الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد العريفي
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،"إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْۖوَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ" ،ذكر الله تعالى في كتابه، قصة قارون مع أن الأحداث التي وقعت لموسى عليه السلام مع قومه كانت أحداثا متنوعة متعددة كثيرة والأشخاص الذين كان موسى عليه السلام يتعامل معهم هم قوم متعددون كُثُر ومع ذلك اختار الله تعالى قارون ليخلد قصته في القرآن، فلماذا اختار الله تعالى قارون ؟هذا أولا، ثانيا : كيف تعامل موسى عليه السلام مع قارون؟ كيف تعامل قارون مع المال الذي كان عنده؟ ما هي نظرة الناس للمال الذي كان عند قارون؟

تعالوا اليوم في برنامجنا مسافرون ندخل سويا إلى قصر قارون، نتلفت في أنحاءه لننظر إلى أرائكه ،ننظر إلى خزائنه، ننظر إلى تلك المفاتيح التي تنوء بالعصبة أولي القوة، كيف كان يتعامل قارون مع هذه الأموال؟ كيف كانت نظرته للناس؟ نخرج من قصره ثم نركب معه في قافلته لننظر كيف كان الناس يتعاملون أيضا مع قارون وكيف تنوعوا وما هي نهايته؟

عبر ينبغي أن نقف عليها نحن اليوم معكم وأسال الله آن ينفعنا بما نتكلم عنه .

في قصر قارون:

سماحة الدكتور محمد العريفي : طبعا القصص التي ذكرها الله تعالى في القرآن تستطيع أن تقول أنها حددت بسبب كثرة العبر التي فيها ، مثلا ذكرت لكم سابقا سأل أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا رسول الله: كم عدد الرسل؟ قال عليه السلام: 120 ألفا ، هؤلاء 120 ألفا اختار الله تعالى منهم 25 نبي فقط حتى يذكر أسماءهم بالقرآن وهؤلاء 25 نبي منهم 15 نبيا ذكرت قصصهم و 10 نعرف أسمائهم ولا نعرف قصصهم أكثر نبي ذكره الله تعالى في القرآن وذكر اسمه 183 مرة وذكرت قصته في 25 موضعا من القرآن من هو؟ موسى عليه السلام، موسى عليه السلام نحن نعرف قصة ولادته وقصة تربيته وما هي الأحداث التي وقعت له قبل النبوة وما هي الأحداث التي وقعت له بعد النبوة ،نعرف قصة زواج موسى عليه السلام كيف تعرف على والد زوجته، نعرف المهر الذي دفعه موسى ليتزوج ،حتى هذا نعرفه، انظر من شدة الدقة بينما مثلا إبراهيم عليه السلام وهو خير من موسى مع ذلك لا نعرف التفاصيل ، عيسى عليه السلام ،شعيب، لوط وغيرهم من الأنبياء هؤلاء لا نعرف التفصيلات التي نعرفها نحن عن موسى عليه السلام اليوم سنقف في قصة موسى عليه السلام على رجل كان ابن عم لموسى ولما رأى موسى قد أوتي الرسالة والنبوة غضب وبدأ يسب موسى في كل موطن وينتقص موسى عليه السلام كأنه يريد أن يجمع إلى ملكه الذي عنده من المال يريد أن يجمع إليه الرسالة والعلو في الأرض.

ذكر الله تعالى تفصيل قصته تعالوا اليوم نعيش في- إن صح التعبير - دوحة من دوحات القرآن وواحة من واحاته نتلو هذه الآيات ونقف على بعض العبر التي ذكرها الله تعالى في قصة قارون يقول الله عز وجل: '' إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ'' – إذن هو ابن عمه وكان يعيش معهم – '' فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ'' – بغى عليهم غالبا الإنسان ما يبغي على غيره ويظهر ويظلم إلا لسبب صح، يعني كما قال الله تعالى "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ" متى؟ "أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ" لكن لو الشخص لا مال له ما طغى لذلك النبي يقول: '' ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم '' ذكر منهم قال عائل مستكبر ،شخص فقير ولا شيء عنده ومستكبر على الناس، يا أخي هذا ذليل إن قلبك مريض، لأنك لا شيء عندك يدعوك إلى الكبر ، لكن لو شخص فرضا استكبر لأجل أشياء معينة عنده يملك ملايين عنده شيء فاستكبر نقول هذه معصية لكن على الأقل فيه سبب إنه استكبر لكن شخص فقير منتهي ويستكبر على الناس ويكلمهم من طرف أنفه ولا يلتفت إلى أحد ، هذه المشكلة ، قارون بغى عليهم لسبب وهو إنه أصلا كان عنده من الأموال والأشياء التي تجعله يطغى وبعد ذلك لم يقل الله تعالى فتكبر عليهم لا فبغى عليهم ، وهذا يدلك على أن بعض أصحاب الأموال والمسؤوليات إذا أصبح عنده أموال وبدأ يسيطر على عدد من المسئولين ، مثلا مدير الشرطة صديقي، ما أنا الذي أعطيته سيارتي يسوقها، رئيس البلدية أيضا صديقي أنا من ضبطت علاقتي معه،مدير جهاز المباحث أيضا علاقتي معه جيدة لأني أنا سافرت به مرة على حسابي وأخذته معي باريس يتمشى، وكلفت 100 ألف ريال أنا الذي دفعهاـ وبالتالي أنا لما أتي وأطغى على أرض فلان وأخذها هو لا يستطيع أن يشتكيني ، كما قال :

إذا ظل الأمير وكاتباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء ***

فويل ثم ويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء ***

إذا كان الشخص الأمير يظلمه والقاضي لن ينصفه وجهاز المخابرات والمباحث والشرطة كلهم ضدي إذا أنا من سينصرني ، فهنا قارون ضبط أموره مع البقية ثم بدأ يبغي ، أخذ أرض هذا وأعجبته المزرعة جاء أخذ هذه المزرعة أعجبته المرأة جاء وتزوج غصبا عن أبيها إن أعجبته ... مثل ما يفعل اليوم عدد كبير من الطغاة مع الأسف، يعني يكثر ماله ويبدأ يبحث عن مناصب ثم يبدل يبغي على الناس ولا يستطيعون أن يخرجوه منه.

كما حدثني أحد القراء الذين يرقون الناس يقول جاءني مرة شخص عنده ألم شديد في يده لا يكاد ينام يقول فإذا هو تاجر كبير جدا وله مسؤوليات يقول فرقيته الرقية الشرعية مرارا ولم يتبين شيء فقال يا أخي أنا ذهبت للطب وما أفادوني فقلت لعلها دعوة من مسكين ظلمته يوما، وأصابك الله تعالى بهذا يقول فخرج من عندي وجاءني والله بعد أسبوع وقد شفي وقال قد نفعتني هذه الكلمة أكثر ما نفعني غيرها ، قلت كيف قال أنا كنت ابني قصرا وبجانبه أرض فأردت الأرض أضيفها للقصر وسألت عنها فإذا هي لأم أيتام زوجها توفي وترك لهم هذه الأرض حاولنا أنها تبيعها فأبت قالت أنا مسكينة لما أبيعكم إياها بمائتين أو ثلاثمائة ألف النقود نأكلها ، دع الأرض تمسك فلوسنا وتزيد قيمتها ويكبرون أولادي فيبنونها ، يقول فحاولنا أن نغريها فأبت يقول القارئ هذا فقلت له فماذا فعلت؟ قال والله دبرت الموضوع في البلدية وكتبوا الأرض باسمي.

انظر الظلم الصريح فبغى عليهم أصبح عنده طغيان يقول فو الله كنت أرى هذه المرأة تأتي وتدعوا علي والعمال يشتغلون في أرضها يحفرون من أجل زراعة الزرع ويدخلونه في السور وتدعوا علي وتصرخ والعمال يظنون أنها مجنونة يقول والله ما اكتمل السور إلا وأصابني هذا الألم الذي لا أستطيع أن أنام منه ، يقول فقلت احمد الله، أن الله لم يصبك بما هو أعظم، يقول لما خرجت من عندك ذهبنا واعتذرنا منها وأعطيناها فيلا كبيرة بأضعاف أرضها حتى رضيت وسامحتني فأذهب الله عني ذلك .

فأنا أعني أن بعض الناس أحيانا مثل قارون يكثر ماله فيبغي لذلك الله تعالى يقول : ،"إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْۖوَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ – يعني كنوز ذهب وفضة وأموال – '' مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ '' – هنا الله تعالى ما وصف مقدار المال وصف المفتاح الذي يفتح به المال،فهذا يدلك مثلا عندما يكون أنت عندك أموالك أقول لك كم عندك أموال؟ تقول والله أنا أضعها عندي في البيت في خزائن، فأقول يعني كثيرة الفلوس ؟ تقول والله انظر هذه المفاتيح فإذا 25 مفتاح ، أقول أف! تقول إيه والله عندي 25 خزنة مليئة فكثرت المفاتيح عنده حتى إنها "مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ '' جاءه قومه ينصحونه '' إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْۖإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴿٧٦﴾ '' ليس لا تفرح ،هل الفرح والسرور مكروه في الإسلام؟ لا، لكن لا تفرح الفرح الذي فيه نوع من الطغيان ،الله لا يحب الإنسان الذي إذا فرح قال والله اليوم سعادة، اليوم أنس، أتوا الخمر أتوا ...، لا ، لا بد أن يكون الفرح منضبط بالضوابط الشرعية، '' إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ '' طيب كيف تتعامل مع مالك؟ '' وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ '' طيب والدنيا ،هل أتركها يعني! لا أسكن بيت حلو !لا أركب سيارة حلوة! لا أتزوج !ولا أسافر"وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَاۖوَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ"" أحسن بالناس مثل ما الله تعالى أحسن إليك، وجعلك ذكي تجمع الفلوس وعندك لسان حلو تقدر تقنع به عند المفاوضات وتغلبهم وعندك تفكير وعندك قدرة على الإدارة مادام الله أحسن إليك لم يجعلك غبيا مسكينا معاقا، أحسن للناس "وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَۖوَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِۖإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴿٧٧﴾ هل قبل هذه النصيحة ؟ لا ،قال: "قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي" قال الله: '' أوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴿٧٨﴾ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ '' ركب هذا المركب العظيم وخرج أمام الناس مثل ما يفعله بعض الناس أحيانا في ركوبه للسيارات الفارهة الغالية جدا ويخرج إلى الناس كأنه يقول يا ناس انظروا إلي ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ''من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" أو كما قال عليه الصلاة والسلام ، لا يجوز الشخص أن يلبس شيئا أو يفعل شيئا لأجل أن يُشار إليه بذلك، شخص راح واشترى ساعة مثلا بمليون ونصف ريال وفيما بعد وهو جالس و بدأ يقول لك والله هذه أخذتها مرة كنا في باريس ولم يكن صنع منها إلا ثلاثة حبات في العالم كله واحدة اشتراها كذا وواحدة اشتراها ... وأنا لحقت على الثالثة ليست غالية رخيصة مليونين دولار فقط رخيصة، وهو قصده أن يشتهر يعني أن يلبسها شهرة.

عبد العزيز: ما رأيك يا شيخ في من يرمون المال على الناس؟

سماحة الدكتور محمد العريفي : أجل أحيانا أيضا الذين يعبثون بالمال يعني مع الأسف غالبا تقع في أماكن محرمة مراقص وغيره ويبدأ أحيانا يدعي أمام الناس بها .

ناصر: في بعض الطغاة يريد أن يستمتع عنده مجموعة من الناس وهيا يا ناس يريد أن يفرح.

سماحة الدكتور محمد العريفي :أحسنت وهذا أيضا فيه إذلال يعني هو لو كانت نيته إنه يتصدق هناك أسلوب للصدقة، وإذا كانت نيتك إنك تهدي هدية لهم هناك أسلوب معين للهدية ليس إنك ترميها عند قدميك والناس ينبطحون عند قدميك ،وإن كان الفقهاء بالمناسبة تكلموا عن النفار ، النفار في الأعراس ،وقالوا لا بأس به يعني لأنها عادة ،تنقيط لأنه عرس ، كنا ونحن صغار كنت أدخل مع أمي لقسم النساء ويأتي والد العروس قي الغالب ويكون معه مثلا خمسة ألاف ريال ، كم تأتيها من خمسين تقريبا ؟مائة ورقة من فئة الخمسين ريال، فيرمي عشر عشر والصغار والناس يجمعونها، الفقهاء عبروا عنه بالنفار واختلفوا في حكمه وإذا كان هو يتعمد أن يذلهم بهذه الطريقة هذا هو المحرم ، قارون خرج على قومه ،يقول الله تعالى :'' فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ '' الناس ينظرون إليه ، '' قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴿٧٩﴾ '' وقارون هو خرج أصلا حتى هؤلاء المساكين يرونه ، قال الذين أوتوا العلم – الناس الذين عندهم من العلم والإيمان ما يمنعهم من أن تطير قلوبهم مع هذا الشيء. حتى نكون أيضا عندنا عدل ، لا نكون مثاليين جدا، لا تظنون أنتم أيها الإخوة والأخوات أن الدنيا لا نلتفت إليها ، لا والله يا أخي ، أنا أرغب أن تكون عندي أحسن سيارة ،ويكون عندي أحسن بيت، وأتزوج أحسن امرأة، ويكون عندي أحسن منصب، هذا أمر موجود في الإسلام ولا بأس به أن الشخص يفعله، هذا النبي عليه الصلاة والسلام كان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان يلبس حلة جميلة، والله تعالى يقول :'' قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ"

عبد العزيز: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴿١١﴾

سماحة الدكتور محمد العريفي : نعم :'' "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴿١١﴾'' فكون الإنسان يستمتع بالأشياء هذا ليس محرم لكن الذي نعنيه أن لا تصبح نفس الإنسان ضعيفة كلما رأى أحدا مفضلا عليه بشيء من ذلك يبدأ يقول يا أخي يا ليت عندي مثل هذه السيارة، يا الله انظر كيف تمشي يا الله، جميل وبعد ذلك يرى معك جوال وبعدها يقول من أين هذا الجوال؟تقول له اشتريته مثلا بـ 4000......... قال يوه يا أخي يا ليت عندي مثله ،طيب ما أنت عندك جوال ب 1000 ريال وما شي وضعك أو مثلا أنت تقول والله بماذا تشتغل؟ قال اشتغل ... وكم راتبك؟قال والله راتبي 10000 ريال، ويقول في نفسه: يا أخي أنا راتبي 6000 يا ليتني مثله، في ناس راتبها ألف ريال أنت أحسن منه وكلما مثل ما قال الله تعالى : وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِۚوَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴿١٣١'' فالشخص أيضا مطالب ، صحيح إننا نحب المال و نحب الفلوس، فنحن جالسون نتعب، نحن نداوم بالجامعة وندرس الطلاب وتمسكنا زحمة الطريق الدائري كله من أجل أخذ راتب وإن شاء الله ننفع الناس أيضا لكن الأول نقبض راتب الوظيفة لو لم يكن الراتب أوقفت الوظيفة.

ناصر: هناك مثل يقول : لا ترفع رأسك تنكسر رقبتك.

سماحة الدكتور محمد العريفي : تكسر رقبتك صحيح ، لكن التعامل مع المال ينبغي أن يكون بالمنهج الشرعي هؤلاء القوم قالوا : '' يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ '' وكأنهم يقولون لو كان عندنا مثلك كنا فعلنا مثلك نعمل أبهة ونبهر الناس، "قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴿٧٩﴾وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴿٨٠﴾

ما حدث لقارون؟؟ استمر على بغيه وعلى فجوره لا يخرج زكاة من ماله ولا يتصدق على أحد ولا يحسن إلى أحد بل كل مرة يحاول أن يزداد بغيا وعدوانا بهذا المال.سبحان الله بعض الناس دراهمه كل درهم يقول للثاني أقبل علي ،أقبل علي فلا يكفيه أحيانا أنه يملك مائة مليون ومائتان وثلاثمائة...لا، يبدأ يجمع الأكثر من ذلك وربما ظلم الناس في هذا ، مثل ما ذكرنا سابقا لما تكلمنا بعض الأشخاص لما يكونوا بمسؤوليات معينة ويبدأ أحيانا يحتال على بعض الناس ليأكل أموالهم.

أعطيك مثالا صريح أحيانا يأتي بعض الناس إلى شخص معين ربما يكون مسئولا في أي جهة من الجهات، جهة تعليمية جهة صحية جهة اجتماعية أي جهة من الجهات التي يحتاج الناس فيها إلى تخليص معاملاتهم فيأتي إليه بعض الناس لأجل أن يعدل شيء في وظيفة أو ينقل من بلد إلى بلد أو ينقل زوجته ،تكون مثلا موظفة في الصحة أو في التعليم في الشؤون الاجتماعية في أي مجال إلى مجال أخر فبدل ما يحسن إليه إحسان كبير وهذا المسئول الكبير يملك ملايين كثيرة وهذا المسكين الفقير ربما ليس عنده إلا راتبه يبدأ يقول له انظر أنا سوف اخلص موضوعك لكن أول 3 رواتب تستلمها زوجتك أو أنت بعد النقل تدخلها بحسابي ، هل أنت مضطر إلى زيادة 15 ألف في حسابك من هذا الفقير المسكين الذي ربما هذه 5000 التي يستلمها كل الشهر يعيش بها وينفق بها على أولاده ويسدد بها أقساط السيارة بالتقسيط التي اشتراها هل أنت إلى هذه الدرجة لكن فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ'' ، بل أحيانا بعض الناس يأتي يتقدم إلى بعض المسئولين لأجل أن بعض الناس الذين هم تجار أو أمراء لأجل أن يسدد عليه دينه فيأمر أن يُعطى مثلا 10000 ريال لتسديد الدين فإذا جاء ليستلم المائة ألف فإذا هي فقط 50 ألف فيقول يا جماعة أين ذهبت 50 ألف الأخرى أين ذهبت؟! فيقال تنظر تريد هذه الخمسين أو والله ما نسلمك المال إلا بعد سنتين نبدأ نقول الحساب خطأ توقيع غير مطابق نبدأ يعني نبحث لك عن أي سبب لنؤخرك، خذ هذه الخمسين والخمسين الأخرى قُسمت بيننا، هل أنتم مضطرون إليها لا ليس مثل اضطرار هذا المسكين.

هذا الذي حدث مع قارون فطغى عليهم وناس يتمنون يكونون مثله ، يقول الله تعالى عن نهاية قارون ، يقول الله جل وعلا : '' فَخَسَفْنَا بِهِ '' – به فقط ، لا '' وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ '' داره فيها أمواله وخدمه و فيها حاشيته و فيها خدمه وفيها أرائكه فيها كل الأشياء التي كان أصلا هو يستكبر بها على الناس، الخيول التي كان يستكبر بها على الناس إذا ركبها خُسف بها معه ، الحلل التي كان يلبسها خُسف بها معه ،التيجان والحلي التي كان يتزين بها خُسف بها معه، الخدم والحشم الذين كانوا يعظمونه ويمجدونه خُسف بهم معه، لذلك الله تعالى لم يخسف به لوحده لا،يقول الله تعالى : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ '' - هل وجد شخص ينصره؟- '' فمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ﴿٨١﴾ لا هو استطاع أن ينتصر بنفسه ولم يجد فئة تنصره '' وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ '' الناس الذين كانوا يقولون يا ليت لنا ما أوتي قارون، انظر الأموال انظر العز انظر .. ، وأصبح الذين كانوا يتمنون مكانه بالأمس يقولون "وي'' وي هي كلمة تقال عند الاندهاش والمفاجئة مثل ما نقول نحن يوه مثلا فهم قالوا "وَيْكَأَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُۖلَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا '' الآن عرفوا أن الله حق يعني في السابق كانوا يقولون يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون والآن يقولون اللهم لك الحمد إنك لم تعطنا المال مثله وإلا كان خسف بنا "وَيْكَأَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُۖلَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَاۖوَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴿٨٢﴾ '' ثم ذكر الله تعالى قاعدة فقال جل وعلا '' تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا ''– لمن ؟ليس نجعلها للمؤمنين أو الفاسقين، لا ، "نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚوَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ"

قول الله تعالى هنا للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا بمعنى أن الدار الآخرة ممكن تكون للناس الذين كانت لهم الدار الدنيا أيضا، يعني أنا ممكن تكون لي الدار الدنيا والدار الآخرة كذلك بنفس الوقت ، فيكون عندي بدار الدنيا مراكب حسنة ،وبيوت حسنة، وجاه وأولاد ،وعز وشرف، ومنظر حسن، واستمتعت بالدنيا وسافرت وإذا ذهبت مكة ألا والله عندي بيت، إذا هبت أبها ألا عندي بيت وإذا ذهبت الخارج إلا عندي قصر هنا وقصر هنالك، هذا ليس حرام أن الشخص يتوسع في دنياه هذا ليس حرام لكن أهم شيء أن تجعل هذه ليس فيها ظلم لأحد وليس فيها طغيان على أحد أو أكل أموال الناس بالباطل فيمكن أن يجمع كما قال :

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ***

وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل ***

يعني إذا اجتمعت الدنيا والآخرة وصار الشخص يستمتع في دنياه وأيضا استمتع في أخرته،هذا الذي يحبه الله تعالى ليس هناك أحلى منها لذلك قال الله تعالى هنا : '' تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا '' لمن يا رب؟ لم يقل نجعلها للفقراء والمساكين الآخرة ليست فقط للفقراء ولم يقل نجعلها للذين لم يستمتعوا في الدنيا نعوضهم بالآخرة، لا ، إنما نجعلها لمن حملوا صفتين '' لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ " على الآخرين ، والشيء الثاني '' وَلَا فَسَادًا '' وبعض الناس مع الأسف إذا أعطي من الأموال بدأ يفسد يعني فعلا تسمع أحيانا والله إنه يقيم حفلة وجامع 20 مطرب وكل مطرب أعطاه على الليلة مثلا مليون دولار ، ماذا أنت تستفيد؟!! فقط عزا وافتخارا فقط هذا الذي عنده الذي يفعلها، أو تجده ربما أحيانا ينشئ ما ينشئ من أمور الفساد أو ربما أحيانا إنشاء القنوات الفاسدة وهو غني عن الأموال التي تأتي منها وهو مجرد إفساد في الأرض.

أحمد : لو فرضنا إنه مثلا عندي أموال قارون، الله يرزقنا ويرزقك ، ولكن الفرق بيني وبين قارون إني معترف أن هذا فضل من رب العالمين وهذا رزق أعطاني إياه من حيث لا احتسب ،هل هذا جائز في هذه الحالة؟

سماحة الدكتور محمد العريفي : هو ليس عندك مشكلة في هذا بل نحن مطالبون ، النبي يقول: '' نعم المال الصالح للرجل الصالح'' ويقول عليه الصلاة والسلام:'' المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير'' والله تعالى يقول : " فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ'' جمع المال ليس فيه مشكلة ، بالعكس أنا ارغب أن يكون عندي ملايين ما المشكلة لأجل إنك إذا دخلت مسجد ثم ترى المسجد الفرش غير نظيف ومقطع لا تذهب وتتصل على التاجر فلان تقول هناك مسجد يكلف مائة ألف ريال كم تدفع منها قال عشرة ألاف تقول اجعلها 15 ألف أرجوك وبدل يا أخي ما أذل نفسي عند كل واحد ارجع واصرف من حسابي ، اصرف من زكاتي في إطعام فقراء رأيتهم في .. ، يا أخي أنا قبل أيام كنت في تنزانيا كان عندنا بعض اللقاءات والله يا أخي تمر أحيانا ببعض المساجد، مررنا بمسجد فإذا المسجد الفرش فيه فقط نصف المسجد ونصف المسجد ليس فيه بلاط بالاسمنت أو دهان ، هذا المسجد يحتاج ربما إلى خمسين ألف أو ستين ألف ، هذه من سيتكلف بها؟ لو كان عندي مثل الأموال التي عند بعض التجار الذين يدفعون الخمسين ألف والمائة ألف والمليون وهو لا يدري عنها لقلت والله يا شباب الحمد لله نعطيكم من غير حساب لكن تحتاج أحيانا أن ترجع وتكلم هذا التاجر وتكلم هذا التاجر ، فوجود المال عندك بالعكس إلا هذا أمر حسن إنما القضية كيف أتعامل مع هذا المال مع وجوده ،لذلك قال الله تعالى هنا : '' تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًاۚ '' ثم قال '' وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ '' السعادة في الأخير والأنس والفرح والبعد عن العذاب يكون في الأخير للمتقين وليس لغيرهم .

اسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يهتدون بهديه، ترى الوقوف على مثل هذه العبر كما قال الله تعالى:

'' فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ '' ، ويقول الله جل وعلا:

'' لقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِۗمَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ '' رب العالمين ما افترى هذه القصص وهي لم تقع بل إنها وقعت وحصلت لكنها مطالبون أن ننظر للعبرة التي تأتي منها ، اسأل الله أن يجعلنا ممن يعتبرون ،اسأل الله أن ينفعنا بما قلنا وسمعنا وأن يجعلنا ممن يعتبرون فعلا من الكتاب والسنة ويقفون عند عجائبه ويؤمنون بمتشابهه ويعملون بمحكمه واسأل الله جل وعلا أن يزيدنا وإياكم مالا صالحا آمين يا رب العالمين وإلى لقاء آخر إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .