الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

سلام الله عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اسمعوا إلى خبرٍ عجيب ونبأ غريب , ومعناً مفيد , وإشارةٍ نافعة إلى أفضل عملٍ يعمله الموحدون .

ولكن انظروا إلى أسياق القصة كيف يتأتى صلى الله عليه وسلم إلى أن يغرس الخبر المفيد في قلوبنا وفي قلوب أصاحبه قبل ذلك .

كان مسافراً عليه الصلاة والسلام وكان طريقه على البحر الأحمر واقترب من مدينة تسمى خليصة الأن .

قريبٌ منها جبل اسمه " جمدان " والجبل هذا منفرد عن الجبال التي حوله و يعني متقدم أمامها ثم باسطٌ كأنه جبلٌ بارك , وهو جبلٌ مشهور عندهم قريب من جدة اسمه " جمدان " .

والصحابة يمشون في الطريق مسافرون مجاهدون في سبيل الله والرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يلفت أنظارهم إلى هذا الجبل إلى معنى يريد أن يتوصل إليه صلى الله عليه وسلم .

قال للصحابة : سيروا هذا جمدان سبق المفردون الذاكرون الله كثيراً والذاكرات .

وهنا مسألة لماذا ذكر صلى الله عليه وسلم الجبل , ثم ذكر الذكر , وذكر المفردون ؟ .

أولاً لأن الجبل انفرد عن الجبال فوصفه صلى الله عليه وسلم بالمنفرد في الذكر عن أصحابه وعن بقية الناس لأنه كالجبل المتقدم عن الجبال .

ثم بعض أهل العلم قال : ان اجر الذاكر أجرٌ كبير كالجبال .

ثم قال صلى الله عليه وسلم : سبق المفردون أو سبقوا غيرهم , وهم الذين ينفردون بالذكر حتى يصبح الواحد منهم منفرداً لكثرة ذكره لله عز وجل , حتى يعرف عنه أنه ذاكر .

لكثرة ذكره فهو سابقٌ الناس في كل الأعمال .

وبالمناسبة فان أفضل عمل بعد الفرائض هو ذكر الله دائماً وأبداً , فالذاكر لله المكثر للذكر يسبق المتنفل الصائم , والمصلي المتنفل , والمجاهد المتنفل .

فأوصيكم ونفسي بكثرة الذكر دائماً وأبداً , ليلاً ونهاراً , صيفاً وشتاءً , حلاً وترحالاً , في كل وقت وفي كل آن .

. {{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ

يذكرون مثل ذكرانا لكم رب ذكرى قربت من نزح

واذكروا صباً إذا شات بكم شرب الدمع وعاف القدح .

وقال أخر : قد حج أحد الأولياء الصالحين حج ولما أصبح في منى سمع عابداً يقول في الليل من أخر الليل , يقول : " لا اله إلا الله " فدمعت عيناه هذا الرجل .

ثم قال :

وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى فهيّج أشواق الفؤاد وما يدري

دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بليلى طائراً كان في صدري.

لا أعظم من الذكر للذاكرين .

ولهذا يقول الغزالي صاحب الإحياء : ان الذاكر لله عز وجل هو أعظم الناس فلحبه لربه أكثر من ذكره , فمن أحب شيئاً أحب ذكره دائماً وأبداً .

قال : فإذا دخلت مجلساً فسيحاً فانك تجد كل أهل حرفة وصنعة يحبون أن يذكروا حرفهم , وينظرون في المجلس إلى ما يناسب حرفهم والى ما يناسب صنعتهم .

فان النجار إذا دخل في أي مجلس ينظر إلى الباب لأن تخصصه النجارة , والنسّاج ينظر دائماً إلى الستائر والى الفرش , وصاحب الأثاث ينظر إلى المفروشات والظل والسجاد .

وصاحب الأجرّة والبناء والبلاط ينظر إلى البناء وكيف تصوير البلاط فيه ونحو ذلك .

فهم يكثرون من ذكر هذا لأنها هي مهنهم وهم يرتاحون لها .

و أما الذاكر للواحد الأحد فهو يذكر في كل مكان وفي كل آن , وفي كل زمان يذكرون الواحد الدّيان الجليل الرحمن لا اله إلا هو ولا رب سواه .

فتجدهم إذا كانوا في مجلس أحبوا الحديث عن الله , وعن كتابه , وعن رسوله عليه الصلاة والسلام .

وإذا أتت سالكة أو حكاية حاولوا أن يحولوها إلى ما يقربهم من الله سبحانه وتعالى , في قلوبهم حياة وعندهم إشراق ,و في ضمائرهم نور , وعندهم هدى , وبأيديهم منهج , وهم يسيرون على صراط مستقيم .

بخلاف { مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } .

ان ميت القلب يذكر كل شيء إلا الواحد القهار , فهو يذكر العقار والأسعار , ويذكر الأخبار , ويذكر الأمطار , ويذكر حفيف الأشجار , ويذكر البحار والأنهار والإكثار لكنه نسي الواحد القهار العزيز الغفار .

مساكين من صرف أوقاتهم وأزمانهم في غير ذكر الواحد الأحد , مساكين الذين ما ارتقت أرواحهم فملئوا مجالسهم , وملئوا أنديتهم , وملئوا بيوتهم بذكر الواحد الأحد , { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } , {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } .

تريد أن تتقدم عن الناس وأنت على فراشك ! , ليكن لسانك رطباً بذكر الله , إذا قصّرت في النوافل , في قيام الليل , يف الجهاد , في النفقة , فلا تقصّر يف الذكر فسوف تسبق الجميع .

حتى يقول صلى الله عليه وسلم في حديث صححه الألباني وغيره : " من أعيه الليل أم يقوم , والأموال أن ينفقها , والعدو أن يجاهده فعليه بسبحان اللهو وبحمده " .

وفي بعض الألفاظ " عليك بسبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر " .

حركّ لسانك وقلبك بذكر المنعم جل في علاه .

عسى الله أن يذكرنا في الملأ الأعلى , {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } , وعسى الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته .

والى اللقاء بارك الله فيكم .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4427