الحقوق محفوظة لأصحابها

عمرو خالد
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. اختيار اسم الليلة له علاقة بالتوقيت وهذه الحلقة تُعرض في بداية العشر الأواخر من رمضان فلا نستطيع ألا نتكلم عن ليلة القدر وكيفية الاستعداد لليلة القدر. وبعد البحث وجدت أقرب اسم من أسماء الله الحسنى وله علاقة بليلة القدر، وحديثنا ينقسم إلى جزئين: الأول عن اسم اليوم، والثاني عن ليلة القدر كي نشعر بقيمتها وأن يملأ الشعور بها كيانك وقلبك وندعو الله أن يرزقنا الإخلاص. في البداية هناك حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا)، النبي صلى الله عليه وسلم يعلم طبيعة النفس البشرية التي خلقها الله تحب الهدية، عندما تحب شخص أعطى له هدية، مثال: عندما أعطيك مرتب شهري تعتاد عليه ولكن عندما أعطيك هدية تحبني حب غير عادي. كل هذا له علاقة باسم اليوم اسم الله الوهاب، يقول الله تبارك وتعالى: "أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ" (صّ:9). وحلقة اليوم تتكون من: ما معنى اسم الله الوهاب؟ ما علاقة هذا الاسم بليلة القدر؟



ما معني اسم الله الوهاب؟

هذا الاسم دليل جديد على محبة الله لك، بخلاف أسماء الله الودود الغفور الرحيم، فالله يخبرك أنه يحبك ويدلل على ذلك في أسمائه الحسنى. مثال: دائماً في المدرسة والأباء والأمهات وفي القصص يقولون يجب أن تحب الله ولكن هل تعلمت كيف يحبك الله؟ يجب أن تعلم ذلك لأن الله تبارك وتعالى هو الذي بدأ وقال: "..يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..." (المائدة:54) لقد ذكرنا هذا في اسم الله الودود لكن اليوم نذكره من زاوية أخرى حتى لا يكون بداخلك ذرة شك كم يحبك ربك سبحانه وتعالى وهو الملك العظيم مالك الملك وأنت المخلوق الضعيف لكنك غالى على الله فاعرف قدرك وكيف يحبك مولاك. مثال: عبد بين عبيد كثيرين عند ملك، والملك يحب هذا العبد، والعبيد-المخلوقات الأخرى- تحسد هذا العبد وهذا العبد لا يشعر بذلك. فلقد تمنت الملائكة هذه المكانة قائلة: "..أَتَجْعَلُ فِيهَا.." "..وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَك.."(البقرة: من الآية30)، فلقد تمنت الملائكة وإبليس هذه المكانة، فإذا عرفنا كيف يحبنا الله ستحلو لنا طاعته (إذا عرف الآمر سهلت الأوامر). إذن ما معنى الهبة؟ في الفقه والشريعة والقانون: عطاء بلا مقابل هو تمليك الشيء بلا ثمن، بلا عوض، بلا مقابل، بلا تعويض، بلا شئ قدمته من قبل فتؤجر عليه يقصد به الهدية. مثال: إذا أعطى لك شخص ساعة وقال وهبتها لك الهبة ولكن ثمنها 200 جنيه إذن هذه ليست هبة ولكن عقد بيع. مثال أخر: إذا عملت عند شخص لمدة 30 يوم وقال سأهبك 1000 جنيه هذا عقد عمل وليس هبة، فالهبة خذ بلا مقابل.

فالوهاب الذي يهدي عباده الهدايا الغالية النادرة بلا مقابل بلا شرط بلا عوض بلا شئ قدموه من قبل سوى صفاتهم الجميلة، فالهدية هبة من الوهاب وهو يهديك حباً ووداً. مثال: شاب يجلس في حجرته ووالده يدخل عليه ويهديه مفتاح سيارة جديدة، فهذه لها فرحة أخرى غير المصروف الذي اعتاد أن يأخذه من أبيه ولله المثل الأعلى.



ما الفرق بين الواهب والوهاب وإنك أنت الوهاب؟

· الواهب: يعطى هدية واحدة.

· الوهاب: يعطى هدايا غالية متعددة الأشكال والأنواع.

· إنك أنت الوهاب: إذا كانت الهدايا عظيمة لا تُقدر ولا أحد غير الله يستطيع أن يعطيها."..إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.."(صّ: من الآية35).



لا يمكن لأحد من البشر أن يكون وهابا، لكن يمكن أن يكون واهب فالهبة تعطى مرة واحدة أو مرتين، لكن تعدد أشكال وأنواع الهدايا لا أحد من البشر يستطيع أن يكون وهاباً، وفي الحقيقة لا أحد من البشر يملك شئ، قال تعالى:"آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ .."(الحديد: من الآية7). فلا يوجد وهاب غير الله، وكل هذا من توفيق الوهاب لأنه جعل أحد من البشر يهبك، فإذا أحد من البشر وهبك من الجائز أن يضرك مثل أب يعطى ابنه سيارة فتتسبب في حادث يموت فيه، لكن الوهاب يهديك لمصلحتك ومنفعتك وبما يهديك ويقومك.



يقدم البشر الهدايا في المناسبات منتظراً كيف ترد، أما الله تبارك وتعالى غني فإنه يعطي لأنه يحبك (الوهاب الذي يهب عباده ويعطيهم بلا مقابل حباً ووداً)، فهيا نتذكر سوياً أخر هدية أهداها الله لك "أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ"(صّ:9). ويقول تبارك وتعالى: يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد - قلب محمد صلى الله عليه وسلم- ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا.





ما الفرق بين الوهاب والرزاق؟



1. من الممكن أن أصرف عليك راتب شهري هذا رزق، أما إذا وجدت هدية على مكتبك من رئيس مجلس الإدارة مثلاً غير المرتب الشهري هذه هدية ولها طعم أحلى.

2. الرزاق.. ما جرى عليك من رزق يترتب على سعى "..فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ .." (الملك: من الآية15)، أما الوهاب.. بلا سعى لم تفعل شئ كي تستحقها (اصطفاء) "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار.."(القصص: من الآية68).

3. الرزاق.. السعي قبل الرزق، أما الوهاب.. السعي بعد الرزق.

4. الرزاق.. أنت تعتاد على الرزق من شمس وقمر وماء وهواء ونور ومرتب شهري ومصروفات أولادك، أما الوهاب.. أنت في انتظار مفاجأة جميلة (الهدية).

5. الرزاق.. أنت تعتاد على الرزق فتنسى الرزاق لأن طبيعة النفس البشرية تعتاد على الأرزاق فلا تشكر عليها، أما الوهاب.. لأن الله يريد أن يحببك ويقربك فيريك نوع أخر من الرزق على شكل هدية ليظل الحب دائم في القلب.



ليس العجب من عبد يتودد إلى مولاه لكن العجب كل العجب من ملك يتودد إلى عبيده، فيجب أن تتذكر هداياه باستمرار وإلا هذا يعتبر بلادة شعور. هناك كلمة شهيرة لأحد العلماء: ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب لأنه اختيار واصطفاء وهناك العديد من أمثلة الهدايا في حياتنا:

1. عمرة لم تكن ترتب لها.

2. حجة كنت تتوق لها وظننت أنها لن تأتى أبداً ثم أتت لك التأشيرة وجواز السفر.

3. الأولاد هبة، دائماً كلمة الأولاد مرتبطة بالهبة ".. وَهَبْنَا.."(مريم: من الآية49).

4. زوجتك هبة.

5. شريط واحد صاحبك أعطاه لك وكان ذلك الشريط سبب هدايتك، هذا الشريط هبة.

6. فسحة جميلة لك ولزوجتك ولأولادك كنت لا تستطيع أن تقوم بها لأنها غالية، هذه الفسحة هبة.

7. صاحب تعرفت عليه كان سبب هدايتك واستكمال طريقك، عملتم ونجحتم معاً وعبدتم الله سوياً هذا الصاحب هبة. "وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً" (مريم:53).

8. صليت وفجأة أثناء صلاتك قذف في قلبك الخشوع وبكيت ودعيت وتأثرت.

9. كنت تحتاج مبلغ من المال وكان من الصعب الحصول عليه من الرزق العادي وفجأة وبدون مقدمات وجدته عندك.



هكذا نتعرف على اسم الله الوهاب عن طريق حدوث كل الحاجات غير العادية، غير التقليدية، غير المتوقعة. فلقد وهبنا الكثير هل نذكر تلك الأشياء؟ استرجع شريط حياتك.



ما هي الموهبة؟ هل تذكر موهبتك التي أعطاها لك؟ فهناك من يرسم، من يكتب الشعر، من هو متميز في الحسابات، من يتقن الكلام، من وهب له ابتسامة يجذب بها القلوب. هذه هبة وهي سميت موهبة مستخرجة من كلمة هبة لأنها تُولد معك وتموت بها، فكل الهبات الأخرى لم تسمى موهبة لأنها تذهب وتأتي، لكن الموهبة مخلوقة في الجينات. خسارة كبيرة إن لم تستغلوا موهبتكم فسوف نُسأل عنها يوم القيامة نحن وآبائنا ومن لم يكتشف تلك المواهب.



الهبات تولد الحب والعاطفة والفرحة وأحلى من الهبة ذاتها من الذي وهبها؟ فتنشغل بالواهب عن الهبة. مثال: مدير القطاع أعطاك هدية أو رئيس مجلس الإدارة، أو ابنك الصغير أتاك وهو يمسح عليك بيده وقبل يدك وقال مبتسماًً أحبك يا بابا، أو زواج يُسر عن طريق شقة وجدت، إنه الوهاب.



ما الغرض من الهدايا في الدنيا؟

1. (يحبك) بغرض الحب لأن صفاتك جميلة تستحق أن أقترب منك.

2. إما (يقربك) إنك شخص بعيد عني وأنا أحبك وأحتاج أن تقترب منى ولذا أشد انتباهك بالهدية.



إذا لم تتذكر الهدية هذه مشكلة...لماذا؟

1. قد تكون شخص لا تستحق الحب.

2. أو أنك لا تلاحظ الهدايا فأصبح لا يعطيك حيث أنك لا تستحق.

مثال: شخص أعطاك ساعة هدية، ولم ترتديها، ثم وجدك ترتدى ساعة شخص أخر!

الله سبحانه وتعالى يُرسل إليك الهدايا كموهبتك فهناك من صوته جميل، ومن يرسم، ومن يكتب شعر، ومن يؤلف القلوب كل هذه المواهب وأنت تدفنها أو لا تشكره؟ مثال: إذا اضافك أحد على العشاء فإنك تحاول جاهداً أن تردها له ولله المثل الأعلى.





أنواع الهدايا:

1. الأولاد: "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.."(الأنعام: من الآية84). "...فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً..."(مريم: من الآية5). "قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً" (مريم:19). "وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ.."(صّ: من الآية30). وعن الذكور والإناث "....يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ"(الشورى: من الآية49). "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيل..." (إبراهيم: من الآية39).



عند إنجاب الأولاد نبارك بهذا الدعاء: (بورك في الموهوب وشكرت الواهب ورزقت بره-بره هبة- وبلغ أشده). وكل البشر هبة فهم إما لديهم أبناء، أو كانوا هم أبناء في الماضي. فأنت هبة لوالدك وابنك هبة لك، وعليه فأنت وأبيك وابنك هبة. الذين أنجبوا بصعوبة هم أكثر من يشعر بقيمة كلمة الهبة في الأولاد. أيضا ربط بين أن يكون الابن مهتدي وبين الهبة "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا..."(الأنعام: من الآية84).

2. الزوجة: قال سيدنا على: أهديت إلىّ ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم –السيدة فاطمة- فما كان فراشنا ليلة أهديت إلىّ إلا وسادة حشوها ليف وجلد كبش. ونلاحظ أنه لم ينسى الهبة رغم ضعف المعيشة، والشيطان دائماً ينسيك جمال الهبة بطريقتين: الأولى: يعدد عليك المصائب، والثانية: أن يزين لك شئ غير الهبة التي أعطاك الله، مثل شخص أعطاه الله زوجة صالحة وينظر إلى من هي أقل منها.

3. الصديق الصالح: "وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً" (مريم:53).

4. موهبتك.

5. الرسول صلى الله عليه وسلم. “لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ..."(آل عمران: من الآية164).

6. الجنة.

7. ليلة القدر حيث إنها هبة مخصوصة.



والآن سوف نتحدث عن ليلة القدر تلك الهدية العظيمة التي يختار الله لها، الله تبارك وتعالى يختار ويصطفى من يشاء. وسوف نتناول اصطفاء الله على مر التاريخ :

1. اصطفى من البشر الأنبياء.

2. اصطفى من الأنبياء أولي العزم من الرسل (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد) عليهم السلام.

3. اصطفى من أولي العزم من الرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

4. اصطفى موسى وجعله كليم الله "قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي..."(الأعراف: من الآية144)، "وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى" (طـه:13).

5. اصطفى السيدة مريم "...إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ"(آل عمران: من الآية42).

6. اصطفى النبي صلى الله عليه وسلم وعُرف بالنبي المصطفى.

7. اصطفى أصحاب النبي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وحمزة.

8. اصطفى أمة الرسول من بين الأمم "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس.."(آل عمران: من الآية110).

9. اصطفى من أمته الشهداء"... وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ..."(آل عمران: من الآية140).

10.اصطفى من أمته أهل القرآن وأسماهم أهل الله وخاصته.

11. اصطفى من الأماكن عرفة.

12.اصطفى من المخلوقات الملائكة.

13.اصطفى من الملائكة جبريل لإبلاغ الوحي.

14.اصطفى من الأيام ذا الحجة.

15.اصطفى من الأماكن مكة.

16.اصطفى من الليالي ليلة القدر، ولم يصطفى ليلة مثلها في الكون.

17. اصطفى لها من يفوز بأجرها.. فهيا اعرض نفسك على الوهاب.

18.اصطفاك من جميع المخلوقات وجعلك بشر.

19.اصطفاك أنت من 6 مليار من البشر وجعلك مسلم.

20.اصطفي الطائفون الآن في مكة.



إن ليلة القدر هدية من الوهاب فكن مع الله في العشر الأواخر حيث إنه يصطفى لها من يعرض نفسه في القيام والدعاء والخير والطواف وصلة الرحم. فإنه لا يصطفى أحد إلا لصفة خير فيه، ولقد اصطفاك بأن تلحق رمضان فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم بلغني رمضان عندما يدرك شعبان، وعندما يدرك رمضان يدعو اللهم بلغني ليلة القدر، واصطفانا الله لهذا اللقاء، واصطفانا للعشر الأواخر "..هُوَ اجْتَبَاكُم..."(الحج: من الآية78) واجتباكم أي اختاركم.



لماذا سميت ليلة القدر؟

"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" (القدر:1)، "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ" (القدر:2). كلمة القدر لها معنيان : الأول: من المنزلة، من المكانة، من القدر، من الرفعة، يُقال فلان ذو قدر أي له شرف ومكانة ومنزلة ولله المثل الأعلى، ليلة القدر ليلة المكانة العظيمة والشرف العظيم "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ...."(الأنعام: من الآية91). ولقد تكررت كلمة القدر ثلاث مرات في سورة كلها خمس آيات والسورة اسمها سورة القدر "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" (القدر:1)، "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ" (القدر:2)، "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" (القدر:3). وكلمة أَدْرَاك تدل على أن ثوابها وشرفها فوق قدرتك على التخيل والتصور.

الثاني: لأن تقدير الأرزاق والآجال والسعادة والخير والرفعة والمكانة والحسنات في تلك الليلة "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ" (الدخان:3)، "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ"(الدخان:4). القدر بالتأكيد مكتوب أزلي ومعلوم ولكن في هذه الليلة ينزل ويُعرف هذا التقدير إلى الملائكة ليبدأ سريانه في حياة الناس على مستوى الأفراد وأمة محمد صلى الله عليه وسلم. فيجب علينا أن نعبد الله كثيراً فنجد الرزق والعطاء والثواب والحسنات والفتح والرحمة والهداية ولعل لو ذهبت الأمة كلها إلى الله تصبح ليلة خير للأمة كلها.



وقال تبارك وتعالى: "تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ"(القدر:4). ويقصد بالروح جبريل عليه السلام، قال تنزّل ولم يقل تنزِل دليل على أنها حشود من الملائكة فهو مهرجان للاحتفال بنزول القرآن على الأرض في هذه الليلة على سيد البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو بداية الهداية للبشرية ومولد أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبعثة هذا النبي العظيم "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء:107). وبذلك ليلة بداية الرحمة والنور والهدى والمغفرة لابد أن تكون هي كذلك ليلة الرحمة والنور والهدى والمغفرة. وذكر الروح المقصود به جبريل منفرداً عن الملائكة تكريم خاص له من الوهاب فهو الذي نزل في أول يوم يحمل الرسالة، فهو لم يعد ينزل الأرض بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إنه يتفقد القرآن في أمة القرآن. بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ذهب أبو بكر وعمر لزيارة أم أيمن فلقد كان يحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدوها مازالت تبكى فقالا لها: لا تبكي لفراق الرسول، فما عند الله لرسول الله خير من الأرض، فقالت: والله إني لأعلم أن ما عند الله لرسول الله خير مما في الأرض ولكنى لست أبكي لفراق رسول الله ولكن أبكي لانقطاع الوحي من السماء، لن ينزل جبريل بعد اليوم إلى الأرض فأبكاني ذلك، فبكى أبو بكر وعمر.

وعندما ننظر لباقي السورة "سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" (القدر:5) فهي من المغرب للفجر فيها سلام من الله برحمته، وسلام من الملائكة فهي تدعو وتستغفر لك، سلام من الله للأرض فلا شحناء، إنها ليلة يُسالم الله فيها عباده ويتجاوز عنهم، الليلة كلها سلام ومغفرة وليس جزء منها. كلما تُذكر ليلة القدر أتذكر سورة يوسف أتذكر حال المسلمين الآن الذي يشابه حال يعقوب عندما ضاع بصره وقال:"... وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف..."(يوسف: من الآية84) فأشعر أن ليلة القدر تشبه "... قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ..."(يوسف: من الآية94)، وأشعر أن حالنا كإخوة يوسف في بعدهم عن ربنا "...مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا.."(يوسف: من الآية88) ، فترد ليلة القدر "قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ..."(يوسف: من الآية92) فنشعر بفرحة يعقوب والأخوة الذين عاشوا في الضلال ثم المغفرة.



ثواب ليلة القدر:

1. العبادة في هذه الليلة مثل ثواب ألف شهر حسنات (84 سنة): إنه متوسط عمر الإنسان، إنها ليلة أحسن من عمرك كله، ولا تحاول أن تخمن موعدها فلقد أخفيت كي تحييها في العشر الأواخر. مثال: إذا قيل من يصحو 5 صباحاً لمدة 10 أيام سيجد أمام بيته 10000 جنيه فلسوف تجد الجميع يتزاحم على أبواب البيوت. فتخيل معي ليلة القدر فإذا كنت تؤدى حسنة، تصلى ركعتين، صدقة، دمعة، أن تقبل يد أمك، صلة الرحم، إفطار صائم، عمرة، إعتكاف من المغرب للعشاء، مذاكرة طالب بنية خدمة الأمة، الدعاء..........كل هذا كأنك تفعله لمدة 84 سنة. تخيل من يدرك تلك الليلة كفة حسناته ترجح كثيراً عن كفة السيئات.

2. إجابة الدعاء : يقول سفيان الثوري الدعاء في هذه الليلة أحب لي من الصلاة، قالوا لما؟ قال: هذه ليلة إجابة. ويقول الصحابة كنا نستعد لهذه الليلة بدعوات. يا إخواني إنها فرصة فالملائكة تؤمن على دعائنا.

3. من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه: أمحى السيئات ووهبك حسنات 84 سنة "أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ" (صّ:9) هذه نعمة كبيرة فلو كانت مفاتيح ليلة القدر في أيدينا "قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ ..." (الإسراء:100).

4. العتق من النار: العربي الأصيل لو أعتق عبد فلا يمكن أن يأسره مرة أخرى، الله تبارك وتعالى لو أعتق لن يأسرك مرة أخرى فهو كريم.



موعد ليلة القدر:

· النبي اعتكف العشر الأوائل فجاءه جبريل، وقال له: إن الذي تبحث عنه لم يأتي بعد، فاعتكف العشر الأواسط فجاءه جبريل، وقال له: إن الذي تبحث عنه لم يأتي بعد، فاعتكف العشر الأواخر فعرف أنها في العشر الأواخر وقال: التمسوها في الوتر من العشر الأواخر.

· قال العلماء أنها ليلة 27، فرد آخرون مثل بن حجر وقالوا بل هي تتنقل من سنة لأخرى بين العشر الأواخر.



النبي والعشر الأواخر:

كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر. فلقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل ويستغفر ويتصدق، وكان رسول الله يخصص لهذه الليالي أعمال يفردها لهذه الليالي خاصة. ولقد كان صلى الله عليه وسلم يخلد بين النوم وبين اليقظة وبين القيام في العشرين الأول فإذا جاء العشر الأواخر طوى فراشه وتفرغ للعبادة.



الصحابة والعشر الأواخر:

كانوا يخصصون دعوات مخصوصة، ويأتون بالطيب الخاص لهذه العشرة يقولون نتطيب فهذه ليلة نزول الملائكة. اشترى تميم الداري حلة ثمنها 10000 درهم من أجل ليلة القدر كي يكون في أبهى حلة.



ما يحرم ليلة القدر؟

الشحناء والخلافات، فعندما جاء جبريل ليخبر النبي بموعد ليلة القدر وبينما هو خارج من المسجد كي يخبر الصحابة وجد اثنان يتلاحيان - يستبان سباً شديداً- داخل المسجد فنُسيّها صلى الله عليه وسلم وقال: كنت قدمت لأخبركم بها فوجدتهما يتلاحيان فأنسيتها. قد يكون نسيان موعدها رحمة ولكن كان السبب في ذلك الشحناء والخلافات.

المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles1666.html