الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على عبده و رسوله محمد ,

و على آله وصحبه أجمعين..

لقد تأملتُ الذين نتعامل معهم , فوجدت أن أحسن و ألطف وأحنّ من يعاملنا

هو الله تعالى , إي والله ..

لاحِظ أن الواحد منّا قد يشتهي معصيةً معينة ثم يعزم ويقرر على أن يفعلها ,

ومع هذا فإن الله تعالى لا يمنعه منها ,ولو شاء سبحانه لأمر جندياً من جنوده

أن يقطع عليه الطريق , وعندها يستحيل عليه أن يفعل تلك المعصية ,

ولكنه سبحانه حليم , صبور ..

يتركه وشأنه , فإذا بدأ الإنسان بمباشرة المعصية فإن الله تعالى يقوم بسترهِ

ويمنع الناس من الإطلاع عليه .. لماذا؟؟

حتى لا ينفضح أمره رحمةً منه ورأفةً بحال العبد,فإذا انتهى العبد من المعصية

فإن الله تعالى يدعوه إلى الرجوع إليه , بل ويكافئه بأن يبدل تلك السيئة إلى حسنات .

والله لا يمكن لأحد أن يعاملك بتعامل أكثرحناناً ولُطفاً من تعامل الله لك

إن لم يرجع العبد بعد المعصية ؟

الله تعالى يمهلهُ فترة أحياناً قد تصل إلىسنوات , فقط لكي يرجع ..

لعله أن يرجع إلى ربه , لعله أن يتوب , ويستمر إلى هنا بدعوة عبده

إلى التوبة في كل يوم

نعم , الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مُسيءالنهار , ويبسط يده بالنهار

ليتوب مُسيء الليل ..

يحدث هذا في كل يوم , فإذا استجابالعبد في يومٍ من الأيام ورجع وتاب ,

فرح الله تعالى بعبدهِ فرحاً شديداً أكثر منفرحة العبد نفسه برجوعه إلى الله ..

سبحانك كيف أنك أنت الملك المُستغني وتفرح إذا رجع إليكَ عبدٌ من العبيد ,

مع أنه هو الذي يحتاج إليك سبحانك

فكيف لا نحب من يعاملنا بكل هذا اللُطف والحنان؟

لهذا سمّى الله نفسه الودود , وهو فعلاً ودود ليس كمثله شيء..

والآن .. سؤال ( كيف تتعامل مع الله إذا سترَكْ ؟ )

ربنا سبحانه كثيراً ما يسترنا , يفعل هذاكثيراً سبحانه ,

فكيف تتعامل مع الله إذا سترك ؟

أولاً : قبل كل شيء ,اقبل هدية الله التي أعطاكَ إياها

الستر هديةٌ منه سبحانه , فإن بعض الناس لايسترهم الله تعالى ,

فإذا سترك الله فاقبل هديته , لا تردها عليه

قد يقول قائل : كيف أردها ؟

بعض الناس يردّها بفضح نفسهِ

تفضح نفسك وتُجاهر بالمعصية ؟! الستر هدية,الستر

عطيّة لا يصحُّ أن أردّها

هذا سوء أدب مع الله عزّ وجلّ , فلنقبل عطيتهُ بأنه سترنا

ما الفائدة بأن يفضح الإنسان نفسه ؟حتى أن بعض الناس يتحدث بعد سنوات

عن أشياء ربما تاب عنها في صِغَرِهِ و شبابه ..

ما الداعي أن يذكرها الآن وقد ستره الله عزّوجلّ ؟

بعض الناس سيقول : كل الناس يتحدّثون عن ماضيهم وأفعالهم

سبحان الله .. أهذا مُبَرّر يعني؟

لو أنه ذهب إلى بلد كل الناس يكشفون فيه عوراتهم تماماً والعياذ بالله ..

فهل سيكشف عورته معهم ؟!

لا .. سيسترها طبعاً

حسناً .. كما أصرّيت على ستر الجسد , فاسترالروح والنفس أيضاً ,

فإنها والله أهم منه . سبحان الله .. انظر إلى حِلم الله وصبرهِ على خلقهِ!

فسبحان الله .. انظر إلى حِلم الله عزّ وجل ّوصبرهِ على خلقه ِ !!

كيف أن العبد يُسيء إليه سبحانه بمعصية وهو سبحانه القوي الملك مع هذا يُقابل الله تعالى

إساءته هذه بأن لا يزعجهُ , لا يُزعج العبد فلا يفضحهُ ويعطيه الستر الذي يحتاجه العبد ,

الستر شيء غالي ومع هذا فإن العبد فوق معصيته يزيدُ الأمر سوءاً بأن يرفض هذه العطية

, ويتحدث أمام أصحابه ويفتخر بأني فعلتُ كذا وكذا

سؤال : هذا الذي فضح نفسه وأصرّ وردّ عطية الله بالستر ..

ماذا سيحدث له ؟

سيعامله الله تعالى بما يستحق .. كيف؟!

انتبه معي , لو أن إنساناً أخطأ وفعل فاحشةً منالفواحش وأراد الناس أن يُعاقبوه ,

فقام أحدهم فسترهُ ووضعه داخل بيتهِ لكي يستره, فما كان من هذا الشخص

إلا أنه أخذ صوره أثناء الفاحشة ووزعها , وضعها على الإنترنت ونشرها على كل الناس

, ماذا سيفعل صاحب المنزل ؟!

لا شك أنه سيطردهُ!

سبحان الله .. أستُرُكْ , فتُعاند وتفضح نفسك !

هذه ردّة فعل طبيعية لكرامة صاحب المنزل بسبب سوء أدب هذا الشخص

حسناً .. إذا كانت هذه ردّة فعل مخلوق لأنه أُهين ,

فربنا سبحانه أعزّ وأكرم وأجلّ وأعظم ..

فبالمقابل إذا تعامل العبد مع ربهِ بهذه الطريقة فإن ربنا تعالى يُعافي كل الناس

يوم القيامة إلا هذا الشخص المُجاهر الذي رفض سِتر الله تعالى

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل أمتي معافى إلا المجاهرين،

وإن من الإجهارأن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يصبحقد ستره ربه،

فيقول: يا فلان! قد عملت البارحة كذا و كذا، وقد بات يستره ربه،

ويصبح يكشف ستر الله عنه }

متفق عليه

أسأل الله أن يُعافينا وإياكم وأن يستُرنا وإياكم سبحانه

وهنالك تعامل ذكي , وهو من حُسن تعاملك مع الله إذا سترك

في معصية أن تُطيعهُ في الخلوة وأنت لوحدك حيث لا يراك أحد ,

كما أنه ستركَ في الخلوة عندما لم يراكَ أحد ,

فكذلك هنا .. أطِعهُ بالخلوة .. فتصدّق بالسر مثلاً ,

يقول النبي صلى الله عليه وسلم :

( صدقة السر تُطفئ غضب الرب )

صحيح

اقتراح آخر مثلاً .. اركع بعض الركعات بالليل حيث لا يراك أحد ,

لا يحس بكَ أحد .

اعمل عمل خير و اجعلهُ مستمراً طوال حياتك و لو كان بسيطاً ,

ولو كان إطعام حيوان مثلاً , ولكن بالسر لا يعلم بذلك أحد ,

فقد كان الصالحون يستحبّون أن يكون للرجل خبيئةٌ من عملٍ صالح

لا يعلم بها أهل بيته ولا زوجته ولا أحد

وأيضاً من حسن تعاملك مع الله إذا سترك أن تُحافظ على هذا الستر .

حافِظ عليه

لا يصلح أن يكون هذا الستر مؤقتاً .. سنة أو سنتين ثم تنفضح !

لا . لابد أن يستمر هذا الستر طوال الحياة الدنيا , فحافظ على هذا الستر

حسناً .. كيف أحافظ عليه ؟؟

افعل أشياء معينة تجعل ستر الله عليك يستمر

ما هو هذا الشيء ؟

إنه الشكر .. اشكر الله على سترهِ , اشكرهُ على هذا الفعل

الجميل الذي أوصلهُ إليكْ ,

حينها سيبقي الله ستره عليك , بل لعلّك لو احتجتَ إلى شيءٍ من هذا الستر

في المستقبل

فإن الله تعالى سيزيدُ من سترهِ عليكْ لأنك شَكرته يقول الله تعالى :

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} سورة إبراهيم : 7

ويمكنك أن تفعل شيء آخر يُديم ستر الله عليك, و هو يُعتبر من حُسن تعاملك

مع الله إذا سترك , وهو أن تستُر عبيدهُ فلا تفضحهم

افعل مع الخلق بالضبط كما فعل الخالق معك, حتى غير المسلم

إن استطعتَ أن تسترهُ فافعل .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)

رواه مسلم

الله .. تخيل أن يقف الإنسان يوم القيامةوالناس من حوله قد نظر إليه الأولون والآخرون ,

وهو خائف من أن ينكشف للناس عيبه , خائف أن ينكشف للناس

عيبهُ الذي طالما كان يُخفيه عنهم في الدنيا ..

ذلك الفعل الذي لم يقُله لأحد , يخاف الفضيحة يوم القيامة ..

تخيل أول مرة في حياته يرى أباه آدم .. ينفضح أمامه يوم القيامة !

أول مرة يرى موسى عليه السلام , أول مرة يرى عيسى عليه السلام ,

أول مرة يلتقي بآل البيت والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين..

أول مرة يرى النبي صلى الله عليه وسلم .. ينفضح أمامه .. صعبه , صعبة!

وهو الآن يعلم أن الله قد يسترهُ وقد يفضحهُ.. ممكن أن ينكشف ,

وممكن أن يُستر عيبهُ

فجأة !! فإذا ربنا سبحانه يختار له الستر . بلورد أنه يقول له : سترتها عليك

في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يُعطى كتاب حسناته بيمينه

وينطلق إلى الناس ويبشرهم : {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ }

سورة الحاقة : 19

ويُريهم حسناتهِ وقد ستر الله سيئاته ثم يذهب فيدخل الجنة

ولم يعلم بفضيحتهِ أحد

ما الذي حدث ؟

لماذا أعطاني الله كل هذا ؟

أتذكُر تلك اللحظة في الدنيا عندما سترتَ شخصاً وما فضحتهُ ,

مع أن الشيطان حاول بك مراراً أن تنتقم لنفسك لكنك لم تفعل

الآن أنتَ تجني ثمرتها .. الحمد لله

والله هذا من أحلى المشاعر التي يمكن أن يحسبها الإنسان يوم القيامة ؛

أن يدخل الجنة وهو مسرور

أسأل الله أن يسترنا وإياكم وأن يغفر لنا وإياكم وأن يجمعنا وإياكم في جناته

جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين

أسأل الله ذلك , وإني متفائلٌ به إن شاء الله,والحمد لله رب العالمين