الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

أيها الأخوة المشاهدون سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

ننتقل إلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرقابة , مراقبة الواحد الأحد .

الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يتفقد الرعية في مسألة الرقابة , ينظر هل وصلتهم الرسالة , هل قاموا بالدين , هل عندهم تدين ؟ .

سافر وفي طريقه التقى براعي غنم مر بقطيع من الغنم والراعي يرعى فسلّم عمر , وعرف الراعي أن هذا هو عمر بن الخطاب المعروف أمير المؤمنين فاروق الإسلام .

فقال عمر : أتبيعني شاة من غنمك ؟ .

قال : يا أمير المؤمنين الغنم لسيدي وليست لي ولا أملك البيع .

قال : أعطني شاه وإذا سألك فقل أكلها الذئب .

يريد أن يمتحنه عمر ينظر هل يمنك أن يفعل , وعلمه عمر بحيلة والحيلة هذه تنطلي على أضعاف الإيمان , وعلى من ليس عندهم رقابة أهل السحت , وأهل الرشوة , وأهل الدغل , وأهل الغدر , وأهل الفجور .

لكن الراعي مؤمن بالله , الراعي صاحب صلاة , صاحب ضمير .

قال عمر : أعطني الشاه وإذا سألك سيدك فقل أكلها الذئب .

قال : الله أكبر يا عمر , أين الله .

فجلس عمر يبكي قال : إي والله أين الله .

وتأثر عمر وبكاءه لأن ما ذّكره بربه سبحانه وتعالى , ثم انه تأثر لإيمان هذا الراعي , لأنك تجد من البسطاء في الناس من الذين لا تأبه بهم , لا تلقي لهم بالاً , تجد عندهم من الايمان , والصدق , والوضوح , والاخلاص , والشهامة , ملا تجده في بعض الكبار , الأعيان الذين تتوقع أن يكون فيهم هذه الصفات , وهذه السمات .

تمر أحياناً بحداد , ونجار وتجد عندهم مراقبة يؤذن المؤذن وينتهي .

حتى قرأت في السيرة أن نجاراً كان يرفع يعني القدوم , والفأس , فإذا سمع الآذان ألقاه خلف ظهره , ما عاد يضرب ضربة ثانية على الحديد انتهى , أو على الخشب , وكذلك بعض الحدادين .

خياطٌ ذكره عنه أنه كان , ذكر عن التدريس عليه السلام , كان إذا أدخل الإبرة وإذا سحب الخيط يقول : سبحان الله والحمد لله والله أكبر ......وهكذا .

فتجد في بعض الطبقات ناس من الفقراء , والمساكين , والعمال , والبسطاء من المراقبة والصدق .

أحياناً يسألني بعض الموظفين البسيطين , وبعض العمال أسئلة فيها من الحرج , ومتحرج من الزيادة في الراتب , أو أنه متحرج لأنه ذهب انتداب وأعطي المال ,و يخشى أنه لم يؤدي الوظيفة كما هي .

وأحياناً يخرج من الدوام قليلاً لإيصال ابنه إلى المستشفى فيتحرج ويعني يأكله ضميره للإيمان .

بينما تجد بعض الذين تتوقع فيهم أن يكونوا أهل علم , ومعرفة , وخوف من الله , تجد غدر , وأحياناً سحت , وغش , ورشوة , وأحياناً حيلة محرمة يفعلونها جهاراً نهاراً .

فالتقوى ليست أنها لطبقة عن الناس , الله يمنح التقوى من يشاء .

ولهذا عمر بن عبد العزيز لما قرب مزاحم مولاه , مولى أسود كان عنده , قربه وجعله السكرتير الخاص , وجعله مستشاراً له .

قال : يا مزاحم قربتك لأمرين , رأيتك تحب القرآن وتقرأ القرآن .

هذه المواصفات عند عمر بن عبد العزيز , هذه التي تقرب الرجال , رأيتك تحب القرآن تقرأ القرآن كثيراً .

ورأيتك تصلي في مكان لا يراك إلا الله , يقول لك مرة غفلنا عنك وأنت وحدك فقت تصلي تتنفل , لأن هذا دليل على المراقبة .

الذي يقوم ويصلي في الليل ما يراه إلا الله دليل على أنه مؤمن صادق , ليس هو يصلي أمام الناس إلا في الفريضة .

فعمر رضي الله عنه عرف أن الرسالة وصلت إلى الراعي وأنه فهمها , فبكى رضي الله عنه وأرضاه .

مرة يمر عمر في حارة من حارات المدينة فسمع امرأة تقول لابنتها : امزجي اللبن بالماء لعله يكثر ونبيعه , لأنه يعرض في السوق فإذا كثر اللبن استفادوا مالاً .

قالت البنت : كيف نمزجه بالماء ؟ .

قالت : امزجيه بالماء , عمر ما يدري لأن عمر كان يفتش في الأسواق , يفتش عند باعة اللبن , يفتش عند اللعب حتى في المكاييل والموازين , والتزوير ومن هذا الشيء , يقف عليهم رضي الله عنه وأرضاه .

قالت : عمر ما يدري .

قالت الفتاة : فإذا ما دري عمر رب عمر ما يدري ؟ .

وعمر يسمع من وراء الباب في الخلف , فجعل عمر علامة على الباب حتى أتى في الصباح وعرف البيت وخطب هذه الفتاة لأبنه عاصم وأنجبت من سلالتها عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الذي جدد أمر الأمة في العلم والعبادة , والزهد , والسلاح رضي الله عنه وأرضاه .

فعمر بن عبد العزيز هو من سلالة هذه الفتاة الصالحة التي تقول لأمها, شاهد الفتاة أعقل من الأم , وأتقى لله, قالت : إذا ما دري عمر فأين رب عمر .

ولذلك عندنا في السلام قول الله سبحانه وتعالى : {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } وباطنه لا بجد في الدساتير الأرضية , والقوانين الوضعية { وَبَاطِنَهُ } عندهم الظاهر , عندهم شرط , وعندهم سوط , وعندهم سيف .

لكن الباطنة ليس إلا عندنا في الإسلام .

فلابد أن نحيي في جيلنا وشبابنا مراقبة الواحد الأحد حينها نرتاح من كثرة الحراس , ونرتاح من كثرة الإجراءات , والأخذ على أيديهم في أننا ربينا شباباً , وفتيات صالحات , وجيلاً صالحاً مؤمناً , مراقباً لله .,

وفق الله جميع المؤمنين إلى ما يحب ويرضى , والى اللقاء , وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4386