الحقوق محفوظة لأصحابها

راغب السرجاني
استطاع خالد بن الوليد أن يسقط بصرى ويفتح الأدرن، ثم قسم جيشه إلى أربعة أقسام، وتوجه لحصار دمشق، لأهميتها، ثم أرسل هرقل قائده وردان لقتال جيش شرحبيل بن حسنة، ولكن علم خالد بمخابراته العسكرية بتوجه جيش وردان الرومي، وفي نفس التوقيت وصلته رسالة تجمع الرومان في أجنادين، فماذا كان رد فعل خالد بن الوليد في الموقفين؟ وكيف كان استعداد الجيش الإسلامي والجيش الرومي في أجنادين؟ وماذا كانت أحداث وقعة أجنادين؟

عوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم , ان الحمد لله , نحمده و نستعينه ونستغفره ونستهديه .

ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , انه من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له .

وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمد عبده ورسوله , أما بعد فأهلا ومرحبا بكم في هذا اللقاء المبارك , وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين .

مع الحلقة الثالثة عشر من حلقات فتح فلسطين والشام , وفي الحلقة السابقة تحدثنا عن التقاء خالد ابن الوليد رضي الله عنه .

القائد المعزة , التقاءه بالجيوش الإسلامية بقيادة أبي عبيدة وشرحبيل ويزيد رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين .

وتسلم القيادة من أبي عبيدة وإعطاءها الى خالد ابن الوليد ليصبح هو قائد العمليات العسكرية في أرض الشام للجيش الإسلامي .

ورأينا أول انتصارات خالد ابن الوليد المبهرة مع الجيش الإسلامي حول حصار بصرى , وقبل أهل بصرة أن يدفعوا الجزية للمسلمين .

وتكلمنا عن قضية الجزية , وأوضحنا أنها رحمة بغير المسلمين الذين في الدولة الإسلامية .

بفتح بصرة تعتبر الأردن انفتحت , الحقيقة الأردن في ذلك الوقت لم تكن عامرة بالسكان كسوريا أو لبنان أو فلسطين .

يعني كانت قريبة جدا من الصحراء , ولم يكن فيها أماكن كثيرة للحياة , ولعل ذلك يفسر لنا أن جيش يزيد بن أبي سفيان وجيش شرحبيل ابن حسنة الذي كان مقرهما الرئيسي في أرض الأردن .

لم يلقوا قتالا , ولم يذكر اللهم في بصرى , عندما جاء خالد ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه .

وهذا يعطي لنا انطباعا جديدا عن فتح الأردن , يعني مشهور جدا في التاريخ حتى عند أهل الأردن أنفسهم أن الذي فتح الأردن هو شرحبيل ابن حسنة .

لأن جيشه كان في الأردن , لكن وقع الأمر بالتحليل التاريخي , والتحليل العسكري .

نجد أن الأردن لم تسقط حقيقة في يد المسلمين الا بعد قدوم خالد ابن الوليد رضي الله عنه من أرض العراق , والتقائه مع الجيوش الإسلامية , وحصار بصرى ثم إسقاط بصرى .

وبسقوط بصرى تعتبر سقطت الأردن بكاملها في يد المسلمين , يعني يعتبر الفاتح الحقيقي لأرض الأردن هو خالد ابن الوليد رضي الله عنه ومن معه من الجيوش الإسلامية وهذا من قبيل إعطاء الحق لأهله .

وطبعا هذا لا ينقص أبدا من قدر وقيمة وجلالة شرحبيل ابن حسنة رضي الله عنه وأرضاه , وجهاده وجهاد المسلمين معه في هذه الأرض المباركة أرض الشام .

بعد فتح الأردن ماذا حدث ؟

قسم خالد ابن الوليد القائد العام الآن للجيوش الإسلامية , قسم الجيش الى أربع أقسام .

القسم الرئيسي كان ستة عشر ألف مقاتل , السبعة آلاف لعبيدة ابن الجراح والتسعة آلاف الذين أتوا مع سيدنا خالد ابن الوليد من العراق .

أخذهم وذهب يحاصر مدينة دمشق , طبعا مدينة دمشق كانت هي المحطة التي يذهبون إليها كلما انتهوا من أحد المعارك الكبرى أو أحد مراحل القتال .

لأن دمشق هي العاصمة , لو سقطت العاصمة , سقطت مراكز الحكم الرئيسية في أرض الشام وبالتالي أصبح فتح بقية الشام سهلا على المسلمين .

لذلك توجه سيدنا خالد بجيشه وجيش أبي عبيدة لحصار مدينة دمشق , وأبقى جيش شرحبيل في منطقة بصرى , ذو السبعة آلاف مقاتل وأرسل يزيد بن أبي سفيان بسبعة آلاف مقاتل الى منطقة البلقاء .

وعمر ابن العاص الى منطقة فلسطين بثلاثة آلاف مقاتل , طبعا واضح من هذه التقسيمة ان جيش عمر ابن العاص وجيش يزيد ابن أبي سفيان , الجيشان هذان لا يهدفا الى قتال , ولكن يهدفان في المقام الأول في حماية ظهر المسلمين .

لأنه طبعا أعدادهم قليلة , والمساحات التي يسيطرون عليها أو يقفون فيها مساحات واسعة كبيرة .

والاعتماد الرئيسي الآن في الفتوح الإسلامية على الجيش المكون من جيش خالد مع جيش عبيدة المحاصر لمدينة دمشق .

أسوار دمشق أسوار عالية جدا , مدينة في منتهى الحصانة , هي أحصن مدينة في الشام , ولعلها في ذلك الزمن من أحصن مدن الدنيا قاطبة .

وطال الحصار حول المدينة , بالتالي قرر هرقل أن يرسل نجدة لأهل دمشق , لكي لا تسقط هذه المدينة المهمة جدا في أرض الشام .

فأرسل سرية بقيادة وردان , وردان هذا كان والي حمص , وحمص طبعا تقع في شمال دمشق على بعد حوالي مائتين وعشرين كيلو أو أكثر .

وتحرك وردان بمنتهى الذكاء في الطرق الداخلية , لم يأخذ الطريق المعتاد , طريق دمشق حمص المعتاد .

ولكنه تحرك الى الطرق الداخلية في لبنان عن طريق بعلبك , ثم بحيرة طبرية حتى يلتف حول الجيش الإسلامي ولا يلتقي مع جيش خالد من البداية .

جيش وردان الحمصي , أو وردان الروماني , لم يفكر في قتال الجيش الإسلامي الموجود في دمشق وإنما قصد الى جيش شرحبيل .

وطبعا هذا ذكاء واضح , ذكاء عسكري وفطنة حربية من وردان الروماني , لماذا ؟

لأن جيش المسلمين الموجود حول دمشق جيش كبير , ستة عشر ألف مقاتل , والجيش القادم مع وردان كان تقريبا حوالي عشرة آلاف .

وان كان أثناء الطريق يزيد أعداده بتجميع الحاميات الرومانية الموجودة في أماكن مختلفة , وتجميع الأعراب والعرب الغساسنة الموالين للرومان .

لكن في النهاية هو لا يريد أن يقاتل جيشا كبيرا كجيش خالد ابن الوليد وأبي عبيدة ابن الجراح , هذا أولا .

ثانيا ان جيش شرحبيل جيش منعزل , سبعة آلاف مقاتل منعزلين عن الجيوش الإسلامية حول بصرى .

فممكن تحقيق نصر على هذا الجيش وبالتالي أعادت من الروح المعنوية للجيوش الرومانية بعد هزيمتها في خمس مواقع على يد خالد ابن الوليد , ثم سقوط بصرى .

فهذا طبعا كان مؤثر على معنوياتهم وبالتالي يريد أن يحقق نصرا معنويا ولو كان نصرا بسيطا على جيش صغير من جيوش المسلمين .

الحاجة الثالثة خطيرة جدا جدا , لأنه هو لو انتصر على جيش شرحبيل سيصبح في ظهر الجيش الإسلامي المحاصر لدمشق .

أنتم تعرفون بصرى في جنوب دمشق , فلو استطاع وردان أن ينتصر على شرحبيل أصبح في جنوب دمشق , وبالتالي أصبح محاصرا لجيش خالد ابن الوليد وأبي عبيدة ابن الجراح بينه وبين دمشق .

عندها لو خرجت الحامية الرومانية الموجودة في دمشق فا جيش المسلمين سيحصر بين جيشي وردان وجيش دمشق وبالتالي ممكن يحصل نوع من الهزيمة والخلل في الجيش الإسلامي .

الكلام كله طبعا كان تفكير وردان وكان تفكير حقيقة عسكري قيم جدا وبارع جدا لولا أنه جوبه بخالد ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه .

الحقيقة خالد ابن الوليد من العبقريات العسكرية التي كانت تهتم بشكل كبير جدا بقضية المخابرات .

وكانت مخابراته بمنهى القوة تنتشر بكل مكان ويستطيع أن يرى المحاور البعيدة والقريبة , ويتوقع تحركات العدو سواء كانت متوقعة أو غير متوقعة .

سواء كان على طريق حمص دمشق الرئيسي أو الطرق الداخلية , أكتشف خالد ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه , أنه هنالك جيش روماني قادم من حمص في اتجاه جيش شرحبيل وبالتالي حصل نوع من الاضطراب في الجيش الإسلامي .

وعقد مجلس استشاري سريع يتناقش هو مع أبي عبيدة في هذه القضية , طبعا يفعل ماذا ؟

يا ترى يبقى كل جيش في مكانه ونترك شرحبيل يحارب وردان بمفرده وإنشاء الله ممكن يحصل نوع من النصر , سبعة آلاف واحد ضد عشرة آلاف ممكن أن يحققوا نصر , لكن طبعا ممكن في نفس الوقت أن وردان يجمع قوات ثانية .

فالله أعلم سيوصل جيش وردان بعدد الله أعلم , وماذا لو هزم شرحبيل ابن حسنة , يحصر المسلمون بين جيش وردان وبين جيش دمشق .

يبقى هذا رقم واحد , ثانيا الاحتمال الثاني أن يتجمع الجيوش الإسلامية مع بعضها لحرب وردان سواء في بعلبك أو سواء عند شرحبيل ابن حسنة .

أو يرسلوا لشرحبيل ابن حسنة يأتي عند دمشق , أو أبو عبيدة يتحرك بعد ذلك هو وخالد ابن الوليد لقطع الطريق على وردان .

يعني احتماليات كثيرة جدا , لكن قبل أن يأخذوا القرار , جاءهم خبر جديد مزعج .

الخبر هذا أنه هنالك مجموعة كبيرة جدا من الرومان أكبر بكثير من مجموعة وردان تتجمع الآن في منطقة أجنادين في فلسطين .

ومنطقة أجنادين هذه غير معروفة الآن , غير محددة الآن على الخريطة بشكل واضح وغير معروفة عند أهل فلسطين .

ولكن كما يذكر الرواة أنها منطقة بين الرملة وبيت جبرين , وهي في الجنوب الغربي لمدينة القدس .

وواضح أنها منطقة التقاء طرق , يعني الطرق القادمة من الرملة الى بيت جبرين والطرق القادمة من القدس الى عسقلان , ومن القدس الى اسدود .

يعني كانت ملتقى طرق ولم يكن فيها حصون معينة أو قلاع معينة , إنما كانت مجرد مكان تلتقي فيه الجيوش الرومانية من هنا وهناك .

تجمعات رومانية كبيرة جدا , عسكرية تتجمع في منطقة أجندين , ونحن عارفين أن عمر ابن العاص رضي الله عنه موجود في أرض فلسطين وبالقرب منه يزيد بن أبي سفيان .

هذا ثلاثة آلاف وهذا سبعة آلاف وهذه الجيوش التي تتجمع من الواضح أن عددها كبيرة وفيها خطورة كبيرة جدا على الجيش الإسلامي .

طيب نفعل ماذا في مثل هذا الظرف ؟

يا ترى خالد ابن الوليد تحرك الى أجندين أو يتحرك الى بصرى لحماية شرحبيل ابن حسنة , أو يظل في مكانه في دمشق .

كان رأي أبو عبيدة أن تتحرك الجيوش الإسلامية لنجدة شرحبيل في بصرى , لأن وردان يتجه الى بصرى .

لكن خالد ابن الوليد كان له رأي مخالف , قال خالد ابن الوليد ان جمع الرومان هاهنا في أجندين .

يعني الجيش الرئيسي للرومان موجود في أجندين , فأنا أرى أننا لو ذهبنا الى شرحبيل في بصرى , فان وردان سيأتي الى بصرى ثم تخرج حامية دمشق من دمشق وتأتي الى بصرى من شمال بصرى , فيحصر المسلمون بين حامية دمشق وبين جيش وردان .

لذلك أنا أريد أن أتجنب القتال في هذه المنطقة تماما , ولكن نلتقي مع الرومان في المكان الرئيسي الذي يتجمعون فيه وهو أرض أجندين .

منطقة أجندين في فلسطين جنوب غرب القدس , وأبو عبيدة رأى أن هذا الرأي طيب ورأي حسن , وبالتاي بدأ سيدنا خالد ابن الوليد ينظم الجيوش الإسلامية لتلتقي كلها في مكان واحد في أرض أجندين .

وأرسل رسالة تحذيرية الى شرحبيل , انه هنالك جيش لوردان يأتي إليه قادما من الطرق الداخلية عبر بحيرة طبريا .

وحتى قدوم هذه الرسالة من خالد ابن الوليد لم يكن يدرك أن هنالك جيش روماني قادم إليه .

أدرك هذا الأمر قبل قدوم الجيش بليلة واحدة , يعني قبل تقريبا مسافة خمسة وأربعين كيلو .

(تظهر خريطة لمنطقة التقاء الجيشان )

تحرك بسرعة شرحبيل ابن حسنة واتجه الى منطقة أجندين , ملتف حول البحر الميت حتى لا يتعرض للجيوش الرومانية .

نفس الوقت أرسل رسالة الى عمر ابن العاص أن يوافيه في منطقة أجندين , وأرسل نفس الرسالة الى يزيد ابن أبي سفيان .

وتحرك هو وأبو عبيدة ابن الجراح بسرعة للوصول الى أجندين , والرسالة الحقيقة التي أرسلها خالد ابن الوليد الى هذه الجيوش لتحمسهم الى الخروج , رسالة تعبر فعلا عن طبيعة خالد ابن الوليد .

وتعبر في نفس الوقت عن طبيعة الجيش الإسلامي الذي انتصر بعد ذلك كما نحن عارفين في موقعة أجندين .

يا ترى ما الذي في الرسالة ؟

هذا الذي سنعرفه بعد الفاصل , فابقوا معنا بعد الفاصل .

---------------------------------------------------------------------------------

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , قبل الفاصل كنا نتحدث عن تحركات المسلمين من هنا وهناك الى منطقة أجندين حيث تتجمع قوة رومانية كبيرة في هذه المنطقة .

والمسلمون كانوا يحاولون التجنب لقاء الجيش الإسلامي المنفرد في بصرى بقيادة شرحبيل مع جيش وردان الروماني القادم من حمص .

وبالفعل وصلت رسالة التحذير الى شرحبيل وبدأ يتجه الى أجندين , الرسالة التي أرسلها خالد ابن الوليد رضي الله عنه الى شرحبيل والى يزيد والى عمر , تطلب منهم أن يوافوه جميعا في أرض أجندين , كانت رسالة واحدة , نصا .

انظروا يقول ماذا في الرسالة يقول بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد , بعد الحمد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فانه نزل باجندين جموع من الرومان غير ذي عدد ولا قوة , مع أن أعداد كبيرة أكبر من الجيش الإسلامي الا أن خالد ابن الوليد كما ذكرنا يستوي عنده الكثرة والقلة .

فيقول غير ذي عدد ولا قوة , والله قاسمهم , وقاطع دابرهم , هكذا في منتهى القين والثقة في رب العالمين سبحانه وتعالى .

أولا هو لا ينظر الى أعداد المشركين بالمرة , كثير , قليل كله قليل في النهاية .

والحاجة الثانية أنه متأكد أن الله عز وجل وينسب النصر دائما الى الله عز وجل , أن الله قاسمهم , وقاطع دابرهم .

ثم يقول وقد شخصت إليهم في اليوم الذي أرسلت إليه فيكم , وهذا يرسل نوع من الطمأنينة في الجيوش الإسلامية .

ان خالد ابن الوليد وعبيدة ابن الجراح رضي الله عنهم وأرضاهم يتحركون بجيوشهم الكبيرة , ستة عشر ألف مقاتل لنجدة المسلمين فلا يلقى أبدا في قلبوهم الوهن أو الضعف .

ثم يقول فإذا قدم عليكم فانهضوا , لو قدم الجيش الروماني قبل أن آتي فانهضوا , ثم يقول كلمات جميلة جدا

يقول انهضوا إليه في أحسن عدتكم وأصح نيتكم , الله أكبر !

يعني يأمرهم بالإعداد العسكري والخروج الحسن ووو , ولكنه لا ينسى في مثل هذا المقام أن يذكرهم بتجديد النية وإخلاص النية لله عز وجل .

هذا بيت القصيد , كل معركة سوف نأتي ونتكلم عليها في قصة خالد ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه سوف نذكر قضية النية هذه .

ونسب قضية نسبة النصر دائما الى الله عز وجل , ونذكر دائما أنه ما نسب النصر لنفسه ولذلك كان ربنا سبحانه ينصره دوما .

{ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } .

فتحركت بالفعل الجيوش الإسلامية واستطاع المسلمون أن يصلوا الى منطقة أجندين والتقوا سوية هناك .

وبدأت العيون الرومانية تنظر في داخل الجيش الإسلامي عن طريق العرب الموالين لهم في أرض الشام .

لماذا نذكر هذا الموضوع ؟ , نذكر هذا الموضوع لأنه في حدث لطيف جدا حصل من أحد الجواسيس العرب .

طبعا جاسوس عربي في وسط الجيش الإسلامي ممكن أن يدخل دون أن يشعر به أحد , لماذا ؟

لأن الجيوش الإسلامية متجمعة من اليمن ومتجمعة من كندة ومتجمعة من مكة المكرمة ومن المدينة المنورة .

يعني ناس ممكن أن تكون ترى نفسها أول مرة وبالذات أنه كان هنالك جيوش منفصلة .

جيش مع أبو عبيدة , وجيش مع شرحبيل , وجيش من خالد قادم من العراق .

يعني أمور مختلفة قد لا يعرف الكثير منهم بعضهم البعض , لذلك دخل جاسوس من العرب الموالين للرومان الى داخل الجيش الإسلامي في أجندين واطلع على بعض الأمور ثم اتجه الي الجيش الروماني يخبرهم بحال المسلمين .

وأنا أرى أن الله عز وجل يسر لهذا الجاسوس أن يدخل الى أرض المسلمين أو الى جيش المسلمين , ولم يجعل المسلمين يكتشفون أمره ليصل برسالة معينة الى الجيش الروماني .

ماذا قال الجاسوس العربي للجيش الروماني , وهذا الجاسوس بعد ذلك أسلم .

وهو الذي نقل هذه الحكاية بعد ذلك للمسلمين , قال العربي لوردان , وردان على فكرة هو الذي كان سيحاصر جيش المسلمين جيش شرحبيل في بصرى .

وردان هذا توجه الى أجندين ثم تولى قيادة الجيوش الرومانية قاطبة , فماذا قال له العربي .

قال وجدتهم رهبان بالليل , أثناء الليل قيام ليل , من أول الليل الى آخره قيام ليل وقراءة قرأن .

وجدتهم رهبان بالليل فرسان بالنهار , أثناء النهار تدريب عسكري وحمية عسكرية , وتدري على السلاح والخطط العسكرية في منتهى القوة .

بالليل قيام وبالنهار قتال وتدريب على القتال , ولو سرق ابن ملكهم , قطعوا يده , لإقامة العدل فيهم .

يعني ما عندهم أحد يتميز على أحد , لو سرق ابن ملكهم القائد , ابن الزعيم لقطعوا يده لإقامة العدل فيهم .

هكذا وجد العربي في المسلمين ونقل هذه الرسالة البسيطة , كلمات قليلة جدا ولكنها في منتهى العمق الى وردان .

فماذا قال وردان ؟ , قال لأن كنت صدقتني , يعني لو كان فعلا الوصف الذي قلته سليم , فبطن الأرض خير لي من لقائهم على ظهرها .

وددت والله أن الأمر بيني وبينهم كفافا , ما أنتصر عليهم وما ينتصرون علي , يعني نخرج متعادلين هذا جيد جدا .

لكن تخيل مدى الرهبة والرعب الذي ألقاه ربنا سبحان الله وتعالى في قلوب المشركين عندما رأو هذه الصورة البهية للجيش الإسلامي .

هذه يا أخواني وأخواتي الجيوش المنصورة , يعني لا نتكلم كثيرا عن تفاصيل الخطة وعلى طريقة الحرب وعلى الضرب بالسيف وعلى كذا .

لكن هذا رجل غدا عنه قتال وعنده معركة ومع ذلك يشغل نفسه طوال الليل بدل من أن ينام أو يستريح .

يشغل نفسه طوال الليل بقيام الليل وذكر الله عز وجل والاستغفار في الأسحار ووو .

ثم يصلي الفجر , ثم يبدأ بعد ذلك يومه مبكرا بالتدريب على السلاح , وبأخذ الأسباب , وبترتيب الخط .

شيء الحقيقة مبهر ومشرف ورائع , وليس هذا في أجندين فقط ولكن في كل معارك المسلمين , فما أروع التاريخ الإسلامي .

كما قلنا أن الرومان يبدو أنهم ما اختاروا أرض أجندين لكي يحاربوا فيها , لأن أجندين لا فيها مدينة كبيرة , ولا فيها حصن , ولا فيها قلعة , ولا فيها ما يخافون عليه , ولكنها كانت مجرد مكان لتجميع الجيوش .

وخالد ابن الوليد هو الذي واجههم في هذا المكان وأتى إليهم قبل أن يستعدوا لمغادرة المكان , لعلهم كانوا يذهبون الى القدس لحمايتها , الى دمشق لحمايتها الله أعلم .

لكنهم كانوا في النهاية بوغتوا بجيش خالد ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه في أرض أجندين .

يوم المعركة .... , يوم معركة أجندين وأجندين يوم من أيام الله عز وجل ومن أشهر المعارك في تاريخ المسلمين .

كانت في سبعة وعشرين جماده الأولى سنة ثلاثة عشر هجرية , وهذا يوافق ثلاثين يوليو سنة ستمائة وأربع وثلاثين ميلادية .

الجو كان حار جدا وهذه كانت رحمة بالمسلمين , الحرارة هذه كانت رحمة بالمسلمين وضرر كبير على الرومان , لأن الرومان لا يستطيعون القتال في الجو الحار .

بينما أتى المسلمون من الصحراء القاحلة من مكة من المدينة من غيرها من البلاد الحارة , فكانت الفرصة أكبر عند المسلمين .

والكلام هذا كان بعد نحو شهرين تقريبا من فتح بصرى , جيش الرومان في موقعة أجندين وصل الى أكثر من مائة ألف مقاتل .

بينما الجيش الإسلامي ثلاثة وثلاثين ألف مقاتل , المائة ألف مقاتل هؤلاء كان منهم سبعين ألف مقاتل الحامية الرومانية الرئيسية الموجودة في أرض فلسطين .

وكانت موجودة في شمال فلسطين , وحركها هرقل الى منطقة أجندين بالإضافة الى الثلاثين ألف التي أتى بها وردان .

وردان لما بدأ يتحرك من حمص كان عشرة آلاف لكن في طريقه وهو يسير الى حمص كان يجمع الحاميات الرومانية في المدن المختلفة التي يمر بها والأعراب الموالين للرومان .

فوصل الجيش الروماني الى مائة ألف أو يزيد أذا حسبنا الأعراب و الغساسنة الذين انضموا الى الجيش الروماني .

جيش المسلمين كان كما قلنا ثلاثة وثلاثين ألف , وكان خالد ابن الوليد أعطي الصلاحيات كاملة .

والظاهر أن الصلاحيات كانت عالية جدا جدا جدا , لدرجة أنه بدأ يغير من القيادات ولم يأخذ من القيادات الأولى الا أبا عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وأرضاه .

نظم الجيش سيدنا خالد ووضع نفسه على مقدمة الجيش , ووضع في القلب على المشاة أبا عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وأرضاه .

وعلى الميمنة معاذ ابن جبل رضي الله عنه وأرضاه , إنما العلماء وأعلم الأمة بالحلال والحرام انه ترك المسجد وترك دور العبادة وترك الاعتكاف وترك كل ذلك وذهب للجهاد في سبيل الله .

وكان في جيش أبي عبيدة , فاختاره خالد ابن الوليد رضي الله عنه ليكون زعيم الميمنة أو قائد الميمنة .

وعلى الميسرة كان سعيد ابن عامر , هو الذي أتى بمدد لم تذكره سبعمائة مقاتل الى المسلمين في أرض الشام .

وعلى الفرسان سعيد ابن زيد رضي الله عنه وأرضاه وهو من العشرة المبشرين بالجنة .

ووضع خالد ابن الوليد رضي الله عنه النساء في خلف الجيش ليحمسن الجيش للقتال .

وطبعا وقفة وتساءل , لماذا جاءت النساء الى أرض القتال , الحقيقة يا إخواننا المسلمين عاشوا في أراضي الجهاد ومواقع الجهاد عيشة عادية جدا .

وكأنهم يخرجون الى نزهة أو كأي واحد فينا يأتي له عقد يشتغل في بلد ثانية , فطالع ومعه زوجته ومعه أولاده المسلمين كانوا يفعلون ذلك في أرض الجهاد .

لأنه يخرج من أرض الجهاد سنة واثنتين وثلاثة , وأربعة وأكثر , ولا يعرف سوف يرجع متى .

سبحان الله , خرج المسلمون في سنة اثنا عشر هجرية منهم من لم يعد الى المدينة المنورة الا في ثمانية عشر أو عشرين أو اثنان وعشرين هجرية .

بل ان منهم من استشهد في أحد البلاد أو عاش في هذه البلاد وما عاد الى المدينة قط .

فأخذوا معهم النساء , بل ان منهم من كان يتزوج في أرض القتال ولعل من أشهر الأمثلة أبان ابن سعيد ابن العاص رضي الله عنه وأرضاه .

من الصحابة الكرام , تزوج ليلة أجنادين , وكان يقاتل في يوم أجنادين وهو في أول ليلة ليالي زواجه .

ترى ماذا حدث في أرض أجنادين ؟ , ماذا فعل الثلاثة وثلاثين ألف مسلم ضد مائة ألف روماني أو يزيد ؟

ماذا فعل وردان القائد الروماني المحنك الذي جاء من حمص , حتى وصل الى أجندين .

وماذا فعل القائد العبقري الفذ المسلم خالد ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه هذا ما نعرفه في الحلقة الماضية .

أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه , وأن يعلمنا ما ينفعنا وأنم ينفعنا بما علمنا انه ولي ذلك والقادر عليه .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .