الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

أيها الأخوة المشاهدون معنا أحد الأعلام الكبار والنجوم العظماء ابن المبارك عبد الله رضي الله عنه وأرضاه التابعي , وقيل من تابع التابعين , وهو من الموالي الذين رفع الله ذكرهم ومجد سيرهم لعمله بالعلم النافع .

فهو إمام معتبر , محدثٌ , زاهدٌ , عابدٌ , تاجرٌ , مجاهدٌ كل خصلة من خصال الخير فيه , كريمٌ , سليم الصدر , حسن الخلق , كانوا أصحابه يجتمعون إذا غاب قالوا : عددوا لنا مناقب المبارك .

أنا ذكر بعض الوقفات التي لا تنسى من حياة هذا الإمام عبد الله ابن المبارك ألف في الذهب رسالة " قضّي نهارك مع ابن المبارك " .

مرة أراد أن يحج فذهب بقافلة عليها أرزاق وكان غنياً منفقاً في سبيل الله , قافلة من الجمال محملة بالأرزاق وهو وحجاج معه .

فمروا بالكوفة المدينة التي في العراق وإذا بقرية بجانبها امرأة تخرج من بيتها فقيرةً حصيرةً , كسيرة إلى مذبلة ( القمامة ) هناك بطرف القرية فتجد غراباً ميتاً فتأخذ الغراب وتدخل بيتها .

فعجب ابن المبارك و ذهل امرأةٌ تخرج وتأخذ غراباً من المذبلة وتعود إلى بيتها , القمامة يعني , فأرسل أحد عماله قال اسألها لماذا أخذت الغراب ؟ .

فذهب فطرق بابها وخرجت قال : لماذا أخذت الغراب من القمامة الميت ؟ .

قالت : والله ما لنا طعام من ثلاثة أيام إلا هذا الذي أتيت به أنا وأطفالي .

فأتى هذا العامل فأخبر عبد الله بن المبارك , فأدمعت عينا عبد الله ابن المبارك , قال : سبحان الله نحن نأكل الفالوذج وهو أحسن الطعام يعني , وهي تأكل الغراب الميت , وزعوا هذه القافلة على أهل هذه القرية وأعاذنا الله خيراً وأحسن عزائنا في حجتنا هذه السنة .

وعاد بالقافلة و وزعها على أهل القرية وعاد وترك الحج .

فرأى قائلاً هاتفاً في المنام يقول :حجٌ مبرور وسعيٌ مشكور وذنبٌ مغفور .

أي معناً , وأي نفسٍ كبيرة .

مرة من المرات أراد أن يحج , وفي الناس فقراء هو في مروى في خراسان فأعلن أنه يريد الحج فمن أراد أن يحج فعليه أن يأتي بنفقته ليحج مع ابن المبارك , قصده يجريهم لن يأخذ منهم نفقة , انظروا الأن الحيلة , يحتال في الكرم , يحتال حتى ينفق عليهم , حتى يحججهم في سبيل الله من ماله .

فأتى أهل خراسان كل واحد عنده صرة لا يسأل كم فيها من دراهم كثيراً, ..., قال اكتب اسمك وضعها على هذه الصرة .

وأخذ الصرر جميعاً وجعلها في غرفة عنده وأخذ الحجاج جميعاً من الرجال والنساء والفقراء والمساكين وذهب بهم إلى مكة على نفقته , وعلى طعامه , وعلى رواحله , وكان غنياً تاجراً .

فلما ذهب إلى مكة وحجوا قال : أما تريدون هدايا لأهلكم , لأن الحاج يسأل عن الهدايا فأخذوا من هدايا مكة واشتروا ودفع , هم يظنون إنها من نفقاتهم .

وذهب إلى المدينة فلما انتهى من الزيارة قال : أما تريدون شيئاً من هدايا المدينة ؟ .

فاشتروا وظنوا من نفقاتهم , ودفع هو .

وعاد إلى مروى إلى خراسان إلى بلده , وجمعهم في داره وصنع لهم ضيفة وعشاءً ومناسبةً , ومأدبة ثم أتى بالصرر فأستدعى عماله , قال : ردوا كل حاج عليه صرته .

فينادون الإنسان بصرته كاملة لم يأخذ منها درهماً , الأموال التي دفعها أول مرة كل حاج .

قالوا : يا ابن مبارك غفر الله لك نحن دفعناها للحج , يعني تصرف في الحج .

قال : أما تعملون أنه في الحديث أنه يبارك للحاج بنفقته ؟ .

قالوا : نعم نعرف انه يبارك للحاج بنفقته .

قال : هذا من البركة , الله بارك في نفقتكم فبقيت نفقتكم عندكم , هذه لكم .

فردها كاملةً مكملة بالصرة بالأسماء مما معه .

أي خلق , أي نبل , أي نفس كبيرة , غفر الله له وأرضاه .

ترى هو بالمناسبة صاحب الياذة ومعزوفة وقصيدة " يا عابد الحرمين " الرائدة الرائعة التي هي من أجمل قصائد العرب , وترى هو من أقوى الشعراء .

لكنه عمل بالكتاب والسنة أفضل , ولم يذهب وراء الشعر وهيمان الشعر وغرام العشر .

مرة كان في الحرم مع الفضيل بن عياض العابد الكبير الزاهد , فسمع الجهاد في سبيل الله جهة العمورين جهة الروم فخرج في سبيل الله مجاهداً , ووصل إلى هناك يجاهد في سبيل الله و يرفع لا اله إلا الله .

وعاتبه ابن المبارك عبد الله زميله في الحرم العابد الزاهد يقول : خرجت وتركت الحرم .

فرد عليه بقصيدة يقول :

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب

أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

ريح البخور لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب

أي كلام , وأي نفسٍ كبيرة , يقول : إن كنت أنت تبكي في الحرم وتخضب خدك بالدموع أخر الليل , فو الله إنا نخضب نحورنا بالدماء في سبيل الله .

وان كنت عندك بخور ومجمر يدار عليك فو الله ان مجامر الغبار الذي يثور من أقدام الخيل في سبيل الله .

ابن المبارك له كلمات وله أبيات , حتى كان في حسن الخلق والتحمل والصبر والحلم مضرب المثل .

يوصينا جميعاً , يوصي كل إنسان مسلم , يقول :

إذا رافقت قوماً أهل ودٍ فكن لهم كالرحم الشفيقِ

ولا تأخذ بذلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيقِ

يقول اغفر الزلات , تجاوز عمن أساء إليك , احلم , اصفح , اصبر , وهو الذي يقول :

وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍِ وحياءٍ وكرم

قوله للشيء لا إن قلت : لا وإذا قلت نعم قال : نعم .

يقول ابحث لك عن رفيق وصاحب يوافق , ليس مشاكس , ولا يحب الخلاف , وإنما هو سهلٌ , طيبٌ , قريبٌ , لين .

اسأل الله عز وجل أن يجمعنا بابن المبارك في جنات النعيم , والى اللقاء .

وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4356