الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وصحبه ومن آله ومن والاه .

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

وفد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام شيخٌ كبيرٌ مدّعم , يعني دعم بعصا أو انه يستند إلى ابنه من كبر سنه وشيخوخته رجلٌ كبير في السن , طاعن , احتدب ظهره , شاب رأسه ولحيته , فأتى وقد مرت به السنوات الطويلة .

حتى يقول أحدهم :

قالوا : أنينك طوال الليل يسهرنا فمالذي تشتكي قلت : الثمانين .

وقال أخر: إن الثمانين وبلغتها أنت قد أحوج السمع إلى ترجمان

فيوم يكتب الإنسان الثمانين , التسعين , المئة يتغير في مشيته وفي ذاكرته , وفي أخذه , وفي عطائه , أتى هذا الشيخ يدّعم على عصا , ويتكئ على ابنه , كبير وقد شاخ مع الدهر .

ووفد عليه صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله , شيخٌ كبير ماترك من حاجة ولا لاجه حتى فعلها , يعني ماترك من المعاصي والمخالفات إلا فعلها .

قال صلى الله عليه وسلم يعني يشكو هذا الرجل , أنا جئتك كبير وهو لا يعرف الإسلام وأتى يسلم لكن يشكو على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لم يترك حاجة ولا لاجه إلا قام بها , من الذنوب والخطايا والمخالفات والمعاصي .

قال صلى الله عليه وسلم : أتشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله ؟ .

قال : أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله .

قال : اذهب فقد غفر الله لك كل حاجةٍ وداجة .

قال : يا رسول الله وغدراتي وفجراتي ؟ , يقول عندي غدرات في الجاهلية وفجرات سلب ونهب وسرقات وفواحش ومنكرات , قال : وغدراتي وفجراتي ؟ .

قال : وغدراتك وفجراتك .

فذهب الرجل يكبّر ويصرخ ويرفع صوته بالتكبير فرحاً بهذا الدين العظيم , وبهذه البشرى الكبيرة , وبهذا لفوز الذي لم يسمع بمثله أبداً, ذهب يكبّر , ذهب منشرح الصدر .

الله أكبر ! في لحظة واقف وينال هذه المراتب بسبب هذه الكلمة العظيمة ولم يصلي إلى الأن ولم يزكي , ولم يصم , ولم يحج , يقول : يارسول الله شيخٌ كبير ماترك حاجة ولا لاجه حتى فعلها , يعني يقول ما الحكم ؟ .

أتى صلى الله عليه وسلم بالشرط الأن قال : أتشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله ؟ . لأن الإسلام يجّب ماقبله , ومفتاح الإسلام الشهادة , وإذا دخل الإنسان صادقاً الإسلام غفر الله له ماسلف .

قال : نعم .

قال : فان الله غفر لك كل حاجة وداجه , كل شيء .

فزاد الرجل لأنه يعرف سجلّه , يعرف تاريخه , وخائف من الذنوب .

و الأمر في الجاهلية كان أمر عظيم , يا أخوة ترى الناس في الجاهلية كانوا في غابة , قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم كان الصنم يهيم في الصنم , عبدة أوثان , سرقة , قطاع طرق , مرتكبي المنكرات , لا يجلون بخلق , ليس عندهم أداب , لا يتركون نهباً إلا نهبوه ولا سلباً إلا استلبوه , يعطّلون القوافل , يقتلون الأنفس , يسفكون الدماء , ينقضون العهود والمواثيق , يأكلون الميتة , يشربون الخمر , يفعلون كل المحرمات .

فالرجل لما قال له صلى الله عليه وسلم هذا , أراد أن يتأكد , قال : وغدراتي وفجراتي , يقول عندي شيء , أنا سجلي ملّطخ كله .

قال : وغدراتك و فجراتك , يقول أبشر كلها .

هذا الإسلام , هذا ويرضى عنهم أسرهم والأغلال التي كانت عليهم , هذا دينٌ عظيم , هذا دين التوبة , هذا دين الرحمة , كما يقول صلى الله عليه وسلم : " بعثتُ بالحنيفية السمحة " , فالنحيفية السمحة هو الاسلام , فهو يجبّ ماقبله من المنكرات ومن المعاصي .

بل من أعظمها عبادة الأوثان , عبادة الأصنام , والشرك , ولكن لما يسلم الإسلام ويشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله حينها يذهب الله خطاياه , ويكفّر سيئاته , بل يبدلها لا سيئات حسنات , ويرفع له الدرجات .

فهذا الشيخ الكبير لم ييأس من رحمة الله , انظر إليه كيف أن الله أسعده في أخر عمره , ولذلك إنما الأعمال بالخواتيم .

فنسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة, ما أحسن هذه الساعة في حياة هذا الرجل الشيخ الكبير , الملدف , الفاني لحظة من اللحظات أذهبت سنوات من المعاصي والمخالفات والغدرات , والفجرات , والسرقات , والنهب , والسلب .

كما يقول شوقي : يضيق العمر إلا ساعة وتضيق الأرض إلا موضعاً .

ساعة أحياناً مباركة , رب جلسة تجلسها في ليل أو نهار فتستغفر وتدمع عيناك فيغفر الله لك ما سلف , ترفع يديك وتنيب , وتنكسر , وتندم يغفر الله لك ما سلف .

تعرض لنفحات الله , أنت لا تدري ما هي أجمل ساعة , وأنت لا تدري ما هي أجمل لحظة , لا تدري ما هو أحسن سفر , يمكن أن في عمرة من العمرة تقوم بها أو حجة يغفر الله لك ما سلف .

يمكن أن تقوم بعمل قليل عندك من صدقة درهم أو كسرة خبز أو نحو ذلك فيرضى الله عنك ويغفر لك , ولذلك ينبغي أن تتقدم بالوسائل عند الواحد الأحد , وأن نتعبد ربنا سبحانه وتعالى وأن نحرص في كل لحظة على أن نأتي بأعمال صالحة , وأن نندم على مافات , وأن لا نيأس من روح الله مهما سار بنا السن وطال بنا العمر , فان نفحة من نفحات الله تُذهب سنوات طويلة من المعاصي والخطايا , ونحن برحمة أرحم الراحمين أن يرحمنا وأن يغفر ذنوبنا ويتجاوز عنا , وفي عظمة التوحيد هذا الأمر العظيم , وهذا الركن الجزيل القوي , وأعظمه هو لا اله إلا الله محمد رسول الله , صلى الله عليه وسلم .

والى اللقاء .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4286