الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(32-60): تفسيرالآيات 96- 100، المؤمن يفقه حكمة المصيبة كي يرجع إلى الله

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-02-29

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثاني والثلاثين من سورة الأعراف ، ومع الآية السادسة والتسعين ، وهي قوله تعالى :

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

1 – كلُّ مصيبةٍ بكسبِ الإنسانِ :

أيها الإخوة ، يتضح من خلال هذه الآية أن ما أصاب الناس من مصيبة :

﴿ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

( سورة الشورى )

ولا بد من مؤمن من أن يفقه حكمة المصيبة ، الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾

( سورة النساء الآية : 147 )

مستحيل وألف ألف مستحيل أن تأتي مصيبة بلا سبب ، وبلا حكمة ، وبلا مبرر ، وبلا خطأ مِن الذي أصابته ، لأن الله عز وجل في آية واضحة قطعية الدلالة يقول :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾

فليس صعباً أن تتهم نفسك ، وأن تصدق ربك .

لذلك :

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

أما حينما تأتي الضائقة ، يأتي الجفاف ، تأتي المصائب ، تأتي الزلازل ، وإن كان لهذه الظواهر أسباب علمية ، فهذا لا يمنع أن يكون الله عز وجل مسبِّبَ الأسباب .

إنّ العوارض التي تطرأ على أهل الأرض لحكمة بالغةٍ بالغة ، والدليل هذه الآية :

2 – لابد من الإيمان والتقوى والعمل الصالح :

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾

لا يكفي أن تؤمن ، لا بد من أن تتقي .

﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

( سورة محمد الآية : 12 )

الإيمان وحده من دون عمل لا قيمة له إطلاقاً :

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

3 – تقتير الله لحكمةٍ لا لعجزٍ منه :

أحياناً في بلدة يهطل فيها من المطر في الليلة الواحدة ما يهطل في الشام في سنتين ، فالله إذا أعطى أدهش .

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾

( سورة الحجر )

فإذا قنّن الله عز وجل فتقنينه تقنين تأديب لا تقنين عجز :

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾

اكتشف في الفضاء الخارجي سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم والليلة بالمياه العذبة .

إن الله عز وجل ثبت ملايين القوانين ، وحرّك قانون الرزق والصحة ، فالصحة متبدلة ، فهناك أمراض ، كذلك الرزق متبدل ، في سنوات مطيرة ، وفي سنوات جدباء .

فالله عز وجل يبين أن نربط بينما نعانيه من ضائقة ، وبين استقامتنا وتقوانا وصلاحنا ، وطاعتنا لله عز وجل .

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

1 – البركة مفهوم إسلامي :

أما البركات فهو موضوع يذكرنا بهذه الآية ، البركة ، البركة مفهوم إسلامي واضح جداً ، لكن في عصر المادة ، وعصر البُعد عن الله يضعف هذا المفهوم .

2 – الرزق السلبي بركة من الله :

الإنسان عنده رزق إيجابي ، وعنده رزق سلبي ، فإذا منّ الله على عبده بالعافية التامة ، عاش عمراً مديداً بلا أمراض وبيلة ، بلا أمراض عضالة ، بلا أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً ، بلا أمراض تكلف مئات الألوف بل بعض الملايين من المال ، كفشل كلوي ، وخثره بالدماغ ، وشلل ، وتشمع كبد ، أمراض لا تعد ولا تحصى ، وأيّ مرضٍ من هذه الأمراض يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق .

حينما تؤمن وتستقيم يعافي الله بدنك ، وتكون قد وفَّرت مبالغ طائلة ينبغي أن تدفعها شئت أم أبيت ، قضايا الطب ، والعمليات الجراحية ، والتصوير ، والمرنان ، لا اختيار لك فيها ، يقول لك : تحتاج قسطرة ، تكلفتها أربعون ألفَ ليرة ، مع استند 125 ، ثلاثة أوعية مغلقة ، تحتاج حوالي 400 ألف ليرة ، لا خيار لك .

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾

هناك رزق سلبي ؛ أن يعافيك الله ، أن يعافيك ، ويعافي أهلك معك ، وأولادك ، فقد تجد أسرة تنعم بالصحة التامة ، في بيت متواضع ، لكن فيه طمأنينة ، فيه حب ، فيه ود ، الأكل متواضع ، لكن فيه محبة ، فانتبه للرزق السلبي .

3 – راحةُ البالِ بركة من الله :

وإذا أنعم الله عليك براحة البال فهذا لا يقَدّر بثمن الله قال :

﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾

( سورة محمد )

صلاح البال ، تنام قرير العين ، تنام ملء جفونك ، لأنك وأنت نائم لم يتعلق عليك حق ، فما أكلت حقاً ، ما آذيت إنساناً ، ما أضللت مخلوقاً ، ما كنت سبب شقاء أسرة ، ما بنيت مجدك على أنقاض الناس ، ما بنيت غناك على إفقارهم ، ما بنيت عزك على إذلالهم ، ما بنيت أمنك على إخافتهم ، ما بثثت الرعب في قلوب الناس ، ولا ابتززت أموالهم ، ولا انتهكت أعراضهم ، ولا فرّقت بينهم ، ولا أورثت بينهم العداوة والبغضاء ، وكنت إنسانا معطاء ، إنسانا مصدر أمن للناس ، مصدر سلام .

4 – محبة الناس لك بركة من الله :

إذا كان اسمك عطرًا ، يملأ القلوب محبة الناس ، فهذه نعمة كبيرة جداً ، نعمة أن الناس يحبونك ، قال تعالى :

﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾

( سورة طه الآية : 39 )

إذا الله أحب عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق ، فمحبة الناس ، وثقة الناس ، وراحة البال ، والشعور بالأمن ، والشعور بالطمأنينة بركة من الله ، فإذا كان البيت متماسكا ، فيه حب ، الزوجة صالحة ، ودودة ، الأولاد أبرار ، هذه الأرزاق تقدر بالمليارات ، أن تجلس في بيتك في راحة .

5 – الرفق في المعيشة بركةٌ من الله :

قد يُمنع المريض من تناول الطعام ، فيعطى ( السيروم )، بعد شهر يرى أنه إذا أكل الطعام مباشرة كأنه في الجنة ، أن تأكل ما تشتهي ، أن تشرب ما تشتهي ، أن تنام قرير العين ، آمنا في سربك ، معافىً في جسمك ، هذه كلها أرزاق سلبية ، وهي مهمة جداً ، لذلك :

(( الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة ))

[ رواه الطبراني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ]

إن تجارة فيها مغامرة ، فيها مصادرة ، فيها تهريب مادة محرمة ، أو الوثيقة مزورة ، تدخل تحت طائلة القوانين والمساءَلة ، والقلق ، والخوف ، والرشوة .

(( الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة ))

الله عز وجل يبارك لك في مالك ، وأنا لا أبالغ والله ، هناك أشخاص كثيرون دخْلهم محدود ، لكن ما عندهم مشكلة ، يأكلون ، ويشربون ، ويتمتعون ، لكن من غير بذخ ، ولا إتلاف للمال ، ولا هدر ، ولا استعلاء على الناس ، بل فيهم تواضع .

6 – الحياة الطيبةُ السعيدة بركةٌ من الله :

اطلب الحياة الطيبة ، قال تعالى :

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

( سورة النحل الآية : 97 )

المؤمن في رعاية الله ، في حفظ الله ، في توفيق الله ، في تجليات الله ، في سكينة الله ، المؤمن يتلقى من الله أرزاقا لا تعد ولا تحصى ، الرضا رزق ؛ أن ترضى عن الله ، يا رب لك الحمد ، من أعماقك ، الصبر رزق ، الحكمة رزق ، الطمأنينة رزق ، الإحساس بالأمن رزق ، فحينما تكون مع الله فأمامك أرزاق لا تعد ولا تحصى ، والفهمُ لكتاب الله ، ومعرفة ما سيكون الإنسان عليه بعد الموت ، يعدّ العدة لنزول القبر ، تعلم هاتين الكلمين ، هناك رزق إيجاب ، الدخل الشهري ، ورزق السلب ، إذا الله عافاك ، هيأ لك زوجة صالحة ، ليست مشاكسة ، هيأ لك أولادا أبرارا ، صحتهم جيدة ، سمعتهم طيبة ، هيأ لك ودًّا ، النبي الكريم يقول :

(( الحمد الذي رزقني حب عائشة ))

[ ورد في الأثر ]

هناك ود ، وأولاد أبرار ، وحولك أقارب محبّون ، لك سمعة طيبة ، تنام مطمئنا قرير العين ، هذه كلها أرزاق :

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

أمطار غزيرة ، خيرات وفيرة ، أسعار متدينة ، سخاء ، سرور ، الله عز وجل ما خلقنا ليعذبنا .

إذا أنشأنا ثانوية من أجل أن نعلِّم الطلاب ، أن نربيهم ، أن نعلمهم الحكمة والعلم ، والفهم ، والدين ، فإذا أساء طالب إساءة بالغة وعاقبناه ، إذا قال طالب : إنما أنشأت هذه المدرسة كي تعذبنا ، هذا كلام مضحك هذا ، هذه حالة طارئة ، الله عز وجل قال :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

( سورة هود الآية : 119 )

خلقنا ليسعدنا لا ليعذبنا ، خلقنا ليرحمنا لا ليقسوا علينا ، خلقنا ليحب بعضنا بعضاً جعلنا شعوباً وقبائل ، لا لنتقاتل .

﴿ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

( سورة الحجرات الآية : 13 )

هذا أصل الخلق ، أما الناس لبُعدهم عن الله انحرفوا ، إذاً :

﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

7 – البلدة الطيبة وطيبةُ أهلِها بركةٌ من الله :

تأتينا خيرات السماء ، والأرض تنبت النبات الطيب ، ومع النبات الطيب .

﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾

( سورة سبأ )

مع النبات الطيب راحة نفسية ، مع النبات الطيب ثقة بالله ، مع النبات الطيب رضا عن الله ، مع النبات الطيب ود بين الناس .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

( سورة مريم )

وداً بينهم وبينه ، وودا فيما بينهم .

والله أيها الإخوة ، أنا أرى من علامات الإيمان أن يكون الود بين المؤمنين ، وكلما رأيتُ وداً بين المؤمنين أزداد ثقة بإخواني ، ولا سمح الله ولا قدر لو رأيتهم متشاكسين متحاسدين ، والله أتألم ألماً لا حدود له ، معنى ذلك هناك ضعف في الإيمان كبير جداً .

أيها الإخوة ، إذاً : يجب أن تنتبه إلى الرزق السلبي ، معك مأوى ، مثلاً إنسان له زوجة صالحة فهي نعمة لا ينتبه لها ، لأنه يغيب شهرا عن البيت وهو يعلم علم اليقين أن له زوجة عفيفة أطهر من ماء السماء ، هذه نعمة لا تقدر بثمن ، وربما يكتشف أن لها اتصالات ، وعلاقات مشبوهة ، إنسان دخل بيته في غيابه ، يصبح كالمرجل ، هناك مليون نعمة ينعم بها المؤمنون ، وقد لا ينتبهون إليها ، الذي عنده زوجة صالحة ، الذي عنده أولاد أبرار ، محترم ، يخجلون منه ، يخدموه ، الذي عنده أصهار طيبون ، كل هذه نعم لا تقدَّر بثمن ، فحينما تصطلح مع الله يتولاك ، ويختار لك أفضل شيء ، أفضل زواج ، أفضل أولاد ، أفضل عمل ، عملا مريحا ، دخلا معقولا بوقت معقول ، وسمعة طيبة .

هذه البركة ، لكن بكل الآلات الحاسبة ، حينما أشتري آلة حاسبة هل أبحث عن زر للبركة ؟ هناك جمع ، وضرب ، وطرح ، وتقسيم ، ونسبة مئوية ، وذاكرة ... لكن ليس فيها زر للبركة ، وإذا بارك الله لك بوقتك تفعل في هذا الوقت المحدودِ المستحيلَ ، إذا بارك الله لك بمالك ، والله تفعل في هذا المال الشيءَ المدهشَ ، إذا بارك الله بصحتك تعيش حياة مديدة ، وأنت معافىً في جسمك ، لا تشكو شيئاً ، الله عنده عطاء كبير ، إذا رحِمك رفعك .

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

( سورة الشرح )

إذا رحمك طمأنك ، إذا رحمك منحك نعمة الأمن ، إذا رحمك منحك الكفاية ، فخذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هما ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .

8 – البركة في الوقت القليل :

إذاً : البركة تعني أن يبارك الله لك : بوقتك ، تجد علماء كبارا تركوا مؤلفات يكاد العقل لا يصدقها ، 380 مؤلفا ، متى كتبها ؟ متى قرأ ؟ متى تعلم ؟ متى ألّف ؟ متى نقح ؟ متى درس ؟

ثمَّةَ عالم في الجزائر عاش أقلَّ من خمسين سنة ، وزنه أقلّ من خمسين كيلوًا ، ينام أقلَّ من ساعتين ، استطاع أن يبثَّ روح المقاومة في الشعب الجزائري ، وأن يواجه فرنسا بأكملها ، الآن لو ذهبت إلى الجزائر لم تجد كلمة تعلو على كلمة هذا العالم العامل ، المجاهد ، الواعي ، الوسطي ، الذي جمع وما فرقّ ، قال : مَن قبِل ما عندنا فهو أخونا ، ومن لم يقبل فهو أخونا ، وما كفّر أحدًا .

الإسلام الآن يحتاج إلى وسطية ، يحتاج إلى إسلام كما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام .

8 – بركة الزكاة ولو نقصَ المال في الظاهر :

أيها الإخوة ، الآن لاحظ المفارقة ، معك ألف ليرة ، زكاة هذا الألف 25 ليرة ، نقص من ألف ليرة 25 ، ماذا يسمى هذا العمل ؟ زكاة ، الزكاة النمو ، يا أخي المبلغ نقص ، كيف نما ؟ بقدرة قادر .

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾

( سورة التوبة الآية : 103 )

ينمو المال ، وقد نقص ! يبارك الله فيه .

(( ما نَقَصَ مال من صدقة ))

[أخرجه مسلم والترمذي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة ]

(( أنفق بلالُ ، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ))

[ أخرجه الطبراني عن بلال رضي الله عنه ]

عبدي أًنفق أُنفق عليك ، المال لما ينقص يسمى المال الناقص زكاة ، أديت زكاته فنما .

9 – مالُ الربا ممحوق البركة ولو زاد في الظاهر :

أقرض قرضاً ربوياً ، أقرضت ألفا فرجعت 1050 ، قال تعالى :

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾

( سورة البقرة الآية : 286 )

الزيادة بخلاف منهج الله تمحق ، والنقص وفق منهج الله زيادة ، والزيادة بمعصية الله تعني المحق ، والنقص بطاعة الله تعني الزيادة .

10 – الزوجة الصالحة بركة :

أنا أركز على كلمة بركة ، أحيانا يبارك لك بزوجتك .

والله لا أنسى مرة عزّيت صديقاً لي بوفاة والدته ، كان عمرها ثمانين عامًا ، والده في سن التسعين ، بكي الزوج بكاء غير معقول ، أردت أن أسليه قليلاً ، أن أخفف عنه ، قال لي : والله منذ 55 سنة ما نمت يومًا غضبان عليها .

التقيت بعالم قرآن كريم عالم جليل ، قال لي : أنا عندي 38 حفيدا ، 13 طبيبا ، ما شاء الله ! أساسه زواج ، زوجة مباركة ، أنجبت أولادا أبرارا ، وبنات طائعات وأصهارا مؤمنين .

الدين جميل ، والحياة جميلة بالدين ، حياة فيها بركة ، فيها محبة ، فيها موآثرة ، فيها ود .

11 – الجار الصالح بركة :

vالأمير عبد القادر الجزائري كان ساكنا بالشام ، وله جار افتقر ، فاضطر أن يبيع بيته ، عرض البيت للبيع ، دفع له أحدهم 300 ليرة ذهبية ليشتريه ، فغضب ، قال : والله لا أبيع جيرة الأمير بهذا المبلغ ، خناك إنسان ابن حلال بلّغ هذا الأمير الخبرَ ، فاستدعاه ، قال له : هذه 300 ليرة ذهبية ، وأنت جارنا ، لا تبع بيتك ، هكذا كان الناس .

الآن من أين ينزعج الجار ؟ والعياذ بالله حياة شقاء ، الإنسان متحفز دائماً ، في كل لحظة قنص ، وغدر ، وشيء مريب ، أعصابنا كلها متوترة ، مِن بُعدنا عن الله عز وجل ، فلا راحة نفسية ، الشراء معركة ، البيع معركة ، المبيع مزوَّر ، أو أنّ مفعول المادة منتهٍ ، لكن مع المودة والحب تنحل كل المشكلات .

قال تعالى :

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

الله له منهج تطبقه ، أنت آلة معقدة جداً تعقيد إعجاز ، ولهذه الآلة صانع حكيم ، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة ، إن أخذت منهج الله بارك الله لك في حياتك ، وإن لم تأخذ منهج الله رفضته ، وأخذت منهج الشيطان دمرك الله .

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 71 )

أنا أحياناً أحب أن أستفز بعض الناس ، أقول لأحدهم : لا تحب أحدًا أحبب نفسك ، وأطع الله ، لا تحب أحدا ، لو أنك انطلقت من حب ذاتك ، من أنانية مفرطة فعليك بطاعة الله ، أنت آلة معقدة ، أوامر الله عز وجل ليست حداً لحريتك ، لكنها ضمان لسلامتك .

أنا أقول لك كلمة : لا مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله ، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .

والآن هناك أعداء تقليديون ، يقول لك : الاستعمار ، الكيان الصهيوني ، هؤلاء أعداء تقليديون ، لكن عندنا أعداء أخطر منهم ، جهلنا ، تخاذلنا ، نزاعاتنا الداخلية ، هؤلاء أعداء أشد ضرراً من أعدائنا التقليدين .

لذلك الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .

منهج الله ضمان للسلامة وليس تقييدا للحريات :

قضية منهج الله ليس الموضوع موضوع جبروت ، يجب أن تطيعيني يا عبدي وإلا سأسحقك ، ليس هذا المعنى إطلاقاً ، الله عز وجل رحمن رحيم ، رب كريم ، أعطاك تعليمات لسلامتك .

قد تجد خط توتر عالٍ ، ممنوع الاقتراب ، خطر الموت ، يا ترى مَن وضع هذه اللوحة وضعها ليتسلط عليك ؟ ليقيد حريتك ؟ ليقهرك ؟ لا والله ، وضعها من أجلك ، سلامةً لك ، فحينما تفهم أن هذه الأوامر والنواهي إنما وضعت من أجل سلامتك تكون فقيها ، ليس من أجل تقييد حريتك ، لكنها ضمان لسلامتك .

لا يستوي الصالح والطالح :

شيء آخر ، أنت كمعلم ، أعطيت وظيفة متعِبة للطلاب ، في اليوم التالي جاء الطلاب المجتهدون ، وقد كتبوها في أربع ساعات ، وطلاب ما كتبوا ، فإن لم تعاقب الذي لم يكتب فلا أحد يكتب في اليوم التالي ، هل هذا الكلام صحيح ؟ وحينما تسوي بين الفاسد والصالح ، والمجتهد والكسول ألغيتَ الاجتهاد ، ويتوهم المجتهد أنه أحمق ، تعب ، واستوى مع من لم يتعب .

فالله عز وجل من لوازم تربيته ، من لوازم حكمته ، أن يعامل كل مخلوق بحسب عمله إنْ تستقيم تسلم ، إنْ تبذل من وقتك ، من مالك ، من علمك تسعد ، إنْ تنضبط تكن في بحبوحة ، إنْ تتفلت تكن في ضياع .

﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾

( سورة البقرة الآية : 5 )

الهدى رفعهم .

﴿ أُولَئِكَ فِي ﴾

كآبة أو سجن :

﴿ ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾

( سورة إبراهيم )

لا بد من أن يعاقب الفاسد ، وإلا لا أحد يستقيم ، أنت حينما تستقيم ، وتلمس لمس اليد نتائج استقامتك تزداد ثقتك بنفسك ، الحمد لله يا رب أن ناديتني إليك ، الحمد لله أن أعتني على طاعتك ، الحمد لله إذا وفقتني إلى لخضوع إلى أمرك ، أما لو فسد إنسان ، وانحرف ، وبغى وطغى ، ولم يصبه شيء ، يزهد الناس في طاعة الله ، الله عز وجل كبير ، الله عز وجل خلقنا ليرحمنا ، لذلك ابحث عن رحمته ، ابحث عن منهجه .

أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ

الآن :

﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾

( سورة الأعراف )

نخبة أغنياء العالم يقضون عيد الميلاد في جنوب شرق آسيا ، بلاد جميلة ، شواطئ دافئة ، نباتات عملاقة ، جو جنوب الأرض في الشتاء رائع جداً ، بلاد دافئة ، مياه البحر دافئة ، أشجار باسطة أوراقها ، منتجعات بعشر نجوم ، جاءهم زلزال تسونامي فأراهم النجوم ظهراً ، قوته مليون قنبلة ذرية :

﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾

نحن تحت رحمة الله عز وجل ، ما مِن شيء ثابت ، الثابت طاعة الله عز وجل ، والثابت حفظ الله :

﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾

أحيانا الزلزال ليلاً .

﴿ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾

( سورة الأعراف )

أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُون

بالمناسبة في أي لحظة الشمس تشرق وتغرب ، في أي لحظة ليل و نهار ، الأرض نصفها ليل ونصفها نهار ، لذلك قد يأتي البلاء ليلاً ، وقد يأتي نهاراً ، والآية الكريمة :

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾

( سورة يونس الآية : 24 )

والله الآن هناك مدن جميلة ، فيها تزيينات ، فيها بذخ ، فيها لوحات جمالية .

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً ﴾

( سورة يونس الآية : 24 )

يعني أتاها ليلاً على قوم ، ونهاراً على قوم .

﴿ فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾

( سورة يونس الآية : 24 )

نحن الآن نرى رأي العين إعصارا جعل بلدة بأكملها أنقاضاً ، في تركيا زلزال الصورة الحقيقية موعظة كبيرة جداً ، مركز الزلزال بإزميت ، بالتاء ـ غير إزمير ، اللسان الطويل ـ هنا المركز ، الصورة نشرتها إذاعة بريطانية ، كل الأبنية أنقاض على الأرض ، الأبنية تفتت تفتُتا عجيبًا ، أعلى ارتفاع خمسون سنتيمترا ، المدينة كلها ركام ، ومسجد ومعهد شرعي لم يمس بأذى في وسط الأنقاض ، هذه الصورة عرضتها الإذاعة البريطانية ، والمصورة أيضاً صورتها ، وأنا عرضتها في الجامع مرة .

الله عز وجل له آيات :

﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾

﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

( سورة الأعراف )

فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ

الله عز وجل لا يمكر ، لكن مكره لصالح عباده .

﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾

( سورة آل عمران )

يمكر بنا كي يعيدنا إليه ، يمكر بنا كي نقبل عليه ، يمكر بنا كي نلجأ إليه ، يمكر بنا كي نصطلح معه ، يمكر بنا كي ندخل الجنة ، لذلك المؤمنون يوم القيامة لهم كلمة واحدة :

﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

( سورة يونس )

والله في هذه المنطقة المباركة الله ، قال مباركة ، الدليل :

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾

( سورة الإسراء الآية : 1 )

الأقصى وبلاد الشام بقعة مباركة :

نحن حول الأقصى ، بنص الآية بلاد مباركة ، فيها شدة ، فيها ضغوط ، فيها عدوان خارجي ، فيها ضغوط خارجية ، فيها حصار أحياناً ، أليس كذلك ؟ والله الذي لا إله إلا هو لو كشف الغطاء لوجدتم أن إقبال الناس على الدين ، واصطلاحهم مع الله رب العالمين بسبب هذه الضغوط ، ولو ذهبت إلى بلاد فيها الرخاء ، فيها الأمن ، ما عندها مشكلة ، تجد الجفاف الروحي ، التصحر الروحي ، البعد عن الله ، ما أحد يقبل على المساجد ، ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ، بلدة مباركة ، نحن في رعاية الله إن شاء الله .

عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُولُ :

(( بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ ، فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ ))

[ أخرجه أحمد ]

عليكم بالشام في آخر الزمان ، بلدة مباركة ، المساجد مليئة ، هذه ظاهرة طيبة جداً ، الدعاة كثر ، توجيه سليم إن شاء الله ، إيمان بالله .

ألقيت البارحة محاضرة في الجامعة ، المدرج كله محجبات ، والله شيء لا يصدق ، الله عز وجل أراد بنا خيرًا .

﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

الله يرخي الحبل ، لكنك في قبضته بلحظة واحدة ، فجأة سكتة دماغية .

اللهم إنا نعوذ بك من فجأة نقمة ، وتحول عافيتك ، وجميع سخطك ، أما المؤمن :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

( سورة فصلت )

مَن كان مع الله كان اللهُ معه :

أيها الإخوة الكرام ، نحن بحاجة إلى قرب من الله ، إلى صلح مع الله ، إلى مناجاة لله ، إلى إقبال على الله ، إلى توبة نصوح ، إلى عمل صالح ، إلى حضور مجالس علم ، إلى خدمة المؤمنين ، هذه كلها أعمال يتألق بها المؤمن .

والله الذي لا إله إلا هو أقول : أيها المؤمن ، إن لم تقل أنا أسعد الناس إلا أن يكون أحد أتقى مني فهو أسعد مخلوق ، معنى ذلك في الإيمان خلل ، أنت مع الله ، مع القوي ، مع الغني ، مع الرحيم ، مع من بيده كل شيء ، إلهي أنت مقصودي ، ورضاك مطلوبي ، مع الله ما لا حزن ، ولا يأس ، ولا إحباط ، ولا خنوع ، ولا نفاق ، ولا ذل ، ولا تشاؤم ، ولا سوداوية ، أنت مؤمن .

أنا والله لا أصدق مؤمنًا بمرض نفسي ، المرض النفسي يتناقض مع الإيمان ، الله معك ، ادعُه :

(( يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا ، حين يبقَى ثُلثُ الليلِ الآخِرُ ، فيقول : من يَدعُوني فأَستجيبَ له ؟ مَن يَسْألُني فأُعْطِيَهُ ؟ مَن يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ ، حتى يَنْفَجِرَ الفَجْرُ ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

(( ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْوا ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

أيها الإخوة ،

﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾

أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِم

البشر يخلف بعضهم بعضا :

ثمة إنسان يعمل بمنصب ، بعد إنسان كان في هذا المنصب ، إنسان يسكن بيتًا بعد إنسان كان في هذا البيت ، إنسان يكون أميرًا بعد إنسان كان أميرًا ، لو أنها استمرت له ما وصلت إليك ، الله جعل البشر خلائف .

سوق الحميدية مثلاً ، كل خمسين سنة أصحاب للمحلات جدد ، يكبر صاحب المحل ، أولاده يحلون محله ، يختلفون فيبيعون المحل ، يأتي شخص جديد ، والبيوت هكذا ، كل خمسين سنة تقريباً أصحاب بيوت جدد ، أصحاب محلات جدد ، انظر إلى الآية ما أدقها

﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾

لا تفرح بالدنيا ، افرح برضوان الله عليك .

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾

( سورة القصص الآية : 79 )

قيل له :

﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾

( سورة القصص )

أيها الإخوة ، الإنسان قد يصل للقمة ، طريق صعب ، طويل ، وعر ، فيه أكمات ، وحفر ، وغبار ، وحر ، إلى أن وصل إلى القمة ، السقوط طريقه مبلط مع الصابون ، بدقيقة تصبح تحت ، البطولة أن تبقى في القمة ، لا أن تسقط .

قد يرث الإنسان الأرض مِن بعد مَن تركها له ، بطولتك أن تتقي الله ، بطولتك أن تخشى الله ، بطولتك أن تعدل ، لذلك :

﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾

أيها الإخوة الكرام :

﴿ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

أنت في قبضة الله ، وتحت رحمته ، وأمره نافذ فيك ، والدعاء :

اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، عدلٌ فيّ قضاؤك ، ماض فيّ حكمك .

هذا هو التوجه إلى الله ، وهذه الطاعة لله ، تعطيك طمأنينة ، وأمناً ، وسعادة ، وراحة ورضىً يفتقده معظم الناس ، وإن لم يكن هناك ظرف كبير بين أهل الإيمان ، وأهل الكفران ففي الإيمان خلل .

والحمد لله رب العالمين

http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1908&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254