الحقوق محفوظة لأصحابها

لينا الحمصي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أهلا وسهلا بكن أخواتي المشاهدات في حلقة جديدة من برنامجنا فقه المرأة.

حديثنا اليوم سوف يكون عن أحكام الغسل.

· ما هو الغسل؟

· ما هو الغسل المفروض؟ ما هو غسل السنة؟

· ما هي موجبات الغسل؟

· فرائض الغسل؟

· سنن الغسل؟

عندما نتحدث عن الغُسل لغةً، الغُسل والغَسل بمعنى واحد هو فعل الاغتسال.

الغسل شرعا: هو إفاضة الماء الطاهر على جميع البدن بنية التطهر من حدث ما (كالجنابة)، أو لحدوث أمر ما (كالانتقال من الكفر إلى الإسلام).

يسمى ما يوجب الغسل حدثا أكبر، وما يوجب الوضوء حدثًا أصغر.

أما موجبات الغسل فخمسة..

أولها الجنابة ..

والجنب هو غير الطاهر، والمراد هنا الطهارة المعنوية وليست الطهارة الحسية، الجنب غير طاهر طهارة معنوية وبسبب تكون الجنابة بسبب إنزال المني أو بسبب المعاشرة الجنسية.

سمي الجنب جنبًا؛ لأن إنزال المني أو المعاشرة الزوجية تبعده عن الصلوات وتلاوة القرآن ودخول المسجد ..

إذن أول موجب من موجبات الغسل الجنابة، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}(المائدة: من الآية6).

ثانيا: انتهاء الحيض.

لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية222)، وتطهرن هنا صيغة مبالغة، وتدل على الاغتسال بتعميم البدن جميع البدن بالماء بحيث لا يبقى ولا جزء منه لم يصله الماء ..

ثالثا: انتهاء النفاس.

لأنه أيضا يقاس على الحيض.

رابعا: إسلام الكافر ..

خامسا: الموت.

فرائض الغسل :

فرائض الغسل المتفق عليها فرضا واحد .. هو وجوب تعميم الجسد بالماء الطهور.

معنى هذا أن يعمم من يريد من عليه الغسل أن يعمم جميع جسده بما عليه من بشرة، وشعر سواء كان هذا الشعر خفيفا أم كثيفا عليه أن يعممه بالماء، بحيث يصل الماء إلى أصول الشعر وإلى البشرة ما تحت الشعر..

الدليل على هذا أن أسماء (رضي الله عنها) سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن غسل الجنابة، كيف تغتسل المرأة من غسل الجنابة؟ فقال -صلى الله عليه وسلم- : تأخذ إحداكن الماء، ثم تطهر فتحسن التطهر، قبل أن تبدأ يجب عليها أن تزيل ما عليها من نجاسة حسية، في محل مكان أحد السبيلين تطهر فتحسن التطهر، ثم تصب الماء على رأسها، فتدلقه حتى تبلغ أصول الشعر" والبشرة التي تحت الشعر، ثم تفيضين عليك بالماء، وطبعا دلك الرأس ودلك الشعر وتخليل الشعر بالأصابع وهذه كلها سنن، ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر لأسماء هذه الصيغة، وبما فيها من فرض، وسنة بسبب قلة الماء؛ لأنهم كانوا يستخدمون الماء القليل، وعندما يكون الماء قليلا لا يمكن أن يبلغ المغتسل إلى جميع جسده إلا إذا دلك رأسه بالماء الذي يوصله بسبب قلة هذا الماء..

لكن هنا يحلو لنا أن نتساءل: أحيانا تكون المرأة قد ضفرت شعرها طبعا في إحدى البلدان ضفر المرأة لشعرها أحيانا تصبح عادة شائعة كما نرى في كثير من البلدان الإفريقية تضفر المرأة شعرها، وضفرها ليس سهلا، بإمكانها أن تفعله متى تشاء وأن تفكه متى تشاء أحيانا تحتاج إلى مساعدة غيرها تذهب أحيانا إلى صالونات حلاقة لتفعل هذا الضفر وهو من الزينة التي اعتبرها الشرع وحث المرأة على التزين، ولذلك إذا أرادت أن تغتسل يصعب عليها أن تفك هذه الضفائر الكثيرة والرفيعة ثم تعيد ضفرها بعد أن تنتهي من الغسل، الذي هو غسل الفرض إما غسل الجنابة بالنسبة للمرأة أو غسل الحيض أو غسل النفاس، ماذا تفعل في هذه الحالة؟

هل اعتبر الشرع هذه الزينة بالنسبة للمرأة اعتبرها كحاجة، وأنزلها منزلة الضرورات؟ كما قلنا الحاجة تنزل منزلة الضرورات، والضرورات تبيح المحظورات .. تعالين معي واسمعن سؤال أم سلمة (رضي الله عنها) ..

- حكم نقض (حل) ضفائر المرأة عند الاغتسال:

سألت أم سلمة النبي -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله إني امراة أشد ضفر شعري، أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال: "لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء ثلاثا فتطهرين".

إذن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأمرها بفك الضفائر، ولا بنقض الضفائر، وإنما أمرها أن تحثي على رأسها ومعنى أن تحثي أن تقبض أو تغترف بيدها بالماء ثم تصبه على رأسها، بسبب قلة الماء عندهم، لم يكن عندهم دش كما نجد اليوم تقف المرأة والرجل تحت الدش ويسرفن، ويسرفون في استخدام الماء، فإنما كان هنالك ماء قليل، يروى عن غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سنرى فيما بعد أنه كان يغتسل بالصاع، والصاع هو ما يقارب اليوم 3كيلو إلى 3كيلو ونصف تقريبا من الماء.

فإذن قال يكفيك أن تحثي ثلاث حثوات تغترفي الماء بيدك ثم تفيضينه على رأسك ثم تفيضين عليك الماء حتى تطهرين.

* إذن ذهب الجمهور (المالكية ـ الحنفية ـ الحنبلية) بناء على هذا الحديث: إلى أنه لا يجب على المرأة نقض ضفائر شعرها في غسل الجنابة أو الحيض، بشرط أن يصل الماء إلى بشرة الرأس وأصول الشعر.

* أما الشافعية فلهم رأي آخر في هذا، رأيهم أن تستطيع المرأة ألا تحل ضفائرها، ولكن بشرط أن يصل الماء إلى باطن الشعر وإلى ظاهر الشعر..

*بينما الرأي عند الجمهور لم يشترطوا أن يصل الماء إلى باطن الشعر، إنما يكفي أن يصل إلى ظاهر الشعر، والشرط عندهم أن يصل إلى أصول الشعر المنبثقة من الرأس، وبشرة الرأس أيضا .. لكن إن لم يصل الماء عند الشافعية إلى باطن الشعر وظاهر الشعر إلا بفكه ونقض تلك الضفائر وجب على المرأة أن تحل هذه الضفائر ..

وأولوا حديث أم سلمة بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سمح لها ألا تفك ضفائرها عندما تغتسل بأن ضفائرها لم تكن مشدودة بشكل متين، وإنما كانت رخوة بحيث يصل الماء ماء الغسل إلى باطن الشعر وظاهر الشعر.

هذه إذن فرائض الغسل المتفق عليها .. وهي وجوب تعميم الجسد بالماء الطاهر بكل ما عليه من شعر سواء كان هذا الشعر خفيفًا أم كثيفا بحيث يبلل ظاهر الشعر، وباطن الشعر، وما تحت الشعر من بشرة يدلك بالماء، ويدلك كذلك جميع الجسد وأوتار الجسد بالماء أيضا..

ما هي الفرائض المختلف فيها:

1. النية: وهي أن ينوي المغتسل الاغتسال من الجنابة أو الحيص أو النفاس، أو القيام بفرض الغسل، أو رفع الحدث الأكبر.

- ذهب الجمهور إلى فرضية النية وذهب الحنفية إلى سنيتها.

- محل النية القلب وزمانها عند البدء بغسل أول جزء من البدن ..

النية كما ذكرنا أن تكون بعدة صيغ أن ينوي من يريد فرض الاغتسال أن ينوي فرض الاغتسال، طبعا نحن نتحدث عن الأغسال المفروضة، التي ذكرنا موجباتها الجنابة، انتهاء الحيض، انتهاء النفاس، الموت، الانتقال من الكفر إلى الإسلام ..

إذن النية يمكن أن ينوي فرض الاغتسال أو أن ينوي رفع الحدث الأكبر، ويمكن أن ينوي الاغتسال من الجنابة، والاغتسال من الحيض أو الاغتسال من النفاس أي صيغة من هذه الصيغ صيغ جائزة يجوز لمن يريد فض الاغتسال أن ينوي إياها ..

النية كما ذكرنا محلها القلب، ويمكن أن يتلفظ بها باللسان بالإضافة إلى القلب.

نقطة الخلاف بين الحنفية الذين ذهبوا إلى أن النية سنة، والجمهور الذين ذهبوا إلى أنها فرض تظهر في موضع واحد، عندما تغتسل المرأة تظن أنها تغتسل من أجل النظافة، وبعد أن تغتسل تتبين لها أنها انتهت من الحيض أو انتهت من النفاس في هذه الحالة عند الحنفية الغسل الذي أجرته بنية النظافة لا بنية إزالة الحدث أو رفع الحدث يكفيها، ويجزأها ولا داعي ولا مبرر أن تعيد غسلها، وكذلك يعتبر ثمرة خلاف فيما لو كانت تسبح في بركة لم يخطر في بالها أن ترفع الحدث الأكبر أو الاغتسال من الحيض ومن الجنابة والنفاس بعد أن خرجت من بركة السباحة ذكرت أن عليها غسلا مفروضا، عند الحنفية يجزأها بينما عند الجمهور يجب عليها أن تعيد غسلها بسبب تركها للنية ..

2. المضمضة والاستنشاق:

هي فرض عن الحنفية والحنابلة، وسنة عند الشافعية والمالكية.

المضمضة هي أن يضع المغتسل في فمه ماءًا ثم يحركه في فمه، الاستنشاق هي أن يأخذ ماءًا فيدخله بيده إلى أنفه يستنشقه بأنفه ثم يخرجه من أنفه يسمى أيضا الاستنثار، فذهب الحنفية والحنابلة إلى فرضية المضمضة والاستنشاق دليلهم هذا الآية قوله تعالى: { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ} واطهروا هذه صيغة مبالغة، زيادة في التطهر، مبالغة في التطهر، وأيضا دليلهم أن كل الأحاديث التي ذكرت صفة غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكرتها بوجود المضمضة والاستنشاق.

إذن استنتجوا من هذا أن المضمضة والاستنشاق فرض وليست بسنة، أما دليل الشافعية والمالكية هي حديث أسماء السابق الذي ذكرناه حديث أم سلمة، وأيضا حديث أسماء، جاءت أسماء (رضي الله عنها) إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله عن غسل الجنابة، فدلها على ذلك، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- : "تأخذ إحداكن الماء ثم تتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها الماء فتدلكه على تبلغ شؤون رأسها ثم تفيض عليها الماء بعد ذلك" .. لم يقل لها المضمضة والاستنشاق وبالتالي ذهب الشافعية والمالكية إلى أن المضمضة والاستنشاق سنة وليست بفرض ..

إذن الفرائض المختلف حولها هي النية، المضمضة والاستنشاق

3. الدلك والموالاة:

وهي فرض عند المالكية، وسنة عند الجمهور ..

الدلك: هو إمرار اليد على العضو الذي يُغسل أو بما شابهه من ليفة أو خرقة أو ما إلى ذلك، وهو عندهم فرض، بينما عند الجمهور هو سنة، والموالاة هي متابعة غسل الأعضاء بعضها إثر بعض.

هذه إذن الفرائض المختلف حولها: النية، المضمضة والاستنشاق، الموالاة والدلك ..

هل هنالك من شروط لصحة الغسل؟

هذا ما سنراه بعد الفاصل بإذن الله تعالى فابقوا معنا..

*****************************************************

أهلا وسهلا بكن مجددًا ..

حديثنا اليوم عن الغسل، ذكرنا الغسل المفروض وموجبات هذا الغسل، الجنابة، انتهاء الحيض، انتهاء النفاس، الموت والانتقال من الكفر إلى الإسلام ..

وذكرنا فرائض الغسل المتفق حولها وهي فرض واحد تعميم الجسد بالماء الطاهر.

أما الفرائض المختلف حولها فيه، النية، المضمضة والاستنشاق، الدلك والموالاة ..

بعد هذا علينا أن نبحث الآن في موضوع هام جدًا، بعض من عليهن غسل المفروض يغتسلون ومع ذلك يفعلون كل هذه الفرائض ما اتفق حولها وما اختلف حولها ويخرجون من الحمام وينتهون من الغسل وغسلهم غير صحيح .. كيف هذا؟

ربما تكون المرأة تضع على يدها طلاء الأظافر، وبالتالي هذا المانع الذي يمنع وصول الماء حال دون تمام الغسل المفروض ..

* لذلك يجب لصحة الغسل إزالة كل حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته من شعر وبشرة وظفر (كالدهان وطلاء الأظافر).

كثيرًا ما أُسأل، وكثيرًا ما أخبرت عنه أيضا في حلقات برنامجنا فقه المرأة وهو موضوع صبغ الشعر بالميش وجميع أنواع الصبغات الموجودة اليوم والمتوفرة، البعض يظن أن هذه الصبغة الميش وما إلى ذلك تعد مانعا يمنع وصول الماء إلى الشعرة وبالتالي الغسل غير صحيح، ولكن هذا أنبه أخواتي المشاهدات بأن هذه المواد التي يصبغ بها الشعر من ميش وهاي لايف وجميع أنواع الصبغات لا تعد مانعًا يمنع وصول الماء إلى الشعر، وإنما هي مجرد ألوان صبغية ليست حائلاً مطلقًا، وبالتالي:

* غسل المرأة التي صبغت شعرها أو خضبت يديها وقدميها بالحناء صحيح.

* القدر المجزئ من الماء وهو ما يحصل به تعميم البدن بالماء على الوجه المطلوب.

فليس هنالك قدر مفروض من الماء، وإنما أي قدر يستخدمه المرء سواء كان قليلا أم كثيرا الشرط الوحيد فيه أن يكون هذا القدر من الماء الذي استخدمه قد عم به جميع أجزاء جسده بكل ما عليها من بشرة وظفر وشعر قد عممه بالماء الطهور ..

ما هي صفة غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟

وردت في ذلك أحاديث كثيرة، انتقيت لكم منه حديثًا واحدًا.

روت أم المؤمنين عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول الشعر، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء عليه ثلاثة مرات ثم غسل سائر جسده ..

صفة غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الحديث الذي ذكرناه فيه ما هو مفروض وفيه ما هو مستحب ومندوب.

ما هي سنن الوضوء؟ وما هي المستحبات؟

الفرق بين السنن والمستحبات أن السنن هي السنن المؤكدة التي واظب عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وفاعلها يثاب، أما تاركها لا يعاقب، والمستحبات هي ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولكنه لم يواظب عليه وهي أيضا مما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها ..

سنن الغسل:

- البسملة في بداية الغسل.

- غسل الكفين ثلاثا.

فيسن غسل الكفين ثلاثا إلى الرسغين وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل هذا؛ لأنه كان يتوضأ من وعاء، ولكن اليوم تغير الحال كثيرا منا يغتسل تحت الدش، وبالتالي لا يتأتى له أن يفعل كثير من هذه السنن التي كان يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبب كما ذكرنا اغتساله من وعاء بجانبه ..

- غسل محل السبيلين.

- الوضوء. قبل أن يبدأ بالاغتسال.

- تخليل أصول الشعر باليد.

- لا يسن الترتيب في الغسل .. الترتيب بين الرأس بين اليدين بين القدمين هذا الترتيب هو فرض في الوضوء، ولكنه سنة في الغسل ..

- التثليث والبدء باليمين، .. فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحب التيامن في أموره كلها، في تنعله في ترجله في وضوئه وفي غسله .. فالتثليث والبدء باليمني يتيسر عمل هذه السنة إن كان يغتسل المغتسل من وعاء أمامه .. وإنما يصعب عليه أن يحقق هذه التثليث أن يبدأ برأسه ثلاثا ثم بجانبه الأيمن ثلاثا ثم جانبه الأيسر ثلاثا.. فبالتالي لا حرج عليه في ذلك ..

هذه إذن سنن الغسل..

مستحبات الغسل:

- استقبال القبلة.

- ترك الكلام إلا لحاجة.

- يستحب عند الشافعية أن يدعو بعد الغسل بالدعاء التالي:

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرينن سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

هذا الدعاء من مستحبات الغسل عند الشافعية .. ولكن ما الأمر عند الحنفية.

عند الحنفية يكره عندهم الذكر والدعاء أثناء الاغتسال أو حتى بعد الاغتسال مادام في الحمام، ليس هناك دليل من السنة الشريفة ينهى عن الذكر والدعاء أثناء الاغتسال، وإنما استتنج الحنفية ذلك من أن الحمام والاغتسال هو مكان وجود محتمل وجود القذارات والأوساخ في ذلك المكان، وبالتالي يكره، ولكن الشافعية قالوا: النبي -عليه الصلاة والسلام- كما تروي السيدة عائشة كان يذكر الله على كل أحايينه، وبالتالي لا يكره أن يذكر الله وهو في حالة الاغتسال أو حتى بعد الانتهاء من الاغتسال، يكره فقط أن يذكر الله -عز وجل- أثناء قضاء الإنسان لحاجته، والدليل على ذلك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخل الخلاء أي المكان المعد لقضاء الحاجة خلع خاتمه، وكان مكتوبًا عليه محمد رسول الله ..

- الاقتصاد في استعمال الماء.

وهذا موضوع هام جدًا، البعض يقول نحن كان هذا موجودًا عندهم، الاقتصاد في استعمال الماء بسبب ندرة الماء عندهم، ولكن اليوم بتنا الحمد لله فيه فائض من الماء، مع العلم أن هذا الكلام عليه تحفظ؛ لأنه كثير من البلدان اليوم تعاني من قلة الماء ومن شح الماء، ولكن على فرض وجود الماء بكثرة هل يستحب أن يقتصد في استعمال الماء، هل يكره الإسراف في استخدام الماء؟

الحقيقة أن الفقهاء بينوا أنه يكره الإسراف في استخدام الماء سواء في الوضوء أو في الغسل ولو كان يغتسل أو يتوضأ من ماء أو من نهر جار .. النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: سيكون قوم يعتدون في الطهور وفي الدعاء، الاعتداء في الطهور هو أن يبالغ في التطهر، يبالغ في الاغتسال، وهذا ما نجده اليوم لدى بعض من لديهم وسواس، مرض الوسواس، يغتسل في الحمام ربع ساعة، نصف ساعة، ساعة ونصف يقول: أخاف ألا أكون قد بللت جميع جسدي بالماء، هذا اعتداء في الطهور، ونهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- ..

وذكرنا عندما تحدثنا عن مكروهات الوضوء أنه يسن التثليث، ويكره الزيادة على التثليث، تثليث غسل الوجه، تثليث غسل اليدين، تثليث غسل الرجلين، النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن ثلث غسل الأعضاء قال: "هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص على هذا فقد أساء وظلم" .. لأن هذا تشدد في الدين منهي عنه، وابتداع في الدين منهي عنه والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "هلك المتنطعون" أي المتشددون، وبالتالي أنا أنصح أي أخت لديها هذا الوسواس وسواس الطهارة ووسواس الخوف من النجاسة، أن تيسر على نفسها وأن تعرف أن ما تفعله إنما هو أمر منهي عنه، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ بالمد، أي بثلاثة أرباع الكيلو جرام ويغتسل بالصاع، وهو ماء قليل مما يقارب ثلاثة كيلو جرامات ونصف .. فما بالنا أن نجرب اليوم حتى يعرف كل أخ وكل أخت أنه لا يشترط المبالغة، وينهى عن المبالغة في الغسل خوفا من أن يكون المرء يظن أنه لم يبلغ جميع جسده فيظل يسرف في الماء وهذا كما ذكرنا من الأمور المنهي عنها ..

بعد أن انتهينا من مستحبات الغسل يحلو لنا هنا أيضا أن نبحث موضوع آخر، هو موضوع التجرد من اللباس أثناء الاغتسال..

البعض يقول: هذا حرام، والبعض يقول: هذا جائز..

فما هو الحكم الشرعي في هذا؟

نحن لا نريد مقولة البعض، وإنما نريد المقولة، والحكم الشرعي في هذا ..

حكم التجرد من اللباس:

- اتفق الفقهاء على وجوب ستر العورة أثناء الاغتسال إن كان في مكان عام.

والاختلاف إذا كان الاغتسال في مكان خاص ولا يراه أحد، إن كشف عن عورته فهل يجوز له أن يكشف عن عورته وأن ينظر إليها؟ أم لا يجوز؟

· جمهور الفقهاء ذهبوا إلى جواز ذلك، واستدلوا بهذا بحديث صحيح أن أيوب -عليه السلام- لما أمره الله تعالى أن يغتسل من أجل أن يشفى من مرضه اغتسل عريانا، ولم يكن هنالك أحد، ولم يعاتبه الله تعالى على ذلك، وبالتالي يجوز الاغتسال إذا في مكان بعيد عن أعين الناس يجوز الاغتسال عريانا ويجوز أن ينظر إلى عورته.

· هناك حديث في هذا المجال يستدل به بعض من يحرمون على المرء أن يتجرد من الثياب إذا كان خاليا، وبعيدًا عن أعين الناس، هذا الحديث يقول: "إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط أو حين يأتي الرجل أهله فاستحيوهم وأكرموهم".. والمراد بذلك الملائكة ..

الواقع أن أهل الحديث الذين ينظرون في أسانيد الأحاديث قالوا: أن هذا الحديث ضعيف، وبالتالي لا يستند إليه في هذا الحكم الشرعي.

· هنالك حديث آخر عندما نقول جواز التعري عند الاغتسال، يعني يتبادر لنا سؤال آخر، والتعري أثناء المعاشرة الزوجية بعيدا طبعا عن أعين الناس، وهناك حديث آخر في هذا المجال يقول: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العيرين" أيضا هذا الحديث ضعيف وكل هذه الأحاديث التي توجب التستر هي أحاديث ضعيفة، وعلى فرض صحتها فإنها محمولة على الأفضلية والندب، لا على الوجوب ..

- يجوز للمغتسل التعري إذا اغتسل في حمام خاص به بعيدا عن أعين الناس.

الآن نتحدث عن الأغسال المسنونة:

الأغسال المسنونة:

1. غسل الجمعة: وهو سنة مؤكدة يكره تركها بدون عذر.

الإسلام دين الطهارة كما نعلم، والطهور حسب قول النبي -عليه الصلاة والسلام- "الطهور شطر الإيمان" أي أن فعل التطهر هو نصف الإيمان، وبالتالي تحين الإسلام المناسبات والفرص ليحث على النظافة وعلى الطهارة ومن هذا الأغسال المسنونة ومنه غسل الجمعة.

لذلك يسن الاغتسال يوم الجمعة.

اختلف الفقهاء هل يسن الاغتسال هو لليوم أم للصلاة؟

الشافعية قالوا: الاغتسال هو لليوم.. أما الحنفية فقالوا: أن الاغتسال هو بسبب حضور الجمعة، وبالتالي يسن لمن يحضر الجمعة فقط أن يغتسل .. والدليل على سنية غسل الجمعة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل" وهذا الأمر يحمل على الندب .. لا على الفرضية لحديث آخر "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمة، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

2. غسل العيدين.

3. غسل الإحرام.

4. غسل يوم عرفة.

5. الغسل من غسل الميت. والغسل من غسل الميت سنة لا واجب أيضا، وهناك حدث في هذا: "من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ" وهذا الأمر محمولا على الندب أيضا، والدليل في ذلك على أنه يحمل للندب لا للفرضية، قول عمر (رضي الله عنه) كان يقول: كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل .. وهذا دليل على أن المراد بالأمر إنما هو الندب وليس الفرض ..

هذه أحكام الغسل، فرائض الغسل، سنن الغسل، مستحبات الغسل، الأغسال المسنونة، وما ذكرناه من الغسل المفروض وموجبات هذا الغسل.

كانت هذه حلقتنا لهذا اليوم، سررنا واستمتعنا بصحبتكم.

على أمل اللقاء بكم في حلقة الغد بإذن الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: http://alresalah.ws/programs2/index.jsp?inc=36&id=1439&lang=ar&cat=73&type=1