الحقوق محفوظة لأصحابها

راغب السرجاني
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره إنه من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فﻻ هادي له و أشهد أن ﻻ إله إﻻ الله و أشهد أن محمداً عبده و رسوله أما بعد فأهلاً و مرحباً بكم في هذا اللقاء المبارك و أسأل الله عز و جل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين ،

أما بعد :

مع الحلقة 13 من خط الزمن و مازلنامع قصة فلسطين :

تكلمنا عن حصار القدس و تكلمنا عن قدوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين من المدينة المنورة عن الهيئة التي جاء فيها عمر و عن تواضعه و إخلاصه و تجرده لدعوة الإسلام .

في هذا الحصار يا أخواني لن نذكر أن الصحابة الّذين اشتركوا فيه كانوا 4 آلاف صحابي تخيل عدد هائل من الصحابة اشتركوا في عملية حصار القدس و هذا تشريف و تكريم رباني لهذه الأرض المباركة الطيبة ، و حصل الاتفاق كما ذكرنا بين بطريرك القدس و عمر بن الخطاب على أن تفتح أبوا ب المدينة و و يكتب العهد و الصلح بين الطرفين و هذا كان في ربيع الآخر سنة 16 هـ الموافق 637 م شهر مايو بالتحديد .

العهدة العمرية أو الاتفاقية أو الصلح الّذي تم بين عمر بن الخطاب و بطريرك القدس هذا في غاية الأهمية و مازل إلى الآن يحفظ في كنيسة القيامة في القدس و طبقه المسلمون و حرص المسلمون على تطبيقه لا أقول سنة أو اثنين أو عشرة لكن طبقوه عدة قرون إلى القرن العشرين إلى أن سقطت فلسطين بيد الانكليز 1917 م طزل هذه الفترة في زمن الخلافة العثمانية طول زمن الخلافة العثمانية و العهدة العمرية تطبق إلى أن سقطت الخلافة العثمانية و احتلت فلسطين وبالتالي حصل اختلاف كبير عما جاء في العهدة كما سنرى .

العهدة العمرية في غاية الأهمية لذلك أريد ان أدرسها معكم و نعلق عليها يقول فيهاعمر بن الخطاب رضي الله عنه :

(( هذا ما أعطى عبـد الله أمير المؤمنين عمر -انظر إلى التواضع هذا رئيس الدولة الإسلامية التي كسرت شوكتي فارس و الروم فيبدأ أنه عبد الله عز و جل - ، أهل إيلياء – هي القدس- من الأمـان، أعطـاهم أمـانـاً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم -)) كان من الممكن ان تكفي كنائسهم لكن مع أن عقيدة الإسلام تتنافى مع عقيدة الصليب و الصلب حيث لدينا

(( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ))

(النساء / 157 )

مع ذلك يقرهم على عقيدتهم و كلنا نخالفها و نعتقد غيرها

(( - أعطـاهم أمـانـاً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم و سقيمها و بريئها و سائر ملتها، -كل النصارى في القدس- إنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها ولا من صلبانهم، ولا شيء من أموالهم، ولا يكـرهـون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحـد من اليهود،- ))

طبعاً من التأكيد على حماية أرواح و ممتلكات النصارى لكن هذا الشرط الأخير ولا يسكن بإيلياء معهم أحـد من اليهود هذا الشرط الّذي طلبه بطريرك القدس شخصياً حتى يتم هذا الصلح لا بد ان يشترط في هذه العهدة العمرية ألا يسمح لليهود بالسكنى داخل القدس بالّذات وهذا المنع من السكنى لليهود يعني يصحبه سماح بزيارة اليهود للأماكن المقدسة داخل القدس لكن لا يسكنوا داخل القدس و أقر عمر بن الخطاب على هذا البند الّذي طلبوه و وضعه في العهدة العمرية

(( وعلى أهـل إيليا أن يعطـوا الجـزيـة كـما يعطي أهل المدائن (يقصد مدن فلسطين)، على أن يخرجوا منها الروم واللصوص - ))

طبعاً الروم هم الجيش المحارب للأمة الإسلامية و الجيوش المقاتلة موحود منها بعض الفرق في القدس فعلى أهل إيلياء أن يخرجوا هذه الجيوش من القدس طبعاً لودخلت و وجد الجيوش سأضطر ان أحارب وعمر بن الخطاب لا يريد أن يحارب داخل القدس لهذه العهدة فاشترط ان يخرجوا الروم أيضاً اللصوص سنضطر ان نحارب هؤلاء اللصوص فعلى أهل إياياء أن يخروجوا هؤﻻء اللصوص . ثم يقول :

((- ، فمن خرج منهم - من الروم و هو الجيش المحارب للإسلام و التقى معهم في أجنادين و بيسان و اليرموك و دمشق و حمص في أكثر من موقعة سابقة مع ذلك يقول- فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغـوا مأمنهم -انظر يؤمنهم سيدنا عمر بن الخطاب حتى يخرجوا إلى بلادهم- ، ومن أقـام منهم فهو آمن -من رضي منهم أن يبقى في أرض القدس فالمسلمون يجيزون بقاءه على أن يدخل في العهدة في هذا الاتفاق - وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه مع الروم -فلو أراد أحدهم ان يحارب المسلمين لا مشكلة اخرج و حاربنا- ، ويخلي بيعتهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم,- انظر إلى الرحمة يعني حتى لو أنت لديك نية و رغبة لتحاربنا لا مانع أن تخرج آمناً إلى أن تصل إلى مكان خارج القدس ثم تحارب المسلمين ثم ختم الكتاب بقوله : - وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليه من الجزية.

ثم شهـد على هذا العهد و على هذه الاتفاقية عدداً من الصحابة أربعة هم : خالـد بن الـوليد رضي الله عنه ، وعمرو بن العـاص رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه و عن الصحابة أجمعين .))

أيضاً نمر على هذه المعلومة :

هذه الشهادة من هؤلا الأربعة دلالة على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم هؤلاء ﻷهميتهم و مكانتهم و إن كان هناك 4 آلاف صحابي كلهم عظيمي القدر و جليلي الأهمية لكن كل هذا ينفي العلاقة السيئة التي ادّعوها على علاقة عمر بن الخطاب مع خالد بن الوليد رضي الله عنه حيث يثبت ذلك أنه كان يقدره و يقدمه على غيره كما يثبت أهمية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الّذي طعن فيه الكثيرون ف مدة خلافته و سنرد على الكثير من هذه الطعون في البرنامج لكن هذه شهادة عمر بن الخطاب لهؤلاء الأربعة .

نلاحظ التسامح الواضح في العهدة العمرية من طرف المسلمين و إعطاء النصارى الكثير حتى مما لا يتخيلونه أعطاهم الأمان على الأرواح و الأموال مع ان البلد محاصرة و الجيوش الإسلامية انتصار المسلمين واضح و يعطيهم اﻷمان على كل الأموال مع أنهم حاربوه فترة نحن قلنا أن القدس سقطت بعد حصار أربع شهور و مع ذلك يؤمنهم على أموالهم و أرواحهم و يعطيهم الحرية الدينية الكاملة ما أكرههم أبداً على ترك دينهم و إن كنا نخالف و إن كنا نعتقد اعتقاداً مخالفاً تماماً لاعتقادهم في المسيح عيسى بن مريم عليه السلام و أيضاً في هذه العهدة العمرية اشترط عدم سكنى اليهود في إيلياء و ظل هذا الاشتراط معمولاً به إلى آخر زمن الخلافة العثمانية .

في مقابل كل هذا العطاء من المسلمين و كل هذه الحرية الدينية و التأمين لحياتهم ماذا عليهم فقط عليهم الجزية و الجزية كانت في عهد عمر بن الخطاب دينار واحد على القادر على القتال يعني لو ان أهل إيياء أنهم 300 ألف أو 400 ألف لو منهم 30 الف مقاتل أو 40 الف مقاتل هم من يدفع الجزية لكن لا يدفع الجزية شيخ أو عاجز عن القتال و لا امرأة أو طفل و لا يدفع الجزية معتكف للعبادة كل هؤلاء لا يدفعون الجزية و لو كان أحدهم يدفع الجزية من القادرين و بعد ذلك عوق عن القتال لضعف أو مرض و ما إلى ذلك تسقط عنه الجزية .

طبعاً ذلك كان في منتهى الرحمة و هي أقل بكثير يا أخواني و أخواتي من الزكاة التي يدفعها المسلمون يعني كما يقولون بقاء النصارى على دينهم كان أوفر لهم من دخول الإسلام فلو دخلوا الإسلام يدفع الزكاة رقم كبير بالقياس إلى الجزية التي كانت تدفع من قبل النصارى .

و دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه القدس و كان يوماً عظيماً من أيام الله عز و جل و تجول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة و وصل إلى كنيسة القيامة و دخل الكنيسة بالفعل و حان وقت صلاة الظّهر و طلب منه بطريرك القدس أن يصلي الظّهر في الكنيسة و لكنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه و أرضاه مع علمه ان هذا يجوز رفض أن يصلي في الكنيسة و لما سأله البطريرك لماذا لا تصلي في الكنيسة قال :

((أما إني لو صلّيت هنا لأخذها منكم المسلمون قيما بعد و يقولون صلى عمر هنا ))

فيأخذونه منكم يتبركون به أو يقولون هذا المكان صلى فيه أمير المؤمنين عمر ، فيأخذونه منكم فحماية لكنسيتكم لا أصلي في هذا المكان و للحديث بقية فابقوا معنا بعد الفاصل .

* * *

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله تكلمنا عن دخول عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه إلى مدينة القدس فاتحاً و هذا الكلام كان في 16 هـ الموافق 637 م و كان يوماص عظيماً من أيام الله عزّ و جلّ .

و لما دخل عمر بن الخطاب ذكرنا موقفه مع كنيسة القيامة و حماية عمر بن الخطاب رضي الله عنه للكنيسة و خرج عمر بن الخطاب يريد أن يصلي فسأل عن المسجد الأقصى و هو حتى في الطريق و هو يمشي إلى كنيسة القيامة دون أن يسأل البطريرك فلم يجد المسجد الأقصى فبعدما زار كنيسة القيامة سأل البطريرك أين المسجد الأقصى فقال أتقصد المكان الّذي كان يعظمه اليهود فقال نعم فأخذه و ذهب به إلى مكان المسجد الأقصى .

فوجد أنه مجرد بقايا بناء و قد القيت فيه القمامة في كلّ مكان انظر أصبح مقلباً للقمامة و للمخلفات مع أنهم يعرفون أن هذا مكان تعظمه الأديان السابقة أو يعظمه اليهود فعمر بن الخطاب لما رأى المسجد بهذه الصورة بدأ ينظف المسجد هو و الصحابة رضي الله عنهم و أرضاهم و اشترك هو بنفسه في كنس المسجد الأقصى مع أنه أمير الدولة الإسلامية لكن في منتهى التواضع و الخشوع أمسك بالجيش الإسلامي بكامله و اشتركوا مع بعض في تنظيف المسجد الأقصى ، و أذّن بلال رضي الله عنه و أرضاه في المسجد الأقصى و هذه المرة الثانية التي يؤذن فيها بلال بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث انقطع بلال عن الأذان و قال أنه كان يؤذن في عهد رسول و كلما حاول تخنقه العبرات و يتذكر الحبيب و لا يستطيع أن يكمل الأذان فاذن مرة واحدة في الجابية عندما أتى عمر بن الخطاب و اجتمع أمراء الشام في الفتوحات الإسلامية قبل فتح القدس بحوالي شهر أو أقل و أذن في اجتماع الصحابة رضي الله عنهم بعد طلب عمر بن الخطاب منه و أذن و هو مكره فحتى هذا الأذان الّذي كان في الجابية لم يستطع أن يكمله و خنقته العبرات و بكى .

ثم في هذا المسجد المسجد الأقصى في أول أذان في المسجد الأقصى بعد ان امتلكه المسلمون و أعادوا تنظيفه كان لبلال بن رباح رضي الله عنه و أرضاه و أتم الأذان و كان لصلاة الصبح أخذوا طوال الليل ينظفون المسجد إلى صلاة الصبح و أول صلاة تصلى في المسدج الأقصى بعد أن دخله المسلمون كانت صلاة الصبح و الّذي أم المسلمين فيها طبعاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه و صلى بالركعة الأولى بسورة ((ص)) و سجد السجدة -سجدة داوود - و هذا طبعاً فيه قناعة واضحة جداً عند المسلمين ان هذا المكان هو الّذي كان يعبد فيه داوو د عليه السلام ربه سبحانه و تعالى و هذا يلغي كل اعتقاد لوجود هيكل غير هذا المسجد الأقصى الّذي كان يعظمه كل أنبياء الله عز و جل و في الركعة الثانية صلى بسورة الإسراء لقراءة اﻵية الكريمة :

(( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ))

( الإسراء /1 )

ثمّ بدأ بعد هذه الصلاة في بناء المسجد الأقصى بناءً متكاملاً و كان هذا البناء من الخشب و كان يتسع في عهد عمر بن الخطاب و كان يتسع في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى 3 آلاف مصلي يعني بنى مسجد ضخم هائل على كل الحدود التي كانت موجودة للمسجد الأقصى و حدد مكان الصخرة التي كان موجود التي ربط عندها رسول الله عليه الصلا ة و السلام البراق عند رحلة الإسراء و المعراج .

و سيدنا عمر بن الخطاب مكث في المدينة الأحوال فترة قليلة من الزمن يرتب اﻷحوال ثم غادر القدس عائداً إلى المدينة المنورة و في عودته قال بعض الكلمات لأهل القدس من المسلمين و هذه الكلمات هي دليل النّصر و برهان التّمكين لأمة الإسلام في الأرض كلمات بسيطة جداً لكن في منتهى العمق قال :

(( يا أهل الإسلام إن الله تعالى قد صدقكم الوعد - لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم بشر بفتح بلاد الشام كما قلنا في غزوة الأحزاب كان يبشر بفتح بلاد الشام بكاملها بما فيها فلسطين - فقد صدقكم الوعد و نصركم على الأعداء و أورثكم البلاد و مكّن لكم في الأرض فلا يكون جزاؤه منكم إلا الشّكر و إياكم و العمل بالمعاصي فإن العمل بالمعاصي كفر بالنعم و قلّما كفر قوم بما أنعم الله عليهم ثمّ لم يفزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزّهم و سلط الله عز و جل عليهم عدوهم ))

إذاً يضع المسلمين على الطريق الصحيح انه لا تظنوا انكم انتصرتم بالعدد و العدة أو الخطة و الإمكانيات البشرية و السلاحية و لكنكم انتصرتم لأنكم مع الله عز و جل فإن عملتم بالمعاصي في يوم من الأيام سلبتم العزة و ضاع منكم التمكين و هي رسالة في منتهى اﻷهمية و جهها أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه و أرضاه إلى الجيل الذي عاصره و إلى من يأتي بعده و إلى جيلنا و إلى يوم القيامة .

طبعاً الحمد لله بهذا الوضع فتحت فلسطين بكاملها إلا مدينة واحدة و هي مدينة قيسارية على ساحل البحر الأبيض المتوسط حاول المسلمون أن يفتحوها لكنها كانت صعبة جداً في الفتح كانت حصينة و تأتيها الإمدادات من البحر الأبيض المتوسط و كانت من أهم موانئ فلسطين فتأخر فتحها قليلاً بعد مدينة القدس حيث فتحت في سنة 18 هـ قلنا أن القدس فتحت في 16 هـ.

في 18هـ تقريباً 739 م حصل حادث مؤسف جداً في فلسطين و أثر على فلسطين و أثر على المناطق التي حولها من بلاد الشام و هو ما يعرف في التاريخ بطاعون عمواس و هو وباء جاء ليس بالضرورة أن يكون الطاعون الّذي نعرفه لكنه وباء قاتل معدي فانتشر هذا الوباء من بلدة صغيرة في فلسطين اسمها عمواس و هذه البلدة في شمال غرب القدس و عمّ هذا الطاعون في الجيش الإسلامي و قتل أعداداً لا يمكن أبداً أن نتخيلها سبحان الله في فترة وجيزة أقل من سنة فقد المسلمون أكثر من 15 ألف أو 18 ألف مسلم !!! متخيلين في هذا الزمن عدد المسلمين قليل جداً و عدد الجيش الإسلامي أصلاً قليل و الفتح الإسلامي موزع على أماكن كثيرة فان بفقد المسلمون هذا العدد الضخم الهائل في لحظة واحدة كانت من اللحظات المؤثرة جداً في حياة المسلمين و تخوف المسلمون أن يضيع منهم هذا الفتح العظيم لكن الله عز و جل حقظ المسلمين و أيدهم و مرت الأزمة بسلام .

ممن فقد المسلمون في هذا الطاعون الشديد العنيف فقدوا أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه و أرضاه فقدوا معاذ بن جبل فقدوا شرحبيل بن حسنة فقدوا الفضل بن العباس ابن عم الرسول صلى الله عليه و سلم فقدوا سهيل بن عمرو ، الحارث بن هشام الّذي هو اخو أبو جهل و طبعاً كان أسلم بعد الفتح و شارك في الفتوحات الإسلاميةو الجهاد و ذكرنا أنه كنا من المشتركين في موقعة اليرموك فقد أو توفي رحمه الله و رضي الله عنه في هذا الطاعون و كان قد اتى من مكة المكرمة و معه سبعين من أهله تخيّلوا في هذا الطاعون مات 66 من السبعين !!! طبعاً كان الطاعون مأساة ضخمة و فقد سيدنا خالد بن الوليد عدداً كيراً من أولاده يفوق 18 او 19 ابن من أبنائه رضي الله عنه و أرضاه كانت كارثة كبيرة على المسلمين لكن الله عز و جل سلم و مرت الأزمة بسلام و احتفظ المسلمون بكلّ الفتوحات التي فتحوها في هذه البلاد .

في سنة 19 هـ تمّ بفضل الله عزّ و جلّ فتح قيساريّة المدينة التي كانت صعبة الفتح طوال أيام الفتح فتحها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بعد حصار طويل كان قد ابتدأ الحصار يزيد بن أبي سفيان أخو معاوية رضي الله عنه و لكنه لم يستطع أن يتم الفتح فأكمله معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه و وصل الخبر إلى المدينة المنورة في هذه الليلة المنورة لم تنم المدينة المنورة من الفرحة ظلوا طول الليل سعداء و يبتهلون لله عزّ و جل شكراً على فتح قيسارية و بذلك تمّ فتح فلسطين بكاملها و أصبحت فلسطين بكاملها منذ ذلك الزّمن دولة إسلامية و ستظل كذلك بإذن الله إلى يوم الدّين هذا شريعة الله عز و جل و هذا دين الله عز وجل قد تحتل فلسطين أو تضطهد أو تظلم لكنها تظل إسلامية و لا تبديل لكلمات الله عز و جل .

طبعاً أرض فلسطين كما رأينا روت هذه اﻵراضي بدماء المسلمين رأينا في أجنادين في بيسان شفنا في فتح القدس في فتح قيسارية في هذه البلاد العظيمة المباركة هذه زاد الله عزّ و جل من بركتها و من شرفها أن روتها دماء السحابة الكرام الأفاضل رضي الله عنهم و أرضاهم و دخل من الصحابة العدد الكبير عمر بن الخطاب خالد بن الوليد معاوية بن أبس سفسان يزيد شرحبيل بن الحسن ، أبو عبيدة ، معاذ بن جبل ، يعني الصحابة الّذين دخلوا إلى فلسطين و شرفوها بزيارتهم أسماء أكثر من أن تحصى ، بل عاش فيها في عهد الخلفاء الراشدين عاش فيها عبيدة بن الصامت عاش فيه شداد بن أوس أسامة بن زيد رضي الله عنهما واثلة بن الأسقع عاش فيها فيروز الديلمي من كرام الصحابة و من الصحابة الّذين قتلوا الأسود العنسي في اليمن عاش فيها دحيى الكلبي عبد الرحمن بن غنم رضي الله عنه و كان يسمى فقيه الشام أوس بن الصامت البدري مسعود بن أوس البدري يعني عدد ضخم جداً من الصحابة و من قدامى الصحابة الّذين اشتركوا في بدر و من المهاجرين إلى المدينة المنورة و غيرهم كثير .

هذا طرف من بركة أرض فلسطين أن عاش فيها هذا العدد الضخم .

أريد أن أقول انه بعد فترة وجيزة جداص من دخول المسلمين إلى أرض فلسطين دخل معظم أهل فلسطين في الدين أفواجاً دخلوا في الإسلام أفواجاً أقول لكم ليست كلمة مؤرخ مسلم لكن كلمة فيلد مارشال موتوغمري في كتابه الحرب في التاريخ و صور فيه الحروب التي مرت في تاريخ البشرية بصفة عامة و عندما تكلم عن الفتوحات الإسلامية قال :

(( وصلت الفتوح الإسلامية مدى لم تصله في أي عهد سابق لأنهم كانوا يستقبلون في كل مكان يصلون إليه كمحررين للشعوب من العبودية و ذلك لما اتسموا به من إنسانية و حضارة )) .

يعني الشعوب الّتي كانت تستقبل الدولة الفتوح الإسلامية كانت تدخل في دين الإسلام راغبة و كانت تعتبر أن المسلمين يحررونهم من الظلم و الاضطهاد الّذي وقع عليهم و بالتالي دخل معظم أهل فلسطين من السكان الأصليين الّذين هم من اليبوسيين و من الكنعانيين و من البالستيين و الفينيقيين و غيرهم ممن تحدثنا عنهم في الحلقات السابقة دخلوا جميعاً في دين الله أفواجاً و اصبحت التركيبة السكانية الأصلية لأهل فلسطين هي التركيبة الإسلامية .

نسأل الله عز و جل ان يعزّ الإسلام و المسلمين

و نسأل الله أن يفقهنا بسننه و أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك و القاددر عليه

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

* * *