الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله ,والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

سلام الله عليكم ,ورحمته وبركاته.

سمع الطفيل بن عمر الدوسي الزهراني من جبال السروات , بمبعث الرسول صلى الله عليه وسلم .

وكان شيخاً من شيوخ قبيلته ,وشاعراً ,وأديباً .

سمع بأن النور قد انبعث من مكة يطوي الديار ,والقفار , سمع أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه وحي من السماء ,وأنه أعلن قضية ,ودعوة التوحيد في مكة " لا اله إلا الله محمد رسول الله " .

فذهب الطفيل بن عمر , يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمع ويرى بنفسه .

قال : فدخلت مكة , ذكر القصة , فلقيه أبو لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وكان أبو لهب هذا عدوً للرسول صلى الله عليه وسلم ,وهو عمه ,وكان حجر عثرة ,وكان دعاية سيئة ضد الإسلام ونبي الإسلام رسول الهدى صلى الله عليه وسلم .

قال : فما زال أبو لهب بي حتى خوفني .

يقول لا تقترب منه , انه ساحر انه يفصل بين المرء وزوجه , انتبه لا تسمع كلامه .

قال :فمازال بي يخوفني حتى وضعت القطن في أذني .

أخذ هذا القطن ووضعه في أذنه حتى لا يسمع شيء .

وجلس في الحرم خوفاً من الكلام ,أن يسمع كلام من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم , لكن الحق يدخل , يغلب القطن , الحق يخترق الأسماع ,والأبصار ,والأفئدة .

قال : ثم قلت في نفسي , الطفيل بن عمر كان عاقل ,وكان فصيح ,وشاعر , قلت : ياعجباً لي أنا رجل أديب ,وشاعر ,وأعرف الكلام , لماذا لا ألقي القطن ,واسمع فإن كان خير قبلته ,وان كان شر ردته .

وهذا أول الحق ,وأول الهداية , فنزع القطن من أذنيه ,وأقترب وجلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فدعاه صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان ,وشرح له ,وقرأ له بعض القرأن فدخل الإيمان مباشراً إلى قلب الطفيل بن عمر ,واستقرت لا اله إلا الله في نفسه , فنطقها صريحةً , قويةً ,مشرقة من لسانه لا اله إلا الله , أشهد أن لا اله إلا الله ,وأنك رسول الله .

ثم طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن له , يذهب يدعوا قومه ,وهذا شأن المسلم أن يكون داعية , لا يكتفي بالأنانية ,أو أن يحجم نفسه , أو انه ينحصر على بيته فقط , بل إذا أتاه الله سبحانه وتعالى مقدرتاً ,أوعلماً , أو فهماً فلينطلق على حسب ما أعطاه الله سبحانه وتعالى .

فالطفيل لم يفهم أن يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة بل تذكر أنه ورائه أسرة ,ورائه أهل ,ورائه قرابة ,وقبيلة ينبغي أن يدعوهم إلى لا اله إلا الله ,وأن محمد رسول الله , بمبدأ , {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } .

وذهب الطفيل فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعل لي علامة , حتى يصدقوني , يعني إذا سألوني ما هو الدليل مثلاً , أنك أتيت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإذا عنده علامة , عنده بينة .

فجعل الله نورً في جبينه يضيء له في الليل , فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وقال : يا رسول الله إذا كان النور في جبيني يضيء , أخشى أن يكون هذا مرض فيا , أو هذا يعني مثلى , فادعوا الله أن يحّول هذا النور إلى سوطي إلى عصايا .

فحول الله النور من جبينه فجعله في عصاه , فكان إذا رفع عصاه أضاءت الجبال أمامه , وإذا خفض العصا أضاءت الأودية .

و وصل إلى قومه ,ودعاهم , ولكنهم أعرضوا في أول الأمر ,ولم يستجيبوا له فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال : يا رسول الله ادعوا على" دوس " , قبيلته أسنها الدوس , يعني اضجر منهم , غضب , فأتى يريد الانتقام منهم ,ولكن بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال : يا رسول الله ادعوا على " دوس " , كفر " الدوس ", يعني أبت أن تسلّم , أبت أن تتبع الحق , أبت أن تستل الهدى .

فتوضأ صلى الله عليه وسلم , ثم رقع يديه وظن الطفيل بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يدعوا عليهم , وسوف يدعوا عليهم بالويل ,والثبور , وعظائم الأمور , والسحق ,والمحق , ولكنه صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة .

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ } .

وقوله سبحانه وتعالى : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } .

فرفع صلى الله عليه وسلم يديه .

يقول الطفيل : فلما رأيته رفع يديه ,واستقبل القبلة , قلت : هلك " الدوس " .

يعني قال في نفسه أن اليوم سوف تسحق دوس ,ولكن صلى الله عليه وسلم , حوّل الدعاء .

وقال : قال عليه الصلاة والسلام :اللهم أهدي دوس وأتي بهم , اللهم أهدي دوس ,وأتي بهم , اللهم أهدي دوس وأتي بهم .

وأنزل يديه ,وأرسل الطفيل ,وفي بعض الروايات أنه سأل الله أن يعطيه علامة النور في المرة الثانية .

فلما ذهب إليهم مرة ثانية , وقف فيهم خطيباً , يعرض عليهم الإسلام , فأسلموا عن بكرة أبيهم جميعاً , وأتى بهم الطفيل إلى المدينة ,ومنهم أبو هريرة الدوسي , الراوي , الصحابي الجليل أكبر راوية للحديث النبوي .

فهو حسنة من حسنات الطفيل ابن عمر , أما الطفيل فتوجه ,وقتل شهيداً في موتة ,وقبله ربه سبحانه وتعالى مع الشهداء الأبرار .

وانطوت صفحة من الفداء ,ومن الدعوة الصحيحة ,ومن الكرامة ,ومن حسن الأتباع لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم .

إن هذا الرجل مبارك , لم يكتفي بنفسه ,وإنما دعا القبيلة , فأسلمت عن بكرة أبيها , ثم خرج يجاهد في سبيل الله , فرزقه الله الشهادة .

غفر الله لنا وللطفيل ,وجمعنا به في جنات النعيم .

والى اللقاء .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4177