الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

في ليلة من الليالي, وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ضيف من البادية جائع يريد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضيفه.

فجلس صلى الله عليه وسلم معه في المسجد, وأرسل لزوجاته في البيت, هل عندكم شيء من الطعام إذا أتينا بالضيف.

فكل زوجة من زوجاته تقسم أنه ليوجد عندهم شيء في البيت.

كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس, وهذا بيت النبوة, بيت الإمام المعصوم صلى الله عليه وسلم ليس فيه طعام,ولاتمر ,ولا لحم تلك الليلة بل أحيانا ينام صلى الله عليه وسلم جائعا ,وأحيانا يربط على بطنه الحجر من الجوع .

فقال صلى الله عليه وسلم:للصحابة في المسجد من يضيف ضيف الرسول عليه الصلاة والسلام, من يضيف ضيف رسول الله, لأن إكرام الضيف واجب.

يقول عليه الصلاة والسلام :"من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه ".

لأن إكرام الضيف إذا نزل بك الضيف وجب عليك أن تقوم بضيافته, ليس هذا تبرع, هذا وجوب.

فقال صلى الله عليه وسلم :من يضيف ضيف الرسول عليه الصلاة والسلام ,فقام أنصاري فقال : أنا يارسول الله أضيف ضيفك ,

فانطلق بالضيف, وهو في تلك الفترة, في حاجة وفي جوع, وفي مشقة.

فأتى إلى زوجته ,وجلس الضيف في المجلس .

وقال لزوجته :أعندك طعام .

قالت:عندنا طعام من قليل لا يكفي إلا للأولاد, أو للضيف, أحدهما.

قال :نيمي أطفالنا ,هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ,ولعل الله أن يثيبنا ,ويوجزنا .

فأتت مع صلاة المغرب, وأخذت تلهي الأطفال, وتحدثهم, وتحكي لهم حكايات حتى ناموا, ناموا جائعين.

لاحظوا الأثرة ,لاحظوا الصدق مع الله عز وجل ,حتى يكرم ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ,حتى يشبع ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لأن الطعام قليل بالأصل ,لو توجهت فيه للأطفال ,لم يكفي الضيف ,فقالوا لا الحق أن نضيف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وأطفالنا الله يتولاهم .

فناموا جائعين ,وأما هذا الضيف فقدم له الأنصاري الطعام .

وقال لأمراءته :إذا قدمت له الأكل ,(وهو رغيف كبير من الخبز مع قليل مع اللبن ) ,إنا إذا قدمت له الطعام أخشى أن يخجل ,ويبقي منه شيء ,فأنا سوف أتظاهر أني أكل معه ,وأنت حاولي أن تطفيء السرج في البيت ,تطفيء النور ,حتى نبقى في الظلام ,حتى أظهر إني أنا أكل معاه ,وأنا ما أكل أصلا ,وهو يأكل الطعام ,يعني دعيه يشبع لأنه ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فلما صنعوا الطعام ,وقدموا الخبز واللبن ,فتظاهرت أنها تسلح السراج ,يعني اللمبة هذه التي على السراج ,أوعلي الزيت ,أو على الدسم ,على الشحم ,فأطفأته فأصبحوا في الظلام ,فأخذ الضيف يأكل ,والأنصاري يتظاهر أنه يأكل معه ,وهو لم يأكل لقمة واحدة ,فشبع الضيف .

ونومه الأنصاري في البيت ,وفي الصباح قام به ,وأتى به الى المسجد ,فضحك صلى الله عليه وسلم .

وقال : لقد عجب الله من صنيعكم البارحة بضيفكم .

أخبره ربه ,نبأه ربه بقصة مافعلوا بالضيف ,وأنهم نومي أطفالهم ,وأنهم أطفؤا السراج حتى يأكل الضيف ,وأن الضيف أكل وشبع ,وأنهم لم يأكلوا لقمة واحدة ,وأنهم ناموا جائعين ,فعجب الله ,وهذا يعني مؤذن بإثابته ,وإكرامهم عند ربهم ,وتعظيم الأجر لهم رضوان الله عليهم ,وجزاهم الله خير عما قاموا به .

جزا الله الأنصار خيرا على نصرتهم للدين ,وعلى مافعلوا من مواقف عظيمة ,ومواقف نبيلة .

حتى أبو بكر الصديق كدح الأنصار, لما كاد يقع خلاف بين المهاجرين والأنصار بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم, من الذي سيتولى الخلافة.

فسكتهم أبو بكر الصديق وكان فصيحا ,أديبا ,حافظا ,راوين ,

قال : يامعشر الأنصار أويتم ,وأخيتم ,و واسيتم ,وأكرمتم ,ونصرتم ,والله يامعشر الأنصار ما مثلكم (يعني يمدحهم ) إلا كما يقول طفيل الغنوي (أحد الشعراء العرب (كان أبو بكر يحفظ القصائد العربية والاستشحادات ,وكان فصيحا ) .

والله مامثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي لما نزل في بني جعفر فأكرموه ,وضيفوه ,ونصروه .

فقال :( جزى اللهُ عنَّا جعفراً حيثُ أشرفتْ *** بنا نعلُنا في الشارفين وزلَّتِي

هم خلطونا بالنفوسِ وألجــأوا *** إلى غُرُفاتٍ أدفأتْ وأظلَّتِي

أَبَـوا أن يملوُّنا ولو أن أمَّنـا *** تُلاقي الذي يلقَون منا لملَّتِ ) .

ولذلك مدح الله سبحانه وتعالى الأنصار فقال : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } .

ولو كان بهم من شدة الجوع يؤثرون الضيف ,يؤثرون المسلم ,يؤثرون الجار ,كرم و حسن خلق ,لذلك سموا الأنصار,وهو اسم شرف لهم .

حتى يقول صلى الله عليه وسلم :" الأنصار كرسي وعييتي ,لا يحب الأنصار إلا مؤمن ,ولا يبغطهم إلا منافق " .

فمن مواقفهم مافعله هذا الرجل ,يعني انظر إلى هذا التصرف العظيم ,كيف استوجب به رضوانه الواحد الأحد ,بالثواب الجزيل ,وكيف أحسن التصرف مع ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وكيف سبق إلى هذه المكرمة .

يعني تصور أنت انك تأتي برجل من المسلمين جائع ,وتنوم أطفالك جائعين ,ولا تأكل أنت وزوجك ,وانتم ماعندك إلا هذا الطعام فقط ,لا عندكم ثلاجة ,لا عندكم فواكه ,لا عندكم تمر ,لا عندكم في البيت إلا هذا الطعام فقط الرغيف هذا واللبن ,ثم تنام أنت ,وأهلك ,وأطفالك لا تأكلون شيء ,ويشبع الضيف هذا المسكين ,الفقير ,الجائع الذي وفد .

يعني غايته هو الكرم ,انه نهاية ماتسموا إليه النفس الطاهرة الإنسانية إذا امتلأت إيمانا ,وحب لله ,ولرسوله صلى الله عليه وسلم ,وصدقا مع الله .

هذه قصص وردت ,يعني حصلت لو لا أن الصحابة ثقات عندنا ,ولو لا أن الإيمان صنعه ,ولو لا أن الرواية صحيحة ,فلم يكن يصدق الناس ,لم نكن نصدق الآن ,لأن المجتمع الآن أصبح مجتمع جفي إلا من رحم ربي وقسوة .

الآن الرجل في قصره يغلق القالمجتمع,عى أطفاله.فيتناول كل شيء ولا يسأل عن المجتمع, يموت من يموت, يجوع من يجوع, يمرض من يمرض.

اللهم ردنا إليك ردا جميلا, وألف بين قلوبنا.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى اله وصحبه ومن سار على منهجه يوم الدين.

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4106