الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاةو السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

ما أجمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ما أحسن هديه , ما أروع تلك الأيام التي عاشها مع اصحابه .

اليوم نأخذ موقفاً له صلى الله عليه وسلم مع طفل من الأطفال يعيش صلى الله عليه وسلم حزن هذا الطفل .

هذا الطفل اسمه أبو عمير , وهو أخ لأنس بن مالك , كان لهذا الطفل طائر يلعب به .

ومن حق الطفل أن يلعب في هذا السن وأن يأخذ راحته وفيها أيضاً دليل فيها فوائد كثيرة للعلب بالطائر اذا لم يؤذيه , أو لم يدخل الضرر عليه .

وفجأة يموي هذا الطائر الذي هو لعبة للطفل , فيحزن الطفل وينقطع في البيت .

وكان صلى الله عليه وسلم يتفد الصحابة كباراً وصغاراً ورجالاً ونساءاً ويسأل عن أحوالهم لأنه اب للجميع صلى الله عليه وسلم وإمام للأمة وهو أرحم بهم من ابائهم وأمهاتهم , كما قال ربنا سبحانه : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } .

فيقول لأنس أين أبا عمير , قال : يارسول الله مات الطائر الذي كان يلعب به ,وهو حزين في البيت .

فذهب صلى الله عليه وسلم إليه , وهذا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم يقوم على شؤون الأمة وقيادة الأمة جميعاً وسلماً وحرباً وإمامتاً وخطابتاً وتدريساً وتعليماً , ومع ذلك لابد أن يجبر خاطر هذا الطفل .

فانظر الى هذا التواضع العظيم ,وانظر الى هذه السيرة المحمودة , والشمائل الكريمة .

ويدخل على الطفل , يقول : يا أبا عمير مافعل المغير , ويعزيه صلى الله عليه وسلم ويسليه ويرجيه , لأن مستوى عقل الطفل , أنه هذا موت الطائر كأنه الحرب العالمية , يعني أكبر المصائب , كأنه خسارة مالية عند الكبار .

فأنت لا بد أن تعيش علامة هذا الطفل , ولابد أن تعيش سروره وفرحه على مستوى عقله , ولابد أن تداعبه وأن تمازحه , وأن تلاعبه كما كان صلى الله عليه وسلم يلاعب الحسن والحسين وغيرهما .

بل أنه صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح " قام يصلي بالناس فلما قام إماماً صلى الله عليه وسلم , أخذ امامة بنت زينب ابنة بنته , فهو صلى الله عليه وسلم جدها وهي طقلة صغيرة , غابت أمها , فكان اذا سجد وضعها واذا قام رفعها في صلاة فريضة وهو يحملها أمام الناس .

ومرة سجد صلى الله عليه وسلم فقام الحسن فصعد على ظهره وهو ساجد لأنه كان يلاعبه صلى الله عليه وسلم بالبيت , وكان يحمله على ظهره , فلما رأى الحسن الرسول صلى الله عليه وسلم ساجد أعجبه المنظر , فصعد على ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم , ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالأمة , يصلي بالناس فانتظر صلى الله عليه وسلم ومكث حتى نزل الحسن , وسلم صلى الله عليه وسلم , وقال للناس : أني أطلت عليكم لأن ابني أرتحلني وخشيت اذا قمت أن أوذيه ".

فيا لخلقه الكريم كما قال ربنا سبحانه : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .

ومن حديث أبا عمير مافعله المغير , أخذ أهل العلم مسائل , كالحاضر في حجر في فتح منها السجع بلا تكلف , أنها ركبت الكلمة عند أفصح الناس عليه الصلاة والسلام يا أبا عمير مافعل المغير , فإذا خرج السجع الى التكلف والتشدق ونحو ذلك ذم ومنع , لكنه أتى هنا مشرقاً سهلاً ميسوراً قال : يا أبا عمير ما فعل المغير .

ومنها زيارة الامام لأصحاب الرعية , وحتى الأطفال وغيرهم من القاصرين , ومنهاالسوؤال عن أحوال الناس ومنها مخاطبة الناس على قدر عقولهم .

لاتقول أنا كبير ومشغول بالأهتمامات الكبرى وعندي عمل ومنصب ووظيفة , ولا عندي وقت لاأطفال .

لا هذا أكرم البشر عليه الصلاة والسلام يعيش هموم الطفل وأحزانه , ومنها مواساة المنكوبين والمحزونين والمصابين , ولابد من شكوى إلى ذي قرابةً يوسي اليك أو أتوجع .

فأنت عش مأسي الناس وأظهر لهم , ويعني الأسى كما تأسوا وكما تقول الخنساء : ولو كثرت الباكين من حولي على اخواني لقتلت نفسي , وما يبكين مثل أخي ولكن أعز النفس علي بالتأسي .

ومنها أيضاً أنه يجوز , بل هو المشروع والمجبب أن تمنح للطفل فرصة لللعب ولو لعب بالطائر بشرط كما قلت أنه لا يؤذيه وتعطيه اللعبة وتتركه في هذا السن سن السبعة سنوات بلا تكاليف شاقة عليه , لأنه لازال يعني عصفوراً صغيراً بريئاً , يحب اللعب كما في محكم التنزيل : {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } .

فإذا علم هذا فان سيد الخلق عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف أراد أن يرسل رسالة للأمة صلى الله عليه وسلم , وكل أفعاله ومزحه صلى الله عليه وسلم وبكائه وضحكه وسلمه وحربه ورضاه وغضبه وليله ونهاره , كلها شريعة متلقاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نستفيد منها , وعلى أن نتبعه صلى الله عليه وسلم , وعلى أن نقتدي به كما قال ربنا سبخانه وتعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } .

أسأل الله أن يسعدنا بإتباع سنته وأن يوفقنا بإنتهاج سيرته , وأن يجعلنا من أتباعه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الى يوم الدين , والى اللقاء .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4199