الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله و صحبه ومن والاه .

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

جمل جابر .

هذه قصة في السيرة , عن بيع بين سيد الخلق صلى الله عليه و سلم وبين جابر .

المشتري : محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم .

البائع : جابر بن عبد الله .

السلعة : الجمل .

الثمن : شيء من دراهم .

ولكن سوف تسمعون .

يقول جابر ابن عبد الله أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم كنت مسافراً مع رسول الله صلى الله عليه و سلم , في غزوة للجهاد في سبيل الله , وإمام الجيش وسيدهم و خيرهم و نبينا صلى الله عليه و سلم هو قائد الجيش معهم .

قال فركبت جمل لي يقول جابر فصعب علي الجمل و ثقل .

يعني تعب وكل الجمل ما استطاع يمشي .

فتقدم الرسول صلى الله عليه و سلم ولحقني .

قال :فسأله ما للجمل .

فقلت : كل يا رسول الله و حار علي و ثقل فضربه صلى الله عليه و سلم فضربه , ضرب الجمل فتحرك و مشى سريعاً , و بث الله فيه الروح , فأخذ الجمل هذا يسبق كل الجيش , و يسبق جمال الناس , ولحقه الرسول صلى الله عليه و سلم و أدركه في الطريق , وتحدث معه في الليل قال يا جابر تزوجت يقول صلى الله عليه و سلم .

وهو رسول الله صلى الله عليه و سلم مشغول برسالة عالمية , وبإصلاح البشر , وبهداية الناس أجمعين .

ولكن أنظر إلى هذا الخلق العظيم .

فأعماله سنة و مزحه سنة , وحديثه ,و سواليفه , وسمره ,سنة و شريعة .

قال : تزوجت يا جابر .

قلت : تزوجت يا رسول الله .

قال :بكراً أو سيّباً .

قلت : بل سيّب يا رسول الله .

يعني سبق أن تزوجت و طلقت .

قال : هل لبكراً تلاعبها وتلاعبك .

يقول : لماذا ما تزوجت بكر يعني أحياناً تكون خفيفة و دعوبة و إلى الآن مشركة على الحياة , فعتذر جابر .

قال جابر : يا رسول الله إن أبي مات و خلف أخوات لي ,و صغار , أردت أن تكون زوجتي سيّب , لتقوم بشؤون أخواتي , فدعاله صلى الله عليه و سلم بالبركة وصوب رأيه وحسّن مذهبه , ثم قال تبيعني جملك يا جابر .

فأخذ يبايع جابر ويماكثه في الثمن وكذا .

و بالأخير إتفق , على أنه باع للرسول صلى الله عليه و سلم ,بكم أوقية من الفضة .

قلت يا رسول الله إذاً نشترط أن يبقى الجمل معي حتى أصل إلى المدينة .

باع الجمل ما عنده إلا هذا الجمل وهو راحلته و يركبه .

فأعطاه صلى الله عليه وسلم الشرط ,وقال حتى تصل المدينة ,ولما وصل المدينة ,وهذا في الاشتراط في السلعة بيع وشرط مثل هذا في مصلحة العقد ,لا بأس به .

فلما وصل المدينة ,قام صلى الله عليه وسلم ,وكان من سنته أن يبدأ في المسجد ,فصلى فيه صلى الله عليه وسلم .

ثم نادى بلال ونادى جابر .

قال :ياجابر خذ الثمن ,هذا ثمن جملك ,فأعطاه الثمن بلال ,كانت الميزانية شيء من الدراهم, والفضة عند بلال بالربح رضي الله عنه .

فأخذ جابر ثمن جمله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ,و ذهب .

قال : فلما خرجت من المسجد ,ناداني صلى الله عليه وسلم .

قال :تعال يا جابر ,فإذا الناس ينادونه ,يا جابر , يا جابر , تعال يريدك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال : فأتيت .

قال صلى الله عليه وسلم :أتظن ,أتراني ماكثتك لأخذ جملك (يقول له تظن اني أنا كنت أبايعك ,وكنت أقاصيك في الثمن وكنت أتيتك لأجل أن أخذ الجمل ) خذ الجمل والثمن .

بارك الله لك في الجمل والثمن .

فأعطاه الثمن ورد له السلعة ,والجمل ,قال خذه معك .

جاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ,جاد أصلا بالدنيا كل الدنيا ,جاد بالأموال , أتته الغنائم ,وأتته ألاف الابل ,والاف البقر ,والاف الغنم ,ووزعها ولم يأخذ منها ,درهم ,ولا شات ,ولا بعير ,ولا ناقة , ولا بقرة .

فهو أزهد الناس صلى الله عليه وسلم , وهو أكرم الناس , وأسخى الناس يدا ,وأسخى الناس قلبا ,وأسخى الناس روحا ,وخلقا .

فجابر أخذها .

يقول بعض العلماء, فيها لفتة عظيمة, وغريبة ,ربما ذكر جابر في ذلك بوالده ,فان والده عبد الله بن عمر ,كان أنصاريا ,قتل شهيدا ,فان الله سبحانه وتعالى هداه والده عبد الله هذا الى الايمان ,ثم رزقه الشهادة فقتل في أحد .

بعض العلماء يعلق فيقول : فكأنما جابر لما أعطاه صلى الله عليه وسلم الثمن , وأعطاه السلعة .

الجمل يعني يذكره بقصة والده ,فإن الله خلقه ,ثم رزقه الشهادة ,ثم أعطاه السلعة في الجنة ,فالله هو الممتن على والد جابر ابن عبد الله بن عمر ,لأنه قتل شهيدا ,و كلمه ربه بلا ترجمان, الله كلم والد جابر ,هذا عبد الله ,فقال تمنا ياعبدي .

قال : أتمنى أن تعيدني الى الدنيا ,فاقتل فيك ثانية .

قال (هو الله) :اني كتبت على نفسي انهم اليها لايجعون , فتمنى .

قال : أتمنى ,أن ترضى عني فاني قد رضيت عنك .

قال : فاني أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبدا .

فجعل الله روحه, وروح اخوانه الشهداء ,في حواصر طير خضر ,ترد مياه الجنة ,وتأكل من ثمارها, وتشرب من أنهارها , وتأوي الى قناديل معلقة بالعرش ,حتى يرث الله الدنيا وما عليها .

هذه القصص التربوية التي قام بها صلى الله عليه وسلم ,هي قصص موحية من السيرة .

منها سهولة البيع والشراء , ومنها أن يكون سمحا اذا بايع الناس ,يكون يوجد عفو ,يكون يوجد صفح ,سواء من المشتري ,أو من البائع .

كما قال صلى الله عليه وسلم:" رحم الله امرءا سمحا ,اذا باع واذا اشترى ,واذا اقتضى , واذا قضى "

وان بعض الناس تجد فيهم من العلث على عباد الله , ومن المشقة, ان بايعوا شق عليهم ,وان اشترا منه تجده ملحا , وتجده شديدا ,وتجده صنفا ,وان تعامل معهم بالدرهم والدينار, أو بالشراكة أو بالمرابحة ,أوفي مساهمة ,فيعذب عباد الله .

ياأخواني ,سهلوا المعاملات ,انظروا الى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ,ماأسهل تعامله .

وفي النهاية من رحابة صدره صلى الله عليه وسلم ,رد السلعة ورد الثمن ,ووجه جابر الى ماهو الأحسن , والأجمل في هذا الباب ,ألا ان سيرته صلى الله عليه وسلم ,في البيع والشراء ,في الأخذ والعطى ,في السلم والحرب ,في الرضى والغضب ,انها معالم من الهدى ,انها منارات من الفضيلة ,والحق العظيم .

متى ماصدقنا في اتباع هذا الامام صلى الله عليه وسلم ,متى ماتعلمنا سنته ,وشريعته على أنها للعمل ,وعلى أنها تطبيق ,وعلى أننا نشهد الله ,أنه معصوم ,وأنه رسول , وأن النجاة معه ,وأن الهداية معه وحده عليه الصلاة والسلام .

فيا أتباعه ,ياأنصار دينه ,يا حفاظ مبادئه , هذا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم .

نقدم سيرته واضحة ,صريحة ,بلا طلاء ,ولا رتوش من عندنا ,ولا اضافات .

حتى يأتي الجيل بعد هذا الزخم الاعلامي ,وبعد مايكتب الأن في الانترنت ,وبعد ماينشر في الفضائيات أحيانا من تبذل ,ومن عري ,ومن الكلام مافيه من الضياع ومن الهذيان .

تعالوا الى الحق,تعالوا الى المعين الذي لا ينبض ,تعالوا الى السنة المطهرة .

وفقنا الله واياكم الى مايحب ويرضى والى اللقاء .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4085