الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله وصحبه ومن والاه .

سلام الله عليكم ورحمته و بركاته .

سمع أبو ذر الغفاري رضي الله عنه بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم و أنه دعا إلى الإيمان و التوحيد في مكة, و كان أبو ذر في بادية" غفار " فأرسل أخاه أنيس يلتمس الخبر فذهب أنيس أخو أبا ذر الغفاري فوجد أبا لهب فأعطاه دعاية سيئة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد .

و أخبر أبا ذر بخبر ليس بصحيح يقول سمعت قوم يقولون شاعر أو ساحر أو كاهن .

قال أبو ذر لأخيه أنيس : أنت ماشفيتني , أي لم تأتي بالخبر على وجهه, لم تعطني خبرا مؤكداً

فركب أبو ذر حتى وصل إلى مكة و أضافه علي بن أبي طالب في تلك الليلة.

و هل تعلمون ما كانت ضيافة علي في تلك الليلة ؟ .

وعلي في تلك الفترة كان صبي و هو أول الذين أسلمو من الأطفال , أخذ أبا ذر و أعطاه حفنةً من زبيب الطائف ليس هذا إلا عشاء فلا يملك علي إلا هذا فلما نام تلك الليلة أخذه علي و قال: أنا أنزل بك الحرم .

فإذا وازيت أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم و اقتربت منه سوف أتظاهر وكأني أصلح حذائي فأنت تنتبه و ترى الرجل الأقرب الناس إلينا, لأن كفار قريش كانوا في المسجد و كانوا يؤذون من يدل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا يريدون أن يتصل به أحد ويمنعونه و يحجزونه من العالم و يحجزون العالم منه {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ }.

فذهب أبو ذر مع علي رضي الله عنه فلما اقترب من رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل علي ليصلح حذاءه فعرف أبو ذر و انصرف أبو ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف أمامه .

و قال : عم صباحاً يا أخ العرب وهي تحية جاهلية كان العرب إذا لقي أخاه في الجاهلية يقول عم صباحا يا أخ العرب و تعني أسعدت صباحا أو صباح الخير , ويقول امرؤ القيس الشاعر المشهور :

أنعم صباحا أيها الطالل البالي وهل يعي من كان في العصر الخالي

وهل يعي من إلا سعيد منعم قليل الهموم لايبت بأوجاله

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بإلغاء تحية الجاهلية وسلام الجاهلية ,و عادات الجاهلية, و ناموس الجاهلية ,و عبادة الجاهلية .

أتى صلى الله عليه وسلم يلغي هذا المجتمع الجاهلي كله بأسره المعتقد الباطل, و الانحرافات في السلوك , و الأخلاق , وفي كل تصرف من تصرفات هذه الحياة .

أتى بإيمان جديد و مبدأ جديد و دستور جديد .

قال صلى الله عليه وسلم : إن الله أبدلني بتحية خير من تحيتكم , السلام عليكم ورحمة الله .

قال أبو ذر : السلام عليكم ورحمة الله .

قال صلى الله عليه وسلم : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

وعرض عليه الصلاة والسلام الإسلام , فدخل النور قلب أبي ذر , فأسلم ,وشهد أن لا اله إلا الله ,وأن محمد رسول الله .

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قف فإذا سمعت بخروجي فاخرج .

ولكن أبو ذر لم يتحمل , كان حاداً , كان قوياً , كان جاذماً فذهب عند الصفا ,وأعلن إسلامه , فضربوه حتى أدموه وعاد إلى باديته ووقف خطيباً ,وداعيتاً في قومه .

وهذا شأن المسلم , القضية الكبرى عندك الإسلام , أنت كل الإسلام معك في ذهنك , في إرادتك , في قلبك , ادعوا إليه بسلوكك , بكلامك .

هل عندك قضية أكبر من قضية الإسلام ؟ .

هل عندك هوية ,وبطاقة شخصية أشرف من هذا الدين العظيم ؟ .

يقول أحد المفكرين العصريين المسلمين : الإسلام قضية عادلة , لكن المحامي فاشل .

إذا كان المسلم ضعيف في إيمانه ,وضعيف بتمسكه بإسلامه , فكيف يدعوا غيره , إذا ماكنت أنت تتشرف بالإسلام ,وتعيشه خلقاً ,وتعيشه مبدأ ,وتعيشه ديناً ,وتعيشه أداباً ,وتحمد الله عز وجل أنك مسلم ,وأنك مؤمن ,وتحاول أن تدعوا أخوانك ,وزملائك ,وتدعوا الناس .

كيف , كيف تجد حلاوة الإيمان ؟.

عاد أبو ذر إلى قومه , وأخذ يدعوهم , وكلما استمر في مشواره قام خطيباً , قام يتكلم , دعا أخاه , ودعا أهله ,وودعا زوجته .

فأسلموا ,والحمد لله ,وسمع أبو ذر أن رسول الله وصل إلى المدينة , فأخذ قافلة من المؤمنين اللذين اسلموا على يديه من البادية ,واقبل بهم في زحف مقّدس ,وفي قافلة كبيرة ,وفي جيش عرمرم .

ودخلوا المدينة كأنهم جيش , الغبار على رؤوسهم , أقبلوا مسلمين , مؤمنين , أقبلوا بنسائهم , وأطفالهم ,ومواشيهم .

انتقلوا من البادية , انتقلوا إلى عاصمة الإسلام , انتقلوا إلى النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم , انتقلوا إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم , ويزكيهم , ويطهرهم ,ويعلمهم ,ويزيد في إخراجهم من الظلمات إلى النور .

وأصبح أبو ذر مع رسول الله صلى الله علي سلم ملازماً ,وأصبح حبيباً ,وقريباً من الرسول صلى الله عليه وسلم .

وله عند رسول الله منزلة الراقية , الرائدة , القريبة , فرسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه كثيراً ,ويأخذ على يديه في بعض المسائل , كالغضب .

كان رضي الله عنه غضوباً كان حاداً , أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام , قال : أوصني يا رسول الله .

قال : لا تغضب .

قال : زدني .

قال : لا تغضب .

قال : زدني .

قال : لا تغضب .

وأنا أقول لك أيها المسلم ,أيتها المسلمة لا تغضب , لا تغضب هذا الشعار هي أعظم وصية في الأخلاق ,وهو ركن من أركان الخلق الإسلامي العظيم .

إننا إذا حققنا عدم الغضب , حققنا السعادة لنا ,وللناس ,وأرحنا الناس من أذانا ,وهذا النفس الرضية , التي امتثلها أبو ذر فيما بعد .

حتى إذا غضب جلس ,وتوضأ ,ويستعيذ بالله من الشيطان .

أسعدنا الله ,وإياكم ,والى اللقاء .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4167