الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(13-60): تفسير الآيات 28 - 30 ، الفاحشة ـ الزيادة في القبح ـ الزنا

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-04-06

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

أيها الإخوة ، مع الدرس الثالث عشر من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثامنة والعشرين ، وهي قوله تعالى :

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾

وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا

1 – معنى الفاحشة :

أيها الإخوة ، ما معنى كلمة فاحشة ؟ كلمة فاحشة تنصرف إلى فعلٍ قبيح ، فعلٍ يسبب لفاعله العار ، فعل يجعل صاحبه مضغة في الأفواه ، شيء تستقذره النفس ، شيء تنكره الفطرة السليمة ، شيء يشيع بين الناس كخبر يتعلق الناس بترويجه لغرابته .

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾

جاء في بعض المعاجم هي الزيادة في القبح ، وبعض العلماء صرَف كلمة فاحشة إلى الزنا ، لأن أية معصية ينتهي أثرها بانتهائها ، إلا الزنا فيستمر أثرها بعد انتهائها ، هناك ولد ، وجنين إسقاطه مشكلة ، وإبقاءه مشكلة ، وولادته مشكلة ، ونسبَه مشكلة ، ومكانته الاجتماعية مشكلة ، يبدو أن الفاحشة في الأعم الأغلب تنصرف إلى الزنا ، والله سبحانه وتعالي يقول :

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾

( سورة الإسراء )

2 – وجوبُ الابتعاد عن مقدِّمات الفاحشة :

والتوجيه الإلهي دقيق جداً ، إذ هو ينهى عن القرب من الزنا ، لا عن الزنا ، يبدو أن هذه المعصية لها مقدمات ، وكأن المقدمات منطقة خطيرة ، فإذا دخلت فيها جذبتك إلى نهايتها .

تماماً : كتيار كهربائي عالي التوتر ، فيه 8 أمتار ، أيّ كائن حيّ دخل في هذه الأمتار الثمانية قبل أن يصل إليه يجذبه ويحرقه .

يبدو أن هذه المعصية كبيرة ، أو يبدو أن هذه الجريمة تسمى في القانون جريمة الزنا ، يبدو أن الزنا له قوة جذب كبيرة ، فحينما تتساهل وتدخل المنطقة التي ينبغي أن تبتعد عنها تصل إلى نهاية الفاحشة شئت أم أبيت .

تماماً : كصخرة في رأس جبل مستقرة ، فإذا دفعتها وفي نيتك أن تجعلها تنحدر في المنحدر عشرة أمتار لن تستقر إلا في قعر الوادي ، أنت مخير أن تبقيها في مكانها الآمن أو أن تدفعها ، فإذا دفعتها فلن تستقر إلا في نهاية الوادي .

لذلك أقول لكم هذه الكلمة الدقيقة ، وتؤكدها دراسات علم النفس : إن الإنسان حينما يقع في الفاحشة 90 % ممن وقعوا في هذه الفاحشة ما كانوا يتصورون أن يصلوا إلى نهايتها ، ولكن لأنهم اقتربوا من حرمها .

(( الحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ ))

[ متفق عليه ]

صحبة الأراذل طريق إلى الزنا ، صحبة الزناة طريق إلى الزنا ، مطالعة قصة إباحية طريق إلى الزنا ، مشاهدة عمل فني إباحي طريق إلى الزنا ، مطالعة موقع إباحية في الإنترنت طريق إلى الزنا ، إطلاق البصر في الطريق طريق إلى الزنا ، لقول الله عز وجل :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾

( سورة النور الآية : 30 )

كأن الآية رسمت طريق حفظ الفرج وغض البصر ، وأؤكد لكم أيها الإخوة بشكل قاطع أنه ما من تكليف كلفنا الله به ، وما من معصية نهانا عنها إلا وفي وسع الإنسان أن يأخذ بالتكليف ، ويبتعد عن ما نهاه عنه الله ، لقوله تعالى :

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

( سورة البقرة الآية : 286 )

إنّ الله لا يعذب قلبا بشهوة تركها صاحبها في سبيل الله ، وإذا سألني شاب : بماذا تنصحني ؟ أقول للشاب : أنصحك أن يكون النبي الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم سيدنا يوسف قدوة لك ، لأنه قال :

﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾

( سورة يوسف الآية : 23 )

لأنه كان شاباً جميل الصورة ، وكان بعيداً عن أهله ، وكان في قصر ملك ، والتي أمرته بالزنا سيدته ، ولم تفضح أمره ، وقد عدّ العلماء عشرة أسباب تدعوه إلى أن تزلّ قدمه ، ومع ذلك قال :

﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾

لما صار عزيز مصر رأته خادمة في موكبه فقالت : سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعته ، وسبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيته !!!

والآن كل الفضائح في الأرض من زمرتين فضيحة جنسية ، أو فضيحة مالية ، فإذا تمكنت أن تسد هاتين الثغرتين فأنت في حصن ، ولا يستطيع أحد في الأرض أن ينال منك ، محصن من أن تأكل مالاً حراماً ، ومحصن من أن تتهم بامرأة ، إن لم تخلو بها كيف تتهم ؟ .

3 – إيّاكم والخلوة بالأجنبية :

لذلك أيها الإخوة ، الخلوة مع المرأة أجنبية ، النبي قال كلام دقيق قال :

(( لا يخلون رجل بامرأة ))

[ أخرجه أحمد والترمذي والحاكم ، عن عمر ]

ما قال : ما خلا كافر ، ما قال : ما خلا فاسق

(( لا يخلون رجل ))

أيّ رجل من دون استثناء بامرأة ، حتى إن بعض دراسات علم نفس الجنس تؤكد أن الإنسان حينما يستثار من قبل امرأة في خلوة تعطل محاكمته .

ألم يقع في حماقة ما بعدها حماقة رئيس أكبر دولة في العالم ، لأنه كان في خلوة ، وأعلى منصب جمهوري في الأرض اضطر أن يبكي أمام رجال الدين معترفاً بذنبه ، وقد نشر على الإنترنت أكثر من 3000 صفحة في تفاصيل سقوطه .

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾

ولا يزني إلا الجاهل الدنيء .

سيدنا يوسف قال :

﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

( سورة يوسف )

4 – كل شهوة لها قناة نظيفة تسري من خلالها :

النقطة الدقيق أيها الإخوة ، أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، لا تقلق ، وسبحان من لا ينسى من فضله أحدا .

(( ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ))

[ أخرجه أبو المظفر السمعاني ، عن سلمان ]

إن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب ، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ، بماذا ترقى إلى الله ؟ غض البصر يرقى بك إلى الله ، ضبط الأذن عن سماع الأغاني يرقى بك إلى الله ، ضبط اللسان عن أن تتفوه بكلمة فاحشة يرقى بك إلى الله ، أن تصاحب المؤمنين صحبتهم ترقى بك إلى الله .

(( لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))

[ أخرجه أحمد ، وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد ]

أن تبتعد عن كل عمل فني فيه مشاهد مثيرة هذا يرقى بك إلى الله ، أن تلقي من يدك كل قصة مثيرة ألقها في الأرض ، أنت إنسان طاهر ، وهذه الشهوة التي أودعها الله فيك لن تحرم منها ، ولكن في الحلال .

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾

( سورة القصص الآية : 50 )

المعنى المخالف أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه ، كإنسان يتزوج ، وقد يكون اللقاء الزوجي ، وقد يستيقظ لصلاة الليل ، وقد يبكي في الصلاة ، ما فعل شيئاً خلاف المنهج ـ دقق في هذا الكلام ـ ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، الزواج شيء رائع جداً ، امرأة تحل لك ، امرأة مصيرها لك ، معك ، سوف يثمر هذا الحب طفلاً يملأ البيت سعادة ، يكبر ، يكون معك دائماً ، يكون في عونك ، البنت في قلبها عطف وحنان على أبيها لا يوصف ، الزواج الشرعي فيه مستقبل ووفاء ، وسعادة ، وطمأنينة ، وراحة نفسية ، ومكانة اجتماعية .

لما يخطب الإنسان يأتي إلى بيت أهل مخطوبته ، خطب ، وكتب الكتاب ، يبقى إلى الساعة الثالثة أحياناً ، لا أحد يتكلم ولا كلمة ، هي زوجته ، وحقه ، ويوم العرس يزمرون في الطريق ، أتستحيون ؟ لا ، لا نستحي ، هذا عرس ، وحلال .

أؤكد لكم مرة ثانية أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .

أؤكد للإخوة الشباب وللأخوات الشابات أن مرة زار بيتي إنسان متقدم في السن ، قدمت له ضيافة قطعة حلوى ، أول قطعة وضعها في فمه ، قال دعاء والله أنا أعرفه ، لكن شعرت بقشعريرة ، قال : سبحان من قسم لنا هذا ، ولا ينسى من فضله أحدا .

أنا أقول للإخوة الشباب : غض بصرك ، واضبط لسانك ، واضبط أذنك واطلب العلم ، وائتِ إلى المسجد ، وأتقن عملك ، ولن ينساك الله من فضله ، لأنه في كتاب الجامع الصغير حديث إن قرأته اقشعر جلدك ، الحديث ضمن مجموعة أحاديث تزيد على عشرين حديثًا ، حق الرجل على ابنه ، حق الأب على ولده ، حق الابن على أبيه ، حق المسلم على المسلم ، حق الجار على الجار ، أما هذا الحديث :

(( حق المسلم على الله أن يعينه إذا طلب العفاف ))

عندي قصص كثيرة ، لا تعد ولا تحصى عن شاب طلب العفاف ، إحدى هذه القصص لعلي ذكرتها سبقاً :

اضطر شاب أن يرافق أمه إلى فريضة الحج ، حج وهو في الـ18 من عمره ، فلما عاد عنده مكتبة في حي متواضع ، يبدو أن فتاة متفلتة ساقطة وقفت أمام محله وغمزته ، وأشارت إليه أن اتبعني ، فتبعها ، وهو في الطريق أجرى محاكمة ، قال : يا رب أنا حججت بيتك الحرام ، وأين أنا ذاهب الآن ؟ فخاف من الله ورجع ، يقسم بالله العظيم أنه في اليوم التالي وقف أمام محله التجاري رجل وقور من وجهاء الحي ، قال له : يا بني ، هل أنت متزوج ؟ قال : لا ، يا عم ، قال له : عندي فتاة تناسبك تماماً ، أرسل أمك إلينا ، هو توهم أنه فيها عيب كبير حتى عرضها أبوها ، هكذا نحن ، وهذا من أفكارنا الجاهلية ، لكن القرآن قال :

﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾

( سورة القصص الآية : 27 )

ما الذي يمنع تكون أبا ، وعندك بنت مناسبة صالحة مستقيمة ، أن تعرضها على شاب مؤمن ؟ قال له : تعال انظر إليها ، أعجبتني أخلاقك ، وعندي بنت تناسبك ، لذلك ورد في الأثر :

" من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل خطوة خطاها ، وبكل كلمة قالها عبادة سنة قام ليلها ، وصام نهارها " .

والآن ما من عمل أعظم من أن تهيئ لشاب مؤمن شابة مؤمنة ، تسره إن نظر إليها ، وتحفظه إن غاب عنها ، وتطيعه إن أمرها .

﴿ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾

( سورة النور الآية : 26 )

لا تقل : لا علاقة لي ، لا تقل : امشِ بجنازة ، ولا تمش بزواج ، هذا كلام الشيطان ، والرحمن ماذا يقول ؟ :

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ﴾

( سورة النور الآية : 32 )

هذا أمر إلهي ، كن وسيطا ، ولا مانع ، تحمل بعض المتاعب ، تأتيك بعض المتاعب طبعاً ، الزوجان المتفاهمان يغيب الزوج عنك خمس سنوات مسرور هو وهي ، يتشاجران فيأتي عندك ، لماذا في هذه الخمس سنوات لم تشكرنِي ، لما تشاجر معها جاء ، وقال : أخي أنت كنت الواسطة ، لذلك :

(( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ))

[ أخرجه الترمذي عن ابن عمر ]

تحمل ، أنت تعيش بعمل صالح ، لذلك إخواننا الكرام ، ما مِن شيء الآن يعلو باسم الأعمال الصالحة على تزويج الشباب ، وتحصينهم من هذا الفساد الذي يعم الأرض .

هل تصدقون أن نصف نساء في بلدنا الطيب سوريا من دون زواج ، وهذه وصمة عار بحق الأمة ، وهذه مشكلة كبيرة .

وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً

أيها الإخوة ، الآية الكريمة :

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾

الفاحشة هي الزنا ، أو المعصية التي لها آثار مستقبلية ، والزنا في ولد ، وقال بعض العلماء : الفاحشة هي معصية عليها حد ، كالجلد أو قطع اليد ، أو ما شاكل ذلك ، أو الفاحشة الكبائر ، أو الفاحشة كان العرب في جاهلية يطوفون عراة ، لأنهم ارتكبوا المعاصي بثيابهم ، إذا ينبغي أن يطوفوا طاهرين من دون ثياب ، فارتكبوا معصية أكبر ، هذا حمق ، وهذه الجاهلية .

أيها الإخوة ، لكن آية تحير :

﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 30 )

هل يعقل أن تنهى امرأة زوجها رسول الله عن أن تزني ؟! لكن أعجبني تفسير أن زوجات النبي عليه الصلاة والسلام حينما يحمِّلْنَه ما لا يطيق من أمور الدنيا فكأنهن ارتكبن فاحشة .

لكِ زوج مؤمن ، طاهر ، مستقيم ، يده نظيفة ، دخله حلال ، لا تحملينه فوق طاقته ، لا تضطريه أن يأكل مال حرام .

الصحابية كانت الكريمة تقول لزوجها قبل أن يغادر البيت : اتقِ الله لنا ، نحن بك نصبر على الجوع ، ولا نصبر على الحرام ، الآن تضغط عليه ، وتضغط عليه إلى أن يأكل المال الحرام .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ ﴾

( سورة التغابن الآية : 14 )

عداوة مآل ، يوم القيامة يستحق النار بسبب زوجته ، ضغطت عليه إلى أن أكل المال الحرام ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :

(( أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة ))

[رواه أحمد والحاكم والبيهقي عن عائشة ]

(( أعظم النساء بركة وأقلهن مهرا ))

[ الجامع الصغير عن عائشة ]

مبدأ التقليد الأعمى : قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا

إذاً هؤلاء :

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا ﴾

هكذا الناس ، انظر هذا الكلام الجديد المعاصر : هكذا الناس ، ضع رأسك بين الرؤوس وقل : يا قطاع الرؤوس ، الله يهدينا ، الله يصلحنا ، ماذا نفعل ؟ هذه بلوى عامة ، الله يتوب علينا ، نحن بعد أربعين أو خمسين سنة نحج ونتوب ، هذا كلام الناس ، والله إنّ الغربيين لو دخلوا جحر ضب لدخلناه .

نحن كنا صغارا في التعليم إذا ارتكب الطالب مخالفة أكبر عقاب يُحلَق شعرُه قليلا ، الآن يُحلق على الصفر ، أنا أتفاجئ في الأخبار بشخص محترم جداً حلق شعرَه على الصفر كله ، لماذا ؟! لأنه :

(( لَوْ دَخلُوا فِي جُحْرِ ضّبٍّ ، لَدَخَلْتُمْ فِيه ))

[ أخرجه الحاكم عن ابن عباس ]

يلبس الشباب اليوم سروالا كاحتا ، هو جديد ، لكنه كاحت ، أو البنطال فيه ثقوب ، والله مرة أخت كريمة أرسلت لي ابنها لقضية ، لما دخل على غرفتي ببنطال فيه عدة ثقوب ، رق قلبي له ، وكتبت عندي أن سأؤمن له بنطالا جديدا ، ثم علمتُ أنها موضة جديدة .

ذهبت إلى أستراليا ، ودعانا أخ على طعام الإفطار ، فجاء ابنه ، والأخ بحالة موسرة جداً ، وابنه يلبس كل بنطالا له ثقوب كثيرة .

(( لَوْ دَخلُوا فِي جُحْرِ ضّبٍّ ))

أنا خائف من الأيام القادمة ، تكون البنطال من نوع آخر .

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا ﴾

هكذا الموضة ، هكذا الأزياء السَّنة ، نحن تحت رحمة يهودي بفرنسا ، يقصر نقصر ، يطيل نطيل ، يحدِث شقة نساوي شقة ، ضيق نضيّق ، نحن تحت رحمته .

هذه طرفة ، إياكم أن تأخذوها على جديتها ، أن امرأة في القاهرة رأت شيخاً أزهرياً ، قالت له بجهل كبير : يا سيدي ، هل النبي الكريم له حق أن يقول : النساء ناقصات عقل ودين ؟ فأَحَبَّ أن يجاريها ، قال لها : والله ليس له حق ، لكن هذه ليست لكم ، هي للصحابيات ، أنتن لا عقل لكنّ ولا دين .

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا ﴾

هكذا الموضة ، هكذا الناس ، هكذا العرف ، هكذا التقاليد ، هكذا الإنسان ، لابد أن تكون زوجته شبه عارية ، تضيف الضيوف بنفسها .

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾

بميزان الشرع شيء يستحي به ، شيء له آثار سيئة .

وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ﴾

لذلك قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : " لأن يرتكب العوام الكبائر أهون على الله أن يقولوا على الله ما لا يعلمون " .

﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

أولاً :

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا ﴾

هذا تقليد ، والتقليد مرفوض في الإسلام ، إلا ما كان صالحاً ، لكن حتى في العقيدة التقليد مرفوض ولو كان صحيحاً ، لأن الله لو قَبِلَ من إنسان عقيدته تقليداً لكان كل أهل الفرق الضالة عند الله مقبولين ماذا فعلوا ؟ وجدوا مَن هو أكبر منهم ، قال هكذا ، فقالوا مثله ، الآية الكريمة :

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾

( سورة محمد الآية : 19 )

لا تقبل عقيدة المسلم تقليداً إطلاقاً ، ولو أنها صحيحة ، لأنه لا ميزان لها ، التقليد لا قيمة له ، أما في السلوك ، فمن قلد عالماً لقي الله سالماً ، لا مانع ، رأيت كلامه لطيفا مثلاً ، عفيفا ، دقيقا في معاملته ، مواعيده دقيقة ، فقلّدته ، هذا جيد ، لكن عندك مقياس ، من قلّد عالماً لقي الله سالماً ، هذه مقولة ، وليست آية ولا حديثاً ، لكن إنسان أعجبك منه بشاشته للضيف ، هذا جيد ، أعجبك منه إكرامه للضيف ، أعجبك منه تواضعه ، لا مانع ، أما في العقائد التقليد فمرفوض ،

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

المعاصي مرتبة في القرآن ترتيبا تصاعديا :

هذا افتراء على الله ، ولأن ترتكب الكبائر أهون من أن تقول على الله ما لا تعلم .

لذلك المعاصي في القرآن الكريم مرتبة ترتيبا تصاعديا ، الفحشاء والمنكر ، الإثم والعدوان ، الشرك ، الكفر .

﴿ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

هذا ترتيب تصاعدي ، وأكبر شيء تفعله أن توهم الناس أنه هذا الشيء مباح ، ويمكن أن يقول لك واحد : لك أن تدخل بيتا ليس فيه إلا امرأة ، وليست قريبة لي ، ولا من محارمك ، تجلس عندها ، وتأكل ، وتشرب ، وتنام ، ، ويأتي بروايات ضعيفة ، ماذا بقي ؟ هذه خلوة بأجنبية .

﴿ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

لذلك :

(( ابن عمر ، دينك ، دينك ، إنما هو لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ الدين عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين قالوا ))

[سلسلة الأحاديث الضعيفة عن ابن عمر ]

الدين مصيري ، الدين متعلق بالآخرة ، الدين متعلق بالأبد .

( سورة الزمر الآية : 15 )

الآية دقيقة جداً :

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ﴾

فردّ الله عليهم بقوله :

﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

لكن الله جل جلاله بماذا أمر ؟

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

( سورة الأعراف )

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ

الإسلام قائم على العدل :

﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ﴾

بالعدل ، الإسلام جاء بالعدل ، وفي آخر الزمان كما قال عليه الصلاة والسلام :

(( تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، فيأتي أخي عيسى فيملئها قسطاً وعدلاً ))

موت كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ؟ ولا المقتول فيمَ قتل ؟ كما ترون القتل عشوائي ، معدل القتلى كل يوم في بلد مجاور 59 إنسانا يومياً ، لا ذنب له ، كان بعمله ، كان بسوق مزدحم ، سيارة مفخخة ، إلى متى هذا القتل ؟ موت كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ؟ ولا المقتول فيمَ قتل ؟

﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ﴾

بالعدل .

لذلك أحد الأعراب قال للنبي الكريم : اعدل يا محمد ، فابتسم عليه الصلاة والسلام وقال :

(( ويلك ! من يعدل إذا لم أعدل ))

[ أخرجه مسلم عن أبي سعيد ]

وقيمة العدل أعظم قيمة ، وأسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا ، إلا اسم العدل محقق جزئياً ، لأن هذه الدار دار ابتلاء ليست دار جزاء ، لذلك :

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾

( سورة مريم الآية : 71 )

ورود النار غير دخولها ، الذي يرِد النار يوم القيامة من المؤمنين لا يتأثر بوهجها ، ليرى عدل الله ، ليرى هؤلاء الذين قتلوا الشعوب ، ليرى هؤلاء الذين ألقوا قنبلة ذرية على هيروشيما فقتلوا 300 ألف بثلاث ثوانٍ ، الآن القتل جماعي ، يقال : مقبرة جماعية ، قصف جوي ، قنابل النابالم ، يورانيوم مخضب أثره لـ4500 سنة ، ماذا أقول لكم ؟ والله البشرية الآن بوضع من الإجرام لا يمكن أن يتصوره إنسان ، أنا أقول الآن : العالم القوي متطور جداً ، لكنه وحشي ، والعالم الثالث الضعيف حضاري ، لكنه غير متطور .

وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ

﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾

1 – معنى الوجه :

الوجه أيها الإخوة ذات الإنسان ، أشرف شيء فيه .

2 – تحريم الضرب على الوجه :

لذلك هناك أحاديث تنهى عن ضرب الوجه ، لأنه مكان كرامة الإنسان ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( اتقوا الوجه ))

[ أبو داود ]

عند الضرورة القصوى التأديب يكون بالضرب على الكتف ، أما على الوجه ففيه إهانة كبيرة .

بالمناسبة : الجماد للنبات ، النبات للحيوان ، الحيوان للإنسان ، فلِمَن الإنسان ؟ لله .

" خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك " .

الإنسان مخلوق لله ، وأي إنسان يجير بالتعبير المصري لإنسان آخر فقد احتقر نفسه .

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾

( سورة البقرة الآية : 130 )

أنت لله ، كن حراً ، كن عبداً لله ، فعبد الله حر ، ولا تكن تابعاً لجهة أرضية ، كن حراً ، وكن منصفاً ، القسط هو العدل .

وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ

1 – معنى : مَسْجِد :

المسجد بالمعنى الواسع أيّ مكان على الإطلاق يعدّ مسجداً ، مكان السجود ، أنت فلاح بالحقل ، دخل وقت الظهر تؤذن وتصلي ، فهذا المكان مسجد ، أنت بالمعمل ، وليس هناك مسجد قريب ، ودخل وقت العصر ، تتوضأ ، وتصلي في أرض المعمل ، أنت بمكتب ، أنت مريض ، قبلة المريض جهة راحته ، أنت خائف ، قبلة الخائف جهة أمْنه ، أي مكان تصلي فيه فهو مسجد ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( أعطيت جوامع الكلم ))

[ أخرجه أبو يعلى في مسنده عن عمر ]

لذلك علمونا في الجامعة أن أفصح كلام بعد كلام الله كلام رسول الله .

(( أعطيت جوامع الكلم ))

(( ونصرت بالرعب ))

[ متفق عليه ]

أي بالهيبة .

واسمحوا لي بهذه الكلمة المؤلمة : أمّا أمّته مِن بعده فحينما لم تطبق منهجه هزمت بالرعب ، وفي بعض الأحاديث :

(( نصرت بالرعب مسيرة شهر ))

[ متفق عليه ]

الشهر تقريباً ألف كيلومتر ، العدو بعد ألف كيلومتر كيانه مهزوز خوفاً من المسلمين ، أما لما تركنا سنته من بعده هُزمنا بالرعب مسيرة عام ، يخرج تصريح بآخر الدنيا لا ننام الليل ، لذلك :

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

( سورة آل عمران الآية : 151 )

حينما يشرك الإنسان يخاف ، الخوف من صفات المشركين .

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

(( أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ))

كثير من الأجانب أسلموا لأنهم رأوا فلاحا يصلي ، ليس هناك كنيسة ، توضأ من الجدول المائي وصلى ، توضأ وصلى بالمعمل ، بمكتبه ، بأي مكان ، في بيتك .

(( أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون ))

﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾

2 – وضع الوجه على الأرض سجودا لله وذلاًّ له :

مكان الشرف ضعه في الأرض تواضعاً لله ، الجماد لك مسخر ، والنبات لك مسخر ، والحيوان لك مسخر ، وأنت المخلوق المكرَّم الذي سخر لك ما في السماوات ، وما في الأرض ، الكواكب مسخرة لك ، وأنت المخلوق المكرم تضع جبهتك على الأرض تواضعاً لله ، وعبودية له ، أنت بهذا في أعلى مقام ، لذلك أعلى مقام وصله النبي سدرة المنتهى ، في هذه السدرة :

﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾

( سورة النجم )

الإنسان إمّا بين عبودية القهر وعبودية الشكر والإيمان :

لذلك العبيد نوعان ، عبيد قهر ، كأهل الأرض كلهم ، من دون استثناء كل واحد منا مقهور ، كيف ؟ خثرة في الدماغ لا ترى بالعين تغلق شريانا يفقد الإنسان بذلك حركته ، عافانا الله جميعاً من الشلل ، خثرة أخرى بمكان آخر تفقده بصره ، بمكان تفقده ذاكرته ، الإنسان تحت رحمة الله ، فهو مقهور ، هذا عبد القهر ، عبد القهر جمعه عبيد .

﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾

( سورة فصلت )

أما عبد الإيمان والشكر جمعه عباد .

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾

( سورة الفرقان الآية : 63 )

فرق كبير بين عبيد القهر ، وبين عباد الشكر ، كن عبداً لله شاكراً ، ائته طائعاً ، ائته بمبادرة منك ، تعرّف إليه ، وأنت صحيح معافى ، وأنت شاب ، من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة .

3 – المعنى الضيق للمسجد< :

المعنى الضيق : أن المكان الذي خصص حرصاً للسجود هو المسجد ، عندنا مسجد بالمعنى الواسع ، وهو أيّ مكان في الأرض سجدت فيه ، ولو دخلت إلى كنيسة ، واضطررت أن تصلي فيها فمكان سجودك في الكنيسة مسجد .

﴿ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾

أما إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله :

(( إن بيوتي في أرضي المساجد ، وإن زواري فيها عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ، ثم زارني في بيتي ، فحق على المزور أن يكرم زائره ))

[ رواه الطبراني عن ابن مسعود ]

4 – المسجد مكان الأمن والحكمة والراحة :

بصراحة هل قدّم لكم أحدٌ كأسا من الشاي الآن ؟ لا شاي ، ولا قهوة ، ولا فواكه ولا ... ولا كراسي ، لكن إن شاء الله تمنحون الحكمة .

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

( سورة البقرة الآية : 269 )

تمنحون الرضا ، أن ترضوا عن الله ، تمنحون الأمن .

﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾

( سورة قريش )

تمنحون معرفة الله عز وجل ، عطاء الله كبير ، كبير جداً ، إذا كنت في بيته .

(( إن بيوتي في أرضي المساجد ، وإن زواري فيها عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ، ثم زارني في بيتي ، فحق على المزور أن يكرم زائره ))

يكرمك بنعمة الأمن فلا تقلق ، يكرمك بنعمة التفاؤل .

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

( سورة التوبة الآية : 51 )

يكرمك بنعمة الحكمة :

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾

يكرمك بنعمة السكينة تتنزل على قلبك ، إن الله يعطي الصحة والذكاء ، والمال ، والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين .

هناك فراغ بالنفس لا يملأه المال ، ولا تملأه الزوجة الجميلة ، ولا يملأه المنصب الرفيع ، لا يملأه إلا الإيمان بالله ، ومعرفته ، وطاعته ، والإقبال عليه .

لذلك رأى هارون الرشيد مرة غيمةً ، أيْ سحابة فقال : اذهبِي أينما شئتِ ، فإنه يأتيني خراجك .

الحقيقة أيها الإنسان اذهب أينما شئت ، لا بد من أن ترجع إلى الله في وقت ما ، فالبطولة أن ترجع إليه وأنت شاب .

وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ

القلب عبادته الإخلاص ، والجوارح عبادتها أداء العبادات ، فاعبد الله مخلصاً .

﴿ لَهُ الدِّينَ ﴾

أيها الإخوة ،

﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ ﴾

أيْ لا تعتمد لا على زيد ، ولا على عبيد ثم تقول : يا رب ، اعتمد على الله وحده ، لا تنظر إلى الأسباب ، اعتمد على مسبب الأسباب ، إياك أن تتلبس بشرك خفي ، ثم تدعو الله .

(( أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ))

[ أخرجه مالك عن أبي هريرة ]

﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾

﴿ فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

( سورة الأعراف )

فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَةُ

أنواع الهداية :

لئلا نقع في سوء ظن ، وحسن الظن بالله ثمن الجنة قال علماء التفسير : الهداية أربعة أنواع ، هداية الوحي ، وهداية التوفيق ، أول هداية هدايةُ المصالح ، وهداية الوحي وهداية التوفيق ، والهداية الأخيرة دخول الجنة ، المقصود هنا بالهداية الثالثة ، هداية التوفيق .

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾

( سورة الكهف )

هداية التوفيق :

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾

( سورة الفاتحة )

لذلك هداية الوحي لجميع الناس ، القرآن بين أيدينا ، كلام النبي بين أيدينا ، الخطباء والدعاة ليلاً نهاراً يتكلمون ، هذه هداية الوحي للجميع ، أما حينما تأخذ قراراً بطاعة الله ـ دقق ـ الآن تستحق هداية ثالثة ، هداية التوفيق ، يعينك على طاعته ، يعينك على العمل الصالح ، يهب لك بعض المال كي تنفقه في سبيل الله ، يطلق لسانك في ذكر الله ، هداية التوفيق الثالثة .

1 – هداية المصالح :

أول هداية لكل البشر ، إذا اختل توازن الشخص يصحح فوراً ، هذه هداية ، إذا أكل أكلةً سامة يتقيؤها الإنسان ، إذا انكسر العظم يلتحم بعد فترة ، هداية المصالح مؤمَّنة لكل البشر ، حتى الكفار ، هدانا الله إلى مصالحنا ، إذا أكل أكلة سامة لها رائحة كريهة تعافها نفسك ، من برمجك على أن تعاف أكلة فاسدة ؟ الله عز وجل ، من جعل الطعام إذا فسد له رائحة كريهة جداً ؟ الله عز وجل ، من جعل اللحم إذا فسد له رائحة لا تحتمل ؟ الله عز وجل ، هذا الكلام يتكلم فيه سنوات ، الله هداك إلى مصالحك ، من قال : إن القلب إذا أوقفناه لإجراء عمليه قلب مفتوح بعد أن يقف وقوفاً تاماً ، ونضع له دساما جديدا نعطيه صعقة فيعمل ، لو لم يعمل لانتهت عمليات القلب كلياً ، من أعطى لكل مرض أعراضا ؟ الله عز وجل ، لو لا الأعراض لم يكن هناك ما طب أساساً ، هذا موضوع طويل جداً ، هداية المصالح ، هل يمكنك أن توقف ميتا ؟ لا يقف ، أما الإنسان الحي فيقف ، مع أن للميت أرجلا ، لكن قاعدة الاستناد ضيقة جداً ، لكن في الحي توازن ، في بالأذن جهاز توازن ، هداك إلى مصالحك ، هذه الهداية الأولى .

2 – هداية الوحي :

الهداية الثانية : هداية وحي ، هناك قرآن وسنة ودعاة .

3 – هداية التوفيق :

الثالثة : أنت حينما تقبل الهدى ، حينما تتخذ قراراً بأن تؤمن ، وأن تستقيم على أمر الله تأتي المعونة .

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾

( سورة الحجرات الآية : 7 )

هذه هداية المعونة ، الله قال :

﴿ فَرِيقًا هَدَى ﴾

الذي قبِل الله أعانه ، ودله على أهل الحق ، وجمعه مع أهل الحق ، أعانه على طاعته ، أعانه على غض البصر ، أعانه على الصدق ، أعانه على إلغاء الغناء من حياته كلياً ، أعانه على اختيار زوجة صالحة ، ولو لم تكن جميلة جداً ، قبل بها إرضاء لله ، هذا أعانه الله .

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

﴿ فَرِيقًا هَدَى ﴾

أعطاه هداية التوفيق ، والذي رفض الهدى :

﴿ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾

إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

يمشي مع الشيطان ، الشيطان يزين له المعاصي ، يخوفه أن ينفق ماله ، يفرق بينه وبين زوجته ، لماذا حقت

﴿ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَةُ ﴾

؟ لأنهم :

﴿ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾

لما يقع الإنسان في معصية ، ويعلم أنها معصية ، ويخاف الله عز وجل توبته سهلة جداً ، لكن أكبر أنواع المعاصي من يعصي الله ، ويتوهم أنه على حق ، يقول لك : هذا هو الأمر الصحيح .

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾

( سورة الكهف )

من الناس من لا يدري ، ولا يدري أنه لا يدري ، فهذا شيطان فاحذروه وأخطر إنسان في الحياة نصف المتعلم ، لا هو عالم فيفيد بعلمه ، ولا هو جاهل فيتعلم ، هو نصف العالم .

﴿ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

والحمد لله رب العالمين

http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1759&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254