الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

أيها الأخوة المشاهدون الأبرار قصة منبر الرسول عليه الصلاة والسلام , كيف صنع المنبر , كيف بني المنبر وهو من خشب ؟ .

كان في الأنصار رجل نجار كان يقطع الخشب ويصنع المنابر ويسور الأبواب , فأمر صلى الله عليه وسلم أمه , قال : أمري ابنك النجار أن يصنع لي منبر .

وهذا شرف للنجار , أصلاً لا يعرف في تاريخه إلا أنه صنع هذا المنبر .

فأتى بمنبر للرسول صلى الله عليه وسلم من خشب ثلاث درجات ليصعد يوم الجمعة صلى الله عليه وسلم ويخطب للناس , وكان قبل ذلك كان له صلى الله عليه وسلم جذع نخل يتكئ عليه إذا خطب الناس .

فأتي بأول جمعة أتوا بالمنبر الجديد ووضعوه في المحراب , وقام صلى الله عليه وسلم فلما قام على المنبر الجديد ماذا حصل للمنبر القديم ؟, جذع نخل خشب ماذا حصل له , حطب ؟ .

حنّ وبكى بصوت سمعه الصحابة في المسجد , أصبح له صوت كصوت العصارة الناقة , وقال بعضهم : بكى كبكاء الأطفال .

فنزل صلى الله عليه وسلم يسكته ويسكت خشب جذع نخل , هذا في حديث البخاري حنّ شوقاً للرسول صلى الله عليه وسلم لما كان يسمع من القرآن , كما كان يسمع من الحكمة , من الشريعة , من الوحي .

حتى يقول الحسن البصري يقول للناس :

يا عجباً لكم جذعٌ يحن للرسول صلى الله عليه وسلم وأنتم ما تحنون .

الأن بعض القلوب الجذع أفضل منها في الحياة , لكنها ميتة خاوية , ولو أنها مدعية للإسلام , لكن عندها فتور , عندها موت في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم , عدم شوق , عد حرارة , عدم إتباع , عدم يقظة , منصرفة عن السنة , منصرفة عن الشريعة .

فنزل صلى الله عليه وسلم وسكّت هذا الجذع بعدما حنّ وبكى حتى سكن , وحتى سكت , وهي والله قصة عظيمة , والله أنها مبكية , وإنها مؤثرة , وإنها رسالة عظيمة لكل قلب غافل لاهي .

يا عجباً لكم خشبٌ يحنّ لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم , وحطبٌ يبكي لذكراه ووحيه , أفلا تحنّ قلوبكم لذلك الإمام الأعظم ولوحيه , ولرسالته صلى الله عليه وسلم .

ويصعد صلى الله عليه وسلم المنبر في بعض المرات صعد صلى الله عليه وسلم وهو ثلاث درجات كما قلت لكم من المنبر , صعد الأولى فقال : آمين .

ثم الثانية , قال : آمين .

ثم الثالثة , قال : آمين , ثم جلس .

قالوا : يا رسول الله سمعناكم أمنت على ماذا ؟ .

قال : لما صعدت الدرجة الأولى أتاني جبريل فقال : رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له قل آمين , فقلت : آمين .

يعني أرغم الله بالتراب انف رجل أدرك أبويه أو أحدهما الأب والأم ولم يبرهما فيدخل الجنة .

قال في الثانية : رَغم أنف من أدركه رمضان فلم يغفر له قل آمين , قلت : آمين .

قال في الثالثة : رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصلي عليك ( صلى الله عليه وسلم ) قل آمين , قلت : آمين .

هذه يعني هذا مشهد من المشاهد التي سجلها صلى الله عليه وسلم على المنبر , خطب صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر .

يقول ابن عمر : سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول : يطوي الله سبحانه وتعالى السماوات بيمينه , والأراضين باليد الأخرى , ويقول : أنا الملك , أنا الملك , أن الملك , أين ملوك الأرض , وقد ارتفع صوته صلى الله عليه وسلم بذلك , واشتد خطبه , واحمرت عيناه , وجلجل صوته , وهو الخطيب الذي لا يبارى , وهو المتكلم الذي لا يجارى عليه الصلاة والسلام .

وإذا خطبت فللمنابر هزةٌ تعري الندي وللقلوب بكاءٌ

قال ابن عمر : والله إني ظننت أنه سوف يسقط منها صلى الله عليه وسلم من على المنبر , يعني من قوة خطابته , ومن إقباله , ومن شجاعته , ومن رباطة جأشه صلى الله عليه وسلم , ومن قوة صوته .

وكان إذا خطب صلى الله عليه وسلم احمرت عيناه , واشتد غضبه , وعلا صوته , كأنه منذر جيش , يقول : صبحّكم ومساكّم .

وفي هذه رسالة لكل الخطباء في العالم الإسلامي , أحيوا الخطابة , هزوا المنابر , أما الإلقاء الميت هذا , الإلقاء الساذج , الإلقاء البارد , الإلقاء الذي جعل المصلين ينامون في أثناء الخطبة , القراءة من الأوراق قراءة ثقافية , قراءة مهلهلة , قراءة فاترة , قراءة بنوم , قراءة بكسل .

أين الخطباء الذين يحين القلوب , أين الخطباء الذين يهزون الأرواح , أين الخطباء الذين يشعلون وقود في النفوس لا تطفئ , أين الخطباء الذين يشدون إليهم الأبصار والأسماع والقلوب .

هذه خطابته صلى الله عليه وسلم , كان عليه الصلاة والسلام أخطب خطيب عرفه العالم , لا يتلعثم في كلمة , لا يتوقف , أتاه الله من الفصاحة اسماها , ومن البلاغة أعلاها ,ومن البيان أجله وأكمله , فكان صلى الله عليه وسلم بحق في هذا الموقف يعني فوق ما يتصور الناس .

فلذلك كان إذا خطب الناس وخرج من صلاة الجمعة ازدادوا إيماناً وخوفاً من الله , ويقيناً , وطاعة , ولهذا ينبغي على الخطيب أن يخطب فيما يقوّي إيمان الناس , وذكرهم لربهم , وعبادتهم لمولاهم جل في علاه .

أما فضول الموضوعات , أو موضوعات فكرية لا تمس واقع الناس ولا حياة الناس , أو يذهب وراء مسائل اقتصادية , ومسائل سياسية , هذا خروج يا أخواني بالخطبة عن رسالتها , وعن مقاصدها .

خطبة الجمعة لتقوية الإيمان , خطبة الجمعة لاستعظام عظمة الباري سبحانه وتعالى , خطبة الجمعة لتتزود من العمل الصالح , من الإيمان من اليقين , من التوبة , خطبة الجمعة لإصلاح النفوس .

أما التضييع في موضوعات سالبة لانهاية لها , حتى بعض منهم الأن يخطب في مسألة الأسهم ولا يربطها بالإسلام , ويتكلم في الغزو الفكري وليس له مردود على المصلين في المسجد , ويتكلم عن خلاف ثقافي أو عن مسائل اجتماعية .

هذا هو هديه صلى الله عليه وسلم , وهذه بعض قصصه في المنبر صلى الله وسلم عليه , وجزاه الله عنا خير الجزاء .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4318