الحقوق محفوظة لأصحابها

راغب السرجانيصلاح سلطان
الأمة الإسلامية هي خير أمة أخرجت للناس بنص القرآن الكريم. كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله. فما هي أسباب خيرية أمة الإسلام على باقي الأمم. وما هي مسئولية الأمة الإسلامية تجاه الأمم جميعًا. نتابع مع الدكتور راغب السرجاني والدكتور صلاح سلطان هذه الحلقة من برنامج صناعة العلماء

د. راغب :

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم .. بسم الله الرحمن الرحيم ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..

أما بعد..

فأهلا ومرحبا بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك ، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين ..

ما زلنا نتحدث في محور خيرية الأمة ، أن هذه الأمة ، الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس بنص القرآن الكريم .

وأن ربنا سبحانه وتعالى أنعم على الأرض جميعا بوجود هذه الأمة. وجعلها رائدة ، وجعلها سابقة ، وجعلها قائدة لغيرها ، وجعلها تحمل على أكتافها مهمة الوصول بالخير للعالم أجمع .

د. صلاح :

كما ذكرت الآية ، فهي محور الموضوع ،{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .. }

رقم واحد : هي أمة التوحيد .. فعلا .. { وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } ..

فإذا أخذنا التوحيد والوحدة ، التوحيد الذي يؤدي للوحدة ، لأن الناس حقيقة إذا صح إيمانها وصح حبها لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، سيكون هذا الحب بين المؤمنين قويا جدا .

فهي أمة الوحدانية وأمة الوحدة .

وهي أمة رسالية : مسؤولة عن هداية العالم كله ، عن تبليغ الرسالة للعـــالم كله .. عن إصلاح العالم كله .. عن إسعاد العالم .." رحمة للعالميــن " ..

أمة رسالية ، ثم هي أمة حضارية ؛ لأن الله عز وجل استعمرنا في هذه الأرض ، أي جعلنا عمارا لهذه الأرض ..

فالأصل أن نعيش بكل أرض ، فكنا نوصي الناس الذين يعيشون في الغرب أن يتعاملوا مع الأرض عمارة ، ومع الشعب رعاية ، ومع القانون – في ما صح شرعا – طاعة ، ومع السلطة – في ما صح شرعا كذلك معاونة ..

فطرحنا هذه المفاهيم الأربعة ..

مع الأرض عمارة .

ومع الشعب رعاية .

ومع القانون طاعة .

ومع السلطة معاونة .

ولذلك قلنا حتى لو انفصل القانون والحكم ، الاثنان معا ، فصار القانون ضد الشرع والسلطة ضد الشرع ، فهذا لا يجيز للإنسان أن ينقلب على الأرض تخريبا وعلى الشعب إرهابا .

د . راغب :

كأنها ملفات منفصلة ، أنت لديك في كل ملف دور يجب أن تعمله ، تستكمل وسعك في أدائه ، فلو حصل قصور في أحد الأدوار لا يبرر لك أن تقصر في الدور الثاني .

د . صلاح :

نحن نبني العلماء ، لا لكي يسعى أحدهم لجمع مبلغ من المال يحسن دخله ، وإن كان هذا يحدث ، لكن لننظر لسيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وهو من أعلم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، يقول : كنت سابع سبعة أكلنا أوراق الشجر حتى تقرّحت أشداقنا ...

وكان معه في هذا البلاء سعد بن أبي وقاص ، رضي الله تعالى عنه .

سعد بن أبي وقاص صار بطل القادسية وفتح الله تعالى عليه من أبواب الخير الكثيرة جدا .

وعبد الله بن مسعود عالم أهل الكوفة جميعا ، حتى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول : أرسلت لكم عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر ، آثرتكم بهما عن نفسي ، وددت لو أبقيتهما في المدينة يتعلم الناس منهما ,,

علمــــاء !! بوزن ثقيل ..!

حتى قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه في مسألة من الميراث – لا داعي لتفصيلها الآن - : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم .

يكلم عشيرته من الأشعريين ، الذين جاء في حقهم " إن الأشعريين إذا أرملوا أو قل طعامهم .. " الحديث .

وهم قبيلة من اليمن ، " أتاكم أهل اليمن أهل حكمة وأهل إيمان .. "

فانظروا عبد الله بن مسعود وصل به العلم لأن يخرج من المدينة للكوفة ويعلم أهل الكوفة ، ويصير مدرسة البصرة والكوفة ، على مدار التاريخ مدارس أصيلة ..

بل أكثر من ذلك ، أنا أعتبر كل أتباع المذهب الحنفي على مستوى العالم يدينون لعبد الله بن مسعود ، لأنه جذر المذهب الحنفي ؛ فعبد الله بن مسعود علـّم حمـّادا ، وحمـّاد علم النخـّعي ، و النخـّعي علم أبا حنيفة ، فهي مدرسة ، سلسلة امتدت .

كما كان عبد الله بن عباس أساس مدرسة الشافعية ، وعبد الله بن عمر أساس المدرسة المالكية ..

عـــالم ,, عـــالم واحد ..! نشأ ربما من بيئة صعبة جدا ، لكن هؤلاء انتشروا في الأرض ..

فكان التوازي بين أمة التوحيد وأمة الوحدة ، أمة الرسالة وأمة الحضارة ، فإذا اجتمعت هذه الأربعة تصبح الأمة خير أمة ..

د . راغب :

لو نتحدث عن حجم المشكلة ، ربما بعض الإخوة والأخوات لا يقدرون حجم المشكلة واحتياج العالم لأمة الإسلام ..

لو أخذنا هذه المحاور التي ذكرتها وفصلنا فيها أكثر ، كقضية التوحيد مثلا :

كنت في حديث مع أحد الأخوة المحبطين ، كان عنده نوع من الإحباط الشديد ، نتيجة الفجوة الكبرى بين أمة الإسلام وغيرها من الأمم ..

يقول : أمريكا عندها ، أوروبا عندها ، والصين عنده كذا وكذا .. وأخذ يعدد كثيرا من الأشياء ، يمتلكون السلاح ، والاقتصاد ، والفضائيات العالية ، والأقمار الصناعية ، ونحن أين من هذه الأمور ..

طبعا ، الألم الذي في قلبه أنا أقدره ، لكن لا أقدر اليأس ، اليأس ليس أبدا من صفات المسلمين أو المؤمنين ،

نحن نقدر الأمل ,, ونكدر اليأس ..

فقلت له : ما رأيك أن نبادلهم ؟ أن تأخذ ما عندهم وتعطيهم ما عندك ، لكن حزمة واحدة ؟؟

قلت : أنت عندك على سبيل المثال ، وهذا الأمر المميز لأمة الإسلام ، عندك التـــوحيــد ..

هذا تبيعه بكم ؟ كم تأخذ مقابل فقد قيمة التوحيد الذي تفهمه دون بقية العالم !!

قال : ولا كل أموال الدنيا .. !

قلت : إذا ، أنت أغنى ، إذا كان عندك ما لا تستطيع أن تبيعه بكل أموال الأرض فأنت أغنى .. !

فوقف وشعر بنوع من الفخر لأنه مسلم ..

عندك في العالم اليوم نحو ألف مليون إنسان يعبدون البقر من دون الله عز وجل ، في الهند ,,

في الهند نحو ألف و300 مليون مسلم ، منهم نحو 150 مليون مسلم ، والبقية هندوس وسيخ !!

حتى كانت هناك دراسة في الأديان تقول أن في الهند 380 مليون إله !! يعني حسب أنواع البقر و ..,.

كذلك إحصائية في اليابان 120 مليون إنسان عملوا إحصاء للديانات ، فكانت أكثر من عدد الشعب !!

كل إنسان عنده دينان أو ثلاثة أو أربعة .. لا مشكلة !!

هذا التخبط وهذا التيه ، أليس يحمل الأمة الإسلامية الوصول للعالم بقضية التوحيد ، على بساطتها .. ليس في الكون سوى إله واحد .. !

القضية الواضحة جدا في عيون الفلاح البسيط ، في عيون العامل البسيط المسلم ، في عيون الطفل الصغير ، في عيون المرأة في بيتها ..

كلهم يفهمون هذه الحقيقة تمام الفهم .. قضية واضحة جدا وعقلية وبسيطة ،

{ قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا .. }

تفكروا .. تفكر في الله عز وجل ..

هذا العالم ، عالم كمبيوتر ، عالم ذرة ، عالم طب أو هندسة .. يعبد من دون الله بقرا أو حجرا أو شجرا ..

2 بليون إنسان في العالم يعبدون البشر من دون الله ،، يعبدون المسيح عليه السلام ، ما بين كاثوليك و أرثودوكس ..

تخيــل !

د . صلاح :

لو تعيشون معي بقلوبكم مع هذه الآيات ..

{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) } مريم .

عندما أعيش بالشعور الرسالي ، وأريد صناعة العلماء ليحملوا راية التوحيد للعالم كله ، فتكون آيات سورة مريم تزلزل .. إذا كانت الجبال تخر هدا ,, والسماوات يتفطرن ،، والأرض تنشق ,,

أآتي أنا بعد ذلك ، وابتسم للشرك ! وآخذ الموضوع ببساطة !

د . راغب:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفطـّر قلبه على هؤلاء حتى خاطبه ربه : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } .. من شدة الإحساس بالمسؤولية.

د . صلاح :

سيدنا عمر رضي الله عنه رأى رجلا يتعبد في صومعة ، فبكى .. وقال : { عاملة ناصبة تصلى نارا حامية } ..

لا حول ولا قوة إلا بالله ..

هذا فرغ نفسه لعمل يأخذه لنار جهنم ..

د . راغب :

لفتة للمسلم الذي يرى حوله هذه الكوارث في العالم ولا يتحرك ..

ونحن هنا يا إخوتي لا نتكلم عن عالم شريعة من العلماء الكبار المتخصصين في العقيدة أو الإلهيات ، أو ما إلى ذلك نحن نتكلم عن عموم الناس ..

أنت أيها الإنسان البسيط ، وأنت تعرف عشرات أو مئات أو آلاف – خاصة الجاليات التي تعيش في الدول غير الإسلامية – في إنجلترا ، في أوروبا .. وترى حولك هؤلاء الذين يعبدون الحجر والشجر والبشر ..

هناك 100 مليون ينكرون وجود الإله .. ملحدون .

كذلك كثير من المحسوبين على النصارى في أوروبا وأمريكا لا يؤمنون بوجود الإله ، لكن لأن الأم نصرانية والأب نصراني سمـّي نصرانيا ، لكنه لا يؤمن أصلا بوجود الإله ..

هـــؤلاء من يحمل همهم ؟؟ هؤلاء يوم القيامة برقبة من يتعلقون ؟؟ برقبة المسلمين ..

{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ..

ما من رسول بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، هو ختم الرسالة ..

من يحمل هذه المهمة غير هذه الأمة ؟؟

{ تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } .. تحملون هذه القضية للعالم أجمع .. قضية التوحيد هذه أغلى ما تمتلك الأمة الإسلامية ..

لا ينبغي أن يتوقف التوحيد عند حدود الأمة الإسلامية ، بل ينبغي أن ينطلق به كل المسلمون ، كل المسلمين علماء في هذا المجال ..

{ وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }

القضية الأساسية .. { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ..

أيضا ، نحن لا نقصد التقليل من شأن الحضارة ، وسنفرد حلقات لأهمية أن يصل المسلمون للنبوغ في مجالات الطب والهندسة والكيمياء وتصنيع الأسلحة والكمبيوتر ، وكل هذه القضايا ,,

عندما نقول للمسلم انظر لما عندك من التوحيد ولا تحزن لا يعني أن ما وصل إليه الغرب من تقدم في المجالات الأخرى لا نريده ، بل نريده ونريد أن نبدع فيه ونوجهه التوجيه الأسمى الذي يصلح الأرض ..

وقد كنا كذلك سابقا ، نحن لا نريد أن نعمل هذا لأول مرة ، فقد قدنا العالم أجمع لفترات طويلة من حياتنا ,, وسنعود بإذن الله تعالى كما وعد ربنا عز وجل لهذه القيادة ..

نقول إن أهم ما يميز هذه الأمة بحيث لو تخلت عن هذا الدور ضاعت خيرية الأمة ، { وتؤمنون بالله } ..

وهذا أيضا خطاب أتوجه به للعلماء المسلمين في كل المجالات ، أحيانا يكون العالم ( جهبذا ) في فرعه من علم أو طب أو غيره .. ويشرك بالله عز وجل ! أو لا يوقر الشريعة ولا يقدر لله عز وجل قدره ,, هذا أمر نريد وضعه في مكانه الصحيح ..

الحمد لله أن أمة الإسلام هي الأمة الوحيدة التي تحمل لواء التوحيد في العالم ..

القضية الأخرى هي قضية الوحدة ، أنا أتيه على العالم أجمع بهذه الصفة ,,

الأخ المحبط الذي ذكرت أنني تكلمت معه ، قلت له : قضية حبك لأخيك في الله .. أن تحب إنسانا لا تحبه إلا في الله ..

أن تشعر بالأخوة الحقيقية دون مصالح شخصية ، هل تشهد لأمة على الأرض بمثل هذا غير أمة الإسلام ؟؟

د . صلاح :

نحن ذهبنا لزيارة أحد إخواننا في نيويورك ، وكان قد أصيب في حادث ، أخ من السودان ..

وجدنا بجانبه رجلا أمريكيا وكان محطما أيضا بسبب حادث ، فذهبنا له ودعونا له أيضا ..

دعونا لأخينا المسلم ولأخينا الأمريكي .. أخونا في الإنسانية ، نحن نتألم لألم أي إنسان ..

بعد أن ذهبنا سأل هذا الرجل أخانا السوداني : هل أنتم من نفس البلد ؟؟ قال : لا ، هم من مصر وأنا من السودان ، هم عرفوا من الجامع أن هناك أخا مسلما تعرض لحادث ، فأتوا يزورونني ..

قال : ألا تعرفون بعضكم من قبل ؟؟ لكن عندما جاءوا يسلمون عليك كأنكم مولودون معا .. أو عشتم مع بعض .. تحبون بعضكم جدا .. كذلك لم أتوقع أن يأتوا ويدعوا لي !

بعد أيام جاء العيد ، صلينا العيد وزرنا بعض الناس ، وقلنا لنزر أخانا المريض ، فذهبنا للمستشفى ، الأمريكي الذي بجانبه أمسك أيدينا عندها .. وقال : لا تخرجون من هنا حتى أكون منكم ...

أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ..

الدعوة بالقدوة .. لأن هذا معنى غير متوفر عندهم أبدا ..

د . راغب :

أنا كذلك كنت في زيارة لأحد المرضى في دالاس ، نزور أحد الأخوة الذين عرفنا من المسجد أنه مريض ، لم نكن نعرفه من قبل .. مسجد دار السلام .. وذهبنا مجموعة نزور أخانا الذي لا نعرفه ..أذكر هذا الموقف ، كان من المواقف المؤثرة جدا ..

الممرضة الأمريكية التي قابلتنا في الخارج سألتنا سؤالا غريبا جدا : هل أنتم مسلمون ؟؟

قلنا : نعم ، غريب كيف عرفت ؟

قالت : ليس هناك أحد يأتي للزيارة أعدادا بهذا الشكل إلا المسلمون ..

أما أي أمريكي يمكن أن يأتي لزيارته واحد .. اثنان .. لا يأتي أحد ..

هذا السلوك ليس إلا في هذه الأمة ...

د . صلاح :

أرقى شيء في قضية زيارة المريض هو حديث : " أما أنك لو زرته لوجدتني عنده .. "

لذلك أقول لإخواننا الأطباء ، أنت لا تذهب للمستشفى لمجرد العمل ، عش معنى الإيمان ، ربنا سبحانه وتعالى بجانب المريض، واستحضرها دائما .. " لوجدتني عنده " ..

د . راغب :

قلنا أن التوحيد والوحدة من أهم السمات التي تتميز الأمة الإسلامية بها ، ولو فقدت هذه السمات أو فقدت الشعور بهذه السمات لضاعت ..

د . صلاح :

كذلك نقول : أن هناك روح من الأمل كبيرة جدا ، صحيح أن هناك تمزق سياسي واجتماعي .. وأمراض لا ننكرها ..

لكن ( الخميرة ) موجودة ... أننا كلنا كأمة نصلي خمس صلوات ، وهذا جذر كبير ، إن كان هناك خلاف في بعض الأمور فهي فروع ..

إنما نحن عندنا كعبة واحدة كلنا نتوجه إليها ، لنا كتاب واحد ، رب واحد قبل ذلك كله ..

الحج واحد .. الصيام واحد ..

فعندنا الخميرة التي نبني عليها أمة واحدة ..

{ وأن هذه أمتكم أمة واحدة } ..

لكن نحن فعلا بحاجة لتضافر دور النخبة من الأئمة والعلماء مع عموم الأمة ، وهذا فعلا ما نريد أن نصل إليه معا ..

د . راغب :

قضية الرسالة : الأمة الإسلامية لها رسالة مع العالم ، وتكلمنا أن أحد أسباب خيرية الأمة ، أنها الأمة الوحيدة التي تحمل الخير للعالم ..

قد نشاهد بعض المشاهد في الأمم الأخرى لكنها حوادث عارضة ، ليست سمة رئيسية لتلك الأمة ..

نحن أمة تحمل الخير للعالم بشكل دائم ومستمر ، وهذه سمة دائمة لأمة الإسلام ..

كلمة (( أخرجت للناس )) فيها ظلال كثيرة جدا ، منها أن الأمة أخرجت لخير الناس ، لخير العالم ,,

ومنها أن الأمة الإسلامية أصبحت مثال أخرج للناس ، بمعنى النوذج ..

أي طبقوا هذا النموذج ..

مثل معايير الجودة و ( الأيزو ) ..

وهذا الكلام ماديا جيد ، الأيزو أو المعيار ..

ماذا يعني المعيار ؟ المعيار مثلا أن أقول عن مستشفى ما أنه جيد ، جيد على أي مقياس ؟

هل بالنسبة لمستشفى ضعيف في قرية ؟ نعم جيد ..

أما بالنسبة لمستشفى كبير في العالم ؟ فقد يكون ضعيف جدا ..

فنحتاج لوضع معايير جودة ، أنا أرى أن معايير الجودة للأمة الصالحة هي صفات أمة الإسلام ..

معايير الجودة في أمور السياسة ، في أمور التعامل بين الناس ، في الاقتصاد ، في أمور الأخلاق ، في أمور رعاية الأبناء ، الآباء ، التعامل مع الجار ، في أمور المعاهدات ، الحروب ,,

في كل جزئية مهما دقت .. المعيار هو أمة الإسلام ..

من هذا المنطلق يمكن أن أفهم كلام ربنا سبحانه وتعالى لهذه الأمة الكريمة ..

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } ..

ماذا تعني (( شهداء على الناس )) ؟

أي أننا نأتي يوم القيامة نقول : أمة أمريكا أصابت في كذا ، وأخطأت في كذا ..كانت مع الحق في كذا ومع الباطل في كذا ..

أمة إنجلترا فعلت الحق في هذه النقطة والباطل في تلك النقطة ..

أمة الرومان فعلت كذا وكذا ..

أمة الفرس ..

وكل الأمم التي ستأتي ليوم القيامة ..

أنا أقيم ما حولي من أمور بمعايير الجودة التي وضعها ربنا سبحانه وتعالى عندنا .. فأستطيع أن أشهد على الأمم : هذه الأمة صالحة ، هذه الأمة فاسدة ، هذه الأمة أضرت في العالم ، هذه الأمة أصلحت في العالم ...

بل إنني بهذا المعيار أشهد على الأمم التي سبقت أمة الإسلام ، كما في الحديث العجيب في صحيح مسلم ، عن شهادة أمة الإسلام على أمة نوح عليه السلام يوم القيامة ، عندما يأتي ربنا عز وجل بنوح عليه السلام ، ويسأله : هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم يا ربي بلغت .

ثم يأتي بقومه يسألهم : هل بلغكم ؟ -الموقف صعب جدا – يقولون : لا يا رب ما بلغنا .. ينكرون في هذا الموقف ، رب العالمين من عدله ولإقامة الحجة على قوم نوح ، يسأل يا نوح من يشهد لك ؟ وهو يعلم أنه بلغ .. لكن هذه كرامة الأمة الإسلامية ..

فيقول : يا رب يشهد لي محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ..

فيأتي رسول الله فيشهد له أنه بلغ ، وتأتي أمة الإسلام فتشهد ..

كيف نشهد ونحن لم نر ؟

نشهد بما جاء في كتاب ربنا عز وجل وعلى لسان حبيبنا صلى الله عليه وسلم ، أن هذا الرجل صادق عليه السلام ..أنه بلغ وأحسن التبليغ ، أنه بلغ قومه ليلا ونهارا ، وبلغهم سرا وجهارا ، بكل الطرق الممكنة . نعلم هذا فنشهد ..

إن كنا نشهد على ما سبق وعلى ما سيلحق ، إذا نحن أمة تشهد على كل الأمم !

نحن أمة كما وصف ربنا أخرجت للناس في الدنيا والآخرة ..

د . صلاح :

هذا الامتداد { لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } .. لذلك نحن نفكر في صناعة علماء يكونون قد أخرجوا للناس ، يتحملون معنى الرسالة كذلك النموذج والمثال في ما هو أوسع من القطعة الصغيرة التي اسمها الدنيا ..

{ ويوم تقوم يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة } .. { كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار يتعارفون بينهم } ..

إنما الموضوع ممتد دنيا وآخرة ، لو أخذنا بأسباب القوة والأسباب التي توصلنا للأمة النموذج هذه ، فنحن شهداء على الناس في الدنيا والآخرة ، ليس فقط في هذه الدنيا القصيرة المحدودة ..

د . راغب :

هذا ما نريد قوله للأخوة والأخوات أن عملية صناعة العلماء ليست قضية نفع أمة من الأمم ، إنما نفع الأرض ..

نحن نتحرك – بهذا البرنامج – لخير الإنسانية جميعها ، بكل أطيافها ,, بكل تنوعاتها ،، بجنسياتها ،، بعرقياتها ،، بأديانها .. بالمؤمنين بغير المؤمنين ، بالمسلمين بغير المسلمين ، بالملحدين ..

نحن نريد خير العالم أجمع انطلاقا من هذا البرنامج ..

مهمة كبيرة جدا ، نحتاج أن نعلي سقف الطموح ، وتفعيل هذا البرنامج ، نستقبل ملاحظاتكم أ أسألتكم ، نريد من الأخوة والأخوات أن يراسلونا بتعليقات وإضافات ، شواهد وقصص تؤيد أو تنقض ما نقول ،

على موقعي : قصة الإسلام :

http://www.islamstory.com/

أو موقع د. صلاح سلطان :

www.salahsultan.com

نتبادل ونتفاعل ، نريد أن يكون هذا البرنامج نواة حركة في الأمة ، لا مجرد معلومات نظرية ، نحصلها لنصل لتخمة علمية دون أن يكون لها أثر في حقيقة واقعنا .

د . صلاح :

نحن فعلا نحب هذا التواصل لأننا نريد أن نبني جسورا نصل بها لرضوان الله سبحانه وتعالى ، وإعلاء سقف هذه الأمة لتتحول فعلا للأمة النموذج ، وأنا فعلا عندي يقين أننا قادرون على هذا إذا اعتصمنا .. { إلا بحبل من الله وحبل من الناس } ..فإذا وصلنا حبالنا مع الله ، ثم وصلنا حبالنا مع الناس بهذا الدور الرسالي الإنساني الحضاري النموذجي سنصل بإذن الله سبحانه وتعالى ، وهذه لا نشك فيه لحظة لأن الله سبحانه وتعالى وعد .. وكلمات الله عز وجل تصل لأعماق قلوبنا : { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين } فكل ما ترونه الآن في الغرب من علوم وحضارات ومعارف ، وثورة في المعلومات والإنترنت والفضائيات والجينات وكل هذا .. { ونجعلهم الوارثين ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } .. لأن هؤلاء معوقين لاستمرار الدور الرسالي والدور الحضاري ، وعمارة الأرض بنور القرآن والسنة ونور الهدي الإسلامي الراشد .

د . راغب :

الموضوع توسع ، وهذا يسحبنا لقضية أتمنى أن نفرد لها الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى وهي قضية الحضارة ، لأنه ممكن أن يكون بعض الإخوة حصل عندهم خلط ونحن نتكلم عما وصل إليه الغرب من علوم وتكنولوجيا وجينات وكمبيوتر .. فيعتقد أننا نقلل من قيمة هذه الأشياء ، أو يعتقد أننا نضع التوحيد والوحدة بديل عن هذه الأشياء ، لا شك أن مفهوم الحضارة عند المسلمين أوسع مما قد ينغلق عليه مفكر أو فيلسوف من غير هذه الأمة الراشدة ، أمة الإسلام ..

د . صلاح :

هذا يذكرني بشيء أود الكتابة فيه مستقبلا ، وهو الحزم الشرعية ، الأمور التي ينبغي أن تؤخذ حزما معا ..

{ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } ..

جزاكم الله خيرا كثيرا ..

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته ..