الحقوق محفوظة لأصحابها

عمرو خالد
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، مازلنا مع قصص القرآن ومازال معنا شعارنا «سأحيا بالقرآن».

نبذة عن الحلقة السابقة:

بدأنا أمس مع قصة أصحاب الأخدود واليوم نكمل مع قصة الغلام والساحر والراهب وسورة البروج الموجود بها القصة. تحدثنا في الحلقة السابقة عن الملك الذي لديه ساحر يقوم بعمل إعلامي ليقنع الناس بقبول الملك وظلمه، وتنصيب الملك نفسه إلهاً آكلا حقوق الناس، وقد أصبحت الناس تعاني من مشكلتين وهما ضياع حقوقهم، وأنهم لا يعرفون أنه لا إله إلا الله.

وعرفنا في الحلقة أن الشخص الوحيد الذي كان يعلم حقيقة الأمر وظلم الملك للناس هو الراهب الذي أصبح كبير السن ومطارد من الملك الذي يريد القضاء عليه. كما علمنا أن الراهب اختار أن ينعزل وينزوي ولا يظهر وسط الناس وأخذ يبحث عن آخر ليوصل رسالته إلي الناس. وبينما يبحثان عن جيل جديد فقد تقدم كلٌّ من الراهب والساحر في السن وتحولت المعركة الآن إلي الجيل الجديد وأيهما يختار؟ فقد تحولت المعركة لتكون علي الغلام. يركز النبي صلي الله عليه وسلم في حديثه طول القصة علي الغلام فهو البطل وأهم من في القصة.

أهداف قصة الغلام:

للقصة عدة رسائل موجهة إلي الأمة وهي:

1 . كن صاحب رسالة.

2 . عش للحق.

3 . اعمل للناس وليس للظالمين.

4 . واجه الباطل والظلم ولكن بحكمة.

5 . الحياة قصيرة ولا تستحق أن تهين نفسك من أجلها فأنت عبد العزيز.

6 . الشباب هم الأمل.

7 . من الممكن أن يدل الإعلام علي الخير أو الشر.

وقد عرف الغلام الآن الحق بعدما كان مترددًا ما بين الراهب والخير والحق، وبين الساحر والخداع والوهم، ولكن أيختار الراهب المعزول؟ أم الساحر مع العز والتمكين والمستقبل والمال؟ وفي آية من الله عرف الحق وذهب إلي الراهب الذي قال له: «أي بُني، أنت اليوم خير مني، وإنك ستبتلي فإذا ابتليت فلا تدل علي».

الغلام وخطته لمواجهة الملك:

> سيواجه الغلام الملك وحده وسيعرف الناس أنه لا إله إلا الله. سمع علي بن أبي طالب هذه القصة وهو غلام، وعندما مرت الأيام وذهب لفتح اليمن وجدهم أرق أفئدة لعل ذلك يكون بفعل هذا الغلام لأن بينه وبين النبي أربعين سنة فقط.

> فكر الغلام - في مواجهته للملك- أن المشكلة هي أن الناس نسيت أنه لا إله إلا الله، وأنهم يخافون الملك الذي يأكل حقوقهم، وهناك أيضا الساحر ودوره في خداع الناس.

> فكر الغلام في الحل وفكر في كيفية إبطال مفعول السحر والخداع الذي يقوم به الإعلام وفكر أيضًا في كيفية إقناع الناس بأن الملك بشر وليس إلهاً حتي لا يخافوه.

> لم ينعزل الغلام وقرر أن يكون وسط الناس ويكون له دور إيجابي بينهم وبعد ذلك سيكون مستعداً لمواجهة الملك.

الغلام ومواجهة الملك:

بدأ الغلام بمساعدة الناس والوقوف إلي جانبهم، وبدأ ينتشر وسط الناس ليعرف احتياجاتهم. وكانت الناس تعاني من الأمراض فبدأ بعلاجهم والدعاء لله ليكون السبب في شفائهم، وقد أجري الله الكرامات علي يديه، فكان يبرئ الأكمه والأبرص فاشتهر وسط الناس، كان الساحر الوحيد الذي يعلم أن ما يفعله الغلام ليس بسحر ولكنه لا يستطيع أن يتكلم، وحينما يسأل الملك الغلام عن سبب عدم ذهابه للساحر يخبره الغلام أنه تعلم كل سحره، ويستريح الملك لأن ذلك يعني أنه لن يكون بحاجة للساحر، وحينما شعر الساحر أن الملك علي وشك التخلص منه هرب وبهذا تخلص الغلام من الساحر.

وبدأ الغلام بالبحث فوجد أن للملك جليساً أعمي فجعله يعلم عن أمره في شفاء الناس فلما علم جليس الملك به، حمل إليه هدايا كثيرة وقال: «يا غلام، لك كل هذه الهدايا إن رددت عليَّ بصري»، فقال له الغلام: «أنا لا أشفي أحدا ولكن الذي يشفي هو الله، فإن شئت دعوت الله لك أن يشفيك وتؤمن بالله» فقال له الجليس إنه إن فعل ليؤمن، فدعا الغلام الله تبارك وتعالي فآمن جليس الملك.

ذهب الجليس للملك الذي سأله عمن رد عليه بصره فقال الجليس: «ربي»، فقال الملك: «أنا؟» فقال: «ربي وربك الله»، يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: «فلم يزل الملك يعذبه حتي دل علي الغلام»، فجيء بالغلام وقال له الملك: «أي بني، لقد بلغ من سحرك ما أري أنك تبرئ الأكمه والأبرص» فإذا بالغلام يقاطعه ويرد: «أنا لا أشفي أحداً إنما الذي يشفي هو الله»، قال الملك: «أو لك رب سواي؟» فقال له الغلام:«ربي وربك الله»، فأخذه الملك ولم يزل يعذبه حتي دل علي الراهب، فجيء بالراهب، ووضع المنشار في مفرق رأسه، وكذلك فُعل بالجليس الذي قيل له ارجع عن دينك فقال:«لا إله إلا الله»، ثم جيء بالراهب فقيل له: «ارجع عن دينك» فأبي.

دعونا نتخيل ماذا لو استجاب الراهب؟ لكان الغلام قد انهار بسبب انهيار الرمز والقدوة أمامه. مات كلٌّ من الجليس والراهب، ولكن المنتصر هاهنا كان الراهب الذي استطاع أن يحصل علي الجيل القادم، وفي الآخرة هو الفائز بالجنة، أما الملك فلقد فاز باللعن.

ولو تساءلنا من كانت تضحيته أكبر الراهب أم جليس الملك؟ سنجد أنه جليس الملك الذي كان يعيش في عز، وبعدما فقد نظره واسترده من جديد كان لا يزال بعد جليس الملك ولكنه ضحي بكل ذلك لإيمانه.

سعي الملك للتخلص من الغلام:

يحاول الملك الآن التخلص من الغلام ولكن بعيدا عن الناس؛ وذلك لأنه محبوب بينهم ولكن الجليس والراهب كانا بعيدين عن الناس فمن يعش بين الناس وللناس يحمِه الله تعالي. لذلك فإن أراد الملك التخلص من الغلام بعيداً عن الناس والغلام يريد أن أن يثبت للناس أن الملك ليس بإله ويريد أن يثبت لهم ضعفه.

قام الملك بدفع الغلام لبعض جنوده وجعلهم يرتدون ملابس غير ملابس الجندية كأناس من الشعب، وقال لهم الملك اخرجوا به إلي الجبل بعيدا وأن يصعدوا به الجبل ويلقوه منه، فأخذه الجند وصعدوا به إلي الجبل، وطوال الطريق إذا بالغلام يردد: «لا إله إلا الله». وأثناء صعود الجنود بالغلام إذا به يقول هذا الدعاء الذي قاله النبي صلي الله عليه وسلم أثناء هجرته حينما كان يلاحقه سراقة: «اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت إنك علي ما تشاء قدير» يقول النبي صلي الله عليه وسلم: (فاهتز بهم الجبل فسقط الجنود وعاد الغلام). وإني لأتساءل أكانت هذه معجزة؟ أم كان الجنود مهزومين بالفعل ؟ قد تكون الإجابه للسببين. وهنا نسأل أنفسنا كيف نقول نحن «لا إله إلا الله»؟ أنقولها بقوة ومن قلوبنا حقا؟ هذه الكلمة التي قالها رجل كان له تسع وتسعون سجلا من السيئات وضعوا جميعًا في كفة السيئات ووضعت أمامهم في كفة الحسنات كلمة «لا إله إلا الله» وقد قالها يوما من كل قلبه، يقول النبي صلي الله عليه وسلم: «فطاشت السجلات، ولا يثقل مع اسم الله شيئاً».

وعاد الغلام إلي الملك ولم يهرب؛ لأنه صاحب رسالة. وحينما عاد قال له الملك: «أين أصحابك؟» - يقصد الجنود فمن المفترض أنه ذهب لرحلة وليس مع جنود- فرد عليه الغلام: « كفانيهم الله» ولنلاحظ أن الفتي مازال يحاول مع الملك ولم يلجأ معه للعنف في الحديث، ولكن الملك أخذه ودفعه إلي بعض الجنود وأمرهم أن يذهبوا به إلي سفينة وفي وسط البحر يلقوه منها، وبالفعل أخذوه وذهبوا به، فقال الغلام: «اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت إنك علي ما تشاء قدير» فانقلبت السفينة وغرقوا جميعا وعاد الغلام إلي الملك، ولنتخيل هنا أن الملك يتمني لو هرب الغلام ففي رجوعه إثبات لضعفه وأنه لا إله إلا الله. ويسأله الملك مرة أخري عن أصحابه فيرد الغلام: «كفانيهم الله».

السبيل لإيقاظ الناس:

وجد الغلام أن كل ذلك لم يجعل الناس تستيقظ من خوفها وبدأ يفكر في الموت عله يكون السبيل لإيقاظهم، فذهب إلي الملك وقال له: «إنك لست بقاتلي حتي تفعل ما آمرك به» فقال الملك: «وما ذلك؟» أصبح الملك الآن هو الضعيف - يقول الرسول صلي الله عليه وسلم:« قال له الغلام: اجمع الناس في صعيد واحد ثم اصلبني علي جذع نخلة ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام - نلاحظ أن الفتي يريد إيصال رسالته للناس، كما أنه يرسم المشهد الذي يرغب في أن يراه الناس، مستخدما الإعلام لإيصال هذه الرسالة، ويجعل الملك يخلع رداء الألوهية-، فجمع الملك الناس وصلب الغلام في جذع النخلة وأخذ السهم وقال: «بسم الله رب الغلام» وأطلق السهم فأصاب خد الغلام الذي وضع يده علي خده وابتسم وقال: «لا إله إلا الله» ومات، فجرت عليه أمه واحتوته وصرخت بـ «لا إله إلا الله» ، فصرخ الناس «لا إله إلا الله، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام»، وانتصر الغلام وآمنت الناس.

بطش الملك بالناس:

أمر الملك بحفر الأخاديد في أفواه السكك وأن يشعلوا فيها النيران، وطلب من أتباعه أن يتركوا كل من يرجع من الناس عن دينه، أما من يرفض فيلقوه في الأخاديد، ويصف النبي صلي الله عليه وسلم المشهد ليمثل فيه معاناة الآلاف: أمٌّ تحمل ابنها الرضيع وكانت تخاف عليه من الموت، فكان ممن نطق في المهد وقال: «أماه إنكِ علي الحق فلا تخافي»، فأخذته وقالت لا إله إلا الله، ودخلت به في نار الأخدود، وهناك أيضا جندي من جنود الملك، والملك يقول له: «أرأيت كيف أخضعت رقاب الناس؟»، فقال له: «لقد أخضعت رقابهم ولكنك لم تخضع قلوبهم» مات الناس والملك يشاهد الحفرة، ويتلذذ بموت الناس أمامه حرقا. وقيل مات واحد وعشرون ألفا لأنه كما قيل إنه كان أكثر من أخدود.

نهاية القصة:

انتهت القصة، ولكن هل انتصر الملك؟ وهل هذه هي النهاية؟ اختار الله هذه النهاية وثمة ما نستنتجه منها:

1 . هذه ليست النهاية، ولكن هناك يوماً للحساب، فهذه النهاية ما هي إلا فصل من الفصول.

2 . من هذه النهاية لنا أن نسأل أنفسنا: هل نحمل الحق والرسالة ولكن نشترط أن ننتصر الانتصار الظاهري؟ أم أننا نحمل الرسالة كمبدأ؟ فعمل الخير والإصلاح ومساعدة الناس مبدأ.

3 . لنعلم أن كلمة لا إله إلا الله غالية، فجليس الملك والراهب والغلام أفراد، أما نهاية القصة ففيها تضحية شعب بأكمله.

انتصارات الغلام والناس:

1 . انتصر الغلام بإخضاع الملك لإرادته بأنه لم يتنازل عن مبدأه.

2 . انتصر الغلام والناس بكسبهم الجنة، فالشهداء في الفردوس الأعلي من الجنة.

3 . انتصر الغلام والناس بذكرهم في التاريخ.

4 . انتصر الغلام حين نجح في إحداث التغيير لكن دون عنف.

5 . انتصر الغلام حين نجح في أن يجعل من دائرة تأثيره أكبر وأكبر حتي أصبحت أوسع من دائرة الملك وأصبح هو المؤثر.

6 . انتصروا حينما علمونا أن الحياة قصيرة.

سورة البروج:

(وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَو * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَال الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (البروج 1- 14).

(الْبُرُوجِ): أي البرج العالي الذي منه تراقب الأحداث، فالسماء كلها شاهدة علي ما فعله الملك.

(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ): فالقصة لم تنتهِ ولايزال هناك يوم للحساب.

(وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ): فكل الأرض شاهدة.

(إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ): الملك ومجلسه وتلذذه بالمشهد.

(وَهُمْ عَلَي مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ): فالله يشهد وليس بغافل عما يحدث، فلنتعلم أننا مهما ظلمنا فإن الله هنا يسمع ويري ويشهد.

(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ): فالله يفتح للجميع باب التوبة مهما فعلوا ومن لم يتب فله عذاب الحريق.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ): القصة لم تنتهِ فلهم جنات.

(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ): هناك فصل قادم يوم القيامة القصة لم تنتهِ.

(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ): وهو الودود للغلام، وستكون عند عرش الرحمن يا من مت في سبيل الله.

نهاية الملك:

1 . أصبح الملك ملكاً بلا شعب.

2 . بدأت تطارده الكوابيس بالحرق.

3 . علمت الحبشة المسيحية بما حدث فتحركت جيوشها إلي اليمن، وأزالت مُلك هذا الملك، فهرب الملك ودخل بفرسه البحر وانتحر. 4 . دخلت المسيحية إلي اليمن وصارت قصة الغلام قصة الإيمان، مما جعل بعد ذلك دخول الإسلام لليمن سهلاً وقلوب أهلها رقيقة عاشقة للإيمان بسبب الغلام.

توصيات الحلقة:

1 . كن واثقاً من نفسك واعمل علي جعل دائرة تأثيرك كبيرة.

2 . عَمِّر قلبك بـ «لا إله إلا الله».

3 . من سيعمل لله وللناس سيجري الله علي يده كرامات كثيرة لم يكن ليتخيل أن تكون علي يديه.

4 . عش للناس وعش للإصلاح ولا تنعزل واصلح بين الناس بالحب وليس بالعنف.

5 . عش للناس وكن صاحب رسالة من اليوم، أقسمت عليك وعلي كل من سمع هذه القصة التي رواها رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تكون لكم رسالة.

المصدر: http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=2651&Itemid=88