الحقوق محفوظة لأصحابها

حنان القطان
الحمد لله حمد الشاكرين الذاكرين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الحياة، وأن بلغنا هذا الشهر العظيم إلى هذا اليوم الكريم، ونسأله كما بلغنا، وكما أحيانا أن يعيننا على استثمار اللحظة، والدقيقة، وأن يرزقنا حسن العمل في كل لحظة تمر علينا؛ لنستزيد لهذه الجنة، ونستزيد للأنس بقرب الله -سبحانه وتعالى- ومرضاته فما نحن في هذه الدنيا إلا أيام فكلما ينتهي منا يوم ينتهي بعض منا.. كما قال علي بن أبي طالب:

يا ربي إن عظمت ذنوبي كثرة

فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن

فمن الذي يدعوا ويرجوا المجرم

أدعوك ربي كم أمرت تضرعا

فإذا ردت يدي فمن ذا يرحم

ما لي إليك وسيلة إلا الرجاء

وجميل عفوك ثم أني مسلم

نسأل الله، ونتضرع إليه أن يعيننا على استثمار أوقاتنا، وتراويحنا معكم صحيح أنها قليلة في الوقت إلا أنها لها مغزى، ومعنى بأن نقدس هذا الوقت، وأن نستثمر كل دقيقة، وكل لحظة من حياتنا.

فنحن لا نملك شيء من غير هذا الوقت كما قال العلماء أن هناك ثلاث دوائر للسعادة..

دائرة الصحة، والفراغ، والمال.

والإنسان في بداية حياته يكدح، ولديه الفراغ، والصحة، ولكن لا يملك المال؛ ليسعد، وتظل معركة السعادة، والبحث عن السعادة.. فيصل الإنسان إلى مرحلة أنه يجد المال، ويجد كذلك الصحة، ولكن لا يجد الفراغ؛ لأنه انغمس في العمل؛ لأنه في المرحلة الأخيرة عندما ملك المال ثم بعد ذلك ترك العمل، واستقر ووجد الفراغ ذهبت الصحة، ويرجعه الله إلى أرذل العمر، وهذه هي سنة الحياة.

إذن السعيد الحقيق من استطاع أن يمسك الثلاث دوائر في آن واحد.. فيكون يستثمر ماله في الحلال، ويستثمر وقته، واللحظة والثانية، وكذلك يستثمر صحته، ويعبي بهذه الأمانة التي أنعم الله -سبحانه وتعالى- بها علينا بعد ذلك نصل إلى الاستثمار الحقيقي وهو استثمار الوقت، والعمر لكي لا نعاني من آثار ضياع الوقت، ومن آثار ضياع الوقت اللي إحنا أتينا اليوم في تراويح لننبه عنها.. كيف نستثمر اللحظة، والثانية المضيع لها يأتي يوم القيامة يتحسر على اللحظة حتى أن أهل القبور لو تمنوا شيء لتمنوا أن يرجعهم الله إلى أعمارهم فيعملون الأعمال الطيبة، ويذكرون الله -سبحانه وتعالى-

يقول الله -تبارك وتعالى- { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } إضافة إلى ذلك القلق، والإضراب في الحياة شيء طبيعي من أثار الفوضى.. فوضى الوقت، وعدم تنظيم الحياة، وكثرة الانشغالات تؤدي إلى القلق، والاضطراب النفسي.. نحن في هذا الشهر العظيم فرصة أن ننظم أوقاتنا خاصة أن في هناك وقت للسحور، ووقت للتراويح، ووقت للفطور.. فهذا كذلك يعطينا تدريب واضح، وعملي أكثر؛ لكي نستثمر اللحظة، والثانية خليكم معنا فتياتنا الحبيبات بعد الفاصل، ومشاهدي الكرام حتى نرى كيف نستثمر اللحظة، والدقيقة .

فاصل.

*************************************************

مشاهدي الكرام فتياتنا، وحبيباتي الأمهات، وأخواتي كذلك الفتيات.. أثمن ما نملك هو الوقت..

دقات قلب المرء قائلة له

إن الحياة دقائق وثواني الثانية

اللي ذهبت الآن لا أستطيع أن أرجعها مرة أخرى، وعلشان أستثمر كل لحظة من عمري عليّ أن أفقه، وأفهم كيف أدير الدقيقة، ولا أبرر تفويتي للكثير من الطاعات، والكثير من الإنجازات.. أن لا يوجد وقت.. بل الوقت هو الوقت اللي عندي لديك، ولديك أخي المشاهد.. إنما كيفية إدارة هذا الوقت فنجد هناك أمهات مثلا يبررون أن كثرة انشغالها مع الأبناء، ولكن تجدها لا تنجز مع الأبناء شيء، ولكنا توفر لهم الرعاية، والكل يستطيع أن يوفر الرعاية حتى وإن كان عن بعد.. لكن الاستثمار الحقيقي في التربية، وفي الغرس كيف أستطيع أن أستثمر اللحظة فأكن أم الدقيقة الواحدة، وأكن كذلك، وتكن أنت أبو الدقيقة الواحدة، وكذلك كان أبي الله يطول في عمره، ويمتعنا ببقائه كنا نسمه أبو الدقيقة الواحدة.. كان يستثمر لحظات السيارة.

فعندما كان يرسلنا بالسيارة للمدرسة أو يأخذنا كانت سيارته مدرسة متنقلة.. فما كنا نجلس صامتين.. بل في السيارة نراجع أحفاظنا، ونلعب السمر، والمسابقات فنتذكر المعلومات، وكذلك ندعو الدعاء الجماعي، وفي يوم الجمعة نراجع سورة الكهف، وكذلك نسمع منه القصص العجيبة التي ننهل منها العبر.

فكانت الدقيقة تستثمر حقيقة حتى بنت في أنفسنا دروس، ومواقف مستحيل أن ننساها إلى هذا الزمان، ونحن أحوج إلى أن نحول سياراتنا كلنا إلى مدارس متنقلة لأبنائنا خاصة في هذا الزمن اللي كثرت في الانشغالات، وأصبحت الانشغالات أكثر من الأوقات، والمشكلة أننا سنحاسب على هذا الوقت.. فعلنا أن نديره، ونحسن إدارته.

الكثير من الأعمال يستطيع إنجازها من هو أفضل مني، وتمشي الأمور.. يعني ليس بالضروري أن أنجز كل شيء.. بل كل ما أفوض.. بل حتى لو كان من أبنائي أنا أعطي فرصة طيبة حتى هم يتعلمون، وكذلك أوفر نفسي وقت حتى أنجز أعمال أكثر أهمية، وأكثر فائدة.

يقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.

إذن لا بد أن يكون هناك ميزان لنا، وأن نسأله أنفسنا في كل عمل نعمل فيه أو نريد نقدم على العمل به ما مصلحتي من هذا العمل؟ حتى وإن كان أنا أقصد بالمصلحة ليس المادية، ولو حتى إن كان الأجر أو الخير مصلحة طيبة إذا هناك مصلحة، وخير أقدم عليه.

كذلك أسأل نفسي سؤال آخر تجاه هذا العمل.. ما هي ضرورة هذا العمل؟

كثير من الأعمال نعملها؛ لأننا نحب أن نعلمها، وتكون هي من الكماليات، وخاصة الفتاة أو المرأة؛ لأن العاطفة تحركها من الدرجة الأولى.. فتحب مثلا التسوق.. تحب عمل الخير.. تحب العلاقات الاجتماعية، وفي هذا تضيع على نفسها أعمال ضرورية، وتقدم عليها الأعمال الكمالية.

فنسأل أنفسنا ما أهمية هذا العمل؟ ثم بعد ذلك نضعه في ميزان فقه الأولويات.. فهناك أولويات في أعمالنا طاعة الولدين، والمشي في حاجتهم أولى من صلاة النافلة.. مثلا تلمس حاجات الأبناء.. السعي في الكسب الحلال أهم بكثير من بعض الأمور اللي أنا قد أعتقد أنها أمور مهمة أو ضرورية.

فعلي أن أسأل نفسي كثيراً ما أسأل نفسي أبدأ أتعود على انتقاء الأوقات، وانتقاء الأعمال؛ لأن الأوقات مشغولة بالأعمال حتى، وإن كانت هذه الأعمال نوم.. لو نفترض أنها نوم كثير من الأوقات تضيع في النوم، وتضيع في الخلاء أعزكم الله، وفي السيارة فخفونا حتى نستثمر هذه الأوقات الضائعة في الأعمال الطيبة اللي تعود علينا بالنفع، والفائدة إذا وفرت كل يوم ثلاثين دقيقة فأنا أضفت للسنة ستة وعشرين يوم.. يعني تقريبا شهر، وإذا كذلك وفتر ربع ساعة في كل يوم كذلك وفتر تقريبا ما يعادل 13 يوم.

هناك أوقات ضائعة لو أن أنا أكتبها، وأدونها الساعة كذا أعمل كذا، ومن الساعة الخامسة إلى كذا أتعود أفعل كذا.. فأرى أمامي كيف أضع البرامج اليومية، وحتى الأمور العادية اللي اعتاد عليها.. أراها أمامي في أجنده أو في مذكرة صدقوني راح أتعود على كثير ما أعمل، وأدرب حتى أبنائي أو المتربي على هذه الكيفية. صدقوني راح يشوفون إش كثير يكون الإنجاز، وكيف تكون هذه البركة في التخطيط الناجح، وقد قيل أنه من فشل في التخطيط فقد فشل بالأخير في العمل نفسه.

فالتخطيط الفاشل يؤدي إلى عمل فاشل، والتخطيط الناجح يؤدي إلى عمل ناجح وجيد..

إذن علينا أن نضف إلى أيامنا أوقات ضائعة المواصلات.. وقت الانتظار، وخاصة الآن في رمضان من أول أولوياتي أن أكون قارئة جيدة للقرآن.. فأسال نفسي اليوم هذا الشهر ما هو هدفي هذه السنة لرمضان؟ من الآن أدون هدفي في هذا الشهر المبارك.. أن أختم مرة واحدة، وأن أقرأ قارئة تدبر.. أن أحفظ جزء كامل، وأتقن حفظه، وأن أقرأ تفسير، ولو كان جزء كاملا.. ثم بعد ذلك أحط رقم اثنين مثلا أتصدق بكذا.. أصل أرحامي.. بعد ذلك لما أضع الأهداف أبدي كذلك أعين أبنائي على وضع أهدافهم الخاصة فيهم.

طبعا كل على قدر استطاعته في الطاعة.. فبعد ما أضع هذه الأهداف، ولا بد أن أراعي أن هذه الأهداف تكون متزنة.. فأضع أهداف لحاجاتي النفسية، وأهداف لحاجاتي الترويحية، وأهداف لحاجاتي الجسدية الصحية، وأهداف لحاجاتي الروحانية الإيمانية.. ثم بعد ذلك أقسم هذه الحاجات على عدد أيام الأسبوع المدونة.. فأكسب الوقت الكثير.

كانت السيدة عائشة (رضي الله عنها) تحرص بعد صلاة الفجر أن تسبح الله، وتذكره حتى تشرق الشمس، وفي أحد المرات مر النبي -عليه الصلاة والسلام- فوجدها كما هي جالسة تسبح الله.. فقال لها: فيما معنى حديثه "ألا أعلمك كلمات تغنيك عن كل هذا الوقت، وتعطيك الأجر.. بل أضعاف هذا الأجر اللي أخذته في هذا التسبيح، وذكر الله؟ قالت: نعم.. قال: قولي سبحانك اللهم وبحمدك عدد خلقك، ورضاء نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك"

إذن النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يوصل لنا رسالة حتى في الدعاء.. هناك من الأدعية ما تستثمر لنا وقتنا، وبنفس الوقت تستثمر أجرنا، وموازينا عند الله -سبحانه وتعالى- إذا نعلنها من الآن لا للنوم الطويل الزائد عن الحاجة.. لا للنوم عن الصلوات.. لا لجعل الليل نهار، والنهار ليل.. كذلك لا للإسراف في الطعام؛ لأن الإسراف يضيع الأوقات.

فالذي يسرف يخمل، ويكسل.. فبالتالي تضيع هذه الأوقات.. ثم بعد ذلك هناك أوقات عظيمة الماسية، وهي الثلث الأخير من الليل..

علينا في هذه الأوقات أن نستثمر اللحظة، والدقيقة فيها الله -سبحانه وتعالى- يقول في هذا الوقت المبارك: "هل من داعي فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له" ويقول: { وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } حتى وأنا نائمة تحت المخدة ممكن أحط مسبحة تحت المخدة.. ممكن أتفكر، وأتفنن، وأترك لكم العنان بعد ذلك.. أنتم مشاهدي الكرام، وفتياتنا الحبيبات أن كيف تفكرون تفكير مبدع في استثمار هذا الوقت اللي هو أمانة، وبالفعل هو حياتكم من الأفكار أن تستخدمون مسبحة.. تستخدمون وسائل تذكير (التلفون) تحطون تذكير معين لأهمية الوقت.. تضعون شعار معين تقرءونه في أماكن دخولكم الغرفة أو في السيارة حتى يذكركم باستغلال هذا الوقت العظيم.

التخطيط السليم + تنفيذ سليم للخطة الموضوعة إن شاء الله في هذا الشهر المبارك ثم تصرف إيجابي اتجاه مضيعات الوقت اللي أنا نعرفها تؤدي إلى إدارة ناجحة، وفعالة للوقت.

كان ابن القيم يقول في نفسه: ما أشبع من مطالعة الكتب ولو أني رأيت كتاب لم أقرأه فكأني وقعت على كنز، وكان كذلك عبد الرحمن بن تيمية يحكي عن جده العلامة ابن تيمية أنه كان يستغل حتى دخوله إلى الخلاء فيأمر حفيده أن يقرأ له كتاب بصوت عالي فيستفيد من لحظات وجوده في الخلاء.

نأتي إلى نهاية تراويحنا اليوم، ونري كيف الأيام بدأت تتناقص.. ثم نخرج يوم عظيم، وكنز من أيام رمضان المبارك نودعه بلا عودة، ولكن تبقى لنا هذه الأيام القليلة، وتأتي بعدها الأيام العشر الليالي العظيمة من رمضان.

نسأل الله أن يعيننا على باقي الأيام، وأن يبارك لنا، ويبلغنا العشر، ويبلغنا به ليلة القدر.. ثم بعد ذلك لا أملك إلا أن أضع هذه الأيام العظيمة أمانة عندكم.

إلى أن نراكم في تراويح مرة أخرى بإذن الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المصدر: http://alresalah.ws/programs2/index.jsp?inc=36&id=1419&lang=ar&cat=72&type=1