الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

لعل بعضكم سمع باسم أنس بن نضر والبعض لم يسمع به , فمن سمع فلنزده علماً به ومن لم يسمع فأتاه الخبر اليقين .

باختصار عن هذا الصحابي البطل , الشهم , الشجاع , الشهيد من الأنصار أنس بن نضر .

الذي باع نفسه من الله , والذي ضحى بنفسه يوم " أحد " في سبيل الله .

قبِل الضحية كل صاحب سنةً لله درك من أخي قرباني .

أنس بن النضر هو خال أنس بن مالك وكان من شجعان الصحابة , غاب لسبب وعذر عن معركة بدر فتغيظ على نفسه وندم وتألم .

ويقول : ياليتني حضرت بدر , والله لو حضرت بدر ليريني الله ما أصنع .

وكان يقول ويسأل الله أن يوفقه بحضور معكرة ليبيع نفسه في سبيل الله , كان يريد الشهادة يسألها ساجداً , وقائماً , وقاعداً .

ويقول في بعض , وهو من الأنصار ويعرفون شجاعته ويعرفون إقدامه ويعرفون همته , يقول : والله الذي لا اله إلا هو لإن حضرت معركةً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريني الله ما أًصنع .

ولم يحدد شيئاً خوفاً على أن يتقول على الله , يقول : والله إني أبذل جهدي وإني أفعل أفاعيل من الشجاعة والإقدام لم يسمع بمثلها .

وأتت معركة أحد بعدها فاغتسل وتطيب وتحنط , مباشرةً يريد الجنة مسافر من البيت إلى الجنة .

ودّع الأهل والأطفال والبيت , منتهي في رحلة مقرها جنات النعيم .

مع السلامة , ودّع من البيت لا يريد أن يعود ولا عليه من المزرعة أصلاً , ولا من الأطفال , ولا من الزوجة , ولا من البيت , يريد حنةً عرضها السموات والأرض .

وهذا يا أخي مطلب ,حدّث أبنائك , حدّث أسرتك جنةً عرضها السموات و الأرض , إذا دخلت الجنة والله لا ترتاح إلا في الجنة , لا هم ولا غم ولا حزن ولا مرض ولا كوارث ولا مصائب .

أجل معجبك هذه الدنيا ! .

دار مثل ما أضحكت في يومها أبكت غداً قبحاً لها من دارِ

طبعت على كدلٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأقدارِ .

خرج وتطيب وتحنط وأخذ سيفه وتكفن , و وصل معركة " أحد " وأخذ يضرب ضرباً في أعداء الله بسيفه , وكان شجاعاً متيناً , قوياً , فارساً كأنه أسد يقفز على الصفوف , ويضرب الهامات , ويضرب الرؤوس .

واستمر يقاتل في سبيل الله , واجتمعت عليه رماح الكفار والمشركين كان عددهم كثير, كانوا ثلاثة ألاف والمسلمين كانوا ألف .

ولكن كان أبلى بلاءً حسناً , وقدم شجاعات , وضرب رؤوس , وأنزل هامات عن متونها , ولما اشتدت عليه ضربوه بالرماح والسيوف وسقط شهيداً في سبيل الله .

يقول أنس : والله ما عرفته إلا أخته ببنانه , يعني من كثر ما ضرب يقول وجد فيه أكثر من ثمانين ضربة ما بين ضربة بسيف , أو طعنةٍ برمح , أو رميةٍ بسهم .

ولا عرفته إلا أخته في أصابعه , أما بقية الجسم مقطع , فضللوه يعني .

فكان قبل المعركة كان يوصيه أحد الأنصار سعد بن معاذ يقول : هون , يعني لو مكثت قليلاً أو تريثت قليلاً أو وقفت قليلاً .

قال : إليك عني يا سعد والله إني أجد ريح الجنة من دون أحد , يقول من دون الجبل , جبل مطل على المدينة أحد وكانت المعركة فيه .

يقول ابتعد يا سعد , اسمح لي يا سعد والله إني أجد ريح الجنة من دون أحد , يعني فاح ريح الجنة في أنفي فأنا أشم رائحة الجنة وأنا مشتاق أن أدخل هذه الجنة , أنا ودعت دنياكم , أنا لا أريد أن أعود إلى هذه الأرض , أنا انتهيت الأن أريد الدخول الأن في الجنة .

يعني يريد أن يبيع نفسه , يقول إليك عني يا سعد والله إني أجد ريح الجنة من دون أحد .

لأن الله أراد أن يرزقه الشهادة فوجد هو رائحة وأنسام وأطياب ومسك الجنة فاح في أنفه فأقبل يطلب الموت مظانه .

فدفع روحه في سبيل الله عز وجل .

وفي هذا المشهد مسائل يعني نقف عندها أولاً تندم المؤمن إذا فاته عمل الخير في مناسبة من المناسبات .

فأنت تأسف إذا فاتتك صلاة الجماعة وعليك أن تأسف وتندم .

وإذا فاتتك فعل الصدقة , أو فعل خير , أو منكوب من وقفت معه , أو إنسان مصاب ما واسيته , أو مريض ما عدته .

هذا ينبغي أن تأسف على ذلك , أما أمور الدنيا فانك لا تأسف لأنه معوضة وقد يكون ما صرف لك خيرٌ لك , أو أن الله سبحانه وتعالى أراد بك خيراً .

ومنها على أن المؤمن يعوض , إذا فاتتك الصلاة فحاول أن تحرص في الصلوات الأخرى , فاتك جزء من قرآنك عوض بجزء , فاتك قيام الليل صلي من الضحى ما شاء الله , فاتك الذكر حاول ان تذكر .

يعني التعويض , حتى أخذ العلماء من قوله سبحانه وتعالى : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } .

قال بعضهم أن يخلف بعضاً .

فأنت ان فاتك وردك في النهار فصلي في الليل , وإذا فاتك من الليل اقرأه في النهار , فعوض المؤمن يعوض المواقف .

أتيت بذنب تعال بحسنة { وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } , { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } .

ومنها أن على العبد أن يعد نفسه بمواقف فيها نصرة الإسلام ويحدث نفسه بذلك على الله أن يثبّته ويرزقه .

ومنها ما كان عليه الصحابة من يعني حب قرب الله عز وجل والتشوف إلى جنات النعيم , وبيع الدنيا , وقبول ما عند الله سبحانه وتعالى ,و السعي إلى الموت في سبيل الله بكل وسيلة .

فجزاهم الله خير الجزاء عن الإسلام , وجمعنا بهم في دار السلام والإنعام والإكرام .

والى اللقاء , وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4409