الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(33-60): تفسير الآيتان 101 - 102، كيف يكون المؤمن ؟

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-03-14

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

مقدمة :

أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثالث والثلاثين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الواحدة بعد المئة ، وهي قوله تعالى :

﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾

1 – الأصل في الأمر القرآني الوجوبُ ، والأصل في النهي التحريمُ :

أيها الإخوة ، كلكم يعلم أن هذا القرآن كلام الله ، فيه أوامر ، وكل أمر يقتضي الوجوب ، افعل ، وفيه نواهٍ ، وكل نهي يقتضي الترك ، يجب أن تأتمر بما أمر الله ، وتنتهي عما عنه نهى الله ، فكر دائماً أن كل آية تقرأها لا بد من أن يكون لك منها موقف ، لأن هذا الكلام كلام الله ، كلام الخبير ، كلام الخالق ، كلام رب العالمين ، ولا يمكن أن يقول الله كلاماً ليس لك منه موقف .

النقطة الدقيقة : أيّ آية تقرأها فلا بد من أن يكون لك منها موقف .

2 – الأمر القرآني بالتفكّر في الكون :

الآن نستعرض آيات الأمر التي تقتضي أن تأتمر ، وآيات النهي التي تقتضي أن تنتهي ، وآيات تصف الجنة ، وما فيها من نعيم مقيم ، موقفك منها أن تسعى إلى دخول الجنة ، أن تحفزك هذه المشاهد على أن تستقيم على أمر الله ، وأن تعمل عملاً يؤهلك إلى دخول الجنة ، والمشاهد التي تصف أهل النار وأحوالهم موقفك من هذه الآيات أن ترتدع عن أن تعمل عملاً لا يقربك من الله ، والآيات المتعلقة بالكون :

﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾

( سورة الطارق )

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾

( سورة الشمس )

﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾

( سورة الفجر )

3 – التفكر في مصير الأقوام الماضية :

آيات الكون تقتضي أن تتفكر فيها ، والآيات المتعلقة بالأمم السابقة ، عاد ، وثمود وقوم لوط ، وقوم سيدنا موسى ، وقوم سيدنا إبراهيم ، آيات تتحدث عن الأقوام السابقة ، وكيف كذبت أنبياءها ، ورسولها فاستحقت الهلاك من الله عز وجل ، هذه الآيات تقتضي منا أن نتعظ ، والسعيد دائماً يتعظ بغيره ، والشقي يتعظ بنفسه .

4 – لابد للمستقيم من الابتلاء :

أحياناً يعاني الإنسان ما يعاني حينما يصطلح مع الله ، يعاني مَن معارضة مِن قِبل أقرب الناس إليه ، يعاني من استنكار بعض الناس لاتجاهه ، لأن الناس أَلِفوا التفلت ، ألِفوا أن يأكلوا المال الحرام ، ألِفوا الاختلاط الآثم ، ألِفوا النفاق والدجل ، فحينما يأتي الإنسان ، ويستقيم على أمر الله ، ويتماسك ، وينضبط ، ويكون عفيفًا أمينًا صادقًا ، هذا الإنسان خطرٌ على مَن حوله ، مِن أين جاء الخطر ؟ أنه يكشفه ، المستقيم يكشف المنحرف ، والورع يكشف المتفلت ، والأمين يكشف الخائن ، والصادق يكشف الكاذب .

5 – خمسة أعداء يقفون في طريق المؤمن :

حينما يسلك الإنسان طريق الإيمان يرى الصعوبات ، بل إن لكل إنسان أعداء كثيرين ، يمكن أن نصنفهم في خمس جمل ، لا بد للمؤمن ـ لا سمح الله ولا قدر ـ مِن مؤمن يحسده ، لأن هناك مؤمنا مقصرا ، ومؤمنا مجتهدا ، المجتهد تألق ، لما تألق أصابه من الغيرة ما أصابه ، بدأ يتكلم كلاما لا يليق بأخيه ، فلابد من مؤمن يحسده ، ومن منافق يبغضه ، ومن كافر يقاتله ، ومن نفس ترديه ، ومن شيطان يغويه ، فهذه خمسة أطراف يمكن أن تسبب لك بعض المتاعب ، مؤمن ، منافق ، كافر ، نفس أمارة بالسوء ، شيطان ينتظر هذا الإنسان .

6 – الشيطان لا يترك باب الإضلال إلا سلكه :

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

( سورة الأعراف )

لمجرد أن يصطلحوا معك ، وأن يسلكوا طريق الإيمان ، أنا سوف أزعجهم :

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

من المفارقات التي تلفت النظر أن الإنسان يكون متفلتا غارقا في المعاصي والآثام ، يأتي إلى البيت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، لا يصلي ، يأكل المال الحرام ، لا أحد يتكلم ، فإذا اصطلح مع الله ، وغض بصره ، وضبط لسانه ، وصلى الصلوات الخمس ، وانضم إلى جامع ، أقرب الناس إليه يقيمون عليه النكير ، لما كان منحرفاً ، لما كان ضالاً مضلاً ، لما كان له صويحبات كان الأب ساكتا ، وكذا الإخوة ساكتون !

النقطة الدقيقة أن الذي يعاني ما يعاني حينما سلك طريق الإيمان ، بل يعاني من هذه الآية بالذات :

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

﴿ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾

( سورة الأعراف الآية : 17 )

المستقبل ، والحداثة ، والكمبيوتر ، والإنترنيت ، والفضائيات ، عصر علم ، عصر تألق ، المرأة نصف المجتمع ، عصر الاختلاط ، من حق المرأة أن تعرض كل مفاتنها ، هذا حقها ، ينبغي أن تعيش وقتها ، أفكار تشجع على المعاصي والآثام ، هذه :

﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾

﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾

( سورة الأعراف الآية : 17 )

إذا كان تاريخ لأمة قبل الإسلام فإننا نشيد بهذا التاريخ ، نشيد بالفرعونية ، نعتم على الإسلام ، هذا من فعل الشيطان أيضاً :

﴿ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾

﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

( سورة الأعراف الآية : 17 )

دائماً المؤمن يتعرض لوسوسة الشيطان ، يوسوس له بالكفر ، إن رآه على إيمان يوسوس له بالشرك ، إن رآه على توحيد يوسوس له بارتكاب الكبائر ، إن رآه على طاعة يوسوس له بارتكاب الصغائر ، إذا وجدع قمة في الورع بقي مع الشيطان ورقتان رابحتان ، التحريش بين المؤمنين ، المؤمنون أطياف الآن ، هذا الطيف يتهم هذا الطيف ، وهذا الطيف يكفِّر هذا الطيف ، وهذا الطيف يبدّع هذا الطيف ، وهذا الطيف يحتقر هذا الطيف ، هذه الخصومات بين المؤمنين ، وتراشق التهم من فعلِ الشيطان ، أما آخر ورقة فيغريه بالمباحات ، يضيع وقته كله بتحسين حياته ، وبيته ، ومركبته ، ودخله ، وتجارته ، ويفوته خير كثير من الأعمال الصالحة .

مثلاً : مَن منا يصدق أنه رقم لمركبة ، لأنه رقم واحد ثمنه 56 مليونًا ضرب 13 ، مقابل أن رقم مركبتك واحد ، ما هذا المكسب العظيم ؟! أنت ماذا قدمت للأمة ؟ ماذا يعني الواحد أو الألف أو مئة ألف ؟ قيم فارغة ما لها معنى إطلاقاً .

إن آخر ورقة رابحة بيد الشيطان يغري بها الناس أن يقول لك : منظر طبيعي ، تجريدي ، ثمن اللوحة 30 مليونا ، والناس يموتون من الجوع ، هو يقتني لوحات فنية ، ويعتني بهذه اللوحات ، وكأنها دين جديد له ، هذا مِن فعل الشيطان .

في بعض البلاد تم إعدام عشرين مليون رأس غنم ، ودفنت تحت الأرض حفاظاً على أسعار اللحم المرتفعة ، وشعوب تموت من الجوع ، وتم إتلاف محاصيل تكفي لقارة ، محاصيل حمضيات ، محاصيل البن ، إنتاج الألبان ، ومرة ألقي في البحر من مشتقات الألبان ما يساوي حجمه أهرامات مصر ، حفاظاً على الأسعار .

نعيش في عصر حماقات ، في عصر قسوة ، في عصر ثقافة إجرامية ، قلب الإنسان كالصخر ، همه ذاته ، همه أن يأكل وحده .

الأرض فيها قسم شمالي ، وهو فوق خط الاستواء ، وقسم جنوبي تحت خط الاستواء ، كم تتصورون نسبة سكان القسم الشمالي إلى القسم الجنوبي ؟ 20% ، 20% من سكان الأرض يسكنون فوق خط الاستواء ، هؤلاء الـ 20 % ماذا يملكون ؟ يملكون 80% من ثروات الأرض لذلك أُحدث مصطلح جديد اسمه دول الشمال ، ودول الجنوب ، دول الشمال غنية جداً ، ودول الجنوب فقيرة جداً .

وهذا الذي يجري في العالم من حروب ، واجتياحات ، ونهب ثروات ، وقتل شعوب ، رقم مليون قتيل عادي جداً بالعراق ، وخمسة ملايين مشرد ، ولا أحد يعترض ، والعالم كله ساكت .

7 ـ معركة الحق والباطل أزلية ، ولحكمة بالغة :

فلذلك حينما تعاني ما تعاني من استقامتك ، وانضباطك ، ومبادئك ، وقيمك ، تأتي قصص الأنبياء السابقين لتخفف عنا ، لست وحدك ، هذا شأن أهل الحق .

إن المعركة بين الحق والباطل معركة أزلية أبدية ، لماذا ؟ لأنه كان من الممكن أن يكون أهل الباطل في كوكب آخر ، ما سوى الله كل شيء ممكن ، وكان من الممكن أن يكون أهل الباطل في قارة أخرى ، أو في حقبة أخرى ، وانتهى كل الصراع ، لا كانت غزو بدر ، ولا غزوة أُحد ولا الخندق ، ولا القادسية .

أنا أعجبتني كلمة ! لن أقول : استعمار ، إن شاء الله ، أقول : استدمار ، الإعمار شيء إيجابي ، الله قال :

﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

( سورة هود الآية : 61 )

يجب أن نقول : استدمار ، أو استخراب ، لأن هذا الاستعمار يؤدي إلى الدمار والخراب .

فلذلك قرار إلهي عظيم حكيم ، هذا القرار بنوده أن نعيش معاً في كل مكان ، في كل مكان أهل حق وأهل باطل ، مؤمن وغير مؤمن ، إنسان دينه المال ، وإنسان دينه دين الله عز وجل ، إنسان صاحب مبدأ ، وإنسان صاحب مصلحة ، إنسان شهواني ، وإنسان رحماني .

والآن سبحان الله ! الأحداث الأخيرة انقسم العالم بسببها قسمين ، كان سابقاً الأبيض هو الحق ، أبيض ناصع ، و أسود داكن هو الباطل ، ومساحة كبيرة جداً بين الأبيض والأسود لون رمادي ، سبحان الله ! الآن التطورات الأخيرة أفرزت لونين فقط ، أبيض أو أسود ، مؤمن وغير مؤمن ، ولي وإباحي ، منصف وظالم ، شهواني ورحماني ، هذا واقع العالم اليوم ، قوى الشر ، وقوى الخير ، قوى إنسانية ، وقوى عنصرية ، هذا الوضع المؤلم المأساوي الله عز وجل رب العالمين ، يشجعنا أن نصبر ، يخبرنا أن هذا شأن الإنسان حينما يبتعد عن الله ، فلا تقلق .

إذا كان طبيب جِلدية ، وجاءك مريضٌ معه مرض جلدي مخيف ، جلده كله قروح ، هل تحقد عليه ؟ أنت طبيب ، وهذا مريض .

المؤمن الراقي لا يحقد ، لكن يعالِج ، من هنا جاءت بعض القصص لتخفف عن المؤمنين ، وعن أنبياء الله ، وعن رسله ما يعانونه من صراع بين الحق والباطل .

تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا

قال تعالى :

﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا ﴾

1 – قصص الأنبياء تخفيف عن النبي والمسلمين جميعا :

هذه القصص تخفف عنك يا محمد ، لست وحدك المكذَّب ، لست وحدك المعارَض ، لست وحدك من يأتمر عليه ، الأنبياء السابقون ، المؤمنون السابقون ائتمروا عليهم ، فاعتقد اعتقاداً جازماً أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية وهذا قدَرُه ، ولحكمة بالغةٍ عرفها مَن عرفها ، وجهلها مَن جهلها نحن نعيش معركة الحق والباطل .

أنا أقول دائماً : هناك حرب عالمية ثالثة معلنة على المسلمين في القارات الخمس ، جهاراً ونهاراً ، وفي أعماق هؤلاء الأقوياء شعور أنه إذا أبيد المسلمون إبادة كاملة فهذا منتهى آمالهم ، نحن نخاف من الله ، نحن لا نعتقد أن القوة تصنع الحق ، هم يعتقدون أنك قوي ، إذاً : أنت على حق .

عندهم مثل شائع جداً : " القوة تصنع الحق " ، أما عند أهل الإيمان فالحق يصنع القوة ، وهما حقيقتان متعاكستان ، ليست القوة هي التي تصنع الحق ، ولكن الحق يصنع القوة ، أنت قوي عند الله ، لأنك على حق ، أما الطرف الآخر فهو قوي ، لأنه يملك سلاحاً نووياً .

الأولاد هم الورقة الرابحة عند المسلمين ، فعلينا تعليمهم مقتضيات العصر العلمية :

لذلك قلت مرة : يمكن أن نواجه القنبلة الذَرية بقنبلة الذُرّية ، أولادنا أهمّ ورقة رابحة في أيدينا ، الأب العاقل المؤمن الذي يحمل همَّ الأمة ، الذي يتمنى أن يفعل شيئاً إيجابياً لهذه الأمة يربي أولاده ، يربيهم على الصدق ، والأمانة ، والعفة ، والبذل ، والعطاء ، وأن يكون ابنك إيجابياً ، أن يحمل همّ أمته ، أن يسهم في حل مشكلاتها ، والله الذي لا إله إلا هو ليس هناك من طريق إلى أن تستعيد هذه الأمة دورها القيادي ، وتألقها التاريخي ، في عصورها الذهبية إلا أن نعتني بأولادنا ، وكل أب يجب أن يعلم علم اليقين أنه يكون في أعلى درجات القرب من الله حينما يقدم للأمة ابناً مؤمناً متعلماً ، فاعتنوا بأولادكم .

صدقوا ، ولا أبالغ ، قلت مرة كلمة لمت نفسي عليها ، لكنني مؤمن بها : إن لم تعلم ابنك اللغة الأجنبية الآن فأنت في حقه مجرم ، حتى يكون قويا ، حتى يفهم ماذا يجري في العالم ، حتى يكون أكبر داعم لأمته ، يجب أن يتقن لغة الطرف الآخر .

سافرت إلى بلد في شمال إفريقيا ، اللغة الرسمية اللغة الأجنبية ، لغة الخطاب لغة فرنسية ، الذين يتقنون هذه اللغة يتحكمون بكل مقدرات الأمة ، وهم أبعد الناس عن الدين ، أما المسلم الطاهر العفيف الأمين الصادق فلا يتكلم اللغة الفرنسية ، أنا أتكلم كلاما دقيقا ، عندك ابن ، وكلّ شيء فاتك أيها الأب تلافاه في أولادك ، فاتك أن تتقن اللغة الإنكليزية ؟ علم ابنك هذه اللغة ، اجعل ابنك عصرياً .

الذي لا يستخدم الكمبيوتر يعد أمّياً ، فالكمبيوتر رفع الدقة من واحد إلى مليون ، وخفض الجهد من مليون إلى واحد ، تطور من دراجة إلى روز رايز ، انخفض سعره من روز رايز إلى دراجة ، وهو لغة العصر ، مَن منا يصدق ؟

حينما أسافر يكون معي كمبيوتر صغير فيه برنامج يحوي 5555 عنوانا ، لماذا قلت : عنوان ؟ قد يكون العنوان في أربعين جزءا ، 5555 ، كتب تفاسير ، كتب أحاديث ، كتب تاريخ ، كتب لغة ، كتب فقه .

يجب على الإنسان أن يستخدم كل إنجازات هذا العصر لصالح الدعوة إلى الله ، وأنا أضعكم أمام مسؤولياتكم ، الذي عنده ابن أرجو الله أن يكون هذا الابن علَماً من أعلام المسلمين ، طبيبا ناجحا ، طبيبا منضبطا ، أقلّ عملية جراحية تكلف ملايين خارج البلاد ، لو أن الطبيب درس هناك ، وعاد إلى بلده ، فكلّ علم أمريكا صار عندنا ، هل تصدقون أن خمسة آلاف طبيب في ولاية واحدة ، وهناك ببت من أصل سوري الأولاد معهم بورد كلهم ، خمسة آلاف طبيب يخدمون الطرف الآخر ، ونحن في أمسّ الحاجة إليهم .

نكون أو لا نكون في ربحِ معركة العقول :

الآن يجب أن تنتبه أن معركتنا مع الطرف الآخر معركة نكون أو لا نكون ، فيجب أن نحمل همّ هذه الأمة ، يجب أن ننتمي إليها ، يجب أن ننتمي إلى المجموع ، يمكن أن ألخص لكم ماذا يعني الانتماء إلى الفرد .

هناك مثل صارخ جداً : إنسان مضطجع تحت شجرة تفاح ، قد قُطفت جميعها ، إلا أن الذي قطفها غابت عن ناظره تفاحة كبيرة جداً ، صفراء لها خد أحمر ، اشتهاها ، لكنها بعيدة ، معه منشار شجر فقطع الشجرة ، وأكل التفاحة ، هذا اسمه انتماء للفرد ، يضحي بمصلحة الأمة من أجل حاجته الشخصية ، أما للمجموع فنتفانى في خدمة هذه الأمة ، في صون ثرواتها ، في صون أموالها .

الآن معركة علم ، الحرب كانت بين ساعدين ، ثم بين سلاحين أبيضين ، ثم بين بندقيتين ، ثم بين مدفعين ، ثم بين مدرعتين ، الآن الحرب بين عقلين ، فلا بد من أن نتحرك ، والله عز وجل معنا :

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة آل عمران )

فنحن لئلا نقع في الإحباط الله عز وجل قص على نبينا عليه الصلاة والسلام في قرآنه الكريم قصص الأمم السابقة ، المعارِض هو َهو عبر التاريخ ، والمُوالي هوَ هو عبر التاريخ ، والمحسن هُو هو ، والمسيء هوَ هو ، والظالم هُو هو ، حتى إنهم قالوا : التاريخ يعيد نفسه .

لذلك الله عز وجل قال :

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

( سورة هود الآية : 120 )

فإذا كان قلب سيد الخلق ، وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلأن نزداد نحن إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء من باب أولى ، قال له : يا محمد :

﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا ﴾

2 ـ لستَ وحدك أيها النبي المكذَّبَ والمعارَضَ والمحاصَرَ فلا تحزن :

لا تحزن ، لست وحدك الذي عورض ، لست وحدك الذي كُذب ، لست وحدك الذي أُخرج من بلاده ، لست وحدك الذي حوصر ، وحصار عزة شيء مؤلم جداً ، لكن لماذا لا نذكر أن الله عز وجل سمح للكفار أن يحاصروا حبيبه سنوات ثلاثًا حتى أكل أصحابه أوراق الشجر ، أنا وجهت كلمة لأهل غزة بدأتها بهذا : أن سيد الخلق وحبيب الحق حوصر ، ففي الخندق :

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

( سورة الأحزاب )

في الهجرة أهدِر دم رسول الله ، ووُضِعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، تبعه سراقة ليأخذ المئة ناقة ، قال له : يا سراقة ! والله شيء لا يصدق ، قال له : كيف بك إذا لبستَ سواري كسرى ؟ ما هذا الكلام ؟! أنا سأصِل ، وسأسوس دولة في المدينة ، وسأحارب أقوى دولتين ، وستأتيني الغنائم ، ولك يا سراقة سوار كسرى ، ألم يقع هذا ؟ في عهد عمر جاءت كنوز كسرى ، فقال : أين سراقة ؟ أعطاه سوار كسرى ، وقال : بخن بخن ! أعيرابي من بني مدلج يلبس سوار كسرى .

الله هو هو ، إله الصحابة إلهنا ، الذي نصرهم ينصرنا ، لا تقلقوا ، ولا تحزنوا ، لا تقلق على هذا الدين إنه دين الله ، ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له .

3 ـ عليك بخدمة الخَلق حتى نستغني عن غيرنا :

والله أيها الإخوة ، أتمنى أن الواحد منا يخرج من ذاته ، يخرج إلى عمل عظيم ، إلى عمل يكون بصمة له ، إن لم يكن لك بصمة في هذه الحياة فأنت زائد عليها ، ماذا قدمت لأمتك ؟ أنت طالب ؟ ادرس ، تكفينا أن تكون الأول في اختصاصك .

أحياناً نأتي بخبير يأخذ مليون ليرة في شهر ، أنت لو وظفت خريجي الجامعة كل واحد أعطيته 25 ألف ، 25 ألف ضرب 400 ، ضرب عشرة ، أربعون إنسانا يفتحون بيوتًا ويتزوجون ، مكان خبير واحد ، وعندنا خبراء من بلدنا ، ونكون قد استغنينا عن كل خبرة أجنبية .

تعمير محرك طيارة واحد يكلف خمسة ملايين دولار ، أربع محركات بعشرين مليون ، مليار ليرة سورية ، ألف مليون ، لتعمير محرك وتجديده ، المليار كم يساوي من أطنان القمح ؟ وأطنان قطن ؟ وأطنان الأرز ؟ أضعكم أمام مسؤولياتكم .

الآن المعركة لا ترحم ، هناك قوي ، وضعيف ، القوي الآن يأكل الضعيف ، وهناك عالِم وجاهل ، العالم يستغل الجاهل :

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

والله أيها الإخوة ، كل واحد منا بإمكانه أن يكون شيئاً مذكورا ، أتقن عملك ، طور مصلحتك ، خفض السعر ، انفع الأمة ، وحينما تتقرب إلى الله بخدمة أمتك يرفعك الله إلى أعلى عليين ، تقرب إلى الله بخدمة أمتك ، زوج شابا ، عندك بيت أعطه لشاب مؤمن بأجرة تتناسب مع دخله ، دخله 8000 ، أعطه إياها بألـ2000 في الشهر ، يخطب فتاة ، يتزوج ، أنت ساهمت ببناء أسرة .

هناك كلمة تقولها أصحاب الديانات الأخرى : ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، هذه كلمة السيد المسيح ، وهي رائعة جداً ، ما كل ربح يعد مالاً .

4 ـ اللهَ الله في الفقراء والضعفاء :

أحد الإخوة الكرام عنده معمل ، قال لي : ما ربحت إطلاقاً ، قررت أن أصفي الشركة ، سألته : كم عاملا عندك ؟ قال لي : 80 ، قلت له : أنت فتحت 80 بيتا ، إذا كان في كل بيت خمسة أشخاص بين زوج وزوجة وثلاث أولاد ، 80 ضرب خمسة 400 ، 400 إنسان يأكلون من هذا المعمل ، قلت له : ألا تعتقد معي أن استمرار هذا المعمل هو أكبر ربح لك عند الله ولو ما ربحت ؟ هذا عمل عظيم ، لأنك هيأت فرصة عمل ، ولما تفكر في الآخر ، تفكر في الفقير ، النبي الكريم يقول :

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[ أخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن أبي الدرداء ]

هذا الفقير إذا أطعمته إن كان جائعاً ، أو كسوته إن كان عارياً ، أو علمته إن كان جاهلاً ، أو آويته إن كان مشرداً ، أو أنصفته إن كان مظلوماً ، أو أغنيته إن كان فقيراً ، الآن الله عز وجل يكافئك مكافئة من جنس عملك ، فينصرك على من هو أقوى منك ، وأضعف منك ، بإمكانك أن تسحقه ، أن تهمله ، أن تهمشه ، أن تعاقبه ، أن تفتري عليه ، لأنه ضعيف .

أحد إخواننا الأطباء يقول لي : أنا أذهب إلى مستشفى عام ، كل المرضى فقراء جداً لا يقدر الواحد أن يتصل بإنسان ، لأنه فقير ضعيف ، قال لي : أنا أعاملهم وكأنهم في أرقى مستشفى في دمشق ، أهتم يصحتهم ، وبالتحاليل ، بالمرنان ، بالتصوير ، قال لي : أعيش في جنة .

بطولتك أن تخدم إنسانا لا يملك أن يسألك سؤالاً ، هذه البطولة ، فأنت من أجل أن تعرف نفسك قريبًا من الله عز وجل قدمت خدمات لأفراد هذه الأمة ، هذه أمتنا ، هذه بلادنا ، لما تخرج من ذاتك لخدمة الآخر تكون عند الله كبير جداً ، فاحمل همّ أمتك .

﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾

أيها الإخوة ، هؤلاء الضالين الشاردين ، قال :

وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ

﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾

( سورة الأعراف )

هل تحافظ أيها المسلم على عهدك مع الله ؟

إذا عاهدت الله عز وجل على الاستقامة هل تذكر هذا العهد دائماً ؟ فقد يذهب الإنسان إلى بيت الله الحرام ، وعند الحجر الأسود يقول : يا رب ، عهداً على طاعتك ، هل تحافظ على هذا العهد ؟ هل بعد أن تعود إلى بلدك كلما اقتربت من معصية تذكر هذا العهد .

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾

( سورة النجم )

هذه الآية ألا تهزك ؟

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾

سيدنا أيوب :

﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً ﴾

( سورة ص الآية : 44 )

هؤلاء أنبياء عظام ، فحينما تعاهد الله يجب أن تكون وفياً بهذا العهد .

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ :

(( بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

أنت تعامل الله ، أخذت قرارًا مصيريا مثلاً ، أنت مؤمن ، في السراء طائع ، في الضراء طائع وراضٍ ، قبل الزواج طائع وراضٍ ، بعد الزواج طائع وراضٍ ، في حالة الغنى شاكر وراضٍ ، في الفقر راضٍ ، في الصحة راضٍ ، في المرض راضٍ ، هذا هو المؤمن .

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

( سورة الأحزاب )

أحد الصحابة أسلم ، ودخل في غزوة ، وانتصر النبي فيها ، ووزعت بعض الغنائم قال : ما هذا ! أنا ما على هذا أسلمت ، أنا أسلمت على الذبح ، وفي غزو ثانية استشهد ، حمله النبي وبكى ، وأثنى عليه ثناء كبيراً .

أنت عاهدت خالق السماوات والأرض ، عاهدت مَن بيده كل شيء ، فأنت راضٍ ، تزوجت أو ما تزوجت ، سكنت بيتًا أو ما سكنت ، اشتغلت أو ما اشتغلت ، أكلت أو ما أكلت ، تعامل خالق الأكوان .

والله أيها الإخوة ، لزوال الكون أهون على الله مِن ألاّ يحقق الله وعده للمؤمنين .

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق )

أنا أخاطب الشباب ، أنت بحاجة إلى دخل ، وإلى عمل ، وإلى بيت ، وإلى زوجة ، استقم تماماً ، وانتظر طل خير .

عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( اسْتَقِيمُوا ، وَلَنْ تُحْصُوا ... ))

[ أخرجه ابن ماجه وأحمد ]

وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ

﴿ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾

لا تكن فاسقاً ، كن مؤمناً .

هذا الدرس مقدمة لقصة سيدنا موسى مع فرعون ، وهي أطول هذه القصص في هذه السورة ، إن شاء الله نبدأ بها في الدرس القادم .

والحمد لله رب العالمين

http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1909&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254