الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

أيها الأخوة، هناك علم حديث اسمه علم الأجنة، أو علم تكون الجنين في رحم الأم، وقد تقدم هذا العلم في السنوات الأخيرة تقدماً كبيراً، حتى أصبح بإمكان الأطباء والعلماء أن يصوروا الجنين وهو في الرحم في مراحل نموه وتطوره، فهناك صورة للجنين وهو في الأسبوع الثالث، بعد واحد وعشرين يوماً، وصورة في الأسبوع الرابع، وصورة في الأسبوع الخامس، وصورة في الأسبوع السادس

جنين بشري في شهره السادس

ويعنينا الصورة في الأسبوع السادس، ماذا نرى ؟ هذه الصورة نرى الأنف متصلاً بالفم و متصلاً بالعين، نرى اليد كأنها مجداف صغير، نرى الرأس ملتصقاً بالجذع، هذه صورة الجنين في بداية الأسبوع السادس، فإذا انتهى هذا الأسبوع ابتعد الرأس عن الجذع، و توضحت معالم العينين، ومعالم الأنف، ومعالم الفم، وملامح اليدين والرجلين، هذه الملامح هي في نهاية الأسبوع السادس، والأسبوع سبعة أيام، وسبعة في ستة، اثنان وأربعون.

(( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اثنتان وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَجَلُهُ ؟ فَيَقُولُ: رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ رِزْقُهُ ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ ))

[ متفق عليه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ]

الآن بالمجاهر والصور الدقيقة صورنا الجنين بالأسبوع الثالث، والرابع، والخامس، والسادس، والنبي الذي عاش قبل ألف وأربعمئة عام ليس هناك جامعات، ولا مخابر، ولا تشريح، ولا تجارب، ولا كليات طب، يقول:

(( إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اثنتان وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ))

[ متفق عليه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ]

هذا تحت بند تطابق علم الأجنة مع الحديث الشريف النبوي، وهذا يسمى من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.

قدرة الله عز وجل في خلق الإنسان:

لذلك قال تعالى:

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾

( سورة النجم )

موضوع آخر، في حديث صحيح للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه:

(( مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]

العلم ماذا يقول ؟ قال: يزيد عدد الحوينات المنوية في اللقاء الزوجي على ثلاثمئة مليون حوين، في رأي آخر من ثلاثمئة إلى خمسمئة، الحد الأدنى ثلاثمئة مليون في اللقاء الزوجي، وكل حوين له رأس، وله عنق، وله ذيل، ويسبح في سائل يغذيه، ويسهل حركته، ويتجه هذا العدد الكبير إلى البيضة كي تلقح بحيوان واحد من ثلاثمئة مليون، لأنه:

(( مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ ))

حوين واحد فقط من ثلاثمئة مليون حوين يدخل البيضة ويلقحها

ما قولك ؟ كيف عرف هذه الحقيقة، العلم الآن حوين واحد من ثلاثمئة مليون حوين يدخل البيضة ويلقحها، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ ـ يعني ماء الرجل ـ يَكُونُ الْوَلَدُ ))

كيف عرف النبي عليه الصلاة والسلام هذه الحقيقة ؟ من أي مخبر ؟ من أين استقى معلوماته ؟ من أي بحث علمي أخذ هذه الحقيقة ؟ الآن تصل إلى البويضة هذه الحوينات، ويتم اختيار من هذه الثلاثمئة فتختار البويضة حويناً واحداً هو أقواها وأسرعها، الآن الحوين كيف يدخل البويضة ؟ شيء معجز، إذا اصطدم الحوين بجدار البويضة يوجد برأسه غشاء يتمزق هذا الغشاء، تحت الغشاء مادة نبيلة تشبه مادة قرنية العين تتغذى بالحلول، هذه المادة النبيلة مركزة في رأس الحوين، مغطاة بغشاء من نوع قرنية العين، فإذا اصطدمت تمزق الغشاء والمادة النبيلة تذيب جدار البويضة، عندئذ يدخل الحوين ويغلق الباب، من ثلاثمئة حوين دخل حويناً واحداً.

في الإنسان معلومات على شكل جينات مبرمجة وكل معلومة تتحرك في وقت معين:

هذه البويضة هي خلية يمكن أن ترى بالعين بمحاولة صعبة جداً، كما لو وضعت لعاباً على طرف أصبعك ووضعت أصبعك فوق صحن الملح من دون أن تضغط، أي بأقل مس، تجد على سطح اليد طبقة من الملح، لو جئت بمكبر ترى ذرات الملح، البويضة التي أنت منها بهذا الحجم، أما الحوين لا يرى بالعين إطلاقاً يحتاج إلى مجهر، له رأس وغشاء ومادة نبيلة وعنق وذيل، في العنق محرك يدور المحرك فيتحرك الذيل فيمشي الحوين:

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11) ﴾

( سورة لقمان )

هذا الحوين هو خليه، فيه نوية و مادة و غشاء، وعلى نوية الحوين ونوية البويضة معلومات سماها العلماء بالمورثات أو الجينات، يزيد عددها على بضعة ملايين معلومة في الحوين الواحد.

وهذا الرقم عجيب، هذه الحوينات وهذه الجينات مبرمجة، أي هناك حوين بسن الثامن عشر يخشن صوت الشاب، هناك معلومة تفعل وقتها، معلومات على شكل جينات مبرمجة، وكل معلومة تتحرك في وقت معين وفي ظرف معين.

إعجاز الله عز وجل في خلق الإنسان:

أيها الأخوة، هذه البويضة التي لا ترى بالعين تنقسم وهي في طريقها إلى الرحم إلى عشرة آلاف قسم دون أن يزداد حجمها، والله شيء كالخيال تماماً:

﴿ فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(7)إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ(8)﴾

( سورة الطارق )

﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2) ﴾

( سورة الإنسان)

والحمد لله رب العالمين