً، بلد بآسيا محتل من قبل ثلاثين دولة، أربع و سبعون بالمئة من أراضيه بيد بالمقاومة، أين الثلاثون دولة العملاقة الأوربية؟ أين أسلحتها؟ هذه كلها أشياء تعطيك بأن الله موجود، وكأن الله يقول: يا عبادي أنا موجود، أنا معكم، والقوانين هي هي، إله الصحابة إلهنا، الإله الذي نصر المسلمين إلهنا، فنحن نحتاج بأن نستجب له فقط.

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾

الآن:

﴿ وَيُخْزِهِمْ ﴾

عندك هزيمة مادية، وهزيمة معنوية:

﴿ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾

أنتم حينما استمعتم إلى قصف سفن المعونة المتجهة إلى غزة، حدثني أخ كان معهم أقسم بالله الذين خططوا لهذه السفن لم يسمحوا بأدوات معدنية، جميع الأدوات من البلاستيك حتى لا يكون حجة للعدو الصهيوني، الأدوات كلها بلاستيك، ومع ذلك قصفوا، قصفوا ولا يحملون إلا أغذية لشعب محاصر من أربع سنوات يكاد يموت من الجوع، لذلك:

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾

[ سورة محمد ]

ارتكبوا حماقة كبيرة.

أخطر شيء في حياة الأمة أن تهزم من الداخل :

إذاً

﴿ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾

هذه واحدة، ثانياً:

﴿ وَيُخْزِهِمْ ﴾

هزيمة معنوية، ثالثاً: تستعيدون أرضكم

﴿ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾

ورابعاً:

﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾

نحن النكبات حينما تتالت ماذا فعلت؟ فعلت حالة مرضية بالمسلمين، ما هذه الحالة؟ الشعور باليأس، والإحباط، والطريق المسدود، هذه الحالة المرضية خطيرة جداً، أي أخطر شيء بحياة الأمة أن تهزم داخلاً، الله قال:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران]

فيا أيها الأخوة، الآية الكريمة، الملمح الدقيق فيها، كان من الممكن أن يتولى الله بنفسه إهلاكهم بزلزال، ببركان نفس البركان الذي أطلق بعض السحب البركانية وعطل الطيران بأوربا، الخسارة فوق الملياري دولار بأسبوع، بالتعبير المعاصر الخيارات بيد الله لا تعد ولا تحصى، بركان في بريطانية نفث سحباً رمادية عطل الطيران، الخسارة تقترب من ملياري دولار بأسبوع واحد.

أيها الأخوة،

﴿ قَاتِلُوهُمْ ﴾

كونوا أقوياء،

﴿ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾

تكتسبون مهابة قوية

﴿ وَيُخْزِهِمْ ﴾

يفضحهم

﴿ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾

تتالي النكبات يسبب مرضاً نفسياً :

أقول لكم مرة ثانية: تتالي النكبات يسبب مرضاً نفسياً سماه العلماء اليأس، الإحباط، الطريق المسدود:

﴿ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

[ سورة التوبة]

حدثني أخ مقيم بالضفة الغربية قال لي: هناك ستمئة و ستون حاجزاً في الضفة، وغرفة بلور فيها جندي إسرائيلي، أمامه الموالح، البوظة، العصير، يوقف إنسانة حاملة على وشك الولادة سبع ساعات بلا سبب، دعك واقفة، أي يتفننوا بإذلالنا، امرأة حامل! طالب جامعي فاته الفحص بسبب هذه الحواجز، الحاجز ليس له أي وظيفة إلا إذلال المواطن، عنده جامعة يوقفه ليفوته الفحص، امرأة حامل قال لي: تمت ولادتها بالطريق بسبب هذه الحواجز، لا يسمحوا، فهؤلاء وحوش لا يجدي معهم إلا القوة:

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ *وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

لكن سبحانك يا رب! كلما جاءت الشدة جاءت معها الرحمة، هؤلاء الكفار الذين أراد الله للمؤمنين أن يقاتلوهم، وأن يفضحوهم، وأن ينتصروا عليهم قال:

﴿ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ﴾

الصلحة بلمحة.

باب التوبة مفتوح على مصارعه إلى يوم القيامة :

الله عز وجل كلهم عباده، وأي عبد تاب إلى الله قَبِله الله تعالى، باب التوبة مفتوح، لو لم يكن باب التوبة مفتوحاً لتمادى العاصي في عصيانه، يقول لك العاصي: مادام لا يوجد توبة لأفعل ما أشاء، لتمادى الإنسان من ذنب بسيط إلى أن يرتكب أكبر جريمة إذا لم يكن هناك توبة.

إنسان قاتل قتل تسعاً وتسعين شخصاً ـ هذه القصة واردة في الصحاح ـ سأل إنساناً: لي توبة؟ قال له: لا يوجد لك توبة، فقتله فصاروا مئة، أما الثاني فقال له: لك توبة لكن غادر هذا البلد إلى بلد آخر.

فيا أيها الأخوة

﴿ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

أخواننا الكرام، قصدت من هذه الآية فقط أن القوي محترم، ولا بد من أن يكون لك هيبة.

وقال سيدنا عمر تقول السيدة عائشة: "ما رأيت أزهد من عمر، إذا سار أسرع، وإذا أطعم أشبع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع".

أردت من تفسير هذه الآية أن كل واحد من أخواننا الشباب عليه ألا يقبل أن يكون فقط عنده أشياء بسيطة جداً، كن بطلاً، باب التوبة مفتوح على مصارعه إلى يوم القيامة، تفوق بالعلم، متاح لك أن تتعلم.

مرة هذا الموضوع تحدثت به سألني طفل عمره خمس سنوات، قال: أنا ماذا أفعل؟ قلت له: تفوق بدراستك، أنا أقول للشباب: تعلم، كن خبيراً، اختر فرعاً مهماً للأمة، قدم علمك للأمة، وهذه النية الطيبة تتفوقوا بها إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين

http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=3287&id=97&sid=101&ssid=257&sssid=258