الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم .. ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .. أعزائي المشاهدين إخوتي المؤمنين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لازلنا في قواعد القرآن الكريم والقاعدة اليوم "قاعدة العزة" .. ولابد من مقدمة أيها ا لأخوة الأحباب الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك وغذاء العقل العلم وغذاء القلب الحب وغذاء الجسم الطعام والشراب .. ولكن الله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان حاجات ثلاث الحاجة الأولى حاجته إلى الطعام والشراب ليحافظ على بقاءه.

أما الحاجة الثانية: فهي حاجة إلى الطرف الآخر إلى زوجة وحاجة الزوجة إلى زوج حاجة كل من الذكر والأنثى إلى الطرف الآخر .. هذه الحاجة تحقق بقاء النوع لكن قانون العزة متعلقة بالحاجة الثالثة.

الحاجة الثالثة: هي حاجة إلى تأكيد الذات .. فالإنسان بعد أن يأكل ويشرب ويشبع ويرتوي وتزوج ويحقق هذه الحاجة في الطرف الآخر هو بحاجة عميقة جدا إلى أن يكون شيئا مذكورا إلى أن يؤكد ذاته .. إلى أن يشار إليه بالبنان هذه حاجة في أي إنسان وحاجات الإنسان لحكمة بالغة بالغة حاجات حيادية يمكن أن تكون سلما نرقى بها إلى أعلى عليين .. أو أن تكون دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين .. ألم يقل الله عز وجل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)}.. هذا الرفع للذكر تلبية لحاجة في الإنسان .. لكن هذه الحاجة كما أقول دائما حيادية قد تكون سلما نرقى بها إلى أعلى عليين وقد تكون دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين.

أيها الأخوة الكرام .. حاجة الإنسان إلى أن يكون مكرما إلى أن يكون عزيزا إلى أن يكون مهما إلى أن يكون في قلوب الناس إلى أن يكون ملئ سمعهم وبصرهم .. إلى أن يكون مقربا هذه حاجة أودعها الله في الإنسان ويمكن أن يلبيها وفق منهجه فيسعد في الدنيا والآخرة ويمكن أن يلبيها بخلاف منهجه فيشقى في أثناء تلبيتها في الدنيا والآخرة .. الآية الكريمة التي تعد قانونا لتلبية هذه الحاجة هي قوله تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}.. من هؤلاء الذين يستحقون التكريم من هؤلاء الذين يستحقون أن يكون في مكانة علية في مجتمعهم للذين أحسنوا وكلمة أحسنوا كلمة جامعة مانعة شاملة أحسنوا في عملهم أحسنوا في زواجهم أحسنوا في حرفهم .. أحسنوا في علاقاتهم أحسنوا في كسب أموالهم أحسنوا في إنفاق أموالهم .. أحسنوا في وقت غضبهم أحسنوا في رضاهم الإحسان كلمة جامعة مانعة مطلقة أنت حينما تكون محسنا حينما تبني حياتك على العطاء حينما تكون لبنة أساسية في بناء حينما تكون متوفقا على أقرانك .. أنت محسن والإحسان بشكل دقيق نصفان التزام وانضباط لتعليمات الخالق ثم عطاء للمخلوق التزام وعطاء للذين أحسنوا أكبر عطاء لهذا الإنسان .. الجنة للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال علماء التفسير هي النظر إلى وجه الله الكريم هي الزيادة { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} .. قتر .. أي تقنين أو حرمان ولا ذلة ما الذي يؤلم الإنسان أن يكون محروما أو مهانا، فمن أجل أن أكون كريما متفوقا متألقا محبوبا عزيزا أشعر بقيمتي في مجتمعي يجب أن أكون محسنا.

فاصل.

..........................................

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم .. وطالما استعبد الإنسان إحسان فأنت إن كنت محسنا فعك المجتمع شئت أو أبيت لأن الإنسان مفتور على حب الكمال .. على حب الإحسان على حب الالتزام على حب النقاء .. إذا من أجل أن تكون مكرما من أجل أن تكون عزيزا من أجل أن يشار إليك بالبنان من أجل أن تحسن للذين أحسنوا لهم مكانة في الدنيا وجنة يوم القيامة .. وهذا معنى قوله تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }، جنة في الدنيا وجنة في الآخرة وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ويدخلهم الجنة عرفها لهم في الدنيا هم حينما اتصلوا بربهم وأحسنوا إلى خلقه قربهم الله عز وجل ومنحهم السكينة التي تألقوا بها.

شيء آخر: يقول عليه الصلاة والسلام: "إياك وما يعتذر منه" أي موقف أي سلوك أي حركة أية سكنة أي كلام تضطر معه إلى أن تعتذر وإلى أن تندم ابتعد عنه كلام جامع مانع إياك وما يعتذر منه قيل مرة لداهية من دهاة الصحابة .. قيل لعمرو بن العاص ما بلغ من دهائك قال والله ما دخلت مدخلا إلا أحسنت الخروج منه والحقيقة الذي سأله سيدنا معاوية فقال معاوية لست بداهية .. أما أنا والله ما دخلت مدخلا أحتاج أن أخرج منه فأنت حينما تنضبط أو حينما تضبط كلماتك وفق القواعد المشروعة تكون محترما ومعززا ومكرما.

أيها الأخوة الكرام قرأت كتابا فيه أدعية ثلاث في الصفحة الأولى هذه الأدعية متصلة أشد الاتصال بهذه الحلقة المتعلقة بقانون العزة ..

الدعاء الأول: "اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني مصيبة كبيرة أن تنطق بالحكمة .. وأن لا تطبقها فيسعد الناس بها وتشقى بعدم تطبيقها".. من أسعد الناس من سعد بعلمه "إني أعوذ بك يا رب أن يكون أحد أسعد مما علمتني مني".

والدعاء الثاني: اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك يعني أنا أصبح قصة يتعظ بها الناس فلابد أن أكون مع المشاهدين .. لا أكون على خشبة المسرح وتكون قصتي موعظة للناس.

اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك .. يعني هناك آية دقيقة يقول الله فيها: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ }.. أصبحوا عبرا للخلق الإنسان حينما يستقيم على أمر الله لا يكون عبرة بل يكون عنصرا إيجابيا يقدم للمجتمع المثل الأعلى.

أما الدعاء الثالث: "اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولا فيه رضاء ألتمس به أحدا سواك".. هذا هو النفاق أن أقول قولا فيه رضاك ألتمس به أحدا سواك .. المنافق يسقط من عين الله ومن عين المجتمع أن يكون لك موقفا موقف معلن وموقف حقيقي أن يكون لك سر وعلن.. شيء تفعله وحدك وشيء تفعله أمام الناس .. هذا الإنسان تسقط كرامته بين مجتمعه.

أما الدعاء الرابع: "اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك".. إذا كرامة الإنسان مطلب أساسي عند كل إنسان وهذا المطلب يمكن أن يكون سببا لرقي الإنسان إلى أعلى عليين وأن يكون هذا المطلب نفسه سببا إلى سقوط الإنسان إلى أسفل سافلين .. لذلك لن نقطف ثمار هذا الدين من سلامة وسعادة وعزة وكرامة إلا إذا كنا محسنين فالإحسان طريق العزة فقد تجد موظفا متواضعا جدا لكنه محسن ويؤدي واجبه تماما يتمتع بعزة وكرامة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم .. فالإنسان حينما يخطئ يسقط أول ما يسقط من عين نفسه ويكون سقوطه دليلا على أن فطرة الإنسان فطرة سليمة أودعها الله في الإنسان لتكون رادعا ودافعا لكماله الذي يرقى به عند الله وعند الناس.

أيها الأخوة الأحباب .. إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=1965_0_2_0