الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

كان الصحابة يشاركون في صنع الحياة كل بجهده , يوم أتاهم الدين الجديد كان كل واحد منهم يريد أن يأخذ قدم صدقٍ في هذا الدين , كلٌ بموهبته , بتخصصه , بمستواه .

حتى ان امرأة سوداء اسمها " أم محجن " جارية سوداء كانت تكنس المسجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , تنظفه وتطيبه كل وقت .

لم تجد لنفسها في مسألة العلم , فهي لا تستطيع طلب العلم والتعليم , ولا في الجهاد فهي ليست من أهل الجهاد , ولا من أهل الإنفاق فهي ليست صاحبة إنفاق.

بحثت إلى مدخل لها إلى جنات النعيم , عن طريق ترضي الله سبحانه وتعالى .

فاكتشفت أن المسجد وكنيس المسجد , ونظافة المسجد , وتطييب المسجد , هو مشروعها الذي تستطيع أن تقدمه لصنع الحياة مع الرسول عليه الصلاة والسلام .

فكانت هذه المرأة السوداء رضي الله عنها وأرضاها إذا خرج الناس من المسجد تأتي لكنسه , تقوم بالمسجد تنظفه , تطيبه , ترتبه دائماً وأبداً .

وفترة وإذا هي ليست موجودة في المسجد , وعيدان المسجد ليس مرتباً كالعادة , فيسأل صلى الله عليه وسلم : أين أم محجن ؟ ,

يعني كأنه فقد صلى الله عليه وسلم شيء ممن فقده , فقد تنظيفها وتطيبها للمسجد .

قالوا : ماتت يا رسول الله .

قال : متى ماتت ؟ .

فأخبروه قالوا : ماتت قبل أيام .

قال : أفلا أزنتموني , ما أخبرتموني , وهو صلى الله عليه وسلم مشغول بصلاح الأمة , و بقيادة الأمة , ميدانياً وعسكرياً واقتصادياً .

فهو المعلم , والمفتي , والخطيب صلى الله عليه وسلم , وربّ الأسرة , ويستقبل الوفود , ويصلح بني الناس , ويقسّم الأموال .

ومع ذلك يأتي بحنانه و برحمته صلى الله عليه وسلم ويتفقد هذه المرأة السوداء التي كانت تكنس المسجد , فقال : أفلا أزنتموني .

فكأنهم أصغروا من ِشأنها , يقولون يعني مسائلك يا رسول الله وشؤونك أعظم .

قال : اذهبوا بنا إلى قبرها .

فذهب مع الصحابة إلى القبر و وقف وصلى صلى الله عليه وسلم ودعا , فمنها :

أولاً رحمته صلى الله عليه وسلم وإنزال الناس منازلهم , وتفقده صلى الله عليه وسلم للضعيف وللفقير وللحسير وللكسير , وهذه رحمة جعلها الله في قلبه .

ومنها أنه لا يظلم أحد من أهل الإسلام ,فان لكل قدر ويعطى أهل القدر من يرحم الضعيف أكثر .

ومنها أن على الإنسان أن يدرس نفسه ويجد ماذا يقدم , ولا يحتقر عملاً صالحاً يقدمه , فليبحث عن طريقة يمكن أن ينفع بها هذا الدين .

بعض الناس يفتح عليه في إطعام الطعام , فتجده دائماً مضيافاً يحب ان يطعم البطون الجائعة .

وبعض الناس يفتح عليه في الأمر والنهي في الحسبة , فتجده ناصحاً وحريصاً على صلاح الناس بالكلمة اللينة داعياً إلى منهج الله .

والبعض يفتح عليه في العلم , فهو يعلم ويدرّس ويشرح للناس القرآن والسنة , ويقرب الوحي لهم , ويعلمهم بصبر وأناة .

وبعضهم في الحكم بين الناس وفي الصلح في الخصومات , فهو يتحمل الآذيات ويتحمل النفقات , ويجمع بين القلوب المتنافرة , ويؤلف بين الأرواح التي اختلفت وتفرقت .

فهذه فتوحات يفتحها الله سبحانه وتعالى على من يشاء .

المهم أن تكون لك أنت قدم مثل ما كانت لأم محجن .

هي لم تحتقر نفسها وتقول أنا لا أستطيع أن أقوم بشيء , فهي مثلا يعني أنها أمة , وعيني أنها لا تستطع ليس عندها قوة ولا مال , ولا جاه , ولا حسب ولا نسب .

لا ..........لكنها عرفت أن الله سبحانه وتعالى إنما يجزي الناس بأعمالهم , ويقربهم بتقواهم وإخلاصهم , ليس بأنسابهم , ولا بألوانهم .

" ان أكرمكم عند الله أتقاكم " .

فرأت في نفسها أنها تستطيع أن تفعل ذلك .

وبالمناسبة على ذكر تكنيس وتنظيف المسجد وتطييب المسجد , قرأت لأحد علماء الشافعية اسمه أبو شجاع , وهو مؤلف التقريب .

عاش هذه الرجل مئة وعشرين سنة , أما ستون سنة كان وزيراً لأحد حكام العراق .

فلما دخل في الحكم ورأى المظالم , ورأى أكل أموال الناس مع هذا الحاكم , ندم على ما صار منه .

قال : سبحان الله أزهقت نفسي في خدمة هؤلاء الملوك ستين سنة في الوزارة وما نحو ذلك في العراق .

لا يكفّرها إلا أن إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخدم المسجد وأكنس المسجد وأطيب المسجد ستين سنة .

فذهب وسأل الله أن يحييه ستين سنة ليكفّر هذه الستين بتلك الستين , ومكث ستين سنة هو الذي يسرج اللمبات كانت على الزيت في أحد السلف أظنه في القرن الرابع .

وكان يكنس مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتي بالبخور والعود ويطيب المسجد , ويفتح الأبواب .

ولما أكمل ستين سنة وصل إلى عمر المئة وعشرين قبض الله روحه , فكّفر بهذه الستين بتلك الستين .

ان عندنا أجور عظيمة في الإسلام تنتظرك , تنتظر منك فقط حركة صادقة , تنتظر منك توجه كريم , تنتظر منك مشاركة .

حتى إزالة الأذى عن الطريق صدقة , البسمة صدقة تبسمك في وجه أخيك صدقة , الكلمة الطيبة صدقة , شربة الماء صدقة , بغي من بني إسرائيل أسقى كلباً دخل الجنة .

رجلٌ مر وإذا بغصن شجرة في طريقه يؤذي الناس فأخر الغصن عن طريقهم فشكر الله له وغفر له وأدخله الجنة .

أعمال الخير يا أيها الإخوة كثيرة , هناك جمعيات خيرية مفتوحة أبوابها لكفالة الأيتام , لمساعدة المحتاجين , العجزة , للمصابين , هناك دور للاستشفاء , هناك مستشفيات .

يعني من المقترحات أن تذهب أنت إلى المستشفى كل أسبوع أو شهر ليس بالضرورة أن يكون قريب لك أو أخ أو عم , ولو من المسلمين سلّم عليه ودر على الغرف وادعوا لهم , وأتي لهم ولو بتحف بسيطة ولو بورود , أو بمصاحف , أو بماء زمزم .

سلّم عليهم , ادعوا لهم ويدعون لك .

هذا الذي يبقى لك عند الواحد الأحد .

اللهم تقبل منا و وفقنا إلى ما تحبه وترضاه واهدنا سواء السبيل , والى اللقاء , وبارك الله فيكم .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4443