الحقوق محفوظة لأصحابها

راغب السرجانيصلاح سلطان
أثبت التاريخ أن إصلاح حال الأمة، وتغيير أوضاعها إلى الأحسن، لن يكون إلا بالالتحام بين العلماء والحكام، وهذا لن يكون إلا بعالم رباني، عرف حق الله عليه أولا، ثم عرف آداب النصيحة للحاكم المسلم، فمع صور ربانية توضح العلاقة بين العلماء والحكام، وخطوات عملية لتربية العالم الرباني

د. صلاح : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله و نشهد أن لا إله لا وحده لا شريك له و نشهد أن سيدنا و نبينا و عظيمنا محمداً عبده و رسوله ، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إلا أنت إنك أنت العليم الحكيم و نصلي و نسلم على خير الخلق و حبيب الحق سيدنا محمد اللهم صلي و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، ثم اما بعد :

أخواني و أخواتي في الله تبارك و تعالى حياكم الله جميعاً و نرسل لكم إشاراتٍ عميقة كثيرةً من الحب في الله تبارك و تعالى آملين أن تصل إليكم عبر الأثير و الله تبارك و تعالى يعلم مكنون صدورنا أننا نحبكم في الله تبارك و تعالى .

معاً نريد بإذن الله أن نصنع العلماء مع هذا البرناج صناعة العلماء و مع أحد هؤلاء العلماء الّذين أدعو الله تبارك و تعالى أن يكونوا و أن يظلوا دائماً من العلماء الربانيين و من النماذج التي ندعو الله أن يفتح بها الله قلوب العالمين مع الدكتور راغب السرجاني نتحدث مع أخي الكريم عن الفجوة بين العلماء و واقعنا الدراسة النظرية كما طرحت في المرة الماضية و الانفصال عن الجانب العملي و قضية الفتوى و تغيرها بتغير الزمان و المكان الآن نحن نريد أن نحدد في داخل قضية انفصال لعلماء عن واقعهم من هذا الواقع النخبة من الحكام في حالة انفصام إما علماء يجرون وراء الحكام و يسوغون الأحكام التي يريدها الحكام و إما علماء يلعنون من بعيد ما يفعله الحكام و لا يقدمون النصح الّذي أمرهم الله تبارك و تعالى به كما قال سبحانه :

(( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ))

( طه / 43 – 44 )

هناك حالة قلقة في علاقة غير سوية ليست العلاقة يمكن أن نقول أنها يمكن أن تنتج رؤية واحدة في اتجاه واحد العلماء يريدون للحكام أن يرجعوا إليهم قبل أن يتصرفوا هذا قليل جداً علماء آخرون يقومون بعمليات تسويغ حتى من غير أن يطلب منهم و البعض يطلب منهم فيصير فعلاً الحرام حلالاً و الحلال حراماً و البعض الآخر لا له في الطور و لا في النفير لا في العير و لا في النفير يوقل أنا اخترت طريقاً آمناً لا أتكلم في قضايا تخص الحكام ولا غيرها .

هذه الإشكالية الموجودة الآن مع يقين أنّ التغيير لن يأتي إلا بالتحام أولي الأمر بنوعيهم العلماء و الأمراء هذا الالتحام الّذي أنتج في حقبة العز بن عبد السلام مع سيف الدين قطز و قبله مع الملك نجم الدين أيوب هذا الوضع الحقيقة هو الّذي يمكن أن و الحالة المثالية التي أنتجت جيشاً جراراً كان من ثمراته موقعة عين جالوت و الانتصار العظيم سنة 658 هـ نحن نحلم فهل من حقنا

د. راغب : بسم الله و الحمد لله . . . القضية حساسة و أحب أن أطئن الأخوة أننا نتكلم عن اساسيات بسيطة و نبغي بها الخير لأمتنا و نبغي بها الخير لحكامنا فالحقيقة لما يتكلم أحدنا في قضية نصح العالم للحاكم أو أمر العالم للحاكم في بعض القضايا الّّتي ينبغي أن يطيع فيها الحاكم لأمر ربه عز و جل و يكون العالم هو الّذي يعرف الحكم و يأمر الحاكم أن ينفذ هذ الحكم الّذي ارتضاه ربنا عز و جل لعباده هنا المستفيد الأول من هذه القضية هو الحاكم .

هذا الحاكم ، ربنا سبحانه و تعالى و إن كان سيسأله عن أمة كاملة و قد يعذب بها أبد الآبدين إن ظلم هو في نفس الوقت مؤهل ليكون في ظل عرش الرحمن يوم ﻻ ظل إلا ظلّه ذكر سبعة كان أولهم إمام عادل أول هؤلاء الّذين يقدمون و يقربون و يظللون بظل عرش الرحمن يوم القيامة هذه مكانة كبيرة و سامية جداً هذا حاكم وصل إلى هذه الدرجة أنه عدل بين أفراد شعبه و هذا العدل ليس في قضية العلاقة فقط بين متقاضين بل العدل في توزيع الأموال و العدل في الأحكام و العدل في تقديم الأولويات و الوظائف و المناصب التي يوزعها على الناس . . . هي قضية عدل من البداية من أول فترة حكمه إلى آخر الفترة

د. صلاح : و هي أساس الملك حتى عند غير المسلمين يعني ابن خلدون يقول دولة الإسلام باظلم تزول و دولة الكفر بالعدل تطول يعني انظر إلى هذا الكلام إن هذا العدل هو الميزان

د. راغب : و ابن تيمية يقول إن الله يقيم الأمة العادلة و إن كانت كافرة و يسقط الأمة الظالمة و إن كانت مسلمة .

هذه مفاهيم هذه سنن فأول من يضيع إذا ضاعت هذه المفاهيم من يضيع الّذي ضيع العالم بها و هو الحاكم و لذلك عندما يضيع يضيع الكل معاً لكن عندما ذكر بنا عز و جل قصة فرعون عليه لعنة الله و ذكره كمثال للطواغيت في الأرض قال في نهاية القصة

(( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ))

( هود / 98 )

إذاً هو يحمل من العذاب أكثر من أقوامه لأنه له من الذنب ما فعل و يحمل ذنوبهم لا ينقص ذلك من أوزارهم لأنه كان سبب في ظلم كثير ممكن قانون واحد يضعه حاكم ظالم يطبق على عشرات الآلاف و الملايين و يمكن يورث إلى أجيال فيحمل هذه السيئة

(( من سن سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا ومن سن سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئا ))

الراوي: جرير المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 169

خلاصة حكم المحدث: صحيح

أنا أعتبر هذه الحلقة و الحلقات على هذا المنوال التي تهتم بإقامة علاقة حميدة و سوية بين العالم و الحاكم المستفيد الأول منها هو الحاكم لا ينبغي للحاكم أن يغضب من هذه الدعوات التي تأمر بالنصح و الإرشاد فهو في صحراء تائه فأرسلت له دليلاً يقول له الطريق من هنا و إلى هنا حتى تصل إلى بر الأمان

د. صلاح : كان فرعون يقول

((يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ ))

( غافر / 29 )

فهو يعرف الطريق في ظنه

د. راغب : رأينا النهاية الحاكم الآن رأى القصة بكاملها فرعون كان في وهم كبير جداً انتهى الوهم بشق البحر و الدخول في البحر

(( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ))

( يونس / 90 )

يعني انتهت القضية نحن رأينا فإذا كنا ندرس التاريخ بعبرة و عظة و دروس فإننا ندعو الحكام لدراسة هذا التاريخ فرعون مهما طال عمره فهو يموت في النهاية و مهما اتسع ملكه فهو يتركه في النهاية هذه قضايا مسلم بها لا ينكرها

د. صلاح : الملك لو استمر هل يتحمل أن يحاكم دعوات المظلومين في السحر و هذه لا علاقة لها أنه مسلم متدين او حتى كافر

د. راغب : و على فكرة الكثير من الحكام و الكثير عندما نقول الحاكم لانقصد الحاكم الأعلى فقط كل من حكم على قوم ممكن ان أكون حاكم في محافظة أو إدارة أو أي مسؤول

د. صلاح : في حديث لسيدنا أبو داوود يقول

(( ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولا يوم القيامة يده إلى عنقه ، فكه بره ، أو أوثقه إثمه ، أولها ملامة ، وأوسطها ندامة ، وآخرها خزي يوم القيامة ))

الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 2175

خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح

الصحابة كانوا يهربون من الحكم و الولاية لما يأتي بهم سيدنا عمر بن الخطاب لما تولى إمارة المؤنين أحدهم يقول أنا لا آخذ الإمارة و اﻵخر يقول لا الولاية و لا الجيش ! إذاً ستتركوني لوحدي فلا يريد احد ان يتولى أي شيء ، سيدنا عتبة بن غزوان رضي الله عنه لما أرسله سيدنا عمر لولاية البصرة رفض فأصر و عزم عليه سيدنا عمر بن الخطاب فذهب و عاش أميراً هناك فترة من الزمن و حدث الناس عن الدنيا و زهادة الدنيا و حقارة الدنيا و هو كان سابع سبعة مع الرسول صلى الله عليه و سلم يأكل أوراق الشجر في الشعب و انه مع أصحابه في النعيم و يحزن في هذا النعيم و يتذكر بمنتهى السعادة الضنك الّذي عاشوا فيه لأنه مكان بعيداً عن الفتنة فإذا به يعود إلى عمر بن الخطاب

قال أعزم عليك ألا تعيدني ذلك المكان اتركني أعيش مع عامة الناس

فيعزم عليه عمر بن الخطاب أن يعود أميراً على البصرة و هو عائد إلى البصرة يدعو الله عز و جل و الاتصال كبير مع رب العالمين يقول يارب إما ان تقبضني أو تعيدني إلى بلادي لا أريد الإمارة فيقبضه ربنا و يسقط عن الجمل ميتاً لديه الصدق فهو فعلاً لا يريد ان يكون أميراً .

سيدنا خالد بن الولديد لما عزل عن الإمارة و تولاها أبو عبيدة بن الجراح و يقول له هذا ليعلم الوالي أنه أقرب إلى الفتنة من أخيه و ما للدنيا نعمل

د. صلاح : أتعجب أن سيدنا بن الوليد لما عرف أن الخطاب أتى أثناء المعركة و أن أبا عبيدة لم يقدم الخطاب في وقته لأن أبو عبيدة لا يستشرف المسؤولية و لا يتمناها فجاءه الخطاب و قال خالد بن الوليد معاتباً أبا عبيدة ماظنك بأخيك لهل ظننت انني سأحزن عن الإمارة و أنهي الحرب ما ظنك باخيك نحن في الله أخوة و نعمل لله عز و جل ، هذا المنطق يجب أن يسود و يقود اﻷمة

د. راغب : الحاكم يحتاج لمن يهديه للطريق السليم و الخروج من هذه الأزمة ، أعتبر كل حكام الدنيا قفي أزمة كبيرة جداً ففي فترة من السنوات تعيشها و لن تسأل عن واحد أو اثنين او عشرة كعامة الناس لكنك تسال عن شعب هذه قضية خطيرة جداً لو عثرت دابة في العراق لخشيت ان يسألني الله عنها لم لم تعبد لها الطريق ياعمر نحن نتكلم في التاريخ . . . فالقضية أن العالم الّذي يشعر بدوره ناحية الحاكم في المقام الأول يفيد الحاكم و ينصحه لأجل مصلحة الحاكم

اﻷمر الثاني أن العالم يستفيد أيضاً من هذا النصح فإن استفاد الحاكم فالعالم أيضاً يستفيد لأنه قدم النصيحة في محلها و أدى الدور الّذي اوكله الله عز و جل إليه و بشغل العالم مع الحاكم تنصلح الدنيا و الأمة الإسلامية و العالم كله

د. صلاح : لدينا أدبيتا في كتبنا و تاريخنا تقول لا يذهبن عالم إلى حاكم إلا أذهب من دينه بقدر ما أخذ من دنياه و يقول إذا تردد العالم إلى بيوت الخلفاء و الأمراء و الحاكم نقول قد تودع منه فأصبح في زهادة عند عددٍ من الناس يقول انا رجل صاحب علم لا ينسب إلي انني ذهبت إلى حاكم و إذا أرادني هو يطلبن هذه المعادلة

(( يودون لو أنهم بادون ي الأعراب يسألون في أنبائكم و ما قاتلوا إلا قليلاً))

و آخر يرسل برقيات كل قليل أنا هنا و في المناسبات . . . وجوه التطرف في المسألة أو الغلو

د. راغب : دائماً الوسطية أفضل شيء

(( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ))

( البقرة / 143 )

التزلف على الحكام و الدخول على السلاطين بهذه النوايا هي من المهلكات حقيقة و كان الإمام الغزالي رحمه الله أبو حامد الغزالي -حجة الإسلام- كان يقول :

إنّ علاقتك بالحاكم تكون على 3 وجوه :

-إما أن يدخل عليك و هذا أهونها أي الحاكم للعالم و يسأله هذه أهونها لكن في خوف من العلاقة بين الحاكم و العالم كي لا تطرق إلى تزلف

-و إما أن تدخل عليه و هذا أشرها

- و الوسط بين ذلك أن تكون العلاقة حسب الحاجة أنت تحتاج ان تقول له كمة تقول له كلمة -تناصح في الله -

د. صلاح : مع زهادة فيما عنده لأن العالم لديه القرآن و من أوتي القرآن فرأى الآخر أوتي أنه أوتي أفضل منه فقد عظم ما حقر الله و حقر ما عظم الله و يشعر أن الله تبارك و تعالى

(( فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ))

( النمل / 36 )

كل ما كان الحاكم لديه ام لا يساوي آية واحدة يحملها العالم في قلبه فهماً و علماً و فقهاً إن لم يدخل بمفهوم

((يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ))

( المنافقون / 8 )

و إلا يؤخذ من دينه على قدر ما يأخذ من دنياه منصب قضاء مصالح لشخصه أو حاشيته أو يطمع في المال و جائزة إذا ذهب بهذا الاعتزاز بدينه أعتقد انه سيكون دعماً للحاكم ناصحاً له و دعماً للأمة أيضاً أما أن يدخل و هو يرغب في شيء من يمد يديه لا يقول كاملاً

د. راغب : إذاً الحاكم يحتاج نصح العالم و العالم يحتاج لنصح الحاكم

د. صلاح : لم يحتاجها العالم أن يقول كلمة الحق للحاكم

د. راغب : شيطان أخرس وصف من رسولنا صلى الله عليه و سلم ليس شيطاناً فقط بل إنه أخرس

د. صلاح : جمع السوأتين

د. راغب : أمر غير مقبول بالمرة لمن آتاه الله عز و جل العلم فانتكس به و ضيع نفسه و البلاد و العباد ، و اﻷشد قوله تعالى في سورة البقرة :

(( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ))

( البقرة / 159 )

ما هذه إسم موصول يجمع بين آية أو اكثر

(( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ))

( البقرة / 159 )

انظر الاستثناء

(( إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ))

( البقرة / 160 )

في مواطن عديدة هنا التوبة لا يصلح فيها أن أرفع يدي و أول يار تب علي فيما فات ؛ لا بدّ حتى تقبل توبته أن يندم على ما فعل و أن يصلح ما بينه و بين الله و ما بينه و بين الناس و أن يبين ما كتمه من حق أي فقط أولئك

(( إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ))

( البقرة / 160 )

إذاً أ انا أمام نوعين من العلماء عالم رباني الله سبحانه و تعالى

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ))

( المجالدة / 11 )

و عالم شيطاني أخرس فعلاً يلعنه الله و الملائكة و الناس أجمعين حيث كان يكتم العلم حيث كان يجب أن يظهره

د. راغب : و هذا الحق أعطاه رب العالمين سبحانه و تعالى رزقه هذا العلم و لم يستخدمه فيما يرضي الله عز و جل السؤال الّذي نريد ان نخرج منه بمنطلق عملي يمكن الاستفادة منه لمن يريد أن يكون كلمة حق و كما قلنا أن الوالي ﻻ يجب أن يكون والياً الأمة كلها فقط بل يمكن أن يكون لديك صعوبة في الوصول إليه فيمكن أن يكون والياً في مدستك أو شركتك . . . هل تقول كلمة الحق أم تكتمها السؤال المهم كيف يمكن ان نربي العالم ليكون على هذه الصورة يستحضر هذا المعنى و ينطلق به و يتكلم دون وجل و لا خوف كيف ؟

الحقيقة أقول نقطة و نكمل بعدها في هذه الصورة صورة العالم الرباني النقطة التي تكلمنا عنها في أكثر من حلقة ماضية و هي الاتصال بالله عز و جل كلما كان العالم موصولاً و كلما كانت خشيته القلبية عالية لله عز و جل و كلما كان يقوم الليل و يذكر الله عز و جل بالنهار و يقرأ القرآن و على دوام الصلة بالله عز و جل كلما سهل عليه ان يكون بهذه المهمة و كلما ابتعد عن اللله كلما صعبت عليه هذه المهمة أذكر موقف من التاريخ و حضرتكم تضفي علينا تعليقات على هذا الموقف الرائع للعز بن عبد السلام رحمه الله

طبعاً العزبن عبد السلام من العلماء العاملين الّذي من الممكن ألا ننقل عنه اٌقواله الفقهية بقدر المواقف العملية ، حياته كلها مواقف من أول قصته لآخرها من هذه المواقف و هذا الموقف لعله غير مشهور لدى عموم الناس و هو عندما دخل مصر للمرة الأولى و كانت مصر في ذلك الوقت تحت حكم الصالح نجم الدين أيوب الذي كان من أفضل حاكم بني أيوب و لعله الأفضل بعد صلاح الدين مباشرة فالملك الصالح كان تولى الحكم بالكاد و احضر العز بن عبد السلام كلاجىء إلى مصر كان مسجوناً في القدس الحاكم رفع من على أكتافه السجن و أطلقت له الحرية في بلد آخر و أعطي كرسي القضاء و كان له وضع و الإفتاء

د. صلاح : و إمامة أكبر مسجد عمرو بن العاص في هذا الوقت و المدارس التي أنشأها و أعطاه صلاحية كاملة لينتشر

د. راغب : أخذ وضع مختلف تماماً مما كان فيه يعتبر الكثير من العلماء انه انتقل من الأزمة إلى الفرصة و عليه أن يتمسك بهذه الوظيفة و هذا الوضع الاجتماعي و إذا به في أول أيامه عندما يلتقي بالملك الصالح نجم الدين أيوب و هو في حاشيت من الوزراء و القواد في موكب كبير في وسط السوق -طبعاً الحاكم كانوا يمشون في السوق وسط الناس- امام العز بن عبد السلام و أمام الجميع و له فضل واضح الملك الصالح عليه أن جاء به من القدس سجيناً و وضعه على هذه المكانة

إذا به يقول له : ماذا تقول لربك يوم القيامة بوأت لك ملك مصر و تترك فيها ما يفعل في حاناتها

فقال : ما تقصد

قال : حانات و كذا و عدها له تباع فيها الخمور و أنت على رأس الدولة و لم يكن يعرف الملك الصالح بهذه الأمور لأنه كان حديث الحكم

فسأل الأمراء حوله هل ما يقوله العالم عز بن عبد السلام صحيح

فقالوا : نعم هذه الحانات موجودة من أيام أبيك ، أبو الصالح نجم الدين أيوب

فقال : يا سيدي -الحاكم يقول للعالم- ياسيدي هذه كانت من أيام أبي

فقال : أنت من الّذين يقولون

(( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ))

( الزخرف / 23 )

الرجل ما استطاع أن يتكلم ثم قال دلوني على هذه الحانات

د. صلاح : متأكد أن العلماء يحفظون هذه الآيات لكنه غير موصول . . .

(( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))

( التغابن / 11 )

د. راغب : لأن الآية نزلت في هذا الموضع فالقرآن حي سبحان الله من يستشعر القرآن في قلبه و يتصل بالله عز و جل ليس مجرد حفظ و تريد بل يفتح له ربنا عز و جل في أبواب المعرفة في مثل هذه المواقف الصعبة التي من الممكن ان يهتز بها رجال و رجال فألجم الملك الصالح نجم الدين أيوب

و قال الملك الصالح نجم الدين أيوب : اذهبوا غلى هذه الحانات فأغلقوها من الساعة .

و انطلق المالك و انطلق العز بن عبد السلام إلى بيته و جاء أحد طلبته و قال له كيف استطعت ان تقول له هذه الكلمات و هو في حاشيته و أمرائه و وزرائه و قادة جيشه لم يكن بينك و بينه بل في وسط الوسوق و إحرج للحاكم و ممكن في هذا الإحراج يأخذ قرار بهلاكك و ضياعك

د. صلاح : قد يقول أحدهم فنحن مستفيدين منك لا نريد ان نخسرك نريدك أن تتعلم و خذ به خطوة خطوة . . .

د. راغب : . . . المهم أنه قال ، هذا عالم أسطورة نفتخر أننا نننتمي إلى أمة تتضم مثل هؤلاء فوقف الرجل قال له يا بني إني استحضرت هيبة الله عز و جل فصار في عيني كالقط صغر الحاكم لأني استحضرت هيبة الله عز و جل

د. صلاح :

(( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ))

( الرحمن / 46 )

د. راغب : هذا الموقف ليس من فراغ ليس موقفاً عابراً لا يعتقدن الّذين لم يجربوا قيام ا لليل و لم يجربوا التواصل الدائم و المستمر مع رب العالمين أنه سيقوم بمثل هذا الموقف مع الحاكم ﻻ فالمثبت من ثبته الله عز و جل تحتاج سلسلة طويلة من التربية و التعليم و التثبيت :

(( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ))

( إبراهيم / 27 )

على من ستضحك ! لا بد من أن تكون متصل القلب إن صلح هذا القلب صلح الجسد كله اللسان ينطق بشكل صحيح و العين و اليد كذلك انتظم كل ذلك مع صلاح القلب و القلب بيد الرجمن .

د. صلاح : الحديث ذو شجون و العز بن عبد السلام لا بد من إفراد حلقة له لكننا نؤكد على معالم صناعة العالم الرباني تحتاج إلى هذا التواصل القوي المتين مع رب العزة سبحانه و تعالى و ليس فقط حفظ المتون التواصل مع القوي المتين و ليس فقط حفظ المتون ، لأن حافظ المتون لن يكون عته هذا القلب الشجاع و لا الاستحضار لن يستطيع بالفعل أن يقف موقف العز بن عبد السلام و ستأتي قضية بيع الأمراء مع الملك الّذي قال هذا أمر لا يتكم فيه ، العز بن عبد السلام و الخير كالعنقود يكون يجلب الخير الكثير انبث العلماء يبحثون في الحانات المفتوحة من أيام الأب . . . ، هذا الأمر شجع العلماء فهناك عالم قدوة نموذج نريد عالماً مثله يخرج يشجع العلماء

لما أرادوا أن يكسروا الحصار على شعب أبي طالب قال

(( ابغني أوﻻً ابغني ثانياً ابغني ثالثاً ))

الأول يبدأ المشروع الثاني لا يستطيع إلا ان يأتي معه احدهم ايغني ثانيا ثالثا رابعاً هذا الأمر جعل العلماء ينبثون في دهاليز المجتمع كلما يجد احدهم حانة و الموضوع أصبح معروفاً لأنها أضحت سياسة .

هذه نقطة في بحر الصمت لتحرك هذا المستنقع فتحول هذا المستنقع إلى ماء عذب فرات و الحلقات تتسع لكننا نريد ان يبدأ العالم الرباني الناصح الأمين الّذي يريد وجه رب العالمين الحقيقة الحلقة تمر سريعاً كانها لحظات لكن يعلم الله سبحانه و تعالى أنها لحظات أدعو الله سبحانه و تعلى ان تكون ثقيلة في موازيننا جميعاً أعدو إخواني العلماء و إخواني و أخواتي جميعاً أن نتظافر على إيجاد العالما لرباني بهذا الإعدا التربوي العملي الدقيق العميق الوثيق الّذي عنوانه

(( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ))

( التوبة / 59 )

جزاكم الله خيراً ، شكر الله لكم و تقبل الله منا و منكم

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

* * *