الحقوق محفوظة لأصحابها

لينا الحمصي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أهلا وسهلا بكن أخواتي المشاهدات في حلقة جديدة من برنامجنا فقه المرأة.

حديثنا اليوم عن موضوع هام، يبين لنا يسر الشريعة في تكليف الناس بالعبادات، حيث جعلت الشريعة الإسلامية مبدأ رفع الحاجة عن الناس أساسًا من أسس التشريع الإسلامي، يقول تعالى في كتابه الكريم: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة: من الآية185).

فرض الله تعالى الصلاة وجعل لها أسسًا أو ركنًا من أركان الدين، وركنًا من أركان الإسلام، وجعل الطهارة والوضوء من أجل الصلاة شرط صحة الصلاة، ولكن في بعض الأحيان لا يتيسر للإنسان أن يتوضأ من أجل الصلاة، قد يكون في سفر يفقد الماء، قد يكون مريضًا الماء موجود ولكنه لا يستطيع أن يستعمل الماء، فماذا يفعل؟

هل عليه أن يبحث إن كان في سفر، ويبحث، ويبحث من أجل أن يجد الماء؟

هل لو كان مريضا عليه أن يستعمل الماء رغم أن الماء قد يضره، وقد يسبب له زيادة في المرض أو تأخر في الشفاء؟

أباح الله تعالى وجعل التيمم رخصة وبدلا عن الوضوء، وبدلا عن الغسل أيضًا، أحيانا يكون عليه غسل جنابة، على المرأة غسل حيض عليها غسل نفاس، ولكنها لا تستطيع أن تغتسل لسبب، إما فقد الماء حقيقة، وإما وجوده، ولكنها مريضة لا تستطع أن تغتسل، وتخاف إن اغتسلت أن يزداد مرضها، فماذا تفعل في هذه الحال؟

التيمم هو الحل البديل بدل عن الوضوء وبدل أحيانا عن الغسل.

· ما هو التيمم؟

· ما هي الشروط التي يجب أن توجد حتى يباح التيمم؟

· كيفية التيمم، وماذا يسن في تيممه؟

· وماذا يقول الذي يريد التيمم؟

كل هذا سوف نبحثه إن شاء الله في هذه الحلقة ..

التيمم: هو طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه، واليدين بدلا من الوضوء أو الغسل.

يقول تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً}(النساء: من الآية43)

ورد في هذا أن رجلا كان في مصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- بدأت الصلاة قام النبي -عليه الصلاة والسلام- للصلاة، ولكنه رأى ذلك الرجل معتزل لم يقم للصلاة معهم، فقال: ما منعك يا فلان ألا تقوم للصلاة؟ قال: يا رسول الله أجنبت ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك".

والصعيد سوف نتحدث عنه، وأنه يطلق على الأرض، ويطلق على التراب أيضا..

هناك حالات يباح معها التيمم كما ذكرنا:

نبدأ بالحالة الأولى: وهي فقد الماء حقيقة في السفر، ولهذا أيضا حالات..

الحالة الأولى: عندما يفقد الماء حقيقة في السفر، وهو متأكد، ومتيقن أن لا وجود للماء للمكان الذي هو فيه، فمن يعلم هذا بسبب عدم وجود خضرة، بسبب عدم وجود طيور أو حيوانات كل هذا دليل على عدم وجود الماء..

يباح التيمم في الأحوال التالية:

1. فقد الماء في السفر إن تيقين أو ظن عدم وجوده.

ولكن ماذا لو علم أو ظن وجود ماء قريب؟ رأى خضرة في المكان، رأى طيورا تحوم في السماء وتحلق، رأى حيوانات تمر، طبعا هذا دليل على وجود الماء، ماذا عليه في هذه الحال؟

- إن علم أو ظن وجود ماء قريب، وجب عليه طلبه بشرط: الأمن على نفسه وماله، وعدم خوف فوات الرفقة، وعدم خوف فوات وقت الصلاة.

عندما يأمن على نفسه، ويأمن على عدم فوات الرفقة، ويأمن أنه ما زال هناك متسع لوقت الصلاة عليه أن يطلب هذا الماء، ولكن أحيانا يكون الماء بعيد، يطلبه مسافة كيلو متر كيلو مترين لا يجد الماء، فهل عليه أن يظل يبحث ويبحث حتى يجد الماء، نعم الماء موجود، ولكن أمامه مسافة طويلة، الفقهاء قالوا: هنالك فرق بين حد الماء البعيد وحد الماء القريب، يطلبه إلى مسافة كيلو متر ونصف عند الحنفية، ومسافة ثلاثة أميال أي ما يقارب 4.5 كيلو متر.

- حد الماء القريب أن لا يبعد أكثر من ميل (1كم نصف) عند الحنفية، وأكثر من ثلاثة أميال عن الشافعية.

أحيانا يجهل وجود الماء، ليست هناك أي قرينة أو أمارة تجعله يتأكد من وجود الماء أو عدم وجود الماء، في هذه الحالة ندب إليه الشافعية أن يطلب الماء، ولكن لا يجب وعندما يختلف عليه الموضوع لا يتأكد أو يجهل وجود الماء فيجوز له أن يتمم مباشرة للصلاة.

في بعض الأحيان الماء موجود، ولكن المرء لا يستطيع أن يستخدم الماء، متى تكون هذه الحالات، وماذا يسمى هذا؟ يسمى هذا في الاصطلاح الفقهي فقدان الماء شرعًا، الحالة الأولى:

2. فقدان الماء شرعا وله حالتان:

أ‌. فقد القدرة على استعماله رغم وجوده كالمحبوس والخائف، إنسان حبس في مكان ما الماء موجود، ولكنه لا يستطيع أن يستخدمه بسبب حبسه أو خائف من عدو من حيوان، الماء موجود ولا يستطيع أن ينزل ليتوضأ في هذه الحالة يباح له التيمم، يقاس على هذا بخصوص المرأة.. أحيانا كثيرة المرأة تكون حائض أو نفساء، تكون في خارج منزلها أو في رحلة أو في مكان بعيد تتأكد من انتهاء حيضها أو نفاسها، وفي تلك الحالة يجب عليها الاغتسال، ولكنها لا تستطيع الاغتسال، الماء موجود، ولكنها خارج منزلها ولا تستطيع أن تعود قبل أن يعود الوقت وقت الصلاة، فماذا تفعل في هذه الحالة؟

في هذه الحالة يقاس الموضوع على فقد الماء شرعًا، ويمكن لها أن تتيمم بدلا عن الاغتسال وتتوضأ بسبب وجود الماء، ويفضل في هذه الحالة أن تعيد صلاتها بعد أن تعود إلى منزلها وتغتسل الاغتسال المطلوب والاغتسال المفروض.

ب‌. الحاجة إلى الماء للطعام والشراب.

إذن في هذه الحالة الماء موجود، ولكنه قليل، ويحتاج إليه المرء للطعام أو الشراب سواء كان في سفر أو في حضر، ولكن في الحضر نقول أن هذا الموضوع نادر بسبب وجود الماء في الحضر في المكان الذي نسميه العمران، ولكن ممكن أن نقول أحيانا ينقطع الماء ليلا، وتستيقظ المرأة من أجل الصلاة أو من أجل الاغتسال فماذا تفعل؟ تجد الماء مقطوعا، ففي هذه الحالة يجوز لها أن تتيمم بديلا عن الغسل، وتتوضأ إن كان الماء قليل، أو حتى تتيمم بدلا عن الوضوء بسبب أن هذا الماء الموجود تحتاجه للطعام أو الشراب، وبسبب صعوبة طلب الماء ليلا وخصوصا أنها امرأة، وربما لا يتيسر لها أن توقظ زوجها، ولا يتجاوب معها إن أيقظته حتى يجلب لها في حال وجود الماء، ولكن الإنسان يحتاج إليه للطعام والشراب، ويجوز له التيمم؛ لأن الحفاظ على الأروا، والحفاظ على النفس البشرية هي أشد عند الله تعالى من أن يفرط الإنسان في نفسه، ويستخدم هذا الماء للاغتسال أو الوضوء..

ج. شدة البرد وبرودة الماء، وخوف حصول الضرر باستعماله.

الماء موجود، ولكن يخاف إن استخدمه أن يهلك بسبب شدة البرد أو برودة الماء، طبعا هذا في أغلب الأحيان يكون في السفر، يروى في هذا أن الصحابي عمرو بن العاص (رضي الله عنه ) كان في غزوة ذات السلاسل يقول عن نفسه: فاحتلمت، فأشفقت على نفسي إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت وصليت بأصحابي، فلما رجعنا ذكروا ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فقال لي: ما حملك على هذا؟ فأخبرته ثم قلت إن الله تعالى يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}(النساء: من الآية29) فضحك النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يعقب على ذلك". ويمكن أن يقاس على هذه الحالة الثالثة ما إذا كان على المرأة غسل جنابة أو حيض أو نفاس، واستيقظت ليلا من أجل الصلاة فلم تجد ماءًا ساخنًا، وخافت على نفسها إن استخدمت الماء البارد أن تهلك، في هذه الحالة عليها أن تسخن الماء، ولكن ماذا إن عجزت عن التسخين، كيف؟ لم توجد آلة التسخين مثلا على فرض وقوع هذا، أو الوقت يضيق على أن يستوعب تسخين الماء ثم تغتسل به، في هذه الحالة تتيمم، وتصلي احترامًا للوقت، وعليها أن تعيد صلاتها بعد أن تتمكن من الاغتسال.. فالصلاة غالية، ولا يجوز أن يُفرط في الصلاة من أجل أن الإنسان لا يستطيع أن يغتسل أو يتيمم في هذه الحالة أباح الله تعالى له التيمم.

د. وجود مرض يخاف معه ازدياد المرض أو تأخر الشفاء عند استعمال الماء.

فالله تعالى يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}(النساء: من الآية43) إذن في آية التيمم أباح التيمم للمريض، وأباح التيمم للمسافر. في بعض الأحيان يكون مرض المريض مرضا خفيفا إن اغتسل لم يؤثر هذا في زيادة المرض أو في تأخر الشفاء، ولكن خوف المريض يجعله لا يغتسل، ويتيمم بدلا عن ذلك، فالله تعالى يقول في الآية التي تبيح التيمم {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ما هو المرض الذي يبيح التيمم.. هل أي مرض؟ هل وجع الإصبع أو وجع الرأس يبيح التيمم؟

الفقهاء اشترطوا في هذا أن يكون المرض يخشى المريض معه إن اغتسل أو توضأ أن يزداد المرض أو يتأخر الشفاء، ويكون ذلك بإخبار طبيب مسلم ماهر، أو طبيب غير مسلم، ولكنه عدل وماهر في هذا، أو أن يكون قد جرب هذا في مرة سابقة، نفس هذه الحالة اغتسل معها، وتأخر مرضه أو تأخر شفاؤه، هذا المريض الذي يباح له التيمم.. في بعض الحالات يكون المريض أعضاؤه كلها سليمة، ولكن عضو منه مصاب، في هذه الحالة يجوز له أن يتيمم بدلا عن الاغتسال أو بدلا عن الوضوء، وذكرنا هذا في باب المسح على العصائب، قلنا: أنه يغسل الموضع الصحيح، وعندما يصل إلى الموضع المصاب يمسح الموضع المصاب بدلا عن غسل هذا الموضع سواء في الاغتسال أو في الوضوء، أحيانا يكون المريض استعامل الماء لا يضره، ولكنه تشق عليه الحركة، كالمريض المقعد في فراشه طريح الفراش، ماذا في هذه الحالة؟

هل على أهله أن يحملوه إلى الحمام، وأن يغسلوه رغم أنه يشق عليه الحركة؟

إذن في هذا تكليف على أهله فوق طاقتهم ربما.

* الحنفية والمالكية ذهبوا إلى أن هذا المريض الذي تشق عليه الحركة يجوز له أن يتيمم، وكذلك بالنسبة للوضوء يباح له التيمم إن شق عليه أن يتوضأ.

ماذا لو كان أكثر المريض مصابًا وبعض من بدنه غير مصاب؟

هل عليه أن يغسل الموضع الصحيح، ويتيمم بدلا عن العضو المريض؟

في هذه الحالة إذا كان أكثر بدنه مصابا يباح له أن يتيمم، ولا يكلف أن يغسل الموضع الصحيح، وأحيانا تكون موضع الجراحة في البطن أو في الظهر يصعب عليه أيضًا أن يغتسل في هذه الحال؛ لأن هذا الموضع حرج، وفي هذه الحالة أيضا يباح له التيمم بدلا عن الاغتسال.

ننتقل إلى موضوع آخر:

هل على هذا المصلي الذي صلى بالتيمم سواء تيمم بدلا عن الوضوء أو بدلا عن الاغتسال أن يعيد صلاته؟

اختلفت آراء الفقهاء في هذا واستندوا في هذا إلى آراء اجتهادية، ليس هناك دليل صريح من القرآن الكريم أو من السنة النبوية تفيد وجوب الإعادة أو عدمه..

*ذهب الشافعية إلى أن المسافر المتيمم لا يعيد الصلاة إلا إذا تيمم لشدة البرد، كما رأينا في حالة عمرو بن العاص عليه عندما يعود أن يغتسل، وأن يعيد صلاته.

يعيد المقيم الصلاة إلا إذا كان تيممه بسبب المرض؛ لأن تكليف المريض بإعادة الصلاة تكليف يشق عليه ربما يصلي 20 يوما أو 40 يوما حتى يبرأ من المرض ففي هذا إذن عدم تكليفه بالإعادة تيسيرا له، وهو المبدأ الذي تحدثنا عنه في بداية حلقتنا، مبدأ رفع الحرج.

*ذهب الحنفية والمالكية: إلى أن المتيمم المسافر أو المقيم لا يعيد الصلاة إلا إذا كان فقده للماء واقعا عليه بسبب العباد (كالمحبوس والخائف)..

**إذن جمهور الفقهاء كلهم اتفقوا على أن المسافر لا يعيد الصلاة إلا إذا كان تيممه بسبب البرد عند الشافعية.

بأي شيء يجوز للمتيمم أن يتيمم به؟

هل يجب عليه حصرًا التراب؟ أم أن هناك أدوات أخرى يجوز أن يتيمم بها من يريد التيمم؟ هذا ما سنتابعه بعد الفاصل إن شاء الله فابقوا معنا ..

*********************************************************

أهلا وسهلا بكم مجددًا، تحدثنا قبل الفاصل عن التيمم.. معنى التيمم.. ما يباح فيه التيمم، متى يجب على المتيمم أن يعيد الصلاة، ومتى لا يجوز عليه أن يعيد الصلاة.

وصلنا إلى موضوع ما يجوز به التيمم .. ما الذي يجوز التيمم به؟

الآية الكريمة تقول: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} ما هو الصعيد؟ بناء على تفسير الصعيد اختلف الفقهاء فيما يجوز التيمم به ..

الصعيد: هو وجه الأرض ـ التراب ـ الطريق.

إذن في اللغة الصعيد يطلق على كل هذا، على التراب، وعلى الطريق، وعلى وجه الأرض.

*الشافعية، والحنبلية فسروا الصعيد بأنه التراب، استدلوا من هذا من حديث عمار بن ياسر يقول: كنت في سفر فأجنبت فتمرغت في التراب كما تتمرغ الدابة، فلما أتيت يعني تعفر جسمه كله بالتراب، فما دام التيمم بدلا عن الغسل فعليه أن يتيمم بجسده كاملا، يقول فلما أتيت النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال لي: "إنما يكفيك أن تضرب بيديك التراب ثم تنفخ فيهما فتمسح بهما وجهك وكفيك" طبعا هذه رواية الدارقطني ..

وبناء على هذه الرواية لحديث عمار ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه التيمم يجب أن يكون بالتراب حصرًا، واشترطوا في هذا أن يكون التراب جافًا حتى يعلق التراب بيد المتيمم وأن يكون التراب طاهرًا، هذا الشرطان في التراب حتى يجوز للمتيمم أن يتيمم بهما ..

- ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن التيمم لا يكون إلا بالتراب، ويشترط في التراب أن يكون جافًا وطاهرًا.

*أما الحنفية والمالكية فلهم رأي آخر، فسروا الصعيد الذي أباح الله تعالى للمتيمم أن يتيمم به كما هو في اللغة وهو وجه الأرض، ووجه الأرض يحتمل التراب، ويحتمل الحجر، ويحتمل الجص، ويحتمل الصخر.. كل هذا أباح الحنفية للمتيمم أن يتيمم به ..

- ذهب الحنفية والمالكية إلى جواز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض، (التراب ـ الرمل ـ الحجر ـ الصخر ، الجص).

استدل الحنفية والمالكية بحديث عمار نفسه، ولكن برواية الصحيحين، النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما ذكر له عمار تمرغه بالتراب بكافة جسده قال: "لا.. إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض" في رواية الدارقطني "أن تضرب بيديك التراب"، هنا أن تضرب بيديك الأرض ورواية الإمام البخاري والإمام مسلم هي أصح من رواية الدارقطني، وبالتالي ذهبوا إلى أنه يجوز للمتيمم أن يترب بكفيه كل ما كان من جنس الأرض .. وهذا مذهب وجيه وقوي ..

ماذا لو يتمم المتيمم بالغبار، قد يكون هناك غبار على ثوب على جدار على أرض، هذا التيمم بالغبار صحيح عند جميع المذاهب؛ لأن الغبار من جنس التراب.

البعض يظن بما أنه الميتمم عليه أن يتيمم بالتراب أو الغبار عند الشافعية فيجب عليه أن يمرغ وجه ويديه بالتراب، وأن يظهر أثر التراب في كفيه وفي وجهه، وهذا غير صحيح، النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة والسلام عندما أتاه عمار بن ياسر دله على كيفية التيمم قال: "يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ فيهما ثم تمسح وجهك وكفيك"

إذن لا يشترط أن يظهر الأثر، وإنما يستحب أن ينفخ فيهما ثم يمسح وجهه ويمسح يديه.

ما هي فروض التيمم؟

فروض التيمم المتفق عليها ثلاثة: (النية ـ مسح الوجه ـ مسح اليدين)

1. النية: ومحلها عن ضرب اليدين على التراب أول مرة ينوي المتيمم استباحة الصلاة أو استباحة فرض الصلاة أو فرض التيمم .. والنية تكون بالقلب، وقلنا أنه أول ما يضرب على الأرض تكون النية .. ولكن أحيانا كثيرة ينوي المتيمم إما استباحة فريضة الصلاة، ينوي استباحة الصلاة مطلقًا، أو ينوي التيمم فنيته صحيحة بأي وجه من هذه الوجوه التي ذكرها.

- عند الحنفية: يجوز عند الحنفية نية رفع الحدث الأكبر أو الأصغر.

- الجمهور: ذهب إلى أن هذه النية لا تجزئ أن ينوي رفع الحدث الأصغر، والحدث الأصغر هو ما يمنع من صحة الوضوء، والحدث الأكبر هو ما يستوجب الغسل .. عند الحنفية تجوز هذه النية، عند الجمهور التيمم هو طهارة ضرورة وهي بدل عن الوضوء وبدل عن الغسل، لا يمكن للمتيمم أن ينوي نية الرفع، وأصلا التيمم بالتراب لا يرفع الحدث، وإنما هو ضرورة واستثناء ..

لذلك أختي المشاهدة يمكن لك أن تنوي بأي صيغة من هذه النيات التي ذكرناها سواء عند الجمهور أو عند الحنفية ..

ماذا لو كان على من تريد التيمم عليها غسل، وفي نفس الوقت تريد أن تتيمم للصلاة بدلا عن الوضوء، هل يجب عليها أن تتيمم مرتين، مرة بدلا عن الغسل ومرة بدلا عن الوضوء؟

لا أختي المشاهدة يكفيك تيمم واحد بدلا عن الغسل، وبدلا عن الوضوء تنوي استباحة فريضة الصلاة أو تنوي استباحة الصلاة أو تنوي التيمم كل هذا جائز، أو كما قلنا عند الحنفية نية رفع الحدث الأصغر والأكبر معا..

2. مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب:

- عند الحنفية والشافعية يجب أن يمسح المتيمم يديه إلى المرفقين، والمرفق هو العظم الذي يجمع الذراع مع العضد، هذا هو المرفق؛ لأنه التيمم بدلا عن الوضوء ..

- أما المالكية والحنبلية فقالوا: يكفي أن يمسح المتيمم كفيه إلى الرسغين، والرسغ هو العظم الذي يصل الكف بالذراع، يكفي أن يكون إلى الرسغين، ودليلهم في هذا نفس الحديث الذي ذكرناه حديث عمار (رضي الله عنه) قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "إنما يكفيك أن تمسح بيديك الأرض ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وتمسح بهما كفيك".

إذن هذا بالنسبة لمسح اليدين.. أما مسح الوجه أيضا يجب أن يكون باستيعاب مسح الوجه كاملا، لا يجب أيضا إذا كان المتيمم رجلا ولديه لحية، وشاربا أن يتخلل اللحية بالتراب، وإنما يكفي أن يمسح ظاهر اللحية وظاهر الشارب ..

· ما هو عدد ضربات المسح؟ هل يجب على من يريد التيمم أن تضرب ضربتين، ضربة تضرب بها الأرض ثم تمسح بها وجهها، ثم ضربة أخرى تضرب بها الأرض ثم تمسح بها كفيها، أم يجزءها ضربة واحد للوجه واليدين؟

اختلف الفقهاء في هذا أيضا اختلاف على فهمهم للرواية.

- ذهب الحنفية والشافعية إلى أن التيمم يكون برضبتين: ضربة للوجه وضربة لليدين، واستدلوا بهذا على حديث روي عن بن عمر وهو موقوف عليه، التيمم ضربتان ضربة للوجه، وضربة لليدين، وهو حديث ضعيف.

- ذهب المالكية والحنابلة إلى إمكانية الاكتفاء بضربة واحدة للوجه واليدين، ودليل المالكية والحنابلة في رواية البخاري ومسلم أقوى من الدليل الذي استدل به الشافعية والحنفية في الحديث الموقوف عن ابن عمر بأن التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين ..

إذن يمكن لنا أن نقلد في هذا مذهب المالكية والحنابلة لقوة الدليل الذي اعتمدوا عليه..

· قد يتساءل البعض، أين مسح القدمين بدلا عن غسلهما في الوضوء، نقول في هذا، هذا استنتاج خاطئ، ليس بالضرورة أن يكون مسح الوجه بدلا عن غسل الوجه ومسح اليدين بدلا عنه غسلهما أن يكون هنالك أيضا مسح للقدمين بدلا عن غسلهما، الآية صريحة في هذا وواضحة، {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ }(النساء: من الآية43).

إذن ليس هنالك مكان لا مسح القدمين، ولا لغيرهما كما يظن عمار بن ياسر أن يتيمم بكامل جسده بدلا عن الغسل، وهذه الصيغة للتيمم اللي هي مسح الوجه ومسح اليدين مع استيعابها بالمسح كاملا هي بدل عن غسلهما في الوضوء، وبدلا أيضا عن الغسل بشكله كامل، يكفي مسح الوجه ومسح اليدين معا..

ما هي السنن ومستحبات التيمم؟

- التسمية ـ تقديم اليمنى على اليسرى ـ الترتيب عند الحنفية والمالكية ..

- الموالاة (فلا يكون هناك فاصل بين مسح اليدين ومسح الوجه) ـ تخليل الأصابع بعد مسح اليدين ـ استقبال القبلة، والشهادتان بعد التيمم ـ تخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ ـ لا يسن تكرار المسح.

ما هي نواقض التيمم؟

هناك أمران:

- الأمر الأول: كل ناقض للوضوء ناقض للتيمم مما ذكرناه سابقا.

- وزوال العذر عن المتيمم ينقض تيممه .. ولكن إن رأى الماء أثناء صلاته فصلاته صحيحه لا يعيد، لكن إن رآه قبل أن يصلي فتيممه غير صحيح، وعليه أن يتوضأ ثم يصلي ..

هل هنالك من شروط لصحة التيمم، هل يمكن لمن يريد أن يتيمم أن يتيمم قبل أن يدخل وقت الصلاة، كمن يريد التيمم لصلاة الظهر أن يتيمم قبل أذان الظهر؟

الحنفية أجازوا في هذا للمتيمم أن يتيمم قبل دخول الوقت.

الجمهور اشترطوا أن يدخل وقت الصلاة ثم بعد ذلك يتمم المتيمم؛ لأن التيمم هو طهارة ضرورة، وربما يجد الماء بعد أن يدخل الوقت ..

هل يمكن أن يصلي كل الصلوات بهذا التيمم؟ أم عليه أن يصلي فرضًا واحدًا وما شاء من النوافل؟

أيضا اختلفوا في هذا.

الحنفية ذهبوا إلى أن المتيمم يصلي بتممه ما شاء من الفرائض، سواء الفرائض الحالية أو الفرائض الفائتة، وأن يجوز له أيضا أن يصلي ما شاء من النوافل .. ودليل الحنفية في هذا قول الحسن البصري يصلي ما يشاء ما لم يحدث، ما لم يرتكب ما ينقض الوضوء.

أما الجمهور فذهبوا إلى أنه يصلي فرضًا واحدًا وما يشاء من النوافل، لا يصلي أكثر من فرض، ودليلهم في هذا قول بن عمر يتيمم لكل صلاة ولو لم يُحدث.

- إذن يشترط لصحة التيمم دخول الوقت عند الجمهور، وأجاز الحنفية التيمم قبل دخول الوقت.

- يباح للمتيمم عند جمهور الفقهاء أن يصلي بالتيمم الواحد فريضة واحدة وما شاء من النوافل.

- ذهب الحنفية إلى جواز أن يصلي بيتممه ما شاء من الفرائض والنوافل.

هذا حديثنا عن التيمم..

ما هو التيمم، ماهو يبيح التيمم، نواقض التيمم، شروط التيمم، فرائض التيمم، ومستحبات وأداب التيمم..

أرجو أن يكون فيما ذكرناه فائدة لكل مشاهدينا الأكارم.

وأستودعكم الله تعالى.. على أمل اللقاء بكم في حلقة قادمة بإذن الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المصدر: http://alresalah.ws/programs2/index.jsp?inc=36&id=1440&lang=ar&cat=73&type=1