الحقوق محفوظة لأصحابها

راغب السرجاني
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرّحيم إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضلّ له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله

أمّا بعد :

فأهلاً و مرحباً بكم في هذا اللّقاء المبارك و نسأل الله عزّ و جل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين مع الحلقة الواحدة و الثّلاثين من خطّ الزّمن و ما زلنا مع قصّة فلسطين .

في الحلقة الفائتة شفنا . . . حماية مصر من الاحتلال الانكليزي و هذا الجندي كان محمد علي لكن محمد علي و زي ما قلنا في الحلقة السابقة استأثر بحكم مصر و انفصل عن الدولة العثمانية بل و قاتلها و استعان في قتال الدولة العثمانية بانكلترا و بفرنسا و من ثم وصلنا في النهاية إلى أنه استقل بمصر استقلالاً كاملاً له و لأبنائه و أصبح يحكم أرض فلسطين و و أرض الشام بصفة عامة طيلة فترة حياته .

قلنا أن محمد علي كان شخصية نفعية كان عنده رغبة في إتمام مصالحه الخاصة و كذلك أولاده , كانوا انعزلوا تماماً عن الدولة العثمانية و بدؤوا يفكرون في مصالحهم الخاصة و هذا أثر تأثيراً سلبياً كبيراً على أحوال المسلمين في فلسطين , طبعاً اليهود كان لهم أطماع في أرض فلسطين لكن ليس لهم أي نوع من القوة كل الوجود اليهودي كان موجود خارج فلسطين في الدولة العثمانية لكن لم يسمح لهم أبداً بالسكنى في فلسطين طيلة أيام السلاطين الأقوياء للدولة العثمانية ابتداءً بسليم الأول و مروراً بكل السلاطين من بعده , و رأينا نمو يهود الدونمة في داخل الدولة العثمانية لكن لم يصلوا بعد إلى قطر فلسطين .

انكلترا من أول أيام تعاونها مع محمد علي عرضت بوضوح قضية التعاون على أن تُعطى قنصلا عامّاً في القدس و كان من أهم مهام هذا القنصل البريطاني في داخل القدس أن يحافظ على وجود اليهود في داخل فلسطين , و طبعاً بدؤوا من هذه اللحظةيساعدوا اليهود على الهجرة إلى أرض فلسطين بقدر ما يستطيعوا و بدأت مشاريعهم تلاقي شيئاً من النجاح لولا أن ظهر في العالم الإسلامي شخصية غيرت كثيراً من تخطيطات الانكليز و تخطيطات اليهود و عطلت هذه المشاريع اليهوديّة إلى حدٍّ كبير , هذه الشخصية هي السلطان عبد الحميد الثاني سلطان الدولة العثمانية .

في الحقيقة هذا الرجل من أعظم الخلفاء في تاريخ الدولة العثمانية و لولا أنه ظهر في زمن الضعف أو زمن التراجع لكان له شأن آخر في تاريخ الدولة العثمانية لكن للأسف هو ظهر في وقت انتشر فيه الأقزام و كانت الدولة في مراحل الاحتضار فحاول قدر ما يستطيع لكن الجهود كانت صعبة جداً , هو تولى الحكم من سنة 1293 هـ إلى 1328 هـ من 1874 م إلى 1909 م , حكم 35 سنة تقريباً في هذه الفترة الطويلة حاول قدر ما يستطيع أن يجمع من جديد شتات الدولة العثمانية و أن يقاوم الأطماع الانكليزية و الفرنسية و الروسية في الدولة العثمانية , عمل جهود إصلاحية كبرى لما استلم الحكم كان عدد اليهود في فلسطين حوالي 14 ألف و أنشؤوا مستعمرة صغيرة في شمال فلسطين بمعاونة الانكليز لكن هذه المستعمرة كانت صغيرة للغاية و لم يكن لهم وجود أكثر من ذلك في داخل فلسطين و و لم يكن لهم وجود مطلقاً في القدس .

تزامن حكم عبد الحميد الثاني رحمه الله مع اضطهاد مستمر لليهود في روسيا و روسيا كانت تضم أعداد كبيرة جداً من اليهود حوالي 7 مليون يهودي كانوا يعيشون في روسيا في ذلك الوقت كانت تحت الحكم القيصري الأرثوذكسي تحت اضطهاد كبير و ظهرت دعوة اللاساميّة أو معاداة السامية في روسيا و بدأت انكلترا و فرنسا يضغطوا على الدولة العثمانية لاستقبال المهاجرين من روسيا في ذلك الوقت و نتيجة الصلاحيات الكبرى التي أعطيت لفرنسا و انكترا داخل الدولة العثمانية و قوة فرنسا و انكترا و ضعف الدولة العثمانية حتى في زمان عبد الحميد الثاني قبِل بوجود السلطان عبد الحميد الثاني بوجود اليهود داخل الدولة العثمانية على ألا يسكنوا في داخل فلسطين , القضية عنده في منتهى الوضوح لأنه عارف أن اليهود جاؤوا من كل مكان علشان أرض فلسطين و تدخل السفير الأمريكي للمرة الأولى .

أول نذكر أمريكا في قصة فلسطين منذ عهد السطان عبد الحميد الثاني و هو يتدهل لمحاولة إنشاء وطن قومي لليهود داخل فلسطين و لا ننسى أن السفير الأمريكي و أمريكا كلها بروتستانت و عندهم فكرة إنشاء وطن قومي لليهود حتى ينزل المسيح المنتظر , و مع تدخل السفير الأمريكي في القصة طبعاً و أمريكا ما زالت ناشئة على الساحة العالمية و السلطان عبد الحميد قال كلمة جميلة قال : (( إنني لن أسمح لليهود بالاستقرار في فلسطين مادامت الخلافة العثمانية قائمة )). في سنة 1299 هـ الموافق 1882 م حصلت كارثة مروعة على العالم الإسلامي احتلت مصر من الانكليز و طبعاً الاحتلال أتبعه غلق ملف مصر تماماً عن ملف فلسطين , خلاص نحيّت مصر عن فلسطين و انشغلت بحالها و أصبحت محتلة من انكلترا و كانت خطوة تمهيدية لإنشاء وطن قومي لليهود في داخل فلسطين , و حيد جانب مصر تماماً و أصبحت فلسطين الآن محاصرة من جنوبها بالانكليز الّذين لديهم رغبة في ترسيخ أقدام اليهود في داخل فلسطين .

ظهرت برده كارثة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني هي في الحقيقة ظهرت قبله لكن نمت في عهده و هي ظهور مسألة القوميات و نشأت جمعية معروفة بتركيا الفتاة هذه الجمعية أنشأت في باريس و أصبح لها فروع كثيرة في بلاد العالم المختلفة و أشهر هذه الفروع كان في سالونيك في اليونان التي كان فيها يهود كثر لأنه كما قلنا أن معظم هجرة اليهود كانت إلى سالونيك في اليونان و برده كان لها فروع في برلين و في استنبول عاصمة الدوالة العثمانية , هذه الجمعية تركيا الفتاة دعت إلى ما كانت تدعو إليه الثورة الفرنسية الثورة الفرنسية كانت تدعو إلى القومية , أن الفرنسيين فرنسيين و الانكليز انكليز و أن النمساويين نمساويين و هكذا , يقسم البلاد على حسب العرق و على حسب الجنس و على حسب العنصر و كذلك دعت جمعية تركيا الفتاة إلى تقسيم العالم الإسلامي على حسب العرقية والجنسية و بدأت تعلي جداً من شأن العرقية التركية على حساب العرقية العربية التي هي ثاني أكبر عرقية في الدولة العثمانية الكبيرة , طبعاً كبرت هذه الجمعية بشكل كبير تحت رعاية فرنسا و انكلترا و أنشأت لها جناح عسكري وهذا الجناح العسكري سمي بجبهة الاتحاد و الترقي طبعاً مشهورة جداً معظم الناس الموجودين فيها عندهم أفكار قومية عالية و معظمهم علمانيين لا يعترفون بالدين مطلقاً أو يؤيدون المنهج الذي سارت عليه الثورة الفرنسية و هو فصل الدين تماماً عن الدولة عدداً كبيراً من الجنود في الجيش العثماني و هؤلاء الجنود طبعاً كانوا غير ملتزمين عندهم النزعة العلمانية عالية جداً , كل هذه الجمعية مؤيدة بقوة من يهود الدونمة الّذين هم في الظاهر مسلمين و من الداخل يهود و تغلغل هؤلاء اليهود في حزب الاتحاد و الترقي التابع لجمعية تركيا الفتاة و بدأت تنتشر الأفكار القومية في العالم أجمع بما فيه العالم العربي حيث ظهرت في العالم العربي جمعيات تدعو إلى القومية العربية بمواجهة القومية التركية , طبعاً و هذه كانت بداية مأساة في الدولة العثمانية , طبعاً زاد النفوذ الغربي جداً في داخل الدولة العثمانية و أكبر نفوذ كان نفوذ الدولة الروسية داخل الدولة العثمانية متبوع بنفوذ النمسا ثم انكلترا ثم فرنسا و أخيراً ألمانيا .

حصلت ثورات كثيرة و حروب كثيرة في الدولة العثمانية أنهكت قواها أكثر و أكثر و بدأت الجيوش العثمانية تضعف هنا و هناك و مع ذلك السلطان عبد الحميد كانت عينيه على القدس و جعل ولاية فلسطين تابعة له مباشرة و ليست تابعة لأمير الشام حتى يستطيع أن يتابع الأحوال فيها بدقة و عام 1800 هـ 1891 م أصدر السلطان عبد الحميد رحمه الله قراراً بمنع بيع أرض فلسطين مطلقاً لليهود حتى و لو كانوا يسكنون في داخل فلسطين الموضوع بقي بين الشد و الجذب بين الانكليز و الفرنسيين و اليهود من ناحية و بين السلطان عبد الحميد الثاني من ناحية أخرى إلى أن ظهرت في التاريخ شخصية غيرت كثيراً جدّاً من أوراق اللعبة و بدأت الأمور تتجه إلى جانب اليهود ترى من هي هذه الشخصية و ده هاللي هنعرفه بعد الفاصل فابقوا معنا .

* * *

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله .

قبل الفاصل تكلمنا عن وضع الدولة العثمانية في زمن التراجع و تكلمنا عن السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله و حهوده المتتالية لمنع سكنى اليهود داخل أرض فلسطين و شفنا فرنسا و انكلترا و روسيا يحاولوا أن يتغلغلوا في داخل الدولة العثمانية و أحد وسائل هذا التغلغل إنشاؤ وطن قومي لليهود في داخل فلسطين و كان أهم المؤيدين لإنشاء هذا الوطن القومي كان انكترا و امريكا على اعتبار أنهم بروتستانت مؤيدين لإنشاء وطن قومي انتظاراً للمسيح المنتظر , جهود السطان عبد الحميد الثاني كانت كثيرة لمنع إنشاء وطن قومي لليهود في داخل فلسطين لكن ظهرت شخصية يهودية في أوربا غيرت كثيراً جدّاً من أوراق اللعبة هذه الشخصية هي شخصية تيودور هرتزل .

تيودور هرتزل صحفي مجري كان عايش بالنمسا يهودي كان صغير بالسن 36 سن عندما أصدر كتاباً بعنوان الدولة اليهودية و في هذا الكتاب اعلن أنه يجب أن يكون لليهود وطن في العالم يجمعهم و عرض اقتراحات كثيرة جداً لهذا الوطن ممكن يكون في ليبيا ممكن يكون في موزنبيق ممكن يكون في أوغندا ممكن يكون في سيناء ممكن يكون في قبرص ممكن يكون في الأرجنتين و ممكن يكون في في فلسطين , و لم تكن القضية واضحة جداً في هذا الكتاب أنه لا بد هذه الدولة في أرض فلسطين و من ثم عمل جهود عشان يوصل لمكان يصلح أن يكون مستقراً لليهود وجامعاً لهم من الشتات في العالم .

عمل مؤتمر كبير جداً في مدينة بال في سويسرا عام 1897 م الموافق 1315 هـ حضره 179 يهودي من العلماء و الساسة والاقتصاديين و غيرهم و بدأ يجمّع الناس و يقول لهم فكرته بتجميع اليهود في وطن واحد يجمعهم من الشتتات في العالم , فعلاً ده كان أول مرة يجتمع اليهود سوياً لهدف واحد في العالم , و بدؤوا يفكروا في بعض القرارات و كان من أهم هذه القرارات في هذا الاجتماع اختيار فلسطين كوطن لليهود يعني سابوا الاقتراحات الأخرى و ركزوا على قضية فلسطين و بدؤوا يقولون أنه نحن لازم نشجع الهجرة إلى فلسطين و التشجيع يجب أن يكون بكل الإمكانيات المتاحة :

- تشجيع ديني عن طريق إثارة عواطف اليهود هنا و هناك للتوجه إلى فلسطين .

- و تشجيع مالي عن طريق إعطاء الأموال لليهود ليتركوا بلادهم هنا و هناك و يتجهوا إلى أرض فلسطين .

- و تشجيع بالإعلام .

و قرروا في هذا الاجتماع الأوّلي “شوفوا” أول مرة يجتمعوا من سنوات طويلة قرروا أن يكونوا يداً واحدة في إنشاء بنك يهودي و إنشاء جريدة إعلامية يهودية من البداية خالص عارفين قيمة المال في تحريك الشعوب و قيمة الإعلام في تحريك الشعوب و أنشؤوا صحيفة “voice of jacob” : صوت يعقوب و صحيفة “jewish carnkle” في لندن و عملوا البنك اليهودي و طبعاً كان متزعم قيادة هذا البنك أكبر أثرياء اليهود مطلقاً في العالم و هو آل روتشلد و روتشلد هؤلاء كانوا انكليز يهود و طبعاً كانوا من القوة المالية بحيث كانوا يساندون الحكومة الانكليزية عندما تحتاج إلى أموال فتخيلوا كمية الأموال التي كانت معهم .

الأمر الثالث الّذي قرروه غير أن فلسطين وطن قومي لهم و تشجيع الهجرة إلى فلسطين الأمر الثالث بدؤوا يربطوا يهود العالم سوياً فقالوا نعمل مؤتمرات سنوية و لايبقى هذا مؤتمر وحيد و بدؤوا فعلاً يعملوا مؤتمر كل سنة و الحاجة الثانية المهمة جداً جداً : بدأ يعلم اليهود في كل أنحاء العالم اللغة العبرية مع ان اللغة العبرية في انكلترا ولا فرنسا و لا في أمريكا و روسيا لا قيمة لها و لا أحد يتكلم بها , لكن قال أن الناس هؤلاء عندما تتجمع بفلسطين هيكلموا بعض بماذا ؟؟ كل واحد يتكلم لغة لذلك يجب أن يتعلموا لغة واحدةتجمعهم و تربطهم بالأرض التي يذهبوا إليها و هي اللغة العبريةو بالفعل بدؤوا يتعلموا اللغة العبرية .

و قال هرتزل قال في نهاية المؤتمر ده 1897 م -احفظوا هذا التاريخ- مؤتمر بال بسويسرا قال كلمة غريبة جداً , قال” لو أردت أن أختصر بال أي مؤتمر بال في كلمة واحدة لقلت في بال أسست الدولة الصهيونية و بعد 50 سنة على وجه التأكيد سيرى هذه الدولة جميع الناس” احسبوها من 1897م إلى 1947 م نزل قرار التقسيم من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة يهودية و واحدة فلسطينية و في 1948 م بعد سنة من هذا القرار نزلت القوات اليهودية العسكرية لتقيم دولة إسرائل داخل فلسطين الحبيبة نسأل الله أن يحررها كاملة .

الشاهد من القصة أنّ الكلام الّذي قاله ليس بسحر و لا دجل هي حسابات حسبها بناء على الإمكانيات المتاحة في ذلك الوقت و جهد بذله و خطة وضعت في وجود ضعف الدولة العثمانية و غياب كامل للفكر الإسلامي الصحيح عند عموم الشعوب الإسلاميّة بل عند معظم العلماء المسلمين في ذلك الوقت , فأدى كل ذلك إلى الكارثة التي نحن بصددها .

لم يسكت تيودور هرتزل عند هذا الحد بل سعى إلى الاعتراف الدولي بهذا الكيان الجديد طبعاً همّ كلهم مازالوا يعملوا مؤتمرات مجرد مؤتمرات تجميع لليهود مرة في بال و السنة التالية أيضاً في بال بعد ذلك لندن بعد ذلك نيويورك كل سنة يجمعون اليهود من كل مكان , لكن سعى إلى الاعتراف الدولي فبدأ يتجه إلى الدول القوية في ذلك الوقت اتجه مرة إلى ألمانيا و لم يجد صدى كبيراً عند ألمانيا لمساعدته اتجه بعدها إلى روسيا و قابل وزير المالية الروسي “ويت”

و قال نحنا عايزين تساعدنا في إقامة وطن يهودي في فلسطين قال له لماذا ؟

فأجابه : أنت عندك اليهود و بتعملهم اضطهاد كبير جداً و بيعمللكم مشكلة داخل فلسطين و معاداة السامية , نحن نخلصكم من اليهود كلهم نحن نأخذ اليهود كلهم و نحطهم بأرض فلسطين لذلك ساعدنا على الهجرة اليهودية من روسيا إلى داخل فلسطين .

فقال وزير المالية الروسي “ويت” : نحن نفضل أن نتخلص من اليهود لا عن طريق إرسالهم إلى فلسطين لكن عن طريق إغراقهم في البحر الأسود هكذا قال وزير المالية الروسي و كان في منتهى العنف في مقابلته مع تيودور هرتزل .

و مع ذلك لم ييأس تيودور هرتزل و ذهب لأنكلترا و عمل معاهدات كثيرة مع انكلترا و وجد ضالته في انكلترا .

و انكلترا كما قلنا من البداية عندها الرغبة في إنشاء وطن قومي لليهود في داخل أرض فلسطين و وجدت انكلترا في اليهود حليف محلي قوي في داخل الأراضي الإسلامية , الفرنسيين كانوا حلفاء مع الموارنة و الروس عاملين تحالف مع الأرثوذكس في العالم الإسلامي في كل أماكنه , و الانكليز عاملين حلفاء مع الدروز لكن الدروز ليسوا بالقوة الكافية التي ترضي الطموح الانكليزي في ذلك الوقت فسعوا إلى وجود حليف محلي مزروع في داخل البلاد الإسلامية و هو اليهود , طبعاً الأموال اليهودية كانت إغراء كبير جداً للانكليز و لما حاولت انكلترا أن تشتري حقوق قناة السويس في مصر لم تجد المال الكافي في الامبراطورية الانكليزية استلفت من اليهود , تخيل استلفت من بنك روتشلد اليهودي الموجود في انكلترا معنى أنه بنك له قدرة على تسليف حكومة كاملة , فطبعاً كان عندهم طموح في هذه الأموال بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي الخطير لفلسطين و هي معبر إلى الهند التي كان فيها مستعمرات انكليزية كبيرة و في النهاية خط دفاع أول ضد المسلمين و حجر عثرة أمام إعادة إنشاء الدولة العثمانية في زمن السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله .

هرتزل قال كلمات مؤثرة جداً عند انكلترا قال لهم : سوف نبني هناك حاجزاً بمواجهة آسيا من أجل أوربا و سنكون حراس المقدمة للحضارة ضد البربرية . يعني هو سيكون خط الدفاع الأول للحضارة الأوربية ضد البربرية الإسلامية كما يقول و لم يكتفي بكل ذلك بل ذهب تيودور هرتزل إلى رأس العالم الإسلامي ذهب إلى السطان عبد الحميد الثاني و حاول أن يغريه بإغراءات كثيرة جداً و السطان عبد الحميد الثاني عندما قابله كان خارجاً من هزيمة كبيرة في حرب اليونان و مُزق الجيش العثماني و كانت الخزانة العثمانية أفلست في هذه الحرب فذهب إليه في ظروف صعبة جداً :

و عرض عليه عرض مغري جدّاً :

قال له , أعرض عليك :

1- 150 مليون ليرة ذهبية لجيب السلطان الخاص يعني رشوة عملية و واضحة .

2- أسد جميع ديون الدولة العثمانية .

3- أبني أسطول للدولة العثمانية بتكلفة 120 مليون فرنك ذهبي فرنسي .

4- قرض بدون فوائد قيمته 135 مليون ليرة لإنعاش الخزانة العثمانية .

5- بناء جامعة عثمانية في القدس .

6- تهدئة الأوضاع في أوربا بالنسبة لقضية الأرمن التي كانت مثارة في الغرب في ذلك الوقت .



كل هذه عروض من تيودور هرتزل للسطان عبد الحميد الثاني في مقابل أن يعطيه فقط مستعمرة خارج القدس فقط , لا يسمح بأكثر من مستعمرة صغيرة خارج القدس و ان يسمح لليهود بالهجرة إلى أرض فلسطين مع كل هذه الإغراءات إلا أن السطان عبد الحميد الثاني رحمه الله رفض هذه العروض رفضاً قاطعاً و قال الكلمات الرائعة , قال : ((على هرتزل أن لا يتقدم خطوة واحدة في هذا الشّأن , لا أستطيع بيع بوصة واحدة من البلد لأنّه ليس ملكي بل ملك شعبي , لقد أوجد هذه الامبراطورية بدمه و سنغطيها مرة أخرى بدمائنا قبل أن نسمح بتمزيقها )) .

ثم قال : (( قد يأتي يومٌ يأخذ فيه تيودور هرتزل هذه البلاد بلا ثمن لكن لن يأخذها أبداً قبل أن تشرّح أجسادنا على هذه البلاد )) .

هذه الكلمات قالها من قلبه رحمه الله و خرج تيودور هرتزل من هذه المفاوضات و في ذهنه النية واضحة و قال لا يمكن أبداً إقامة وطن لليهود داخل فلسطين إلا بإقصاء االسطان عبد الحميد الثاني .

ترى ماذ اسيفعل تيودور هرتزل لإقصاء السلطان عبد الحميد الثاني سلطان الدولة العثمانية الشريف الّذي حاول المرة و الثانية و الثالثة إلى آخر لحظات حياته أن يمنع اليهود من السّكنى في فلسطين يا ترى ما هو رد فعل السلطان عبد الحميد الثاني و ما هو أثر حزب الاتحاد و الترقي الّذي نمى في داخل الدولة العثمانية و أثر كل ذلك على الحركة الإسلاميّة في داخل فلسطين .

هذا ما سنعرفه إن شاء الله في الحلقة القادمة , أسأل الله عزّ و جلّ أن يفقّهنا في سننه و أن يعلّمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا إنه و ليّ ذلك و القادر عليه .

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

* * *