الحقوق محفوظة لأصحابها

عمرو خالد
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نحن اليوم نحيا مع اسم آخر من أسماء الله الحسنى فنقول باسمك نحيا يا رزاق. يقول الله تبارك وتعالى"إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" ( سورة الذاريات، آية 58) وأبدأ بالقول أن الهدف من هذه الحلقة أن تثق ثقة شديدة أن الرزق بيد الله؛ لذلك سنتفق على أمرين في نهاية هذه الحلقة، أولاً أن لا نأكل مالاً حراماً، وثانياً أن لا نذل أنفسنا لأي مخلوق من أجل لقمة العيش لأن الزرق ضمنهُ الرزاق.



محاور الحلقة:

v معنى اسم الله الرزاق.

v اسم الله الرزاق في الكون.

v اسم الله الرزاق في القرآن.

v هل الرزق مادي فقط.. مال فقط؟!

v ماذا يريد منا الرزاق؟



v معني اسم الله الرزاق: الرزق في اللغة هو النصيب والقسمة فما قُسم لنا هو رزق. والرزاق هو خالق الأرزاق والمتكفل بإيصالها فالكل يأخذ نصيبه من هذه الأرزاق.





الفرق بين الرازق والرزاق:

لم يُذكر الرازق في القرآن أبدا بل ذُكر اسم الله الرزاق.. فما الفرق بينهما؟ الرازق الذي يعطي ويمنع ويعطي بعض الناس ويمنع البعض الآخر، ولكن الرزاق تتضمن الشمول فالجميع يصله الرزق.. التقي والعاصي على حد سواء.. المؤمن والكافر والمسلم والمسيحي والبوذي. ليس لكل البشر فقط بكل للكائنات جميعا، يقول الله تبارك وتعالى" وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (سورة هود ، آية 6). أما سيدنا إبراهيم فظن أن من يستحق الرزق هم المؤمنين فقط، فعندما دعا قال عليه السلام " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " (سورة البقرة، آية 126). فرد عليه الله الرزاق تبارك وتعالى أن الرزق للجميع في الدنيا أما الحساب يوم القيامة فقال" قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (سورة البقرة، آية 126).



ففي الأثر أن دعا سيدنا إبراهيم أحد الأشخاص فبدأ الرجل يأكل فرآه سيدنا إبراهيم يسجد للنار فقال له سيدنا إبراهيم: قم لا يجلس على مائدتي كافر فأوحى إليه الله تبارك وتعالى: يا إبراهيم مللت من إطعامه ساعة وأنا أصبر عليه وأرزقه وأُطعمه سبعين عاما.



سر قوله تبارك وتعالى" عَلَى اللّهِ "

لو فكر الجميع بهذا القول ملياً لسعدت البشرية جمعاء. ستسعد بها النملة، الحمامة.. لماذا؟ لأن كلمة إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا تفيد الإلزام فالله ألزم نفسه تبارك وتعالى برزق جميع الكائنات الحية وهذا مقتصر على الله وحدة، أما البشر فيمكن لأحد أن يعطيك وينذرك ويقول لك أنها أخر مرة أو يحدد توزيع الرزق. أما الله الرزاق فكل دابة رزقُها على الله. هذه الآية تُسعد النملة في جحرها.. تُسعد الحوت في بطن الأرض، أفلا يسعد بها الإنسان وهو خليفة الله في الأرض؟! يقول الله تبارك وتعالى إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً " (سورة البقرة،آية 30). فكل ما في الكون خلقه وسخره الله لك.. للإنسان.. للخليفة.. فهل تقبل على نفسك أيها الإنسان بعد ذلك أن تأكل الحرام؟ تكمن أهمية هذه الحلقة في أن الكثير في بلادنا للأسف يأكل الحرام وآخرين يتذللوا للبشر ليحصلوا على رزقهم. أقول لهم جميها انظروا الى اسم الله الرزاق في القرآن.



v اسم الله الرزاق في القرآن.

يقول الله تبارك وتعالى بعد خلق الأرض " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (سورة فصلت، آية9،10،11). ومعني قدر فيها أقواتها أي كتب الله تبارك وتعالى الأرزاق كمقدار كل ما تحتاجه الأرض من ماء، الزرع... هذه الآية دليل يطمئن العبد على رزقه. يقول الله تبارك وتعالى "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ..."(سورة الروم، آية40) فاستعمل الله تبارك وتعالى فعل "رزقكم" بالماضي أي أنه بالفعل تم تقدير الرزق. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِيْ بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً نُطْفَةً؛ ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ، وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ...) رواه البخاري ومسلم. كمن يرسل ابنه في سفر وأعطاه كل ما يحتاج فيسافر الإبن مطمئن ولله المثل الأعلى.



يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت روح حتى تستكمل رزقها وأجلها" أتؤمن بذلك أم لا؟ فلن تموت ناقص نَفسْ.. لذلك أقول لكم مهما زاد عدد من يأكل الحرام فلا تكن منهم، وإذا كثر عدد من يؤمن بالله الرزاق بالظاهر فقط، فكن أنت من يتغلغل اسم الله الرزاق في خلايا جسدك، لأن الله لن يتركك فهو قد تكفل برزقك. فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هَدَفي هذه الحلقة من عدم أكل الحرام وعدم التذلل للناس بدعائه بقوله "اللهم اغنني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك" فالرزق سيأتي حتما إما أن تستعجل فتأخذه بالحرام فيكون جزاؤك النار وإما أن تسعى له وتحصل عليه فتدخل الجنة.





قصة الأعرابي مع الآية

اسمع قول الله تبارك وتعالى " وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ "

فالرزق مكتوب لكل كائن حي فنزلت هذه الآية على جزئين الجزء الأول" وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" (سورة الذاريات، آية 22) فلما سمعها الأعرابي قال: صدق الله، ومن ثم عاد نفس الأعرابي بعد عدة شهور فكان حينها قد نزل الجزء الثاني من الآية وهو" فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُم ْتَنطِقُونَ " (سورة سورة الذاريات، آية 23) فبكى الأعرابي عندما سمعها وقال: ماذا فعلتم ليٌقسم الله سبحانه وتعالى أن الرزق حق؟! فنحن صدقناه من الآية الأولى.



يقول الله تبارك وتعالى" أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" (سورة الملك، آية 21) فمن تذلل لغير الله وهذا على خلاف طلب الحاجات بعزة نفس فيقول عليه الصلاة والسلام " اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير". ويقول الله تبارك وتعالى "قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْض" (سورة يونس، 31) فكما سبحانه وتعالى لا شريك له في ملكه فسبحانه لا شريك له في رزقه. ويتزامن اسم الله الرزاق مع اسم الله الخالق فيقول الله تبارك وتعالى" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ "(سورة الروم، آية 40) ويقول الله سبحانه وتعالى "... هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم...(سورة فاطر، آية 3).







v اسم الله الرزاق في الكون

كنت قد ذكرت سابقاً أن الله تبارك وتعالى يُعرفنا باسمه بطريقتين بكتاب يُقرأ وهو القرآن الكريم أو بكتاب يُنظر وهو صفحة الكون، وهو معجزة من الله تعالى. فقد عرفنا اسم الله الرزاق من القرآن.. الآن سنعرفه من الكون؛ كي لا نتذلل لأحد. سأبدأ لكم بمثال قد مر علينا كثيرا بالمدرسة ولكننا لم نفهمه أو نربطه باسم الله الرزاق، فلو فهمناه باسم الله الرزاق لاستحال أكل الحرام، والمثال هو دورة الماء. سنفهم الآن دورة الماء باسم الله الرزاق. فالماء سر الحياة.. يقول الله تبارك وتعالى" وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ "(سورة الأنبياء، آية 30). بدايةً إن اتساع مساحة البحار بفضل اسم الله الرزاق لأنه عصب الحياة ونحتاجها كثيرا فتكون نسبة الماء 71% من مساحة الأرض ثم يأمر الرزاق البحار أن تكون مالحة كي لا تأسن وتظل صالحة، ومن ثم يأمر الله الرزاق الشمس أن تُسخن هذه البحار، فالشمس تُسخن 16 مليون طن في الثانية، وتُسخن في السنة 505 تريليون طن ماء تتبخر من البحار كي تُروى الكائنات الحية. فيربط الله تبارك وتعالى الرزاق بين الشمس التي تُسخن الماء وبين نزول الماء فيقول الله تبارك وتعالى" وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا، وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا " (سورة النبأ، آية 13،14) ثم يأتي دور الرياح لتحمل ما تبخر على سطح الماء الى أعلى ليبرد وتُنزل الهواء الجاف الى أسفل فيقول الله تبارك وتعالى" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء " (سورة الروم، آية 48) فمن يقوم بذلك؟ الله الرزاق.



ومن ثم يأمر الله الرزاق السحاب أن يقترب من بعضه البعض حتى يثقل فيقول الله تبارك وتعالى" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا (سورة النور، آية 43) ثم يأتي دور الجاذبية بجذب المياه الى أسفل، ثم ينزل الماء في المكان الذي حدده الله تبارك وتعالى " حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ... " (سورة الأعراف، آية 57). فهذه معجزة الرزاق في إنزال الماء. يقول الله تبارك وتعالى" أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ، لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ "(سورة الواقعة، آية 69،70). لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما ينزل المطر يُعرض نفسه له ويمسح به وجهه وجسده، لأنها معجزة من الله الرزاق. ولذلك يقول النبي أن دعاء المطر مُستجاب. وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يشرب الماء يقول " الحمد لله الذى جعله عذباً فراتاً برحمته ولم يجعلهُ مِلحاً أُجاجا بمعاصينا " فكل نقطة ماء دليل حي على اسم الله الرزاق، وتستمر المعجزة بأن تعرف أن كمية الماء التي تتبخر كل سنة هي نفسها الكمية التي تنزل على الأرض.



كم أنفق الله تبارك وتعالى على الأرض؟

لو سألتكم جميعاً كم أنفق الله سبحانه وتعالى على الأرض لستتمر الحياة على الأرض منذ خلقها حتى اليوم؟ يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي" خلقت السماوات والأرض ولم أعيَّ بخلقهن، أفيُعيني رغيف أسوقه الى عبدي؟ عبدي.. لي عليك فريضة ولك علي رزق فإن خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك..". عرفت كل الكائنات الله الرزاق من طير وسمك إلا أنت أيها الإنسان أيها الخليفة أيها المسلم أيها المؤمن ، فماذا ستقول له يوم القيامة عندما يسألك عن أكل المال الحرام وعن التذلل لغير الله؟ فبماذا سترد على الله تبارك وتعالى؟!!.



عاصم بن جبر واسم الله الرزاق

عاصم بن جبر صحابي أفقر منا جميعا، يوم غزوة خيبر كان جائعا جدا فوجد سُرة فيها شحم فأخذها ومن شدة جوعه قال: والله لا أعطى منها أحد أبداً. فكان النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، فسمعه ونظر اليه النبي وابتسم إليه إبتسامة الغضبان، لأنه هذه ليست أخلاق المسلم. يقول عاصم بن جبر: فاستحييت من نفسي فقال: استغفر لي يا رسول الله فابتسم النبي وانصرف. أقول لكم في هذا الزمن الذي يزيد فيه أكل الحرام لرداءة الظروف الإقتصادية أن تؤمن بالرزاق.. أن تسجد للرزاق ولا تقم بما قام به الآخرين، فنحن ليس هدفنا الكلام.. كلاماً فقط، بل نريد فعلاً وعملاً وتطبيقاً. لذلك أطلقنا على البرنامج اسم "باسمك نحيا" لكي نحيا بحق بأسماء الله.



أدلة حية تشهد على الله الرزاق:

قبل سرد عدة قصص تشهد على الله الرزاق أقول لكم جميعا أن يسأل كل منكم والده عن أحواله الإقتصادية عندما تخرج من الجامعة، فسترى في القصص جميعها فعل الله الرزاق. أما الشاهد الأول فهو عندما مرت على النبي أيام يربط الحجر والحجرين على بطنه من شدة الجوع ومر عليه يوم بعد غزوة خيبر نصيبه من الغنائم غنم بين جبلين أنفقها في سبيل الله، فيقول فيه الرجل: إن محمداً يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدا. الشاهد الثاني سيدنا أنس بن مالك من خادم للنبي إلى أكثر الصحابة مالاً. الشاهد الثالث سيدنا سلمان الفارسي بيع عبداً وبعد سنوات قليلة أصبح حاكم فارس. الشاهد الرابع شاب محاسب بسيط قدم للسعودية ليعمل فقرأ قول الله " لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ " (سورة الحج، آية28) فقال في هذه الآية سر، فبدأ يبيع بضائع يحتاجها الحجاج وبعد خمس سنين أصبح معه ملايين. أما الشاهد الخامس فهي قصة شاب كان يفرح عندما يهديه أحدهم كرتونة بيض يذهب فرحاً لزوجته يقول رزق ساقه الله إلينا، وبعد سنوات قليلة تصدق هذا الرجل بسيارته القديمة لأن الله رزقه سيارة جديدة.. فمن غيّر حال هؤلاء؟ الرزاق والشواهد كثيرة.



v هل الرزق مادي فقط.. مال فقط؟!!

أشكال الرزق:

ليس كل الرزق مال فقط فأشعة الشمس رزق، والجار الصالح رزق والروح التي في جسدك هي رزق، والزوجة الصالحة رزق والدعاء رزق وركعتين في آخر الليل رزق. فأيهما أحب إليك؟ رزق الجسد - رزق مادي - أم رزق الروح؟ إن الله عندما يغضب على عبد يمنع عنه الرزق. يقول النبي "إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه" ففي الأثر أن رجلا قد ارتكب ذنباً فظن أن الله لم يحرمه الرزق فأوحى إليه الله أنه قد عاقبه فقال له: بلى قد عاقبتك، ألم أحرمك لذة مناجاتي؟ فأرزاق الأرواح أحلى بكثير من أرزاق الأجساد.



v ماذا يريد منا الرزاق؟

1. إياك أن نأكل الحرام، لكي يبقى الأمل في قلوبنا، فأكل الحرام يحرمنا استجابة الدعاء ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم "الرجل يطيل السفر، يقول يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وغُذي من حرام ، فأنى يستجاب له؟!". وهنا أذكر قصة إمرأة عُرض على زوجها رشوة لكي يشهد زورا فرفض فعندما هُدد بطرده ذهبوا لزوجته كي تحثه على أخذ الرشوة مقابل شهادة الزور فقالت لهم: لقد عرفت زوجي أكالاً ولم أعرفه رزاقاً. وأذكر أيضا في هذا الباب قصة شهيرة في التاريخ عن عامل وحاكم في تاريخ المسلمين، فأراد الحاكم أن يُطوع العالم له فذهب الحاكم الى العالم فوجده في المسجد فسأله: ألك حاجة؟ فقال العالم: إني أستحي أن أكون في بيته وأسأل غيره، فانتظره الحاكم حتى خرج العالم من المسجد فلما خرج من المسجد سأله ثانية: ألك حاجة؟ فقال العالم: أحاجة من حوائج الدنيا أم حاجة من حوائج الآخرة؟ فقال قال الحاكم: أنا لا أملك الآخرة ولكن حاجة من حوائج الدنيا فقال العالم: أنا لا أسألها من يملكها أفأسألها من لا يملكها؟!!. انظروا إلى سيدنا علي بن أبي طالب وهو يقول: والله والله لَحفرُ بئرين بإبرتين ولكنسُ الجزيرة بريشتين أهون علي من أقف باب إنسان أسأله بذلِ نفسي والرازق موجود.



2. السعي: لكي تحصل على الزرق المكتوب لك يطلب منك الرزاق أن تسعى لأنه يغضب عليك إن لم تفعل. وهنا أشير للسعي الذي يقوم به المعتمر والحاج، فأصل السعي ورمزها السيدة هاجر التي كانت تبحث عن شيء دنيوي.. تبحث لابنها.. لسيدنا إسماعيل عن ماء فأصبح السعي عبادة لكي يذكرك بالسيدة هاجر التي سعت بالصفا والمروة سبع مرات، الأمر الذي يرهق الشباب، ولكن ماذا كانت نتيجة السعي؟ فينزل جبريل ويضرب بجناحه عند قدم اسماعيل فيخرج نبع ماء يشرب منها المسلمين من آلاف السنين وإلى الآن. يقول لله تبارك وتعالى " وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم " (سورة الأنعام، آية38) أي لا تقولوا عن النحل والنمل هذه أمم حقيرة.. ولكن تعلموا منها.. تعلموا من النحل النشاط والعمل الدؤوب، فالنحلة تتحرك 400 كيلوا أي تلف الأرض سبع مرات لتعمل كيلو عسل ولا تنتظر لتصل الى الخلية بل في طريقها، والنحل في بطنها تحول الرحيق الى عسل، فأخذت اليابان هذه الفكرة فأصبحت تصنع المنتجات على الناقلات في عرض البحر. يُحكي في الأثر أن أحد الأشخاص كان مسافرا في تجارته فرأى طائراً كسيحاً لا يجد من يطعمه فقال مسكين، فأثناء ذلك جاء طائر صحيح وأطعم الطائر الكسيح فرجع هذا التاجر الى بلده وقابل عالماً صديقا له فقال له: لا داعي للسعي فالرزاق موجود وأخبره بقصة الطائر الصحيح والطائر الكسيح فنظر إليه العالم وقال له: أرضيت أن تكون مكان الطائر الكسيح ولم ترضى أن تكون مكان الطائر المعطاء؟

3. أن لا تذل نفسك أبدا.



كلمة للأغنياء:

أخيرا، أقول للأغنياء أمواكم التي معكم ليست لكم بل أنتم مستخلفين عليها. يقول الله" وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" (سورة الحديد، آية 7). أقول للأغنياء عندما قسّم ربنا الأرزاق أعطاكم زيادة لتنفقوها في الزكاة والصدقة على الفقراء " وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"(سورة المعارج، آية 24، 25). أقول للأغنياء لو أديتم زكاة أموالكم لما وصل عدد الفقراء في الأرض الى هذا العدد، وأقول للأغنياء أن الله أعطاكم هذه الأموال الزائدة لتأخذ ثواباً عندما تنفقها على الفقراء. أقول للأغنياء أن هناك حاجزاً بين الأغنياء والفقراء.. أقول لهم أن هناك أمواتاً تحت الأرض وأموتاً فوق الأرض فمن يعيش في العشوائيات هم أموات فوق الأرض. أقول للأغنياء أنكم المسؤولين عن اهتزاز ثقة الفقراء في الرزاق.. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعي" اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر" فالفقر يؤدي الى الكفر فبعدم إعطائكم للفقراء حقهم في أموالكم سقتموهم للكفر. أقول للأغنياء تصدقوا بنية جديدة.. إحياء اسم الله الرزاق في قلوب الفقراء فتقابل الله بها يوم القيامة.

الواجب العملي:

إطعام فقير بنية إحياء اسم الله الرزاق بين الفقراء وتحبب الفقراء في الرزاق.

تعريف الناس بأسماء الله الحسنى بنشر هذا الحلقة أو نقل ما قيل فيها للناس لإحياء أسماء الله الحسنى.

المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles1573.html