الحقوق محفوظة لأصحابها

عمرو خالد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلا بكم وسنبدأ برنامج جديد مستمر معنا حلقات كثيرة ربما حتى رمضان القادم، هذه هي الحلقة الأولى. البرنامج اسمه دعوة للتعايش، وهو يتحدث عن دعوة للتعايش والتفاهم والحوار، فأي مشكلة لابد من توصيفها أولاً، وفي هذه الحلقة سأخبركم لماذا اخترنا هذا الموضوع. نظرنا فيما حولنا، فوجدنا مشكلات كثيرة بيننا كمسلمين وداخل بلادنا، وبين بلادنا، كل هذا جعلنا نقدم دعوة للتعايش، وأول ما نتحدث عن دعوة للتعايش نتحدث عن أنفسنا وبلادنا وحالنا.



لماذا دعوة للتعايش؟

وجدنا العراق والآلاف يموتون، ولا أتحدث عن الاحتلال الآن، بل عن العراقيين بين بعضهم البعض، آلاف يقاتلون بعضهم، قتل بالهوية سني وشيعي، هذا البرنامج أيضا من أجل فلسطين، ولا أتحدث عن الاحتلال، بل عن الفلسطينيين وبين بعضهم البعض، الدماء التي أصبحت بيننا، الخلاف الذي أصبح بيننا، والعالم كله يشاهدنا، وأنا آسف أني أصور هذا البرنامج في اللحظات التي بها النزاع في فلسطين على أشده بين الفلسطينيين وبعضهم البعض، وأعلم أنه هناك أيدي خارجية وخبيثة في العراق وفي فلسطين حريصة إنها توقع بين الناس وتشعل الفتنة، لكننا في النهاية إذا تعلمنا نحيا سويا، ونتحدث سويا، ونتفاهم سويا، لن يحدث معنا كل هذا، لبنان الجميلة والتي يضرب بها المثل في تعدد الطوائف والذي يؤدي إلى ثراء لبنان.



عندما كنت أحيا في لبنان، كنت أذهب للمساجد في لبنان فأجدها أحلى مساجد دخلتها في العالم العربي وأنظفها وأجملها، وعندما سألت علمت أنه بسبب تعدد الطوائف، فكل طائفة حريصة إنها تمتلك أو يكون عندها أرقى وأجمل وأنظف شكل يعبر عنها، فقلت سبحان الله كأن اختلافهم يؤدي إلى ثراء لبنان كلها، لكن الآن اختلفوا وغالباً بسبب أيدي خفية خبيثة أوقعت بينهم، وأشعلت الفتنة بينهم، يا ليتهم عرفوا يحيوا سوياً ويتفاهموا سوياً، ويترفعوا عن الفتن الصغيرة.



كنت أظن دارفور فتنتها قتل ودماء والآلاف الذين يموتون، فتنة بين مسلمين وغير مسلمين، حتى فوجئت أن جميعهم مسلمين، والمفاجأة الأكبر أن دارفور هي أكبر جزء في السودان به حفظة قرآن، فعلمت أن هناك مشكلة في التفاهم في كل مكان في العالم العربي والإسلامي، ولا أتحدث عن العدو الخارجي أو الاحتلال الآن، ولا أتحدث عن الأخر، بل عن ما بيننا نحن بعضنا البعض وأننا لا نعرف كيف نحيا سوياً، ولا أتحدث عن برنامج سياسي، رغم حديثي عن المآسي في بلادنا، لكن موضوع التعايش والحوار، أبعد بكثير مما يحدث في العراق وفي لبنان وفي دارفور وفي فلسطين بين الفلسطينيين وبعضهم البعض.



بل هو بداخل بيوتنا، حتى الآباء والأبناء لا يوجد بينهم مساحة حوار، الأب لم يعد يتحدث مع ابنه، والأبناء أغلقوا على أنفسهم الحجرات ولا يحدثون أهلهم، أصبحنا بداخل البيت جزر منفصلة، وهذه التي أدت بعد ذلك للعراق وفلسطين ولبنان ودارفور، فنحن كمسلمين فقدنا ثقافة التحدث والتحاور سوياً، كل منا يحيا وحده بداخل البيوت، الابن مُغلِق حجرته على نفسه كأنه في جزيرة منفصلة والأب يعطي أوامر ولا يتحاور مع الأبناء، وليس فقط جيل الآباء والأبناء، بل حتى في المدرسة والجامعة لم يعد هناك حوار بين الأستاذ والتلميذ.. نحن فقدنا لغة التعايش بيننا، الأزواج والزوجات، الطلاق في ازدياد، والتعاسة في ازدياد، والحب في البيوت يقل، والعلاقات الزوجية فقدت التفاهم، والخلاف على أتفه الأسباب، وتجد الخصام والطلاق وتفرق العائلات وضياع الأبناء من أجل زرار قميص أو ملح زائد، حتى في الطريق في حادث سيارة بسيطة لا تكون البداية أن يتحدثوا سوياً، بل خلاف وربما بالأيدي.



المحاكم امتلأت بالمشاكل، آلاف القضايا لعدم قدرة الناس على التعايش سوياً والحديث سوياً، انظروا لجيل الشباب الذي لا يجد من يحدثه فبدأ ينعزل ويشرب المخدرات، ويتطرف، وينحرف انحرافات فكرية وسلوكية لأنه وحده، كل هذا التوصيف أريد منه أن يصل لكل من يسمعني أن هناك مشكلة كبيرة، بداية من البيت والشباب والأولاد مع آبائهم وأمهاتهم للمدرسة للجامعة للأزواج والزوجات، وكل هؤلاء أخاطبهم من خلال البرنامج.



ولست أتحدث عن وضع بلادنا في العراق وفلسطين فقط، بل والرجل وزوجته، والابن وأبوه، حتى المساجد نختلف مع بعضنا على أدق وأبسط الأمور وتتحول لقضية كبيرة وكراهية بيننا، لعدم قدرتنا على أن نقبل بعضنا وخلافات في الفروع ليست في ثوابت الإسلام، وتصل لسباب وتجريح ونعطي قدوة بالمساجد التي هي رمز التآلف وبُنيت لجمع الناس وشمل المسلمين، حتى بداخل العمارات انظروا لاتحادات الملاك الآن وخلافاتهم، حتى الجيران الساكنين بجانب بعضهم البعض.. نحن فقدنا لغة الحوار والتعايش سوياً. دعوة للتعايش..هيا نحيا سوياً، ونتحدث سوياً، وهذا هو موضوع البرنامج.



فهو لا يتحدث عن قضايا سياسية بل يمس كل إنسان منا ، فهو بداخل البيوت والشباب، وبداخل مصانعنا وشركاتنا وجامعتنا والبحث العلمي، كيف نعمل سوياً، فكرة فريق العمل و العمل الجماعي فكرة منعدمة، فنحن لا نعرف كيف نعمل سوياً، ففي بلد مثل نيوزيلندا تجد شركة يديرها الجيل السابع من الأبناء، تخيل! وهذا يعني أن الجد السابع قد أسس الشركة والتي أخذت تنموا وتتناقل للجيل السابع، أما نحن فالأب يموت وقد أقام شركة في يوم ما ثم يموت فيختلف الأخوة ويقسموا الشركة إلى ستين مصنع وتتفتت الشركة، أما الشركات في أوروبا الآن فتندمج مع الشركات الكبرى لمزيد من القوة، ونحن نتفتت، فليست لدينا هذه الثقافة.



يتحدث البرنامج أن فكرة الحوار والتعايش غير موجودة حتى في المدرسة، ولا توجد مادة في المدارس تسمى مادة التعايش أو فن الحوار والاتصال، ولا في الجامعة، كيف نتعامل مع الآخرين ونكسبهم، كيف أوجد مساحة مشتركة بيني وبين الآخرين، كيف أتعامل مع الناس، وكيف أتعايش.



لا أعلم خطبة جمعة تحدثت في الموضوع، ولا أعرف آباء وأمهات يقصون على أولادهم قصة قبل النوم كيف يتعايشوا ويتحاوروا سوياً، لا أعرف ألعاب موجودة في بلادنا تُعلِّم العمل الجماعي كالبلاد الأخرى، ولا كيف الأطفال يلعبون لعبة جماعية، نحن فاقدين لهذه الثقافة، رغم أن ديننا ممتلئ بها، كما سأخبركم في بقية الحلقة، والمشكلة وصلت حتى للمسلمين في الغرب. المواطن الغربي منذ مائة عام إذا أراد معرفة معلومة عن الإسلام، بصرف النظر سيسلم أم لا، ولم تكن هناك إنترنت، ولا فضائيات، ولا مسلمين في الغرب، فكان يأتي بها من أناس يسمون بالمستشرقين.



المستشرقين أناس درسوا الإسلام وعادوا للغرب يحكون له عن الإسلام، لكن للأسف أغلب المستشرقين تحدثوا عن الإسلام خطأ، وعرضوا الإسلام بأنه انتشر بالسيف، فخاف المواطن الغربي من الإسلام وظللنا هكذا سنين طويلة حتى أصبح المسلمين بالآلاف بل بالملايين ذهبوا وعاشوا في الغرب، فحمدنا الله لأن الصورة عن الإسلام ستتحسن وسيُحترم الإسلام وسيعرف الغرب الإسلام من مصادره الحقيقية لأنه لن يحتاج للمستشرقين لأن جاره مسلم يسكن بجانبه، لكن للأسف حتى هذه لم تحدث.. انعزل المسلمين في الغرب على أنفسهم، وانغلقوا، ولم يتعايشوا مع المجتمع حتى يحترم الإسلام، ويعرف الصورة الحقيقية للإسلام. هؤلاء نحدثهم من خلال البرنامج، المسلمين في الغرب، كيف تندمج في المجتمع الغربي بدون ما تفقد إسلامك أو هويتك مع الاعتزاز والافتخار أنك مسلم.



البرنامج يُحدث كل هؤلاء، يقول لإخواننا بالعراق وفلسطين عيباً وكفى دماء، ويقول للأزواج والزوجات تحدثوا سوياً وسنساعدكم في هذا البرنامج. ويقول كيف نتعلم فن الحوار مع بعضنا كأزواج، ويقول للشباب كيف تتحدث مع أبوك وأمك، ويقول للأهالي كيف تسمعوا لأولادكم. البرنامج يُعلم الناس في الشركات والمصانع، كيف نصبح متعايشين مع بعضنا البعض، كيف أوجد معك مساحة مشتركة، كيف نعمل سوياً، وسنضرب الأمثلة على ذلك، وسأعطيكم فكرة البرنامج ولماذا نقدمه، فالبرنامج ليس موجه فقط لمن لديهم خلافات ومشكلات، لكن يُحدث عموم شبابنا، فأي شاب يريد أن ينجح في الحياة هناك مهارة أساسية لابد من تعلمها تسمى فن التعامل مع الناس ومع الأخر، وكيف إذا كان لدي دائرتي وفكري، ولديك دائرتك وفكرك ، وإذا ظللنا على بُعد ستبقى الدائرتان بعيدتين، وكيف لأنجح لابد من أن أبحث عن مساحة مشتركة في المنتصف بيني وبينك وستبقى في دائرتي جزئية أنت غير موافق عليها، وستظل جزئية في دائرتك أنا غير موافق عليها، لكن ستبقى أيضا منطقة في المنتصف نظل نتوسع فيها، ونكسب فيها نحن الاثنان.



هناك كلمة جميلة سنتعلمها في البرنامج، أحد العلماء الذين سنراهم بعد قليل يقول: الآن استطعت أن أرى بوضوح لأني صعدت على أكتاف الجميع يوم استمعت لآراء الجميع، فالبرنامج سيعلمك أداة من أدوات النجاح في الحياة، هي كيف نتعايش مع بعضنا البعض، فالمشكلة أنه هناك دماء وهناك خسائر وبلاد تضيع وأمهات تفقد أولادها، وأزواج وزوجات يطلقون ومحاكم، هناك شباب ضائع وهناك شباب يريد النجاح ولا يملك أدوات النجاح، فأتينا نقول دعوة للتعايش.



ما هو هدف البرنامج؟

هدف البرنامج شيئين: الأول غرس فكرة التعايش، والقدرة على التعامل مع الناس، والانفتاح على الناس والتفاهم معهم والتحاور معهم، غرس فكرة التعايش في قلب وعقل كل مسلم. الهدف الثاني هو مساعدتك من خلال هذا البرنامج، نعطيك المهارات الأساسية، وكأنك تأخذ تدريب، كيف أتعايش مع الأخر، وكيف تكسب الناس، إذا فعلت كذا ابنك يقترب منك، إذا فعلتي كذا تتفاهمي مع زوجك، سنعطي الأدوات التي سيفتح بها الله علينا من خلال المادة الموجودة معنا، وتفهم كيف تبحث عن مساحة مشتركة بينك وبين الناس، ولا يكون هناك بُعد.



ستبحث على طريقة لتخلق مساحة مشتركة بنية التقارب وبنية التآلف مع جارك أو زميلك في العمل، سنتفق في الحلقة الأولى على مصطلحات، فعندما أقول كلمة الأخر، الناس تعتقد إني أتحدث عن الغرب، وأنا أقول لكم أن علماء النفس أقروا أنه أول ما يُفطم الطفل، يصرخ لانفصاله عن الأم، معنويا وجسديا ونفسيا، ثم يسكن صراخه لأن هذه أول مرة يتعايش مع الإطار من حوله ويبدأ يتعايش مع أمه بطريقة جديدة، فالتعايش في علم النفس يبدأ مع الأخر الذي هو الأم حتى الأم أخر في علم النفس. والقرآن الحقيقة عندما تحدث عن الأخر، تحدث عنه في أمر غريب جداً وهو بين الأخوات، وأنا أريد سؤالكم سؤالاً، هل يعرف أحد ما هو أول درس علمه الله للبشرية؟ هو كان درس التعايش، ستنزلون الأرض ولابد أن تتعلموا تعيشوا مع الأخر، ابنيّ آدم عندما نزلوا إلى الأرض.



الآية تقول : {...تُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ... } ( المائدة : 27)، {...إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ... }، كلمة الأخر جاءت في القرآن رغم إنهم أخوين، لكن اعتبر الثاني أخر لأنهم مختلفين عن بعضهم البعض في التفكير، قال: {...لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } الأول رفض التعايش وحسد الثاني والثاني قال : {...إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }، لا تحسدني طالما هي نعمة من الله تبارك وتعالى، وكوني لدي بترول في أرضي فهذه نعمة من الله تبارك وتعالى، لا تحسدني عليها وترفض التعايش وتحاول أخذها ثم تطالبني بالتعايش، { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }، الآيات تحكي عن أول علاقة أخوين من أم واحدة وعائلة واحدة، من جنس واحد من لون واحد من دين واحد ولم يعرفوا يتعايشوا سوياً وقتل أحدهم الأخر.. كأن أول درس للبشرية انزلوا للأرض، لكن لابد وأن تتعلموا كيف تعيشوا سوياً. ولقد أتيت اليوم لأقول لكم أن أول درس للبشرية وأول فطام الطفل، هو قضية التعايش.



ولم أجئ لأتكلم في موضوع ترف بل في ألف باء الوجود وألف باء الحياة، كيف نتعايش مع بعضنا البعض في الحياة بداية من يوم ما تولد وكل من هو مختلف عنك هو أخر، كيف إذن تتعايش بداية من أبوك وأمك فهم أخر، حتى زوجتك وابنك وأخوك، حتى العراق وحتى فلسطين، وهذا هو معنى دعوة للتعايش، واعلموا أن المتعايش قادر على التفاهم مع الناس والتحاور معهم وهو واثق من نفسه، إنسان قوي ومنفتح وحضاري، أما الغير قادر على التحاور مع الناس هو إنسان ضعيف ومهزوزة ثقته في نفسه، ولذلك لأن الإسلام دين قوي جداً ومنفتح على العالم وصاحب رسالة عالمية ينفتح على الثقافات الأخرى ويتعامل مع الثقافات الأخرى لأنه قوي وغير مهزوز ولأنه بما فيه من عناصر القوة محافظ على هويته وفي نفس الوقت منفتح على الآخرين، سامحوني فحلقة المقدمة دائما تكون بها الأساسيات التي سنتفق عليها طوال البرنامج.



معنى التعايش..

هناك نقطة هامة جداً لابد أن أقولها وهي أنه ليس معنى التعايش إنك تفقد نفسك أو تفقد شخصيتك ولا أريد أن يعتقد أحد إني أتيت لأتحدث في هذا البرنامج من أجل أن نُميِّع شخصيات شبابنا ويصبحوا بلا شخصية.. فليس معنى التعايش أن أذوب. أعلم إنك ستقول كيف سأنفتح وأتعامل مع الناس بدون أن أفقد شخصيتي، ليس معنى التعايش للمسلمين في الغرب إنك تفقد إيمانك وتفقد هويتك الإسلامية وتقول أنا تعايشت مع الغرب.. لا، إن معنى كلمة تعايش إنه هناك طرفين، فإذا أصبحوا طرف واحد فلن يكون هناك معنى للتعايش ، فإذا ذابوا لن يكون هناك تعايش، وبالتالي لا يصلح أن يفرض الغرب ثقافته علي، ثم يقول لي نتعايش. لا يصلح أن تجعل شبابنا نسخة من ثقافة أخرى وهي ثقافة الغرب وبالقوة وهم مختلفين ثم تقول لي نتعايش، لا يصلح أن تحتل أرضي ثم تقول لي نتعايش.



فلا أريد أن يفهم أحد هذا البرنامج خطأ، فأنا أدعو للتعايش لكن التعايش ليس هو الذوبان، بل يعني أنه هناك طرفين يحترموا بعضهم البعض ويتعاملوا مع بعضهم البعض، هذه النقطة لابد وأن تكون واضحة جداً حتى لا يزايد أحد على الكلام الذي أقوله، فنعم نريد التعايش وديننا يأمرنا به وهو أول درس للبشرية.. ونريد أن نعلم شبابنا مهارات التعايش وهذا هو هدف البرنامج، وأيضاً كيف نتعامل ونعمل سوياً، كيف نقبل بعضنا البعض ونحترم بعضنا البعض، لكن ليس معنى هذا أن أفقد شخصيتي، وليس معناه أن يقول الغرب هي فرصة إنهم يتحدثوا عن التعايش، فيقولون هيا تعايشوا معنا لكن سنحتل أرضكم وتفقدوا شخصيتكم والأجيال التي ستخرج تكون مطموسة وليست لديهم هوية.. أقول لا، بل أنا سأتعايش وجذوري ثابتة في الأرض، سأتعايش ولن أذوب لأني معتز بإسلامي ومعتز بإيماني ومعتز بشخصيتي.



ولهذا سيكون البرنامج كله يحكي لنا قصص التعايش من تاريخنا، ولماذا من تاريخنا؟ لأقول للشباب انظر هويتك عظيمة، انظر إسلامك عظيم، تعايش وجذرك ثابت في الأرض، فلا أريد أن يزايد أحد على كلامي أو يقول أن دعوة للتعايش هي أن نفقد قيمنا، لا.. إن هذا عكس ما أريد قوله، وأنا أقول أني صاحب رسالة عالمية أنفتح على العالم كله وأنا معتز بشخصيتي، وهذا ليس كلامي.. النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا ويقول لنا: (( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه ))، ويخالط في معنى البرنامج هي التعايش، والذي لا يخالط الناس هو الذي أغلق على نفسه ثم يقول الحمد لله لم يقترب مني أحد.. ليس هذا الأحسن، بل الأحسن هو الذي يخالط ويصبر.



ويصبر على آذاهم تتضمن إنهم يريدون أن يفقدوه شخصيته، لا.. بل تمسَّك بشخصيتك لكن في نفس الوقت قل أنا قادر أن أتعايش معك وأتفاهم معك وأوجد مساحة مشتركة بيني وبينك رغم أني مختلف معك. إذا اتفقنا على هذا الكلام فهيا نتنقل للنقطة الثالثة وهي: قيمة التعايش في الإسلام، وماذا يقول في التعايش.



قيمة التعايش في الإسلام..

في الحقيقة هو كلام جميل جدا أحب أن تعرفوه وتفتخروا أن الإسلام هو الذي يقول ذلك، فما هو الذي يعلمه لنا الإسلام؟ أنه لا يجد عيباً في أن نكون مختلفين، وهذه النقطة على بساطتها فالكثير من المسلمين غير مُتخيليها، وهو أنه لا يمكن أن يكونوا مختلفين، وأنه بالتأكيد نفسه على صواب والأخر على خطأ وغير مقبول أن يكون هناك أخر، ودائماً هو مقبول والأخر مرفوض، وقبل ما يبدءوا الكلام تجد الفكرة التي في عقله أنه رافض الأخر وأنه على الصواب دائماً.



أريد أن أقول أن فكرة الإسلام في الأصل قائمة على أن نكون مختلفين عن بعضنا البعض وهي سنة كونية وطبيعة من طبيعة البشر.. لماذا؟ لأن أعظم ما خلق الله تعالى هو العقل، فلا يصلح أن تكون العقول كلها عقل واحد، لابد أن تكون مختلفة عن بعضها البعض، فلأن العقول مختلفة عن بعضها، ولهذا فالإسلام قَبَل أن نكون مختلفين، فكيف تقبل أنت أن تكون الناس مختلفة في أشكالها، ولا تقبل أن يكونوا مختلفين في طريقة تفكيرهم، أنا أقول هذا الكلام حتى للأب وابنه، فابنك لابد أن يكون مختلف عنك، وليس شرطاً أن يكون مثلك تماماً، هذا وكأنك تتخيل أن تنزل للشارع فتجد كل الناس شبيهة بك، فأنت تريد ابنك شبهك وابنتك شبهك وزوجتك شبهك وجارك شبهك، هل أنتم متخيلين!!



تجد الرجل في المسجد على مذهب من المذاهب وهو مؤمن به فيريد كل الناس تسير على نفس الفكرة وتؤمن بنفس الفكرة وتقتنع بنفس الفكرة، وهذا غير ممكن. أنت وزوجتك مختلفين الطباع، وأنت لا تقبل ذلك وهذا هو الأصل أن تكونوا مختلفين، إذا آمنت بهذه النقطة وبمجرد قبولك للفكرة فذلك هو الحل لنصف المشكلة، فأنت وزميلك في الكلية مثلاً إذا قبلت اختلافه عنك وصادقته، بمجرد قبولك للفكرة فهذا نصف الطريق، أما الإسلام فيقول لك الأكبر من ذلك، يقول لك ليس كافي أن تكونوا مختلفين فقط بل إن هذا الاختلاف غِنى، وهو ثراء للحياة، أن تكونوا مختلفين عن بعضكم البعض هو مكسب للدنيا وللأرض، وإن عدم الاختلاف فقر، متخيل! هذه وجهة نظر الإسلام، تريد أن تعرف من أين أتيت بهذا الكلام؟



اسمع القرآن، القرآن يقول أن اختلافنا عن بعضنا البعض غنى وثراء، هل تعلمون ما أنا أحاول فعله في البرنامج الآن؟ أقنعك أنك إذا وجدت من هو مختلف عنك لابد من أن تفرح، لكي تستكمل منه ما ينقصك، ويستكمل منك ما ينقصه، انظر لما تقوله الآية: {... وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا... }( الحجرات:13)، وكان ممكن أن يجعلنا الله تعالى شعب واحد وقبيلة واحدة، وكأن الآية تعترف بتعدد الجنسيات وتعدد اللهجات وتعدد الأفكار وتعدد القوميات وتعدد العرقيات، كل هذا مقبول، وكأن الآية تقول وجعلناكم شعوباً وقبائل ونريد أن نوجه هذا الاختلاف في الاتجاه الإيجابي، فكأن وجعلناكم شعوبا وقبائل سنة كونية أن لابد من أن نكون مختلفين، لماذا ؟ لتعارفوا.. وكلمة لتعارفوا كلمة واسعة في اللغة العربية، فهي تعني: تتبادلوا المنافع، تتفاهموا، تستفيدوا من أفكار بعضكم البعض، تلاقح الأفكار مقبول، تبادل المنفعة الاقتصادية مقبول.



فهذه إذن حكمة الكون.. لماذا خلق الله الأرض؟ أنسيتم حكمة الخلق؟ إعمار الأرض وإصلاح الأرض. وكيف تُعمَّر ونحن غير مختلفين عن بعضنا البعض لنتبادل الثقافات والأفكار والمنافع؟ فأضحى الاختلاف هو الهدف من الخلق لتُعمَّر الأرض، فإذا كنا شكل واحد لأضحت الأرض فقيرة جداً، أرأيتم عظمة الآية؟! جعلناكم أجناس مختلفة لكي تتعرفوا على بعضكم البعض فتتبادلوا المنافع. وكلمات مثل لتعارفوا موجودة بكثرة في آيات القرآن مثل: {...وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ... }( المائدة:2)، والمقصود أن تتبادلوا الاستفادة والتعامل سوياً، وليست الآية على المسلمين فقط، بل تعاونوا كل العالم وكل الجنسيات وكل الأديان.



تعالوا نتعاون في حرب مقاومة المخدرات، ونستفيد من خبرات بعضنا البعض بأن نقاوم المخدرات، أو أنفلونزا الطيور.. أرأيتم حكمة الخلق! لكن في نفس الوقت بقية الآية: {...وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... } تحتل أرضي وتقول لي نتعاون ونتعايش؟! لا، لكن نتعاون على البر فهذه لكل البشر في العالم، أرأيتم المفهوم الإسلامي والفكرة؟ ولذلك انظروا.. متى ازدهرت حضارة الإسلام؟ عندما دخله جنسيات مختلفة، ففُتحت مصر والشام والعراق، وخرجت الدعوة من الجزيرة واختلطت بجنسيات وأراضي والجمهوريات السوفيتية، فدخلوا في الإسلام وحدث تلاقح فخرجت حضارة ضخمة، أرأيت كيف أن الآية معنا في التاريخ؟ لولا المسلمين في الأندلس لم تكن أوروبا أضحت أوروبا، أمريكة الحالية لولا إن فيها جنسيات مختلفة انصهرت لم تكن ستضحي أمريكا في الوضع التي هي فيه.



أنا أتحدى أن يُخرج لي أحدهم دستور من الدساتير لأي دولة أوروبية تقول يا أمة هناك شعوب أخرى اذهبي للتعرف عليها ليصبح وضعك أحسن، أنا أتحدى أن يكون هناك دستور غير القرآن قال وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.. فيا غرب لا تزايد علينا وتقول أنك مخترع التعايش، فالتعايش وقبول الاختلاف هو ألف باء قرآننا، وهو أول دستور تكلم في أن نتعارف ونتبادل المنافع في البر والتقوى وليس في الإثم والعدوان، وليس أن تفرض ثقافتك علي أو تأخذ أرضي. ولا أعلم لماذا هذه الآية ليست منتشرة بيننا ولا نسمعها كثيرا أو نتحدث فيها، وهي: { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ... } (هود:118) الآية واضحة، فلو شاء الله لم يجعلهم مختلفين، وبقيتها: {...وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } وكأن الله تعالى يقول لنا لابد أن يظلوا مختلفين وكأنها سُنة كونية وبقية الآية: { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ...}( هود:119) فكيف رحمهم؟ رحمهم بأن جعل هذا الاختلاف يوجه في اتجاه إيجابي للتبادل والمنفعة.



كأن الآية بتقول أن التعايش أو اختلافنا عن بعضنا البعض ممكن يكون أمر صحي حين يتحول لتبادل وممكن تكون حالة مرضية عندما تصبح بلادنا في الحالة التي هي عليها الآن، انظر بقية الآية: {...وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ... } أي للاختلاف. انظر لقول الله تبارك وتعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } ( الروم:22) هذه آية من آيات الله تعالى.. أنكم مختلفين عن بعضكم في اللهجات والألسنة واللغات وبالتالي الثقافات، إنها آية خطيرة، كأن الإسلام يقول لنا أن الله تعالى هو الذي أراد الاختلاف، وكأن الذي يريد أن لا تكون الناس مختلفة عنه لم يفهم حكمة الله في الكون، فالاختلاف يزيد الأرض منفعة وتعاون وخير والاختلاف ثراء، أيمكنك أن تبدأ النظر إلى أن اختلافك عن جيل أولادك ثراء لك ولهم؟ أيمكنك أن تبدأ تنظر إلى اختلافكم في العراق واختلافكم في لبنان كثراء، وأن اختلافك عن جيرانك كيف تستفيد منه لصالح العمارة؟.



البرنامج يقول لك ابدأ فكر بهذه الطريقة، ولذلك يقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر))، يضرب لك النبي المثل بجسدك حتى أصابع يدك مختلفين عن بعضهم فلا يوجد إصبع مثل الأخر، الجسد.. أعضاء مختلفة، مهام مختلفة، وظائف مختلفة، أدوار مختلفة، ومع ذلك حين تكاملوا مع بعضهم البعض كانت النتيجة أن أصبح الجسد متكامل وهكذا الدنيا وهكذا هي النظرة للاختلاف، وهكذا يريدنا النبي كمسلمين، فهل نحن كما يريدنا؟ مختلفين فنتكامل فحياتنا تصبح أحلى؟ هذا البرنامج أتى لكي نتفق على هذه الفكرة، لنحقق حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وننفذ هذه الفكرة، أعضاء مختلفة، أفكار مختلفة، وظائف مختلفة، أدوار مختلفة، نتكامل سوياً فينتج جسد واحد، فهل ممكن نصبح هكذا؟ إن شاء الله، وسننتج شباب وبنات يتحركوا بهذه الطريقة.



عندما ترى نظرة الإسلام لقضية التعايش وللتفاهم والحوار، والقرآن في الأصل كتاب مليء بالحوار، وعندما تعيش مع آياته وتنظر فيها، تجد الحوار سائد بين الأنبياء وأقوامهم.. سيدنا موسى عليه السلام وحواره مع قومه، والنبي صلى الله عليه وسلم وحواره مع قومه، حوار الابن مع الأب سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام وقضية الذبح، حوار اثنان رؤساء سياسيون مع بعضهم سيدنا سليمان عليه السلام وبلقيس، حوار يوسف عليه السلام مع إخوته وحوار يوسف مع قومه.. الأصل في القرآن الحوار وليس ذلك فقط بل القرآن يعرض حتى آراء المخالفين، انظر إلى كلمة {وَقَالُواْ }.. على الدوام تجدها في القرآن، ثم يعرض شبهاتهم، وتجد أوائل سورة البقرة تعرض منهج الإسلام حتى تصل لآية الكرسي، فتعرض عقيدة الإسلام بشكل واضح.



{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ... } ( البقرة :255 ) تجد بعدها مباشرة الآية: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ... } ( البقرة :256 ) فهو دين يتعايش مع كل ما حوله بعد ما عرض المنهج { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } ( الكهف : 29 ) فكل إنسان يختار ما يريد بعد ما عُرض عليهم الأمر بمنتهى الوضوح، فلن تجد مثل الإسلام والقرآن، وبهذا الوضوح يحدث الآخرين عن كيفية وجود مساحة مشتركة، وانظر للآية: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ... } (آل عمران :64 ) فما هي المساحة المشتركة بيننا وبين أهل الكتاب؟ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً... } ألسنا نعبد الله نحن الاثنان؟ لكن بشرط بقية الآية: {...وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً... } فلا تفرض علي قهراً أو تجبرني سواء على آراء أو على ثقافة.



هيا نبحث عن المساحة المشتركة بيننا وبينكم، ونشاهد القرآن عندما يكلم الآخرين وتجد آية جميلة جدا تحدث الغير مسلمين تقول: {...وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } ( سبأ :24 ) المفترض أن يقول وإنا على هدى وأنتم في ضلال مبين! لكن انظر لمساحة الحوار وكيفية عرضها، هيا نتحاور وبالتأكيد أحدنا مخطئ والثاني على صواب، فيبدأ معهم بهذه الطريقة التي بها حوار، وكأن تعالوا نسمع الرأي والرأي الأخر، ويقول هذا للكفار فما بالكم بالمسلمين بينهم وبين بعض؟!، وانظر لهذه الآية وهي أعظم آية تحدثك عن التعايش: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء... } ( النساء :1) تقول الآية أنتم من أصل واحد، وحدة الأصل الإنساني، أنتم أصلكم آدم وحواء، فهل يوجد كلام أكثر من هذا عن التعايش؟!



والأكثر والأجمل من هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أول ما يصل المدينة كل ما فعله له علاقة بالتعايش، في أول دخوله المدينة يقول: (( أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)) فالمدينة كان كلها قبائل متناحرة.. الأوس والخزرج، فيقول لهم ما يخلق تعايش بينهم وبين بعضهم البعض، ثم يؤاخي بين المهاجرين والأنصار، ثم يبني المسجد وهو المكان الذي سيأتلف فيه المجتمع، وبعدما كان اسمها يثرب فمُنتمية لقبائل معينة يسميها المدينة، لأنه إذا سماها مثلا دار الهجرة ستكون خاصة بالمهاجرين وإذا سماها يثرب ستكون خاصة بالأوس والخزرج.



ولم يسميها الدولة القرآنية فستصبح خاصة بالمؤمنين وحدهم! أسماها المدينة اسم جامع لنعيش بها كلنا، وعمل الصحيفة يُحدث فيها اليهود والمشركين ويُحدث فيها المؤمنين والمهاجرين والأنصار، كلنا نعيش مع بعضنا البعض في هذا المكان. أنا لم أعرف قبل الصحيفة دستور كالذي عمله النبي في المدينة، ولا أعرف فكرة للتعايش عرضها الإسلام أقوى من هذه ولا أعظم من هذه.



أريد أن أقول في النهاية، الناس التي تخاف من الإسلام والذين يقولون لا نريد الدين في المدارس للأولاد حتى لا يتطرفوا ويصبحوا إرهابيين، بل أنا أقول العكس، أقول أريد تربية الأولاد على الإيمان وأعرفهم بالإسلام ليكونوا متعايشين، أتخافون من الأفكار المتطرفة؟ إذن علموا الأولاد الإسلام الصحيح لكي يكبر متحصن ويصبح مؤمن بحق فسيجد أن الإيمان كله يقول له تعايَش، لكن إذا أردتم إبعاد الشباب عن فهم الإسلام والإيمان الذي يدعوه للتعايش سيخرج ذائب ويفقد هويته، وهذا لن يكون تعايش بل هو فرض ثقافة.



نيتي في البرنامج هو قول الله تبارك وتعالى: {...فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ...} ( الأنفال :1)، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( ألا أدلكم على درجة أعظم من الصيام والقيام والصدقة؟ فقالوا : ما ذلك يا رسول الله؟ قال: إصلاح ذات البين )) أصلحوا ما بينكم وبين بعضكم البعض، والنية في هذا البرنامج: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ...} ( الحجرات : 10 ) فمن سيأخذ هذه النية معي في هذا البرنامج؟ ومن سيكون مؤمن أن الإسلام هو دين كله تعايش ومن سيكون مؤمن أن هناك مشكلة حقيقية وأننا لا نعرف كيف نتحاور؟ فخذوا النية وجمعوا الناس وألفّوا بين قلوبهم.



ثم قال النبي: (( ألا إن فساد ذات البين هي الحالقة )) قالوا :ما ذلك يا رسول الله؟ قال: (( لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين )) تقطيع العلاقات والأقارب والجيران والأزواج والبيوت والأبناء والعمل، في العراق.. الفتنة.. الأيادي الخبيثة التي تفرق في لبنان والعراق وفلسطين، حتى في مساجدنا وفي مدارسنا وفي بيوتنا.. ديننا يؤخذ منّا لأننا نفقد الثقة حتى في أنفسنا ولا نجد من نحدثه فنفهم فهم صحيح وينصلح حال شبابنا بدلاً من أن ينحرف في المخدرات لأنه لا يجد من يحدثه أو يتفاهم معه.



فإذا أردتم المحافظة على الشباب من التطرف فعلموهم الإسلام الصحيح الذي يدعوهم ليتعايشوا وهم محتفظين بهويتهم، لأن الإسلام كما يقول لك تعايش، يقول لك حافظ على هويتك {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ... } ( آل عمران : 110)، أنا فخور أننا خير أمة أُخرجت للناس، لكن في نفس الوقت أنا قادر على التفاهم مع الأخر وهذا هو ما نريد قوله في البرنامج.



علاقة التعايش بالنهضة..

نقطتين أخيرتان أريد أن أختم بهما هذه الحلقة، الأولى: علاقة هذا الموضوع بالنهضة، فكيف سننهض ونحن لا نعرف كيف نتعايش مع بعضنا؟! حتى إذا حدثت نهضة ونحن لا نعرف كيف نتعايش مع بعضنا البعض ستكون كارثة! فنحن الآن مواردنا قليلة وأموالنا قليلة، فما بالكم إذا حدثت نهضة ونحن لا نعرف كيف نتعايش!! سيحدث ذبح ودماء، وقد تكون رحمة من الله أن تتأخر النهضة حتى نعرف كيف نتحاور في مساجدنا وفي مجتمعاتنا وفي بيوتنا مع بعضنا البعض، فتأتي النهضة على أناس لديهم أدب الحوار وأدب التعايش فينجحوا أكثر، وبالتالي فأنا لم أترك الموضوع.. تحدثنا عنه في صُناع الحياة من زاوية، وتحدثنا في الإيمانيات من زاوية، واليوم نتحدث في زاوية ثالثة كيف يكون لدينا تصور عن التعايش سوياً ومع الأخر، وستكون أساس نظرتنا للتعايش نظرة قادمة من قيمنا وإسلامنا فنحن نريد أن نتعايش لكن نريد أن نستقي التعايش من مواردنا وتاريخنا وإسلامنا ولهذا في الحلقات القادمة سنحكي قصص. سنعود للقصص التي ستفهمنا كيف نتعايش مع بعضنا البعض وكيف عندما نختلف نتعايش مع بعضنا البعض، والذي سيعطينا مهارات، وكيف أبني مساحات مشتركة مع الأخرين، كل الحلقات القادمة قصص وحلقة اليوم فقط هي المقدمة.



ستعلمك القصص القادمة كيف تتعايش وكيف تأخذ من مواردنا نحن، ، فإذا أردت بناء نهضة فلماذا لا أبنيها على البناء الذي بناه أجدادنا، لماذا أهدم الموجود؟! سأقص عليكم قصة لطيفة.. كانت هناك مركب في البحر في منطقة بين التقاء البحر والنهر والصيادين في المركب المياه نفذت منهم وأرادوا الحصول على مياه عذبة وهم في وسط البحر ولم يلاحظوا أنهم في منطقة التقاء البحر مع النهر وتحتهم مياه عذبة، فأشاروا لسفينة قادمة من بلد غربية بعيدة، يقولون لهم أرسلوا لنا مياه، فقبطان السفينة الغربية قال لهم أنتم تطلبون منا نحن؟! المياه العذبة تحتكم!! وأنا أقول نفس الفكرة.. المياه العذبة عندنا، المياه العذبة في تاريخنا.



ولهذا ستفاجئوا بالقصص التي سنحكيها والسعة الكبيرة التي في إسلامنا.. فتاريخنا كله تعايش ورحمة. أناس حضاريون، رقيّ.. ستفاجئوا في الحلقات القادمة بهذا الكم الرهيب من الناس التي تتقبل بعضها البعض وتحب بعضها وتحترم بعضها ومختلفة مع بعضها البعض. فأنا أقول لكم هذا الكلام لأننا نريد بناء نهضة، والنهضة نريد بنائها من تاريخنا، ولا يوجد مانع من أن نأخذ من الآخرين ولكن أبنيها في الأصل على تاريخي، فلم أجئ لأخذها من الغرب بل جئت لأقول للغرب تعلم منّا التعايش.



ولماذا أفردنا للتعايش برنامج وحده؟ لماذا لم يكن بداخل صناع الحياة؟ لأن بمنتهى الوضوح هناك من يقود العالم الآن ويريد أخذه للصراع وأن يعيده للحروب الصليبية ويعيده للصراع حتى تُباع الأسلحة ولأنه هناك سماسرة أسلحة يريدون الاتجار بالعالم كله للصراع، فكان لابد أن ننظر لأنفسنا أننا أصحاب رسالة عالمية، وأن نرد ونقول أن الإسلام يقول كذا وأن من يريدون أن يجروا العالم للحروب الصليبية آن الوقت ليعرفوا أن هذا الدين ضد الذوبان وأنهم لن يفرضوا ثقافتهم علينا لكن في نفس الوقت هذا الدين عظيم وهو قادر على التفاعل مع العالم كله، وقدمنا لنضع بديل للصراع ونعرض هذا المعنى ونعرض هذا الإسلام العظيم في التوقيت.



هناك كتاب اسمه موت الغرب، الكتاب يقول إن الغرب أصبح لا يُكوِّن أُسر، أصبح لا يتكاثر ولا يتوالد، وإنه سيموت، وبحكم التعداد سيحل محله الأجناس الأخرى خاصة المسلمين المهتمين بالأسرة والزواج والإنجاب، فغير معقول أن يعرف العالم كله هذا الكلام ويكون وضعنا نحن منغلقين على أنفسنا ولا نريد عرض ما عندنا من شيء جميل للعالم! كيف وأول آية في القرآن: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ... } ( الفاتحة :2) وآخر آية في القرآن { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ( الناس :1)، فأول آية ليست يا أيها الذين آمنوا، فهو كتاب عالمي، أول آية فيه تكلم العالمين وآخر آية فيه تكلم الناس كل الناس.. أنت متخيل كيف لابد لنا أن ننظر لأنفسنا!، فلا ننغلق بل ننفتح وننظر كيف نتعايش، لكن دون الذوبان ودون ما أفقد إسلامي.



هذه فكرة البرنامج ولكن كيف سنطبق هذا الكلام النظري الصعب؟ نحن من الحلقة القادمة سنبدأ نحكي قصة الأئمة الأربعة: الإمام الشافعي، الإمام أبو حنيفة، الإمام مالك، الإمام أحمد بن حنبل، لكن لن نعرضها من منظور فقهي، بل سنعرضها في شكل أخر، سنشاهد حياتهم وكيف اختلفوا سوياً، وكيف يكون فن الحوار عند أبو حنيفة وكيف أنشأ مدرسة مشتركة، وكيف أن الإمام الشافعي قادر أن يتعايش مع أي إنسان ويخلق منطقة مشتركة بينه وبين الآخرين. كيف اختلف الأئمة الأربعة وفي نفس الوقت احترموا بعضهم البعض، سنأخذ حوالي أربع حلقات لنحكي قصة كل إمام، وأثناء القصة سأقول لك تعلم مهارات التعايش وشاهد تاريخنا، ونقول للغرب الذي سيسمع نفس الحلقات انظر لتاريخ المسلمين كيف هو ممتلئ بالعظمة، وهذا ما سنعرضه في الحلقات القادمة بإذن الله.



انتهت الحلقة والتي تحدثت في أربع نقاط: النقطة الأولى كانت إن هناك مشكلة في بلادنا ولهذا قدمنا هذا البرنامج، النقطة الثانية ماذا يعني التعايش، النقطة الثالثة قيمة التعايش في الإسلام وأن الإسلام احترم أن نكون مختلفين وإن اختلافنا ثراء وغنى، النقطة الرابعة والأخيرة ما علاقة الموضوع بالنهضة وكيف سنكمل الحلقات.



التعايش سيكون متداخل كقصة بداخل قصة الأئمة الأربعة مرتبطين سوياً ومتشابكين في بعضهم البعض، سنحكي قصة ليفهمها الجميع، سيفهمها البنات وربات البيوت ويقولون عرفنا قصة الإمام الشافعي وتعلمنا نتعامل مع الناس، تعلمنا من مالك كيف كان يتعامل مع أمه، وتعلمنا من الشافعي وأمه وكيف كانوا يتعاملون سوياً. ستجدون كل تجارب التعايش موجودة وستنصلح بيوتنا إن شاء الله وشبابنا سيكونوا قادرين على النجاح أكثر، وربما يحقن دم إنسان في العراق بسبب حلقة من الحلقات عن الإمام أبو حنيفة أو مالك، وربما البحث العلمي حين يرى الناس أبو حنيفة حين أقام مؤسسة للبحث العلمي في سنة ثمانين هجرية، وفي الحلقة القادمة سنتحدث عن الأئمة الأربعة ثم سندخل مع الإمام أبو حنيفة في حوالي أربع حلقات، ثم الإمام مالك خمس حلقات ثم الإمام الشافعي ست حلقات ثم الإمام أحمد بن حنبل أربع أو خمس حلقات.

نراكم الأسبوع القادم إن شاء الله ونبدأ سوياً مع الأئمة الأربعة ودعوة للتعايش.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: http://daraltarjama.com/dt/block.php?name=e3dad_articles&item_id=998

Daraltarjama.com©جميع حقوق النشر محفوظة

يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخري فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع

management@daraltarjama.com :للاستعلام