الحقوق محفوظة لأصحابها

راغب السرجانيصلاح سلطان
نستكمل في هذه الحلقة مع أصحاب الفضيلة الدكتور راغب السرجاني والدكتور صلاح سلطان صفات العالم الرباني، حيث نعيش مع خلق الأمانة، وأهميته في حياة العلماء الذين يحملون أعظم أمانة وهي أمانة الدين والعلم، وبعض الإشارات حول الأمانة العلمية وأمانة الكلمة، وخطورة كتم العلم، وما هي أخلاق الاختلاف بين العلماء

د. راغب : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله أما بعد :

فأهلاً و مرحباً بكم في هذ اللقاء المبارك و أسأل الله عز و جل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين .

حلقة جديدة من برنامج صناعة العلماء , و مازلنا نتحدث عن صفات العالم الرباني ذكرنا آلاماً كثيرة مرت بها الأمة و ذكرنا آمالاً كثيرة نتوقعها للأمة بإذن الله وذكرنا أن الدور الذي يقوم به العلماء هو الدو المحوري الذي يغير به الله تعالى حال الأمة من ذلة إلى عزة و من ضعف إلى قوة و من تبعية إلى تمكين بإذن الله رب العالمين .

مازلنا نتحدث عن صفات العالم الرباني و ذكرنا في الحلقة السابقة صفة من ألزم صفاته مطلقاً و هي الإخلاص لرب العالمين سبحانه و تعالى ، و اليوم نتحدث عن طرف من أخلاق العلماء و يقول حبيبنا صلى الله عليه و سلم :

(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))

الراوي: - المحدث: الزرقاني - المصدر: مختصر المقاصد - الصفحة أو الرقم: 184

خلاصة حكم المحدث: صحيح

و العلماء هم ورثة الأنبياء سادة هذه الأخلاق و حملة هذا اللواء في هذه الحلقة نبدا في التباحث في بعض الأخلاق التي ينبغي للعالم الرباني أن يتصف بها معنا كالمعتاد مع أستاذنا الدكتور صلاح سلطان و نتمنى ن يفيض علينا ربنا سبحانه و تعالى من علمه .

أخلاق االعلماء كأخلاق المسلمين لا بد أن تكون شاملة في كل أنواع الأخلاق التي ذكرها حبيبنا صلى الله عليه و سلم و جاء ليتممها في الحديث أو ليكملها لكن لا بد ان يكون العالم سبقاً للناس في هذه الأخلاق و أن يكون مضرباً للمثل و قدوة أعتقد أن الصفات التي ينبغي للعالم أن يتصف بها خلق الأمانة و بها جاء الأنبياء و بها كانوا يلقبون بها في بداية عملهم حتى يطمئن الناس إلى أمانة التوصيل من عند رب العالمين سبحانه و تعالى ، فإذا حمل العلماء أمانة العلم فلا بد ان يصلوا بها إلى الناس في امانة فما تقولون في هذا الخلق الكريم خلق الأمانة .

د. صلاح : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و أفضل الصلاة و التسليم على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد :

ما زلت أستشعر نعمة الله أن أكون مع أخي الدكتور راغب السرجاني و أن نكون معاً في هذا البرنامج بشكل خاص كلما امتد الوقت كلما زاد حلاوةً و رونقاً بفضل الله سبحانه و تعالى

مسألة الأمانة الله تبارك و تعالى يقول :

(( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ))

( النساء / 58 )

و يقول سبحانه في سورة الأنفال :

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ))

( الأنفال / 27 )

الأمانة هذا حمل ثقيل جداً يجب أن يحمله العالم و الله سبحانه و تعالى جعله من صفات المؤمنين

(( وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ))

( المؤمنون / 8 )

و في سورة المعارج و ذكر سبحانه في سورة الأحزاب :

(( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ))

(الأحزاب / 72 )

و في الحديث :

(( إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة ))

الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1959

خلاصة حكم المحدث: حسن

فكلمتين إن قلناها بين بعضنا البعض هي أمانة لا يجوز إفشاء الكلام حتى يأذن أحدنا الآخر أمانة فكيف بأمانة القرآن و السنة أمانة و امانة هذا الدين و كيف بامانة حمل الرسالة كما سماها الإمام بن القيم (( أعلام الموقعين عن رب العالمين )) فهم يوقعون نيابة عن الله تبارك و تعالى عندما يفتون و يقولون الأحكام ، و علماء الأمور الطبيعية و الأمور الحياتية لديهم أمانات كبيرة من العلم اليذ تعلموه أن يفيدوا به الناس علوم لا تتحولن الذرة إلى قنابل تدمر البشرية و لا تتحولن العلوم و المعارف إلى مكاسب و إن دمرت البيئة و سببت في ثقب الأوزون و سببت تلوث عام في البيئة هذه كلها أمانات يسأل عنها العالم و العالم الطبيب لديه امانة ضخمة قد يكتب تقريراً يضيع حقوقاً لجنايات قد تؤدي إلى جنايات كبيرة جداً .

د. راغب : أحياناً عمليات جراحية تؤدى بلا أمانة لتحصيل المال

د. صلاح : أو لنزع أعضاء من الجسم ، فأين الأمانة في هذا الجانب من العلماء .

حقيقة هناك 3 مستويات أزن بها كل الأمور :

1- مستوى اصحاب الشمال هم الّذين يضيعون الأمانة هم الّذين لا أخلاق لهم و الخلق السيء يذيب الحسنات كما يذيب الماء الجليد ، الخلق الحسن أصحاب اليمين ، أو الّذي يحافظ على الأمانة و الخلق السامي للعلماء بشكل خاص لأن العلماء كتبت لهم رساءل خاصة في الأخلاق و في الأمانة فكتاب (( التبيان في آداب حملة القرآن )) للإمام النووي و أنا أحبذ ان كل اب أرسل ابنه إلى الكتّاب يتعلم يأتي بهذا الكتاب الصغير و يعلمه لابنه من البداية يعرف أنه هناك آداب و أخلاق و أمانة لهذا القرآن العظيم و الإمام النووي كتبه بطريقة لطيفة له قبول حسن سبحان الله و الأربعين النووية رياض الصالحين و شرح صحيح مسلم على مستوى المتخصصين و أنصاف المتخصصين و عموم الأمة الإمام فالنووي لديه قبول عند الله و هو إن شاء الله أحد العلماء الّذين نتكلم عنهم (( أخلاق العلماء )) للإمام الآجوري ينص على قضية الأمانة بشكل خاص

و نحن في الحقيقة إن أدنا أن ننزل من هذا المستوى السامي مستوى المقربين مستوى رعاية الأمانة و أداء الأمانة كما حتى الحديث الواحد فالنبي صلى الله عليه و سلم يقول :

(( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها , فأداها كما سمعها , فرب مبلغ أوعى من سامع ))

الراوي: - المحدث: العجلوني - المصدر: كشف الخفاء - الصفحة أو الرقم: 2/423

خلاصة حكم المحدث: روي بطرق كثيرة و ألفاظ مختلفة



فامانة الحفظ و التحمل أن يؤدي فهو تحمل الأمانة لكن هل أدى الأمانة أم لا التحمل و الأداء بينهما فرق لدى علماء الحديث الإنسان يمكن ان يتحمل حديث فحديث مسلم كما فعل أبو سفيان ففي حديث هرقل لكنه لما أداه كان مسلماً و هذا له شروط أخص لأنه أصبح عالماً و يعلم فهنا لما نأتي إلى أمانة العلماء و لو ندخل إلى نقطة خصوصية قضايا ذكر المصدر لكل معلومة فالإنسان لو قرأ كتاب الدكتور راغب السرجاني مثلاً في قضية من القضايا لا يجوز شرعاً و لا خلقاً و لا كرامة لإنسان أن ينتزع هذ الجهد و ينسبه لنفسه و انتهى الأمر .

د. راغب : و هذا ما نسميه الآن الأمانة العلاية

د. صلاح : رئيس جامعة إسلامية كبرى يتبين أنه سرق رسالة الدكتوراه التي قدمها فصاحب الرسالة يذهب إلى المحكمة و المحكمة تثبت ان هذا الرئيس لص و هو شيخ و رجل عالم في عداد العلماء و يعد من العلماء و يسرق الرسالة كلها باستثناء المقدمة من بدايتها إلى نهايتها لكن القانون لم يكن يتصور أن يكون العلماء و الشيوخ لصوصاً أن يسرقوا المعلومات فلا عقوبة إلا بنص وفقاً للدستور فلم يجدوا القضاة أثبتوا الجريمة لكن لم يكن لديهم ما يثبت أو قانون يجرم هذا الفعل و لا عقوبة إلا بنص فكل ما قالوه لو أن لجنة المناقشة أحياء هم وحدهم الّذين لهم سحب الرسالة و لما كان هؤلاء قد صاروا في عداد الأموات الثلاثة الذين ناقشوا الرسالة فلم يستطع أحد ان يفعل له شيئا و الأكثر من هذا أنه جدد له بعد ذلك و الناس توقعت أت يقال من منصبه إدارياً أمر مخجل

د. راغب : حسابات أخرى

د. صلاح : تم الجديد له لفترة رئاية ثانبة هذا التمديد يشيع في الناس أن المر مقبول لدى الكبار و أنصاف الكبار فهذه أزمة كبيرة

د. راغب : حتى في قضية الأمانة العلمية يجب أن نعطيها بعض الاهتمام لكن كما ذكر فضيلتكم لو أخذ مقطعاً من كتاب و لم ينسب هذا الكتاب نوع من الخيانة للأمانة و عدم التعريف أو إضافة الفضل لأهله أنا أذكر في كتب العلم الإسلامية في كتب التفسير و كتب الفقه و كتب الرقائق كان دائماً ديدن علمائنا و أسلافنا الصالحين يذكر دائماً قال في هذه الكلمة قال ابن جرير قال سفيان قال البصري قال فلان فالمفسر ينقل أقوال العلماء ثم في النهاية قد يقول و أنا أرى هذا الرأي كذا و من روعة امانته أن ينقل في كتابه الآراء المتعارضة التي قد تعارض رأيه شخصياً و يثبت حجتها و دليلها و هذا من تمام التجرد أما أنا أقول للقارء هذا رأيي و رأيي أقول بأدلة كذا و كذا ثم ينقل رأيا ً آخر له ادلته و القارئ من الممكن أن يميل إلى الرأي الآخر بدليله دون رأي المؤلف و دليله هذا من التجرد الكبير أحياناً نجد بعض العلماء يتجول بين صفحات الكتب و المصادر ليخرج ما يسير مع رؤيته و يترك ما يتعارض معها لذلك يقصر الآراء على رأي واحد و القارئ لا يعرف أنه هناك آراء و متنفس في هذا الموضوع أو أن العالم الفلاني قال كذا أو كذا فما رأيكم في هذه القضية أستعرض الآراء المختلفة و في النهاية أقول رأيي في منتهى القوة و الوضوح أن انتقي من كل بستان زهرة ، حتى من الناحية الفقهية .

د. صلاح : من الناحية الأدبية و الفقهية و الأخلاقية لا يليق للإنسان أن يذهب إلى الموافقين له في الرأي يأخذ منهم آرائهم و ينسب أو لا ينسب لهم فالقوة الحقيقة أن الإنسان يعرض الرأي و الرأي الآخر و لا منهج يحتذى به كما كلام الله تبارك و تعالى الله عز و جل ينقل كل ما قاله الناس حتى في الله تبارك و تعالى هذا خبر و منهج وصفي المعيار :

(( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ))

( المائدة / 64 )



الله يورد أقوال الأمم لرسلهم بالضبط كما هي ثم يعقب القرآن على هذا بشكلٍ موضوعي جداً فمن قوة الاستدلال العلمي الإنسان يأتي بالآراء المتعارضة فيؤيد الرأي بدليل جديد و يرد على وجوه الاعتراض بطريقة فيها سبب و أدب أعارض هذا بدليل و أذهب في التعامل مع الرأي المخالف هنا يكتمل النضج العلمي فعلاً هنا تكون الأمانة و النضج العلمي لكن ان نجمع الآراء الموافقة لإشعار القارئ أو من يخطب و يعطي الدروس و المحاضرات فقط فعندما يتعرض الناس لقضايا علمية و هم يعلمون جيداً أن فيها أكثر من رأي فهو ينوي أن يحرم و أن كل المعازف حرام فيأتي بأدلة محددة و من وجهة نظر خاصة جداً و يترك الآراء فالإمام الشوكاني لديه 8 آراء في القضية و الإمام إبن حجر العسقلاني و الإمام النووي بشكل مذهل جداً .

بل الأدهى من هذا أن ينسب لهؤلاء الأئمة المخالفين لهم في الرأي شيء .

هناك حادثة لا أنساها عندما بدأت الانتفاضة في فلسطين و كانت هناك حركة طلابية ضخمة في جامعة القاهرة لتأييد الانتفاضة ضد المحتل الصهيوني في فلسطين خرج شاب كان في سنة أو راسب في السنة الثانية من كلية الحقوق مشى بين طلاب المدينة الجامعية كل يوم في مسجد و ترك له الحبل على الغارب يقول إن صلاة الجماعة يجب أن تكون هنا قصراً فأنتم طلاب هنا أنتم تركتم بلادكم الأصلية التي أتيتم منها فتصلون قصراً و منهم من يبقى في المدينة الجامعية تسعة و عشرة أشهر فيصبح غريباً على بيته و بلده فكيف ساغ له أن الناس كلهم يقصرون و لو جاء رمضان يمكن أن يفطر لأنه مسافر ممكن ان يقول هذا رأبي لكن أن يقول لا يجوز أن يتم و إن أتم فصلاته باطلة و صعد الأمر و أصبح معه مجموعة كل المصلين ممن يتمون يضربونهم و مشاجرات و أخذ الطلاب يأتون إلينا و كنا في قسم الشريعة دار العلوم يقولون لنا حلوا الأمر مع هذا الولد ، فأرسلت له :

( أرجو أن تتكرم مشكوراً بأن تاتي إلى كلية دار العلوم نناقشك في آرائك )

فأرسل لي هذه الرسالة :

( العلم يسعى إليه و لا يسعى العلم إلى الناس )

و كان راسباً في الثانية حقوق و انا كنت أدرس الحقوق بعد الشريعة و كنت الحمد لله أنجح بشكل جيد لكن زادت الأزمة و المشلكة فالدكتور عميد الكلية محمد حسن رحمه الله ارسل له و قال له تعال لنتناقش معك يا بني فالأمة زادت فعلاً و هناك ضغط و نريد حل المشكلة

فقال له أنا آتي المنصة آخذ نصف ساعة مثلك

يعني الأدهى من هذ لما زادت الأزمة . . . لما تمت مناقشته هذا الشاب ينسب إلى ابن حزم والنووي و ابن رشد و الإمام الكاساني في (( بدائع الصنائع )) و الشافعي في (( الأم )) و المغني بن قدامة في (( المغني )) كلام عكس الحقيقة لما ذهبت الناس إليه أخذوا الكتب و وضعوها سجلوا له كلامه قال بن حزم و يقول كلاماً من لدنه . . . قال فلان و قال فلان هذا كلام عكسه و لما أخرجت له الكتب أسقط و رأى أنه قد ضل ، لكن للأسف الشديد لم يرجع و قالوا له إما أن تكف عن أن تتكلم و إلا سنعاملك بما أنت أهله .

د. راغب : المشكلة أن العامة لا يعرفون كل هذه النفاصيل و العالم على المستوى البسيط عندما يسأل في مسجد أو في الهاتف على قضية من القضايا من الأمانة أن يقول أنا رأيي في هذه القضية و لا يمنهه ان يكون هناك آراء أخرى و لو كنت أتبع هذه الآراء كي لا يحدر واسعاً فقد يكون في الرأي الآخر مخرج لمن يتصل به أو يسأله في هذه القضية و هو يقصر كل الإجابات على إجابة واحدة ففي كثير من القضايا اختلف فيها الفقهاء و لهذه الغايات لتحقيق المصالح لبعض الناس في بيئة و بلد معينة في زمن معين تختلف الفتوى باختلاف الزمان و المكان و الظروف كما تعرف و علمتنا حضرتكم .

قضية الأمانة في إيصال النصيحة و الكلمة لأنه أحياناً العالم يرى شيئاً و من الأمانة أن يتكلم و أحياناً يكون له ثمن و الكلام . . . فهنا لا بد ان يتكلم بأمانة الكلمة فهو لديه علم و هو لو كتم هذا العلم ليس من الامانة و ليس بالضرورة أن تكون قضية حاكم أو سلطان أو قضية تودي به في غياهب السجون بل ممكن أن تجعله يخسر إنساناً ثانياً فمالّذي يدفع العالم و مالّذي يقويه و يشجعه على الحفاظظ على هذه الأمانة فالله عز و جل علمه علماً و طلب منه ان يبينه للناس فلا بد أن يبين هذا العلم و إن كتم هذا العلم ألجمه الله بلجام من نار فكيف يخرج

د. صلاح : ربنا أجاب في سورة الأحزاب عما يساعد العالم ففي مثل هذا يجب أن يجعل تعظيم الله سبحانه و تعالى فوق كل شيء :

(( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ))

( الأحزاب / 39 )

و لذلك هذا بالذات علماء الشريعة فأنا أقول لا يؤخذ عن أحد إلا إن جمع ثلاثة أشياء

الحجة الشرعية : أن يكون من الراسخين في العلوم الشرعية :

(( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْـزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ))

( النساء / 162 )

و أن يكون صاحب خشية قلبية :

(( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ))

( فاطر / 28 )

فالخشية شرط مع التبليغ لأن التبليغ كما ذكرت مشكوراً له ثمن و ضريبة سيدفعها لكن عند الله الأجر و المثوبة

الأمر الثالث أن يكون صاحب حركة دعوية أي أنه مبادر إلى إنكار المنكر و إشاعة المعروف و تذكير الناس و إلى الوقوف إلى جانب الناس في مواقفهم الصعبة فالعالم لا ينتظر حتى يقال له تكلم فيجب ان يباد و القاعدة الأصولية الفقهية

(( لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ))

الّذين رأوا منكرات في العالم و التزموا الصمت آثمون لا شك في هذا فهم كاتمون العلم :

(( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ))

( البقرة / 159 )

(( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ))

( آل عمران / 175 )

آية الزمر تسعف الإنسان في حال الضغوط :

(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))

( الزمر / 36 )

إن قرأت القرآن

(( اقرءوا القرآن وابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ))

الراوي: سعد المحدث: البزار - المصدر: البحر الزخار - الصفحة أو الرقم: 4/69

خلاصة حكم المحدث: [فيه] عبد الرحمن بن أبي بكر لين الحديث

و الإحساس و التعايش بمعاني القرآن التي تربي الإنسان على العزة و الكرامة و القوة و الأمانة و تجعله لا يخشى في الله لومة لا ئم الله سبحانه و تعالى يقول :

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))

( المائدة / 54 )

كان سيدنا عبد الله بن مسعود عندما أسلم حديثاً و هو ضعيف لا عشيرة و لا قوم له و الرسول صلى الله عليه و سلم يطلب من يذهب فيسمع المشكرين القرآن و هو يعرف التبعة و الثمن و يذهب فيقرأ عليهم سورة الرحمن و هو أول من أسمع المشركين القرآن و بهت المشركون و هم يرون عبد الله بن مسعود بهذا الصوت الندي الشجي

(( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهو بين أبي بكر وعمر وإذا ابن مسعود يصلي وإذا هو يقرأ النساء فانتهى إلى رأس المائة فجعل ابن مسعود يدعو وهو قائم يصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اسأل تعطه اسأل تعطه ثم قال : من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد فلما أصبح غدا إليه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليبشره وقال له : ما سألت الله البارحة قال : قلت : اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفد ومرافقة محمد في أعلى جنة الخلد ثم جاء عمر رضي الله تعالى عنه فقيل له : إن أبا بكر قد سبقك قال : يرحم الله أبا بكر ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه ))

الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 6/161

خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح

فلما ذهبت السكرة جاءت الفكرة و ضربوه .

من يتلو القرآن في اليوم الثاني

قال أنا

قالوا أنت ضربت البارحة

قال و الله ما كان أحد أحقر عندي منهم يوم أمس و هم يضربونني ، كنت أنا أحتقرهم احتقاراً شديداً جداً ، و كأن المعنى و لو لم يكن نظل في هذا الوقت لأنها آية مدنية :

(( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ))

( آل عمران / 139 )

و الشهيد السيد قطب يقول : صاحب الإيمان و الرسالة و حامل الأمانة يرى أنه الأعلى و إن كان مظلوماً مضطهداً في غيابات السجون ، إن كان معذباً تحت أيدي الجلادين يستشعر هذه القوة و هذا العلو لأنه أبى أن إلا أن يسجد الله و أن يقول كلمته ابتغاء وجه الله تبارك و تعالى .

د. راغب : أرى أنه من الأمانة أن أحدنا يذكر الفضل لأهل الفضل حتى عند المخالفة

بمعنى أنا أختلف مع مذهب معين مع صاحب رأي معين و مدرسة و هناك مدرسة أخرى سواء ف الأمور الفقهية أو الحياتية أو الطبية و الفلكية و غيره من الأمانة أن اذكر للعالم فضله و إن كان يعارضني و يختلف معي في الرأي قد تكون مدرسته معاكسة لرأيي و هناك بينهما مناظرات و مجادلات و كذا ، لكن عند ذكر هذا العالم أذكره بصفته الطيبة الحسنة العلم الّذي لديه و الأمانة لديه و الوفاء الّذي لديه و سعة الاستنباط و سعة الفقه أحياناً نجد بعض العلماء للأسف الشديد لا يذكر إلا جانباً سيئاً من حياة عالم و يغفل جوانب عظيمة في حياته و يطن أنه يؤيد و يعضد من رأيه لأنه لم يصل إلى هذه الدرجة العلمية التي وصل إليها فحضرتكم هذا وضع ما تعليقكم عليه و أعطي بعض الأمثلة الطيبة لعلمائنا الصالحين بعد أن تتكلم .

د. صلاح : الحقيقة نحن نرى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه و هو الخليفة جاءه رجل يسأله سؤالاً

قال اذهب إلى علي فهو أعلم بها مني

لكل من قال أن الخلافة بين سيدنا علي و سيدنا عمر هذا كله دجل و لا أصل له على الإطلاق

يذهب الرجل و يستفتي الإمام علي فيفتي الإمام علي برأيه في المسألة

فلما يعود الرجل سأله عمر بماذا أفتاك علي

قال أفتاني بكذا

قال لو أفتيتك لقلت بغيره

قال ما يمنعك و أنت أمير المؤمنين لديك السلطة و أنت عالم فأنت خذ الاثنين معاً لم تترك الأمر لغيرك

سيدنا عمر كان في كل معضلة يقول :

( معضلة و لا أبا حسن لها )

في خلاف في بعض التفاصيل ممكن لكن كان يقول ( معضلةو لا أبا حسن لها ) أين أبو الحسن هو لها يستطيع عليها

فيقول ما يمنعك و أنت امير المؤمنين

فيقول الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو كنت أردك إلى كتاب أو سنة أي قطعي الدلالة و الثبوت لفعلت لكن أردك إلى الرأي و الرأي مشترك

منتهى الاحترام

الإمام علي بن أبي طالب بعد أن مات عمر بن الخطاب يسمي ابنه عمر و يسمي ابنه أبا بكر و يقول :

( نور الله قبره -أي عمر- كما نور مساجدنا بقراءة القرآن في نهار رمضان )

هنا و قد انتهى وقت التقية -لو كانت- أنه كان أيام عمر هو الخليفة و أبو بكر كان خليفة فبعد موتهما من أبناء سيدنا علي من قتل مع الحسين اسمه أبو بكر ، و لكن هذا كله يهمل في دائرة إنشاء رؤية لا علاقة لها بالموضوعية و لا الأمانة العلمية .

د. راغب : إذاً هنا نحن نتكلم أن العالم من أمانته أن يذكر محاسن العلماء الآخرين و لو كانوا منافسين له و مناظرين له و هذا من الفضل الّذي أعطاه الله عز و جل للعلماء الراسخين المتميزين بالخلق الكريم

د. صلاح : و من لديه أمانة و ثقة في نفسه لا يجد حرجاً أن يذكر الآخرين بآرائهم .

د. راغب : الوقت ينقضي للأسف معكم سريعاً و كان لدي بعض الأمثلة التي أتمنى أن اذكرها في بداية الحلقة القادمة نتكلم عنها و نشكر أخواننا المتابعين لنا على حسن متابعتهم ونسأل الله عز و جل أن يجمعنا على الخير دائماًو أن يجعلنا من الراسخين في العلم و من العلماء الربانيين .

جزاكم الله خيراً و جزى الله خيراً المشاهدين و المشاهدات على متابعتهم و إلى حلقة قادمة

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

* * *