الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

قوانين النصر :

1ـ النصر من عند الله :

أعزائي المشاهدين ، أخوتي المؤمنين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم بل قوانين اليوم هي قوانين النصر ، التي تتوق إليه النفوس ، وحينما لا يكون تتألم هذه النفوس أشد الألم ، لأن الله عز وجل يقول :

﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)بِنَصْرِ اللَّهِ (5)﴾

( سورة الروم )

ذكرت قوانين ولم أقل قانوناً واحداً ، لأن هناك في القرآن الكريم عدة قوانين تتعلق بالنصر ، أولى هذه القوانين الله عز وجل يقول :

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 10 )

الذي يملك النصر وحده هو الله .

2 ـ نصر الله حاسم :

الحقيقة الثانية :

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 160 )

نصر حاسم ولا يستطيع أحد في الكون أن يعقب على الله شيئاً ،

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

3 ـ ثمن النصر :

الحقيقة الثالثة في مفهومات النصر أن النصر مع أنه من عند الله ، ومع أن نصر الله حاسم ، إلا أن لهذا النصر ثمناً لابدّ من دفعه :

﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾

( سورة محمد )

حقائق ثلاث ،

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾

من شروط النصر :

1 ـ أن يكون طالب النصر مؤمناً بالله ليس إيماناً تقليدياً بل إيماناً يحمله على طاعة الله :

أيها الأخوة الكرام ، هل في القرآن الكريم آيات أخرى تتحدث عن النصر ؟

﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾

هذا كلام موجز ، أين التفاصيل ؟ الله عز وجل يقول في آية محكمة :

﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة الروم )

الشرط الأول أن يكون طالب النصر مؤمناً بالله ليس إيماناً تقليدياً لا يقدم ولا يؤخر ، بل ينبغي أن يكون مؤمناً بالله إيماناً من لوازمه أن يحمله على طاعة الله ، وأن يمتنع من خلال هذا الإيمان أن يؤذي مخلوقاً ، الشرط الأول وأنا أسميه شرطاً لازماً غير كاف ، أن تكون مؤمناً .

2 ـ إعداد العدة المتاحة :

الشرط الثاني أن تعد العدة لعدوك ، ولكنها المتاحة وليست المكافئة قال تعالى :

﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 60 )

فإذا آمنا بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته ، وإذا أعددنا العدة المتاحة ، ومن رحمة الله بنا ليست المكافئة ، ولو أنه كلفنا أن نعد المكافئة لكان هناك عنت كبير لا نستطيع تلافيه ، لذلك الله عز وجل طلب منا ما هو بأيدينا ، أن نؤمن الإيمان الذي يحملنا على طاعة الله ، وأن نعد العدة المتاحة لنا ، وهذا يستنبط من قوله تعالى :

﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 60 )

الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر و المعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر :

أيها الأخوة الكرام ، أيها الأخوة الأحباب ، قال تعالى :

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

( سورة إبراهيم )

يتحدث عن الطرف الآخر الذي يعادي المسلمين ، تصور هذا المكر الذي وصفه الإله العظيم بأن الجبال تزول منه ، لكن المفاجأة التي قد لا تصدق أن الأمر بيدنا ، وأن الكرة في ملعبنا ، وأننا إذا أردنا الانتصار فهذا شيء متاح لنا ، كل هذا الكيد العظيم ، كل هذا الكيد الخطير ، كل هذا الكيد المعجز ، يتلاشى حينما نصبر ، وحينما نطيع الله عز وجل ، لذلك يمكن أن نقول : إن المعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر ، لكن الطاعة مع الصبر هي طريق إلى النصر .

يبتلى الرجل على قدر دينه :

أيها الأخوة الكرام ، هذا الذي يحصل من أن حرباً عالمية ثالثة معلنة على المسلمين ليس شيئاً جديداً ، قال تعالى :

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

( سورة الأحزاب )

قيل للشافعي : " يا إمام ، أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال : لن تمكن قبل أن تبتلى " .

والابتلاء قدر المسلمين بل قدر المؤمنين لأنه بالابتلاء نرقى إلى رب العالمين.

(( أشد الناس بلاء الأنبياء ، وأنا أشدهم بلاء ، ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل ))

[أخرجه الحاكم عن سعد بن أبي وقاص ]

يبتلى الرجل على قدر دينه ، وقد وصف بأنه ابتلاء عظيم ، ماذا كان موقف المؤمنين ؟ قال تعالى :

﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا(23)﴾

( سورة الأحزاب )

لكن بعضهم قال :

﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾

( سورة الأحزاب )

وهذا شأن الإنسان المؤمن الواثق من نصر الله عز وجل ، بينما غير المؤمن ربما غلب عليه اليأس والتشاؤم .

أنواع النصر :

أيها الأخوة الأحباب ، ما دام الحديث عن قوانين النصر ، الحقيقة الصارخة أن هناك نصراً استحقاقياً ذلك أن الصحابة الكرام استحقوا النصر فقال تعالى :

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 123 )

لكن الله جلّت حكمته قد يمنح النصر لمن لا يستحقه لحكمة بالغة بالغة بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها ، والشاهد على ذلك هي الآية الكريمة :

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)بِنَصْرِ اللَّهِ (5)﴾

( سورة الروم)

فانتصار الروم على الفرس هو نصر تفضلي ، بل إن الصحابة الكرام أثبت لهم فرحهم بهذا النصر ، إذاً هناك نصر استحقاقي ونصر تفضلي ، أما إذا كان الفريقان المتقاتلان شاردين عن الله شروداً كبيراً لا يعرفون الله إطلاقاً ، فالذي ينتصر منهما يسمى نصره نصراً كونياً ، الذي عنده السلاح الأقوى ، السلاح الذي له دقة في الإصابة ، الإعداد الأقوى ، الحشد الأكبر هذا الذي ينتصر ، هذا نصر كوني لا علاقة للدين به إطلاقاً ، نصر بين فريقين ، لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، لأن الحق لا يتعدد ، وبين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، وبين باطلين لا تنتهي ، لأن الله عز وجل تخلى عنهما معاً والأقوى هو الذي ينتصر ، لكن هذا الذي يموت شهيداً تأتيه رصاصة قاتلة ، أو شظية قاتلة ، أو صاروخ قاتل ، وعقيدته سليمة ، وتوحيده قوي ، وإيمانه بالله كبير ، وما قصر في حياته ، هذا الإنسان انتصر مع أنه قتل نسمي هذا النصر النصر المبدئي .

أنواع الجهاد :

لذلك أيها الأخوة ، من خطأ المسلمين أنهم إذا سمعوا كلمة جهاد لا يقفز إلى أذهانهم إلا الجهاد القتالي ، مع أن هناك أنواعاً من الجهاد تسبق الجهاد القتالي ، الجهاد الأول جهاد النفس والهوى ، وقد قال بعض الصحابة الكرام عندما عاد من غزوة : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى ".

وهناك الجهاد الدعوي فقد قال الله عز وجل :

﴿ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾

( سورة الفرقان )

وسمى الله جهاد الدعوة جهاداً كبيراً ، وهناك جهاد بنائي حينما قال الله عز وجل:

﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 60 )

والذي أراه ـ وهذا موقف اجتهادي ـ أن المسلمين حينما ينجحون نجاحاً باهراً في الجهاد النفسي ، جهاد النفس والهوى ، وحينما ينجحون نجاحاً باهراً في الجهاد الدعوي ، وحينما ينجحون نجاحاً باهراً في الجهاد البنائي ، ينتظر أن ينجحوا نجاحاً باهراً أيضاً في الجهاد القتالي ، إذاً هناك أنواع للجهاد ، هناك الجهاد النفسي ، وهناك الجهاد الدعوي ، وهناك الجهاد البنائي ، ثم هناك الجهاد القتالي ، وهناك أنواع منوعة من النصر ، هناك النصر الاستحقاقي ، والنصر التفضلي ، والنصر الكوني ، والنصر المبدئي .

من ينصره الله فلا غالب له :

و ملخص الملخص أن الله عز وجل حينما قال :

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 10 )

وحينما قال :

﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾

( سورة محمد )

وحينما قال :

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 160 )

هذه مجمل القوانين المتعلقة بالنصر الذي يحبه المؤمنون ، ويتمنونه في كل زمان ومكان .

وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

والحمد لله رب العالمين