الحقوق محفوظة لأصحابها

عمر عبد الكافيمحمد راتب النابلسيالعربي كشاطسعد الدين الهلالي
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :

الدكتور عمر :

أشهد أن لا إله إلا اله ولي الصالحين وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه ، يا سيدي يا رسول الله ، صلاة وسلاماً متلازمين إلى يوم الدين .

أما بعد : أحبتي في الله أحييكم جميعاً أينما كنتم في الأرض بتحية الإسلام والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، يسعدني أن أكون معكم في بداية هذا البرنامج الجديد " كلمات مضيئة " ومع كوكبة من علمائنا الفضلاء أهل العلم أهل الدعوة بارك الله لنا فيهم .

ترحيب حارٌ من الدكتور عمر بالأساتذة الكرام :

أبدأ بتقديم لا أقول ضيوفي في البرنامج وإنما أنا الضيف عليهم كما يقول الحكيم العربي : يا ضيفنا لو زرتنا لرأيتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل .

مرحباً بالأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .

الدكتور راتب :

بكم أيها العالم الجليل والداعية الكبير والأخ الحبيب .

الدكتور عمر :

وأرحب أيضاً بأخي الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر ، أهلاً وسهلاً بكم في هذه الحلقة .

الدكتور سعد :

بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً .

الدكتور عمر :

أيضاً أرحب بأخي الدكتور عربي الكشاط ومعه دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون وعميد الدعوة في باريس نحييكم وأهلاً بكم جميعاً في هذه الحلقة بيننا وأنت تجاورني في الأستوديو وهذا شرف كبير لي .

الدكتور عربي :

أنا أتشرف بأن أكون إلى جوارك وشكراً على الدعوة الكريمة .

أين ذهبت الكلمة الطيبة ؟

الدكتور عمر :

نريد في هذه الحلقة إذا أذنتم لنا أن نتكلم عن شيء قد تبخر من ألسنة الكثيرين ليس من جفاف في الحلوق وليس لقلة بضاعة اللغة ولكن يبدو أن الجفاف جفاف قلوب أقفرت القلوب عن وجود الخير فيها ، فقحطت الألسنة إذا صحّ التعبير كأنما هي أرض تنبت بالكلمات التي يجب أن تكون مضيئة دكتور محمد راتب النابلسي أين ذهبت الكلمة الطيبة ؟ هل نعرف المكان الذي توجهت إليه بعد أن تركت الكثيرين منا ؟

أعلى الكلمات المضيئة الدعوة إلى الله :

الدكتور راتب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين ، دكتور عمر جزاك الله خيراً على هذا اللقاء الطيب . أعلى الكلم الطيب ، أعلى الكلمات المضيئة الدعوة إلى الله ذلك لأن الله جل جلاله يقول :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

( سورة فصلت )

أي لا تجد على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إنساناً أكرم عند الله ممن دعا إلى الله وعمل عملاً صالحاً وقال إنني من المسلمين ، ويمكن أن نذكر هذه الآية فنرى سيد الخلق وحبيب الحق هو الداعية إلى الله :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾

( سورة الأحزاب )

هدف الدعوة إلى الله:

هدف الدعوة إلى الله تزكية النفس :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9}﴾

( سورة الشمس )

هذه النفوس إذا زكت سعدت وأسعدت :

﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾

( سورة المائدة الآية : 32 )

النبي عليه الصلاة والسلام يقول : يا علي :

(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ))

[ متفق عليه عن سهل بن سعد]

و :

(( خير له مما طلعت عليه الشمس ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي رافع ]

و :

(( خير لك من الدنيا وما فيها ))

[ تخريج أحاديث الإحياء للعراقي ]

الدعوة إلى الله في أعلى الكلمات المضيئة ، بل إن هذه الدعوة إلى الله هي الدعوة التي ينبغي أن تكون على صواب وبأساليب صحيحة لأن الذي يدعى إلى الله بمضمون هزيل وبمضمون غير متماسك وبأسلوب غير علمي وغير تربوي لا يعدّ عند الله مكلفاً أو مبلغاً .

خصائص الدعوة إلى الله الخالصة والدعوة إلى الذات :

دكتور عمر هناك ملمح لطيف جداً هو أن الدعوة إلى الله دعوتان ، دعوة إلى الله خالصة ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله ، فالدعوة إلى الله الخالصة ، من خصائصها :

الاتباع :

﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ (50)﴾

( سورة الأنعام)

التعاون :

الدعوة إلى الله الخالصة ، من خصائصها التعاون لا التنافس .

الاعتراف بالآخر :

الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاعتراف بالآخر لا إلغاؤه .

أما الدعوة إلى الذات من خصائصها :

الابتداع لا الاتباع .

من خصائصها :

التنافس لا التعاون .

من خصائصها :

الاعتراف بالآخر والاعتراف بفضله . لن نرقى إلا إذا تعاونا ، الدعاة إلى الله إذا تعاونوا وتناصروا ارتفعوا جميعاً عند الله وعند الناس فإذا تنافسوا سقطوا جميعاً من عين الله ، إذاً الدعوة إلى الله دعوتان ، دعوة إلى الله خالصة ودعوة إلى الذات ولكن ما من شيء يتذبذب بين أن يكون أقدس عمل يرقى إلى صنعة الأنبياء كالدعوة إلى الله إنها صنعة الأنبياء .

الدكتور عمر :

هذه أرقى الكلمات الطيبة .

بين العمل للدنيا والعمل للآخرة :

الدكتور راتب :

وقد تكون الدعوة إلى الله مع الأسف الشديد من أتفه الأعمال كيف ؟ أنت حينما تبذل من أجل الدعوة الغالي والرخيص والنفس والنفيس تكون في أعلى الدرجات عند الله ، أما حينما ترتزق بها تصبح دعوة لا تلفت النظر بل لا تستأهل إلا ابتسامة ساخرة ، للإمام الشافعي قول رائع : " لأن أرتزق بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين " . أذكر مرة في العقود الغابرة عالم كبير دعا إلى الله ودفع حياته ثمن دعوته فجاؤوا له بمن يلقنه الشهادة لئلا يموت كافراً في زعم من أمر بقتله ، فهذا الداعية الكبير قال لمن يلقنه الشهادة أنت ترتزق بلا إله إلا الله وأنا أموت من أجلها ‍! فرق كبير بين أن يقدم الداعية الغالي والرخيص والنفس والنفيس وبين أن يرتزق بالدعوة إلى الله ، الحقيقة الدقيقة أن الدعوة إلى الله هي ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم هناك خلل في الخطاب الديني لا بد لهذا الخطاب الديني من أن يكون واضح المعالم من أن يكون مقتبساً من منهج الله عز وجل ، الله عز وجل في قرآنه الكريم بيّن أن الدعوة إلى الله تكون بالحسنى :

(( من أمر بالمعروف فليكن أمره بالمعروف ، ومن نهى عن المنكر فليكن نهيه بلا منكر ))

[ورد في الأثر ]

فلذلك نحن حينما نتوسع في مفهوم الدعوة إلى الله نرى أن الإنسان إذا جعل من دعوته وفق منهج صحيح قطف ثمار هذه الدعوة يانعة .

الدكتور عمر :

دكتور راتب أنت تريد أن تخبرنا أن الكهنة الذين يحاربون الدين أذكى وأعقل من الكهنة الذين يتأكلون بالدين ؟

الدكتور راتب :

طبعاً ...

الدكتور عمر :

هل تبيح لنا هذا المقترح .

الدكتور راتب :

الذين يحاربون الدين الناس لا يقلدونهم أما الذي يتأكلون بالدين يقلدون هنا المشكلة .

من صفات الدعاة إلى الله أنهم لا يخشون أحداً إلا الله :

الدكتور عمر :

إذاً الكلمة الطيبة في أرقى شيء هي الدعوة إلى الله عز وجل .

الدكتور راتب :

هناك آية تحكم ذلك :

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ (39)﴾

[ سورة الأحزاب ]

هؤلاء الدعاة إلى الله لهم صفات كثيرة لحكمة بالغة بالغة أغفلها الله ، أبقى صفة واحدة ، هذه الصفة يسميها علماء البلاغة صفة مترابطة مع الموصوف ترابط وجودي ، أنت تقول الطائرة كبيرة والباخرة كبيرة ، الطائرة غالية واليخت غالٍ ، أما إذا قلت الطائرة تطير فإذا ألغي طيران الطائرة ألغيت الطائرة .

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ (39)﴾

[ سورة الأحزاب ]

ذكر الله عز وجل صفة واحدة للدعاة إلى الله ولا يخشون أحداً إلا الله ، فإذا خافوا من غير الله فسكتوا عن الحق خوفاً ونطقوا بالباطل تقرباً انتهت دعوتهم ، لذلك الإنسان يمكن أن يستفيد من كل علم ، يستفيد من طبيب ، من مهندس ، محامي ، من عالم جيولوجيا ، ولا يأبه لسلوكه إلا رجل الدين لا يمكن أن يستفيد منه إلا إذا رأى المسافة معدومة بين أقواله وأفعاله .

من عظمة الإسلام أنه ليس فيه رجل دين وإنما عالم بالدين :

الدكتور عمر :

دكتور راتب هل لنا أن نقول عظمة الإسلام أنه ليس فيه رجل دين وإنما عالم بالدين .

الدكتور راتب :

ليس هناك حرفة اسمها رجل دين .

الدكتور عمر :

لا يوجد في الإسلام رجل دين إنما عالم بالدين .

الدكتور راتب :

بارك الله بك ، سيدنا عمر رضي الله عنه جاءه جبلة بن الأيهم مسلماً فرحب به ملك الغساسنة ، في أثناء الطواف حول الكعبة بدوي من قبيلة فزارة داس طرف ردائه ، فانخلع رداؤه عن كتفه ، فالتفت إلى هذا الأعرابي من فزارة ، و ضربه ضربة هشمت أنفه ، هذا الأعرابي اشتكاه ، سيدنا عمر جاء بهذا الملِك جبلة ، جرى حواراً بينهما صاغه شاعر معاصر وقال له : أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟

قال جبلة : لست ممن ينكر شياً ، أنا أدبت الفتى ، أدركت حقي بيدي .

قال عمر : أرضِ الفتى ، لابد من إرضائه ، مازال ظفرك عالقاً بدمائه أو يهشمن الآن أنفك ، و تنال ما فعلته كفك .

قال : كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة ، وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟

قال عمر : نزوات الجاهلية ، ورياح العنجهية قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جديداً ، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً .

فقال جبلة : كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز ، أنا مرتد إذا أكرهتني .

فقال عمر : عالم نبنيه ، كل صدع فيه يداوى ، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى .

هذا هو منهجنا .

الكلمة الطيبة و خطورتها :

الدكتور عمر :

الله أكبر هذه كلمات طيبة ومضيئة ، الدكتور سعد الدين هلالي الكلمة الطيبة والناس يظنون أن الفقه يخص أو يختص بعبادات ومعاملات ، الفقه في حلال وحرام ، مع أن الكلمة هذه وخطورتها قد ينسى البعض أو يتناسى ، ولا نتهم أحداً هل نسينا قيمة الكلمة فبلغت ألسنتنا بعيداً عن منطق الكلمة الطيبة بهذا الهراء الذي نعرف بما لا نعرف صباحاً مساء وصار كل عربي فينا وعربية مكلمة تتحدث عن نفسها ؟

الدكتور سعد :

شكر الله لكم وجزاكم الله خيراً عن اختيار هذا العنوان الكريم والكلمة الطيبة الذي ضرب الله بها مثلاً :

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ (25)﴾

(سورة إبراهيم)

في مقابلها :

﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)﴾

(سورة إبراهيم)

التعريف بالكلمة الطيبة :

الكلمة الطيبة في نظر الفقهاء يريدون في البداية التعريف لمعنى الكلمة الطيبة والفقهاء درجوا على تعريف المصطلح ذات الكلمتين أو الأكثر أي الجملة المضافة بتعريف المفردات ، ثم تعريف المصطلح المركب ، فالكلمة واحدة الكلام والكلمة ، والكلام هو اللفظ الذي يخرج الذي يعبر به الإنسان مع أخيه الإنسان ، فالكلمة هي أداة التعبير والطيبة صفة للكلمة أي كلمة موصوفة بالطيبة ، والطيب هو ضد الخبيث ، والطيب هو ما استقام ، وطاب مقامك أن استقام واستقر ، فالكلمة الطيبة بهذا المعنى من كلمة تفيد التعبير والطيبة تفيد الحلال وتبين معنى الحلال من لفظ الطيب في قوله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (172)﴾

(سورة البقرة)

أي مما أحلّ الله وقال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا (51)﴾

(سورة المؤمنون)

أي كلوا من الحلال ، فالطيب أيضاً رديف الحلال ، فصارت الكلمة الطيبة أي الكلمة الحلال التي أحلها الله عز وجل هذا بالمعنى المفرد لكل لفظة ، إذا أردنا أن نطلق تعريفاً على هذا المركب الوصفي الكلمة الطيبة نقول إن المراد عند الفقهاء بالكلمة الطيبة التعبير المشروع الذي يجوز للمسلم أن يعبر به ، لأن الكلمة ليس المراد بها اللفظة فإن هناك من يتحدث بالإشارة كالذين حرموا من نعمة الكلام ، وهناك من يتحدث بالفعل كالذين يرغبون في ممارسة أشياء دون أي إشارة .

المراد بالكلمة الطيبة مدلول العبارة أو ما يراد من الإشارة :

الشرائع الإسلامية جاءت لإحاطة كل هؤلاء فجعلت التعبير يكون باللفظ ويكون بالإشارة ويكون بالفعل بل ويكون بالصمت أيضاً ، هذه أدوات التعبير ولهذا أقول عن المراد بالكلمة الطيبة مدلول العبارة أو ما يراد من الإشارة .

الدكتور عمر :

يعني لسان الحال أحياناً .

الدكتور سعد :

نعم وليست اللفظة لأننا لن نجد في كتاب الله حرمت عليكم الميتة وحرمت عليكم كلمة كذا لا يوجد تحريم لكلمة بعينها لأن كل لفظة يجوز النطق بها إلا أن النطق بها في حال يجوز وفي حال آخر لا يجوز .

الدكتور عمر :

إذنها صمتها .

اللفظ و الفعل و الإشارة و الصمت وسائل تعبيرية تدخل في الحلال و الحرام :

الدكتور سعد :

لهذا نقول عن التعبير هو المراد في الحكم بالكلمة الطيبة أو الكلمة غير الطيبة أي المراد مدلول اللفظ أو مدلول الإشارة أو مدلول الفعل أو مدلول الصمت ، ويدل على إن كل هذه الأساليب الأربعة من التعبيرات التي عدّها الفقهاء وتعتبرها الشريعة الإسلامية أساساً للمحاسبة والمراقبة في اللفظ مثلاً في قوله تعالى : أوفوا بالعهد وفي قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .

فهذا نص على وجوب مراعاة اللفظ الذي يتعاقد به الإنسان مع أخيه الإنسان وفي الإشارة في قوله تعالى :

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ(1)﴾

(سورة الهمزة : الآية "1")

الذي يغمز ويلمز هذا أيضاً داخل ضمن التعبير ، إذاً الكلمة الطيبة تعبير باللفظ أو تعبير بالإشارة وفي بالفعل ، وفي الصمت والسكوت في قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : ألا أدلك على زمام الأمر كله أمسك عليك هذا وأشار إلى لسانه فتعجب وقال معاذ بن جبل :

(( وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم ))

[ أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم عن معاذ ]

دلّ على أن اللفظ وأن الفعل وأن الصمت حتى الصمت محسوب على الإنسان في تعامله وسكوته يكون عبادة ويكون بعداً عن الحرام وفعله وكلامه وإشارته تكون كذلك .

الكلمة الطيبة هي الكلمة التي يحلّ التعبير بها ليس لذات الكلمة وإنما لمدلولها :

الكلمة الطيبة هي التعبير سواء كان التعبير باللفظ أو بالفعل أو بالإشارة أو بالصمت ، أي وسيلة تعبيرية كل هذه الوسائل التعبيرية تدخل في الحلال والحرام ، إن كانت حلالاً فهي طيبة وإن كانت حراماً فليست طيبة ، والمقصود بالحلال ليس عنوان أو ليس مادة الكلمة فإن الكلمة في ذاتها مشروعة في ذاتها ولكن في دلالتها هو الذي نتحدث عنه فمثلاً قد يقول قائل : إنه إن قال أنت رجل جيد وأنت رجل حسن وأنت رجل جميل ، هذا تعبير في ظاهره طيب إن قال هذه العبارة أو إن قالت المرأة الأجنبية هذه العبارة لرجل أجنبي كلمة خبيثة ، وإن كان في ظاهرها مزينة بالألفاظ الحسنة التي يظن الناس أنها حسنة إذاً الحسن ليس اللفظ في ذاته وإنما هو مدلوله والقبيح كذلك ، ربما كلمة لا إله إلا الله ، كلمة لا إله كلمة قبيحة في ذاتها ؟ لا وإنما في مدلولها ، فيجوز للمدرس وهو يدرس الطلاب أن يعرف الناس ما معنى لا إله ويقف عند لا إله ويشرح ما معنى لا إله ، هذا ا الشرح وإن كان مضمونه في ذاته لا نقره ولا نعتقده إلا أن في مناسبة شرح الأستاذ للطلاب مناسبة جيدة وكلمة طيبة .

الكلمة الطيبة هي الكلمة التي يحل التعبير بها ليس لذات الكلمة وإنما لمدلولها ، والكلمة المحرمة هي كذلك التي نهى الشارع عن التعبير بها دلالة ، فالدلالة هو المقصود لأن الخطاب وسيلة للدلالة ، نحن لا نتكلم من أجل الكلام وإنما نتكلم من أجل نقل المعاني من عندي إلى غيري ، وغيري ينقل المعاني عند نفسه إلي ، وسيلة التعبير والتخاطب كانت بالكلمة ، بالإشارة .

إذاً : الدلالة هي التي يحكم على كونها طيبة والدلالة التي يحكم على كونها خبيثة .

الدكتور عمر :

أكرمك الله دكتور سعد ، دكتور عربي القشاط جزاك الله خيراً ، يعني أنفق ما بين كفيك وأمسك ما بين فكيك ، أرجو أن تحدثنا بكلماتك الطيبة عن الكلمة الطيبة .

الكلمة طاقة وهبها الله للإنسان يمكن أن تكون هدّامة و يمكن أن تكون بناءة :

الدكتور عربي :

شكراً دكتور عمر تقدمتك لهذه الندوة مضيئة ، ماذا أضأت لنا من خلال مقدمتك ؟ أضأت لنا الحقيقة التالية : أن الكلام ليس عملية فيزيولوجية فقط وإنما الكلام عملية مركبة ، مركبة من بعد غير مرئي وبعد مرئي ، عندما وصفت بكلماتك الطيبة إذا أقفرت القلوب قحطت الألسنة ، تعبير مضيء وحقيقة عميقة ، من خلال هذه الكلمات البسيطة الجميلة ندرك أن هناك علاقة وثيقة بين مكنونات الأذهان ومنطوقات الألسنة ، وهذا يدلنا إلى تسجيل الحقيقة التالية : الكثير منا يعتقدون أن الكلمة لا تأثير لها ، ينبغي أن نذكر أن الكلمة طاقة من الطاقات التي وهبها الله عز وجل للإنسان ، وككل طاقة قد تكون هذه الطاقة الكلمة ذات تأثير هدّام سلبي ، وقد تكون ذات تأثير بناء إيجابي ، لكي تكون الكلمة التي ننطق بها ذات تأثير إيجابي وجب علينا أن نختار نوع المكيفات ، الإنسان كائن يتكيف معها ، الإنسان ليس مكيفاً ما يسمى عند علماء النفس الشروط التي تشرطن الإنسان ، فالإنسان يستطيع أن يتكيف ويتشكل انطلاقاً من موحيات علوية كما يستطيع أن يتسفل ويصير قيمة ، يخلد إلى الأرض ، يعني ينسلخ من الآيات التي أكرمه الله بها ليرتفع فهو الذي اختار الانسلاخ :

﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)﴾

(سورة الأعراف)

إذاً هو الذي انسلخ مثل المصباح إذا قطعنا الخيط عن المغذيات مصدر الكهرباء .

المفاهيم الإسلامية تعشق الكلمة العربية لأنها تستوعب حكمة الله و مراده :

أنا دائماً أقول إن بين اللغة العربية والمفاهيم الإسلامية علاقة ود ومحبة ، فالمفاهيم الإسلامية لا تعشق إلا الكلمة العربية ، والكلمة العربية هي الوحيدة التي تستطيع أن تستوعب حكمة الله ومراده من خلقه ، مثلاً في اللغة العربية الكلمة مشتقة من جذر يعني التأثير بإحدى الحاستين ، إما حاسة البصر وإما حاسة الأذن (السمع) ، فمثلاً العرب يقولون : كَلّمْته ، أي جرحته ، الكلم ندركه بعيوننا والكلام ندركه بأسماعنا ، هذا شيء رهيب جداً ، العرب يقولون أيضاً الكُلام ما غلظ من الأرض وصلب ، ما الذي يحول بيننا وبين أن تكون كلماتنا غير جارحة ؟ ما الذي يحول بيننا وبين أن تكون كلماتنا غير صلبة غير غليظة ؟ هو التلقي عن الله عز وجل ، وتشرب قيم الإسلام ، ومحاولة إخراجها للناس في شكل مسالك ولحكمة ما يذكرنا القرآن الكريم بأن وجودنا فيض وجود ، الوجود وجود الخلق فيض جود الله عز وجل ، وجود بمعناه الأشمل المادي والمعنوي .

العلاقة الوثيقة بين القلب و اللسان :

أشرت في تعليقك على أحد الأستاذين الفاضلين إلى حقيقة عظيمة عبرت عنها بلسان الحال ، ثبت من خلال الدراسات العملية والملاحظات لعلاقات الإنسان أن أدوات التوصيل ، الإنسان كائن تواصلي لا يستطيع أن يعيش بمفرده يتواصل من خلال قنوات عدة من أهم هذه القنوات الكلمات ، لكن ثبت أن التواصل بالكلمات لا يشكل إلا خمسة في المئة ، التواصل اللفظي عندما أتكلم مع شخص وأتواصل معه بواسطة الألفاظ

(ألفاظ أي لغة)

فإنني لا أستخدم إلا خمسة في المئة من كلمات اللغة والباقي خمسة وتسعين بالمئة ما عبرت عنه بلسان الحال ، هذا ما يعبر عنه بالتواصل اللا لفظي ، وهذا الذي يلفت أنظارنا إلى قيمة القلب إلى قيمة الوجدان ، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول :

(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))

[ أحمد عن أنس بن مالك]

علاقة اللسان بالقلب علاقة الثمرة بالبذرة ، علاقة المنتوج بالمنتج ، علاقة الظل بما يحمل ، علاقة الأثر بالمؤثر .

لذلك الإسلام في توجيهاته لنا من الناحية القلبية ، لما قبل أن أتكلم أسأل ثلاثة أسئلة ، لما أتكلم ؟ إذا كان الداعي غير موجود الصمت أولى .

الدكتور عمر :

لو أن كل عربي سأل نفسه هذا السؤال .

على كل إنسان أن يقصد في كلامه و ينطق بالمفيد فقط :

الدكتور عربي :

لما سمعنا صوتاً وكلمتك هذه تذكرني أو توحي إلي بأن أقول هذه الحقيقة عندما نزن أكثر كلامنا بميزان الإسلام فإننا نستنتج التالي ، نتكلم ولا نقول شيئاً ، كلام عبارة عن ضوضاء وضجيج ينطبق عليه المثل العربي الحكيم تسمع جعجعة ولا ترى طحناً ، فلو أن كل واحد منا سأل نفسه لما أتكلم ؟ السؤال الأول ، السؤال الثاني لأجل ماذا القصد من الكلمة ؟ الكلمة تحاط بقوتين حاميتين ، السؤال الأول الباعث ما الذي يبعث عن الكلام ؟ السؤال الثاني ما الهدف ؟ قد يكون الباعث جميلاً وقد يترتب عنه نتيجة سيئة ، دفع المضار أولى من جلب الموازنة ، يعني ما قيمة الضر الذي نتجنبه وما قيمة النفع الذي نريد أن نقدمه ، لذلك أكثر علماؤنا المربون أكثروا القول حتى لا تخرج الكلمة التي سكها الإسلام .

الدكتور عمر :

لما نتكلم ؟

الدكتور عربي :

هذا يجعلنا نقتصد في الكلام :

﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ (19)﴾

(سورة الأعراف)

ما معنى اغضض من صوتك ؟ المعنى تخفيض الصوت أيضاً وحذف كل الكلمات الهراء ، غض يعني صغر حجم الشيء .

الاقتصاد ينبغي أن يطبق أول ما يطبق على كلماتنا :

نحن نعيش في عالم خاصة ما يسمى بالعالم الثالث ، نحن مصابون أو مهووسون بالكم ، مثلاً أنا آخذ جريدة في باريس أجد صفحاتها لا تتجاوز الخمس ، وأقرأ العناوين أفهم أشياء كثيرة ، آخذ جريدة من جرائد العالم الثالث يدي تنكسر في حملها ثقيلة ، ثم أقول لنفسي ألسنا نشعر بمسؤوليتنا ؟ هذا تطرف ، تفريط كيف ؟ كم أنفقنا من أجل هذه الورقات التي سودتها كلمات فارغة ؟ كم من وقت سيضيع في مطالعة هذه الصفحات وكم وكم ؟ إذاً كلمة الاقتصاد ينبغي أن تطبق أول ما تطبق على كلماتنا ، ولا نستطيع ذلك إلا إذا وضعنا نصب أعيننا مردود الكلمات .

الدكتور عمر :

ما شاء الله دكتور عربي أكرمك الله نحن ندخل إلى الموضوع ، إضافة إلى ما قاله الدكتور الحقيقة التلاحم وقد يشاركني بهذا الأمر الدكتور سعد هذا الأمر بين أغلب التعاريف اللغوي للكلمة والتعريف المصطلحي تجد أن اللغو فيها من الثراء ما يعطي هذا الأمر ، يعني العربي عرف كلمة شكر وكلمة شكور وكلمة شاكر ، أنا أعرف شاكر يعني الحمد لله ، قال العرب دابة شكور أي ظهرت عليها آثار النعمة ولما تظهر عليها آثار النعمة ، وقليل من عبادي الشكور ، الذين ظهرت عليهم نعمة الإسلام فقال الكلمة الطبية ، إذا أردنا أن نقحم بهذا المنطق فقضية المصطلح مع اللغة الحقيقة ، اللغة ولادة سبحان الله .

وقطر في مثل يقوم الآن سرت في أرض كلام

فمن لهم مني كلام .....

دراسة النصوص الشرعية تحتاج إلى دراسة ما وراء النص :

الدكتور سعد :

ولهذا الأصوليون وجدوا أن في دراسة النصوص الشرعية تحتاج إلى دراسة ما وراء النص ؛ فيما يسمى بالمفهوم ، فتكلموا عن المنطق والمفهوم وأتوا بأحكام شرعية من خلال النصوص في ظاهرها ، كما أتوا بأحكام شرعية فيما وراء النص فيما يسمى مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة ، يعني في عموم قوله تعالى :

﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا (23)﴾

( سورة الإسراء)

قد يقول قائل إن الله نهاني عن أقول أف أما كلمة ما وراء ذلك لم يرد نص ؟ يقول الأصوليون بالإجماع هذا نص وإنما المراد به في دلالة الحال النهي عن الإيذاء فإذا كان الله قد نهى عن أدنى الإيذاء فما بالك بما هو ما بعد هذا ، وهكذا في كثير من المسائل .

علينا أن ننمي الكلمة الطيبة عند أبنائنا و بناتنا :

الدكتور عمر :

حقيقة القول أضاف علماء المنطق إلى علومنا الشيء الكثير ، دكتور راتب النابلسي بارك الله فيك الكلمة الطيبة نريد أن ننميها عند أبنائنا وبناتنا ، نريد أن تكون مجتمعاتنا فيها الكلمة النظيفة ، الصحفي يقول كلمة نظيفة ، والإعلامي يقول كلمة طيبة ، والمسؤول يقول كلمة طيبة ، والطالب يقول لأستاذه كلمة طيبة ، والمريدون الذين يصلون خلفنا نريد منهم كلمة طيبة ، وقالوا : إن لم تصاحبنا فلا تضاربنا ، ما في داعي للمشاكسات والأمور على سعتها نريد أن ننمي الكلمة الطيبة ، نريد أن نراها باسقة الأغصان وارفة الظلال .

الكلمة الطيبة صدقة :

الدكتور راتب :

ولكن قبل أدلي بالمداخلة لي تعقيب لطيف على ما تفضل به الأخ الكريم ، من عدّ كلامه من عمله نجا ، الكلام عمل ، الإنسان يتكلم بكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً .

السيدة عائشة وصفت أختها صفية بأنها قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام :

(( يا عائشة ، لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))

[ أبو داود ]

الكلمة الطيبة ، الكلمة الطيبة صدقة ، الأنبياء جاؤوا بالكلمة الطيبة ، بماذا جاء الأنبياء ؟ بكلمة صادقة ، فلها طاقة كبيرة جداً .

على الإنسان أن يضبط كلماته وفق منهج الله :

الدكتور عمر :

دكتور راتب يقول المستمع الآن معذرة يا جماعة الخير أنتم أناس تعيشون في برج عاجي ومع بعض تتحدثون في العلم وأصوله ، وفلسفياً وفكرياً ولكن نحن نواجه في المجتمع أصحاب كلمة السوء في كل مكان يراها الرجل في بيته وعند جاره وفي عمله فماذا يصنع ؟ هل هو مكلف طوال حياته أن يضبط إيقاع كلماته على أن لا تخرج من فمه إلا الكلمة الطيبة ، نريد أن ننمي هذا الشعور عنده ولا يحبط .

الدكتور راتب :

بادئ ذي بدء هذه الكلمة الطيبة ما سببها ؟ لأن الله عز وجل فيما أعتقد كل أمر في كتابه يقتضي الوجوب .

الكلمة الطيبة فرض عين على كل مسلم :

نتوهم نحن أحياناً أن الدين الإسلامي الصوم والصلاة والحج والزكاة كل أمر في القرآن الكريم وفيما صحّ من السنة يقتضي الوجوب ، أنا أقول الكلمة الطيبة فرض عين كما تفضلتم كيف ؟ أولاً قال تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ (1)﴾

( سورة العصر )

يقسم بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول رتبة الذي هو في الحقيقة زمن ، ما من تعريف جامع مانع للإنسان كتعريف الإمام الحسن البصري أنت بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك .

﴿ وَالْعَصْرِ (1)﴾

( سورة العصر )

جواب القسم :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

( سورة العصر )

خاسر بنص القرآن الكريم وبجواب القسم كيف يا رب هو خاسر ؟ قال مضي الزمن يستهلكه ، ما من يوم ينشق فجره إلا و ينادي يا بن آدم أنا خلق جديد و على عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .

الآن رحمة الله في كلمة إلا :

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

( سورة العصر )

هذه الأربع أركان النجاة ، ربع النجاة الكلمة الطيبة ، إلا الذين آمنوا تعرفوا إلى الله وعملوا الصالحات تحركوا وفق منهجه وتواصوا بالحق دعوا إلى الله وتواصوا بالصبر صبروا على معرفته وعلى تطبيق منهجه وعلى الدعوة إليه ، هذه السورة كما قال عنها الإمام الشافعي لو أدرك الناس أبعادها لوسعتهم .

على الإنسان أن يدعو إلى الله على بصيرة بالدليل و التعليل :

الآن كيف أقول هي دعوة إلى الله فرض عين ؟ أولاً من هذه الآية وتواصوا بالحق ربع النجاة ، وفي آية ثانية :

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

( سورة يوسف الآية : 108 )

فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة بالدليل والتعليل ليس متبعاً لرسول الله بنص هذا القرآن والآية الأخرى تقول :

﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾

( سورة آل عمران الآية : 31 )

علامة الحب وعلامة الود أن تتبع النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتباعه أن تدعو إلى الله على بصيرة ، إذاً الكلمة الطيبة صدقة ولكن النقطة الدقيقة أن الدعوة إلى الله أيضاً دعوتان فرض عين وفرض كفاية ، فرض العين واجبة فرضاً على كل مسلم ولكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف :

(( بلغوا عني ولو آية ))

[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف :

الأخ المسلم حضر خطبة جمعة تأثر بها كثيراً ما الذي يمنع أن ينقلها لمن حوله لأصدقائه ، لجيرانه ، لأولاده ، لزوجته ،

(( بلغوا عني ولو آية ))

الحق حينما يطبق المسلمون هذا الأمر الإلهي يتنامى الحق وإذا تنامى الحق ضيق على الباطل ، أما إذا سكت الناس جميعاً واكتفوا بالسلامة فيما يزعمون تنامى الباطل وضغط على الحق ، إذاً الدعوة إلى الله التي هي فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ،

(( بلغوا عني ولو آية ))

إلا أن الدعوة إلى الله التي هي فرض كفاية دعوة تحتاج إلى تفرغ وتبحر وتعمق اختصاص ، هناك من يتوهم أنا لست داعية ، أخي أنت مسلم سمعت من خطيب المسجد شرح لآية تأثرت بها كثيراً انقلها لمن حولك .

القدوة قبل الدعوة :

إذاً الكلمة الطيبة فرض عين على كل مسلم ولكن المشكلة أن هذا الكلام الطيب فعل المستحيل في عهد الأنبياء كيف أن إنساناً واحداً قلب وجه الأرض له شروط ، أنا أقول دائماً القدوة قبل الدعوة ، لن يصغي الناس إليك إلا إذا رأوا في سلوكك مصداقاً لما تقول ، كان سيدنا عمر إذا أرد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته وقال إني قد أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا و أيم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني ، صارت القرابة من عمر مصيبة .

أنا أرى أننا إذا اتبعنا النبي عليه الصلاة والسلام الآن يغدو كلامنا مؤثراً متى تكون الكلمة الطيبة مؤثرة ؟ متى تفعل المستحيل ؟ متى تقلب الإنسان انقلاباً إيجابياً كلياً ؟ إذا كان المتكلم مطبقاً لما يقول ، إذاً الكلمة الطيبة صدقة ولا بد من أن يكون من وراء هذه الكلمة سلوك .

الدكتور عمر :

دكتور راتب مثلاً وصفة بسيطة في كلمتين كيف أنميها وأنا رجل محاط بأصحاب السنة حداد مثلاً سوف يقول السائل هكذا يا جماعة الخير أنا أسمع في الشارع كلمات بذيئة أسمع في الإعلام كلمات كذا أسمع هنا وهناك ، أنا أريد أعطوني قوة دافعة حتى أستطيع أنا أن أكون مولداً ذاتياً للكلمة الطيبة وليس متأثراً حينما أحضر خطبة الجمعة أو حينما أسمع للدكتور راتب أو الدكتور سعد أو ...

السلوك دعوة إلى الله خالصة :

الدكتور راتب :

والله حينما يخلص الإنسان في إلقاء الكلمة الطيبة وحينما يطبقها لها فعل لا يتصور ، حينما يخلص في إلقائها ويخلص في تطبيقها ، لذلك قضية التأثير وأنا أقول دائماً ليست المشكلة أن يكون هناك باطل ، هناك باطل ، هناك كلمات بذيئة :

﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)﴾

(سورة إبراهيم)

يعني الباطل كان زهوقاً مهما كان الباطل طويل الأمد أو قوي ينتهي إلى زوال أما الكلمة الطيبة صدقة :

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ (24)﴾

(سورة إبراهيم)

تنطلق من حقائق .

﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا (25)﴾

(سورة إبراهيم)

إذاً الكلمة الطيبة تحتاج إلى مصداقية ، الأنبياء جاؤوا بالمصداقية ففعلوا المستحيل ونحن نتكلم كثيراً ولكن لو صمتنا أنا أقول هناك مصطلح جديد هو الدعوة الصامتة اسكت ، أحياناً أمانتك دعوة ، صدقك دعوة ، عفتك دعوة ، استقامتك دعوة .

الدكتور عمر :

السلوك دعوة .

الكلمة الطيبة لا تعيش إلا بالمثل الأعلى :

الدكتور راتب :

السلوك دعوة إلى الله خالصة ، الكلمة الطيبة كما تفضل الدكتور لها مفهومات واسعة جداً ، القصد بالكلمة الطيبة مدلولها فأنت حينما تعامل إنساناً تشده بصدقه بأمانته بحسن أدبه بضبطه للسانه تشكره وتكبره ، إذاً الكلمة الطيبة لا تعيش إلا بالمثل الأعلى ، لو أن القضية يمكن أن تكون كلاماً بكلام ما في داعي للمدرسين إطلاقاً لكن لا يمكن أن يؤخذ العلم إلا من رجال طبقوا هذا العلم ، الكلمة الطيبة تحتاج إلى مثل أعلى .

الدكتور عمر :

لا بد من القدوة ، لا بد من الصدق ، لا بد من الصبر .

الدكتور راتب :

القدوة قبل الدعوة ، الآن الإحسان قبل البيان أنت يمكن أن تفتح قلب الإنسان بإحسانك بعدئذٍ تفتح عقله ببيانك ، ابدأ بفتح قلب الإنسان بإحسانك عندئذ تفتح عقله ببيانك .

الدكتور عمر :

شكر الله لك .

العبرة ليس النطق باللفظ وإنما العبرة بدلالة الكلمة ومدى مشروعيتها وعدم مشروعيتها :

الدكتور سعد :

في مداخلة صغيرة يعني أفك الإشكال ما بين الكلمة الطيبة التي قال عنها الدكتور راتب بحق أنها فرض عين وبين انزعاج الآخرين، حينما يقول كيف نتمكن من الكلمة الطيبة ؟ لعلي أفرق بين مصطلحين المصطلح الأول الكلمة الطيبة التي بينا أنها الكلمة الحلال إذاً لا يجوز لمسلم أن يتكلم بكلمة حرام ، فالكلمة الطيبة ترادف الكلمة الحلال فإذاً ما تفضل به الدكتور النابلسي بأنها فرض عين حق لأنها هي الحلال وما عداها هو الحرام ، صار كل من يتحدث بكلمة خبيثة ارتكب أمراً محرماً ولكن لا ينزعج فإن الكلمة الطيبة معنى الكلمة الطيبة اللفظ العام الذي يتبادر إلى الذهن من التلطف والرقة وغير ذلك أبداًً هذا ما يسمى القول الكريم ، الكلمة الطيبة الحد الأدنى فيها أن تكون حلالاً بمعنى ألا يكون فيها غيبة ولا نميمة فإنها من الكبائر ، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه فكرهتموه ، أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى قبرين يعذبان فقال أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله ، فدلّ على أن الغيبة والنميمة من الكبائر العظام إذا ما فعلها الإنسان بلفظ لطيف كانت كبيرة ، إذاً العبرة ليس بالنطق باللفظ وإنما العبرة بدلالة الكلمة ومدى مشروعيتها وعدم مشروعيتها ، فالكلمة المشروعة هي الكلمة الطيبة ، الكلمة الحلال هي الكلمة الطيبة أما الكلمة التي فيها إثم كالغيبة والنميمة صارت محرمة .

الأحكام الشرعية للكلمة الطيبة متعددة :

أيضاً تتعدد الأحكام الشرعية للكلمة الطيبة يعني من حقه أن يتكلم بكلمة غير طيبة في حال الاستثناء في مثلاً في قوله تعالى :

﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ (148)﴾

(سورة النساء)

فجعل استثناء من استشعر بالظلم أن يرد ظلامته فكان رد هذا وإن كان الأولى به أن لا يتكلم كلمة تزعج وأن يصبر ويحتسب إلا كونه بشراً من حقه أن ينطلق برد فعل .

الدكتور عمر :

الإسلام دين واقعي لا يتكلم في خيالات ولا يتكلم إذا ضربت على خدك الأيمن .

الدكتور سعد :

صدقت هذا هو لأن الإسلام يعامل الإنسان بطبعه وبحسب سير الاتجاه الطبيعي للإنسان لا مضاد للطبيعة ، أيضاً الكلمة الطيبة التي هي حلال هي حكم الأصل ترتقي إلى الواجب وترتقي إلى المندوب وقد تهبط إلى المكروه وقد تنزل إلى الحرام ، فكانت الكلمة الطيبة هذا الحكم المعتاد وهو ما نسميه بالفقه الإسلامي حكم الأصل في الكلام أن يكون طيباً أن يكون حلالاً قد يكون واجباً مثل ما يتلفظ الإنسان مع أهله مع زوجته ومع أولاده من تربية وتعليم وتوجيه ونصح هذه مسؤوليته من مسؤول عن زوجته إلا هو ؟ من مسؤول عن أولاده إلا هو ؟ من مسؤول عن أهله إلا هو ؟ أيحب أن يأتي رجل من خارج البيت لكي يدخل بيته ويربي أهله وأولاده ، هذه مسؤولية كل إنسان .

الدكتور عمر :

بعض الناس يقولون بصراحة المشايخ هؤلاء في الفضائيات وغيرها دخلوا حتى في بيوتنا العادية ، ولا يتركونا نحن نرتب أمورنا .

الدكتور سعد :

هذا هو الإسلام .

الدكتور عمر :

اعتراضه أن نستخدم معه فقه الأذنين ، نأخذه من الأذن ويخرج من الأذن الأخرى.

الإسلام دين النصح و الخير للإنسان :

الدكتور سعد :

هو ترك خيراً كثيراً ، هو الأولى به أن يقول ما رأي الإسلام ؟ كيف آخذ بدفع أسرتي للإسلام ؟ ، وهكذا ، وهو ينتفع بآلية جاء الإسلام آلية تخدم الإسلام ولم يأتِ الإسلام لكي يقيد الناس ولم يأتِ الإسلام ليأخذ منا شيئاً وإنما جاء الإسلام لكي يعطيهم النصح والخير الكثير فعلى كل إنسان أن يسعى إلى هذه المعرفة ، أيضاً الكلمة الطيبة قد تكون مكروهة في حال كونها ليست حراماً وإنما الأولى أن يتركها ، وقد تكون مندوبة إذا كان فيها نصح للغير وبذل للآخرين ، وقد تكون واجبة في خدمة أسرته ، وقد تكون محرمة في هذه الكلمة البذيئة التي يخرجها للوقيعة بين الناس .

الدكتور راتب :

الحسن ما حسنه الشرع والقبح ما قبحه الشرع .

الدكتور سعد :

العقل أيضاً يعلم بفطرته إلا إذا كان هناك نص في الشارع ، فالشرع والعقل متوازيان .

الدكتور عمر :

بارك الله فيكم الدكتور عربي القشاط الكلمة لها قيمتها ولها آثارها ونحن يبدو أننا عندما لم ندرك قيمة الكلمة ما انتبهنا إلى الآثار التي تترتب كلمة مكثت في عقل عائلتين وتوارثت العائلتان كراهية وضغينة وشحناء وبغضاء ، كيف ندرك قيمة الكلمة ثم ندرك الآثار المترتبة على هذه القيمة ؟

قيمة الكلمة و الآثار المترتبة عليها :

الدكتور عربي :

إذا سمحت لي دكتور عمر أقول إن أسئلتك ليس أسئلة استفسارية ولكنها توجيهية جزاك الله خيراً ، فأنا سررت جداً للسؤال الأخير كأنك تريد وهذا من واجبك كمدير لنا أن تقول لنا كفانا تجريديات وعودوا إلى أرض الواقع ، السائل الذي يسأل هذا السؤال ماذا أفعل وأنا أغرق في كل لحظة من لحظات حياتي في بيئة لا تصدر في أغلب الأحيان إلا كلمات لا تليق .

الدكتور عمر :

تلوثاً سمعياً .

الدكتور عربي :

أحسنت ، لو كان هذا الأخ الكريم أمام مجرى ماء ملوث هل هذا ما سيطرحه على نفسه أم سيطرح سؤالاً آخراً ؟ لا شك أنه سيقرر بأن هذا الماء لا يناسبه لأنه إذا شربه هلك ، والماء شيء حيوي ، ينبغي أن نتذكر أن الكلمة شيء حيوي كالماء في عالم المعاني ، أن نستدرك قيمة الماء لأنه إذا ما شرب بعد فترة يموت ، لكن الكلمة أيضاً كلمة حيوية تدل على حياة أو موت من تصدر عنه ، كما تدل على حياة أو موت من يستقبله ، فيبحث لنفسه يقول هذه الكلمات الملوثة سأنصرف عنها كانصرافي عن الماء الملوث هذه الخطوة الأولى .

الخطوة الثانية يجب أن أشارك في إنشاء وسط اجتماعي تقل فيه الكلمات الملوثة وتتنامى فيه الكلمات المنعشة ، الكلمات الحية المحيية .

الدكتور عمر :

هو يشارك في تهذيب كلمات الآخرين .

على كل مسلم أن يشارك في سلامة المجتمع :

الدكتور عربي :

لا أكتفي أنا بالتصوير السلبي ، المسلم لا يكون سلبياً ، المسلم يسلم باطنه ، يسلم لسانه ، تسلم معاملاته ويشارك في أسلمة أو في سلامة المجتمع وهذا ما يعبر عنه في مناهجنا التربوية الصلاح والإصلاح ، هذا أعلى الدرجات ، المؤمن عشاق للكمال مطالب إذا توافرت الشروط بمشاركة في التكميل ، ذكرت كلمة أعجبتني أنا مثلاً إذا ذهبنا إلى السوق وأردت أن أشتري هذا الإناء وأنا أعلم أنه ضروري لحياتي أول ما سأسأل سألقي نظرة على جودته أو عدم جودته ، ثانياً سأسأل عن قيمته إذا قال لي البائع إن قيمة هذا الإناء عشرة دراهم ، أنا أعرف عشرة دراهم منغرسة في وعيي و لا وعيي ، قبل أن أُقدم أنا أعرف أني سأدفع القيمة ، كم مرة يقول بعضنا لبعض السلام عليكم ؟ اللسان يقولها ولا يكاد المُسَلَّم عليه أن يستدبرني أو يستدبر بعض الأوساط حتى يصبح طعماً سائغاً ، نغتابه نُقطع عرضه ، نؤول كلماته تأويلات سيئة ، إذاً كلمة السلام عليكم الذي تلفّظ بها اللسان أصبحت من الناحية الاجتماعية عملة لا رصيد لها .

على كل إنسان مراعاة القيمة الجمالية و الذوقية للكلمة :

إذاً نحن نرتكب جريمة كبيرة عندما نغفل عن قيمة الكلمة ، لماذا نغفل عن قيمة الكلمة ؟ الغرب الآن والشرق

(إلا ما رحم الله في بلادنا وفي الغرب أيضاً)

بعض الناس العقلاء ، يعني كلمة قيمة لا مدلول لها إلا مدلول البورصات ، أما القيمة المعنوية القيمة الخلقية القيمة الذوقية ، يا أخي أنت عندما المسلمون يقرؤون أو يسمعون الله عز وجل في كتابه الكريم يقول لنا :

﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ (141)﴾

(سورة الأنعام)

ونفس الكلمات لكنها تختلف كلمة واحدة :

﴿ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ (99)﴾

(سورة الأنعام)

هنا البعدان البعد الجمالي ، انظروا لماذا انظر ؟ لأنني إذا نظرت عيني تأكل إذاً يجب أن يستشعر المسلم البعد الجمالي لكلمته ، فالكلمة ذات أدوار متعدد تؤثر لأنها تعبر عما في ضميري ، ترسم هدفاً من الأهداف ، تبعث في الآخر روح الانبساط ، هذا التواصل الكلمة الخيرة ، إذاً البعد الجمالي للكلمة لماذا القرآن الكريم ينهانا :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا (104)﴾

(سورة البقرة)

أنا لم أرجع إلى القاموس لا أجد فرقاً كبيراً بالأصل راعنا وانظرنا لكن الكلمة تلوثت ؛ لوثتها ألسنة الآخرين فنهانا القرآن الكريم عن استخدامها ، إذاً انتقلنا من المعنى المعجمي إلى المعنى النفسي إلى المعنى الاجتماعي .

مثلاً مراعاة الأعراف ، مثلاً لو آتي أنا وأقول لولد من الأولاد أعرفه وأعرف أمه وأعرف أباه ، أبوك مثلاً محمد بدل أن أقول أبوك أقول زوج أمك سيشمئز منها مع أنني عبرت عن حقيقة ، إذاً الإحساس الذوقي يجعلنا لا نستخدم الكلمة النابية بالنسبة للأذواق ، أنا أقول له أبوك أو أقول له زوج أمك ، المدلول هو هو .

الدكتور عمر :

دكتور عربي قال أبو بكر للبائع في السوق هلا بعتني هذا الثوب؟ قال البائع لا عافاك الله ، قال هلا قلت لا وعافاك الله . التقطت أذن الصدّيق هذه الواو . قاطعتك .

الكلمة طاقة عجيبة مثمرة إذا أحسنا استخدامها ومخربة إذا أسأنا استخدامها :

الدكتور عربي :

بالعكس أثريت ، أثريت ، أيضاً اليوم شيء تعلمناه منك في خطبة الجمعة قضية العجلة ، الكلمة مثل القذيفة والذي يقذف يجب أن يصوب وهذا الذي أشار إليه القرآن الكريم حتى من الناحية اللغوية : اتقوا الله ، هذا البعد الباطني وقولوا قولاً سديداً ، ما معنى السديد ؟ يسدد ، إذا استدعت الحالة الراهنة أن أقول هذه الكلمة قلتها هذا أولاً ، ثانياً يجب ألا تخطئ الكلمة القصد التسديد في مكانها ، قد تكون كلمة بعض الناس يخطؤون يقولون لك يا أخي أنت لماذا لا تقول كلمة الحق ، ما المقصود من كلمة الحق ؟ كلمة الحق مثل كلمة الباطل مثير ، أنا ماذا أريد ؟ أنا أقصد إلى أن أساعد مخاطبي على الاستجابة الجميلة فموقفه أو رده اللفظي أو الاجتماعي ينبني على الكلمات التي أقولها ، لماذا نقرأ في السيرة الشريفة وفي السنة المطهرة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سباباً ولا شتاماً :

﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ (108)﴾

(سورة الأنعام)

سبُنا لا قدر الله إثارة وسبهم لله عز وجل رد فعل ، الكلمة حقيقة طاقة عجيبة مثمرة إذا أحسنا استخدامها وطاقة مخربة إذا أسأنا استخدامها .

العاقل من يحلل الكلمة إلى عواملها الأولية تجاه أي مشكل :

أشرت إلى أن في ساحات المجتمعات كتل من الكلمات البذيئة ، العقلاء حينما يجدون أنفسهم تجاه مشكل من المشكلات يحللون المشكل إلى عوامله الأولية هكذا حتى نحلل ننزل إلى أصغر وحدة ، ما هي أصغر وحدة ؟ الأسر ما هو نوع الكلمات التي تصدر من الأب أمام أبنائه إلى الأم ، ما هو رد الأم للأب ؟ مثلاً من عادة العرب قبل الإسلام كان الزوج لا ينادي زوجه إلا بـ (يا أم فلان)وكان هذا بأعراف العرب دلالة تقدير وإكرام ، أما إذا جاء الأب وقال بحضرة أبنائه اسمعي بدون اسم ثم هذه المفاجآت فالأطفال حينما يخرجون إلى المجتمع ، والأطفال مولعون بالتقليد وخاصة بتقليد أقرب الناس إليهم الأب والأم ، إذا جاء شخص إلى الباب ويجب أن يأتي في الوقت المناسب لأن ما يزعج الناس و يقول أنا أتيت للشيخ عمر و ما أجاب ، لا أجيب ، في آداب زيارة ، في مواقيت زيارة ، في مراعاة الظروف أنت مثلاً لو تجيب عن كل التليفونات التي تأتي يلزمك أربع وعشرين ساعة في خمسة على الأقل ، إذا جاء وقال الأب لأحد أبنائه قولوا لفلان بأن أباكم غير موجود ، بعد ذلك إذا خرج هذا الولد وعاش المجتمع إذاً الكلمة غير موجود لا مدلول لها ولا قيمة لها ، كلمة قل عند العقلاء هي مفتاح الذي يفتح أفاق الجمال والكمال :

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (83)﴾

(سورة البقرة)

وعجيب من تعبيرات يعني دلائل الإعجاز بهذه اللغة المفروض أن نقول وقولوا للناس قولاً حسناً ، لماذا حذف القول ؟ وإذا عبر بالمصدر عن الكلمة ، إن قولكم بواعثه ، طريقة أدائه ، نتائجه إذا لم تكن حسنة فهو لغو ، فالآن نسال أنفسنا هل نحن متكلمون أم لاغون :

﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)﴾

(سورة الفرقان)

وهذا دليل على الأهمية التي يلويها الإسلام للكلمة .

الدكتور عمر :

أكرمك الله يعني لا أدري على أي شيء كل كلماتكم قيمة ومضيئة وتضعون أصابعكم على الداء والعلة ، دكتور راتب أنا إذا أردت أي واحد منكم معذرة أن يعمل مداخلة لا داعي وأنا مستمتع بالاستماع .

تأثير الكلمة :

الدكتور راتب :

أنا أريد أن أُبين أن متى تكون الكلمة مؤثرة ومتى يتأثر بها الإنسان ؟ لأن في بلد عربي وجد أن في خمسين ألف طن من الكتب الكاسدة فحولت إلى معمل عجينة الورق فجاء رجل عمل تعليقاً قال وهنا يتحول اللت إلى عجن ، في كلام فارغ فمتى تكون الكلمة مؤثرة ؟ قال الإمام العكبري : القرآن الكريم تؤخذ ألفاظه من حفاظه وتؤخذ معانيه ممن يعانيه ، فالإنسان حينما يكون له صلة بالله ، حينما يطبق منهج الله ، حينما يغض بصره عن محارم الله ، حينما يؤدي زكاة ماله ، حينما يجهد في خدمة الخلق إذا تكلم بهذه المعاني ترك أثراً منقطع النظير ، لأنه عبر عن تجربة ، عن واقع ، دائماً وأبداً في عندنا واقع وفي كلام ، مرة سمعت أن الكلام يساوي ستة بالمئة من الواقع فإذا كان في مصداقية ارتفع إلى أن يبلغ المئة بالمئة ، فأنا متى أؤثر ؟ حينما أبدأ بنفسي ، حينما أطبق ما أقول ، أنا حينما أنطلق من تجربة صادقة ، من واقع أعيشه ، من مشاعر أعانيها(أشعر بها)، من موقف بطولي ، الآن إذا تكلمت لحكمة بالغة بالغة بالغة الله عز وجل يهب لهذا الكلام قوة تأثير قوية جداً ، قد يكون هذا ليس من ذكائي .

الدكتور عمر :

يعني دكتور راتب عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل ، ما قيمة الكلام إذا ما لم تتحول إلى واقع الناس .

الكلام يجب أن يُلامس واقع الناس ليكون مؤثراً فيهم :

الدكتور راتب :

تؤخذ ألفاظه من حفاظه ، وتؤخذ معانيه ممن يعانيه ، فالإنسان حينما يعبر عن تجربة ، عن واقع ، عن مشاعر ، عن مواقف بطولية ، يأتي كلامه مؤثراً إلى درجة مذهلة ، ومرة قلت أنا ليست المشكلة أن يكون هناك كلم غير طيب البطولة ألا تنفرد الساحة بكلام غير طيب ، ما دام في بقعة مضيئة واحدة إن شاء الله هذه اللقاءات كلمات مضيئة تضيء للأخوة الكرام المشاهدين فإذاً أنا أؤثر حينما أنطلق من واقع ، أنطلق من صدق ، أنطلق من تجربة ، أنطلق من معاناة ، أنطلق من بطولة ، أنطلق من موقف ، الآن متى أتأثر أنا أضرب مثلاً لو أن امرأة لا تنجب قرأت قصة لكاتب لا بأس به عن المرأة العاقر ممكن أن تبكي مئات المرات أثناء القصة لأن هذه القصة تضع اليد على جرحها ، أما امرأة عندها عشرة أولاد وهي تضجر بهم لو قرأت هذه القصة لم تتأثر إطلاقاً واقعها يناقض هذه القصة ، فالذي يستمع حينما تضع يدك على جرحه يتأثر .

كل امرئ مخبوء تحت لسانه :

الدكتور عمر :

دكتور راتب العجيب تعريف البلاغة في اللغة العربية هي : مراعاة مقتضى الحال يعني إذا كان معذرة بشار لما قال لرباب التي تعمل ، لا تفقه في اللغة ولو غير اللغة قال لها معلقة امرؤ القيس ما فقهت ، قالت : تقول في الناس شعراً ولا تقول في ، قال :

ربابة ربة البيــت تصب الخل في الزيت

لها عشر دجاجات وديك حسن الصـوت

* * *

وهذا من أبلغ البلاغات .

الأعرابي الذي يريد أن يخفف ، عندما وصل إلى دمشق أشيع أن عبد الملك بن مروان قد انتقل إلى رحمة الله فالخبر لم ينتشر بعد ، أقبل الأعرابي وقال : مات الخليفة أيها الثقلان ، فالكل التفت وقالوا والله هذا الأعرابي قد نعى الخليفة إلى الإنس والجن ، أكمل يا رجل ، قال كأنما أفطرت في رمضان . المرء مخبوء تحت لسانه ، في أناس أحياناً يا ليته كان ساكتاً ، كنت جيداً .

من ربط حاجات الإنسان الأساسية بدعوته أقبل الناس عليه :

الدكتور راتب :

الآن الداعية يتكلم بالكلمة المضيئة إن شاء الله ولكن حينما يبحث عن حاجات الإنسان الأساسية ، الإنسان بحاجة إلى الأمن ، بحاجة إلى الكفاية ، بحاجة إلى صحة ، بحاجة إلى توفيق الله عز وجل ، حينما يربط الداعية حاجات الإنسان الأساسية بدعوته يقبل الناس عليه ، أما إذا عالج موضوعاً بعيداً عن اهتماماتهم فلذلك بطولة الخطيب أو الداعية في اختيار الموضوع أولاً ، موضوع حيوي ، موضوع مؤثر ، موضوع يومي ، واقعي ، لأن العلم : الوصف المطابق للواقع مع الدليل ، فأي كلام ابتعد عن الواقع فقد قيمته ، وأنا أقول دائماً أي قضية في الدين إن لم يبنَ عليها موقف أو عمل أو حكم شرعي لا جدوى منها ، هناك موضوعات كثيرة جداً لا تقدم ولا تؤخر ، أنا أقول كل علم ممتع لكن ما كل علم ممتع بنافع وما كل علم ممتع نافع بمسعد ، فالبطولة أن تبحث عن موضوع ممتع ونافع ومسعد وأن تضع يدك على مشاعر الناس وعلى حاجاتهم .

الدكتور عمر :

دكتور راتب شكر الله لك ، دكتور سعد تفضل .

على كل مسلم أن يسعى إلى الكلمة الطيبة الذي يحصل بها الأجر :

الدكتور سعد :

الفكرة أنه عندما يعلم الإنسان أن الكلمة الطيبة ترفع به من حضيض الأرض إلى عنان السماء :

﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (10)﴾

(سورة فاطر)

يسعى كل مسلم إلى الكلمة الطيبة الذي يحصل بها الأجر ، فمن خلال كلمة التي أزعج البعض المستمع من أن الكثير من الكلام مع قليل من المعاني و أننا تحولنا إلى متحدثين أو إلى لاغين أكثر من تعاملنا مع واقعنا بالكلام المفيد يمكن للمسلم أن يستثمر كلامه هذا لكي يحصل أجراً ممدوداً إلى لقاء الله عز وجل .

الدكتور عمر :

ويظل أثر الكلمة .

على كل إنسان أن يستثمر لسانه بالكلمة الطيبة :

الدكتور سعد :

يستثمر هذا اللسان فينطق به الكلمة الطيبة ونطقه للكلمة الطيبة في كل مناحي الحياة فإذا كان مثلاً في المعاملات كما يذهب الفقهاء يلتزم الصدق فإن الرجل ما يزال يصدق حتى يكتب عند صديقاً ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي للفجور والفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ، هذا ما ورد في تعاملات الفقهاء في كل أبواب الفقه ، ففي البيع مثلاً أخذوا حديث حكيم بن حزام في الصحيحين البخاري ومسلم :

(( البيِّعانِ بالخيار ما لم يَتَفَرَّقا ))

أو قال :

(( حتى يتَفَرَّقا ، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا ، بُورِك لهما في بيعهما ، وإن كَتَما وكَذَبا ، مُحِقَت بَرَكَةُ بَيْعِهِما ))

الدكتور عمر :

الصفقات دكتور سعد أغلبها لا بركة فيها نتيجة من أنها .

الدكتور سعد :

إن كان صادقاً كان فيها بركة وإن لم يكن فيها صدق نجد تجاراً يبارك الله في تجارتهم في وقت قياسي ، وهناك تجار آخرون يسعون بأعمال وبفروع ويكاد الكساد يلاحقهم. الصدق كما ورد في الحديث الآخر :

(( التَّاجِرُ الأمينُ الصَّدُوقُ : مع النَّبيِّينَ والصِّدِّيقين والشُّهداء ))

[ أخرجه الترمذي ]

هذه قيمة كلمة الصدق في التعامل في التجارة .

على الإنسان أن يتعامل مع الآخرين معاملة راقية ليكسب ثواب الكلمة الطيبة :

كذلك ورد في الصحيح : أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى ولا تنابزوا ولا تناجشوا ، معنى تنابزوا أي أن يلقي أحدكم السلعة إليه دون اتفاق مبين بين الطرفين ، ولا تناجشوا ، أمر في غاية الغرابة وكثير من الناس يصنعونه وهو الدخول في المزاد من أجل أن يرفعوا السعر على الطرف الآخر هو لا يقصد الشراء وإنما يقصد المبالغة في رفع السلعة ليضر الآخر ؛ أو ليفوت عليه أن يشتري تلك السلعة ، أيضاً في قيمة فإذا ناجش ودخل في البيع وادعى أنه يزعم التجارة وطرح سعراً عالياً هذه كلمة خبيثة ، وإن كان قد رفع السعر فيها إنما كلمة خبيثة يحاسب عنها وتعتبر من الكلمات القبيحة التي سيحاسب عنها يوم القيامة ، كذلك في عكس هذا الكلمة الطيبة في كلمته مع زوجه عندما يُشعر الزوج زوجته بأنها شريكته وليست تحت أمرته و ليس هو من علي وهي من أسفل وإنما هما شركاء ، وقد ورد في الحديث القدسي :

(( أنا ثالِثُ الشَّريكيْن ، ما لم يَخُنْ أحدُهما صاحِبَه ))

[ أخرجه أبو داود ]

أيضاً يتعامل مع أبنائه معاملة راقية يؤدبهم ، يلاعبهم سبعاً ويؤدبهم سبعاً ثم يصاحبهم ، فكرة المصاحبة لعلها تكون منعدمة الآن ولعلها تكون غير موجودة في المجتمع ، ربما تكون ملاعبة عند كثير من الناس ، ينشغل الآباء عن مصاحبة أبنائهم وهذه مسؤولية لابد منها ، الكلمة الطيبة أيضاً ، في غير ذلك مع الصحبة ومع زمالة العمل ومع النفس ومع كل من يتعامل معه الإنسان في إمكانه أن يخرج من بيته ويعود في المساء يغدو خماصاً ويروح بطاناً من الثواب ، يخرج وجعبته فارغة ثم يعود وجعبته مليئة بالثواب بكلمة طيبة لمجرد أن يخرج السلام عليكم ممن يلاقيه من حارس العمارة أو من يلاقيه من العمال الذين يقومون بخدمته في الناحية الصحية والاجتماعية والسيارة وغير ذلك لا يستكثر على نفسه فكرة السلام لعامل السيارة وإنما من خلال ذلك يجمع أشياء كثيرة من الثواب فيعود بطاناً في آخر المساء مع ثواب كبير بالكلمة الطيبة .

الدكتور عمر :

أنا أرى في هذا الحوار سوف يؤوب المشاهدون والمشاهدات بطاناً بالخير ، دكتور عربي أنا أراه يشحذ همته .

الإنسان مجبول على جلب الخير لنفسه ودفع الضر عنه :

الدكتور عربي :

أود الرجوع إلى ما تفضلت به المجتمع غير ما نتحدث عنه ، وسؤالك التوجيهي كان ما العمل لتقليص هذه الهوة ؟ الإنسان مجبول على جلب الخير لنفسه ودفع الضر عنه والله تبارك وتعالى هو الذي خلقنا ويراعي ميلنا هذا قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)﴾

(سورة الأحزاب)

ما المردود ؟ :

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ ﴾

(سورة الأحزاب)

من منا لا يريد أن يصلح الله أعمالنا ؟ كلنا نريد :

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (71)﴾

(سورة الأحزاب)

إذاً لا مانع من أن نركز في تربيتنا الأسرية والمدرسية والاجتماعية وفي كل المؤسسات على المردود ، والإنسان إذا كان في مرتبة أولى لا يشعر إلا بالمردود المحسوس.

على الإنسان أن يشعر بمسؤولية الكلمة بواعثها طريقة أدائها و نتائجها :

الكلام التأثير الذي ندركه بإحدى الحاستين إما السمع أو البصر ، فمثلاً لو يأتي أحدنا ويروح إلى مؤسسة من المؤسسات ويقول له الموظف تعال في الساعة الثالثة يروح ما في موظف ، إذاً مدلول الزمن للاجتماع به صفر ، المرة الثانية يعود نفس الشيء المرة الثالثة فالمردود السلبي الذي نجم عن كلماتنا هذا يخلل المجتمع والأمثلة كثيرة ، في الأدبيات الفرنسية تعلمنا أن شخصاً كان يقول كلاماً لغواً كانوا مجموعة من الشباب يذهبون إلى شاطئ البحر وباللغة الفرنسية الماء الماء إذا قيلت بسرعة كأنها ألو ألو تليفون ، كانوا كل مرة يسبحون ويسخر منهم ألو ألو ألو يعني أنا غرقت غرقت فيأتون ويجدونه معافى بعد ما تكررت منه هذه الكلمات اللاغية بعد فترة سبح وغرق واستعمل نفس الكلمة ولم يأت رفاقه لأنهم قالوا كلماته مازحة فتركوه وغرق .

فنحن نتمنى ألا تكون كلماتنا وسيلة لإغراق أفرادنا ومجتمعاتنا فيما لا يعني ولذلك يجب أن يشعر كل واحد منا بمسؤولية الكلمة بواعثها ، طريقة أدائها ، نتائجها .

الدكتور عمر :

بارك الله لك دكتور عربي .

من شروط الكلمة الطيبة الواقع الموضوعي النقل الصحيح العقل و الفطرة :

الدكتور راتب :

في مداخلة ثانية لا زلنا في الحديث عن قوة تأثير الكلمة الطيبة ، أنا أرى أن الكلمة حينما تصدر عن نقل صحيح من الكتاب والسنة وعن عقل صريح يقبلها العقل الصريح غير التبريري ، وحينما تقبلها الفطرة السليمة لا المنطمسة ، وحينما يؤكدها الواقع الموضوعي حينما تكون الكلمة هي دائرة تتقاطع فيها خطوط النقل الصحيح والعقل الصريح والفطرة السليمة والواقع الموضوعي تؤثر ، استكملت الجوانب كلها ، فالواقع الموضوعي خلق الله والنقل الصحيح كلام الله والعقل مقياس أودعه الله فينا والفطرة مقياس آخر أودعه الله فينا فحينما تستكمل الكلمة الطيبة هذه الشروط تكون حقاً والحق هو الله عز وجل .

الدكتور عمر :

بارك الله دكتور راتب ، الحقيقة يعني ما رأينا أطيب من هذه الكلمات الطيبة .

من عصم نفسه من الغضب ملك أمر نفسه :

الدكتور سعد :

في حديث يحذرنا من الكلمة الخبيثة ، حديث إذا طبقناه ابتعدنا عن الكلمة الخبيثة :

(( رجل قال : يا رسول الله قل لي قولاً وأقلل علي ، لعلي أعيه . قال : ' لا تغضب ' . فأعاد عليه مراراً ، كل ذلك يقول : ' لا تغضب ' ))

[رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورواه أبو يعلى عن جارية بن قدامة]

فقال العلماء إن من الغضب ما يفضي إلى السوء والحرام ، فإذا عصم الإنسان نفسه من الغضب ملك أمر نفسه ولم يكن أمامه إلا اختيار الحلال .

خاتمة وتوديع :

الدكتور عمر :

بارك الله فيكم ، الوقت قد مرّ بنا سريعاً وأرى أن المخرج يشير إليّ بأن انسحب بساط الوقت من بيننا وهذا الكلام الطيب و الكلمة الطيبة لا يُشبع منها أساساً ولا يشبع منها من أمثالكم ، شنفتم آذاني أنا شخصياً وأفدتمونا كثيراً ونيابة عنكم عن الدكتور محمد راتب النابلسي والدكتور سعد الدين الهلالي والدكتور عربي القشاط أشكر كل المشاهدين والمشاهدات الذين تابعونا في هذه الحلقة عن الكلمة الطيبة ، حقيقة الأمر أنا شخصياً قد عادت علي بالفائدة الكبيرة ، وبعض المعالم الذي سوف أبدأ إن شاء الله في تطبيقها وأرى أن تحذوا حذوي في هذه المسالة ، بارك رب العباد لنا ولكم في القرآن العظيم وشكر الله لكم ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

والحمد لله رب العالمين