الحقوق محفوظة لأصحابها

مصطفى حسني
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، مكملين السير على طريق الله؛ لإحياء روح العبادة وكثير من العبادات التي نهجرها بسبب عدم الإحساس بها؛ لذلك يجب على قلوبنا أن تسارع إلى العبادات وستسارع إليها عندما تشعر بها، وسنتحدث هذه المرة عن أيام مباركة شريفة مليئة بالارتقاء مع الله والثواب والتعرف على الله، وهي أيام الحج.

سنتحدث عن المقيم في بلده وهو يشاهد مناسك الحج، فهناك الكثيرون الذين لا يستطيعون أداء الحج لأسباب كثيرة، هؤلاء يمكن أن يعيشوا حال الحجاج وهم في بلادهم، فتعيش حال الصالحين وأنت في بلدك، ولكن عليك أن تفهم أن هذه الأيام عظيمة؛ لذلك الله جعل فيها الحج، وهي عظيمة في كل البلدان، ومهم أن تعرف أن سيدنا محمد تخطى بهذه الأيام أذهان الناس، بمعنى أن هناك علامة ومعيار كان يضعها الصحابة مثل عمل الجهاد في سبيل الله، كانوا يرون أن ليس هناك عمل أو عبادة تتخطى الجهاد في سبيل الله، فالرسول تعدى ما يتصوره الصحابة من فضل أحب الأعمال وهي الجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيهنّ أحبُّ إلى اللهِ من هذهِ الأيامِ العشرِ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللهِ، إلا رجلٌ خرجَ بنفسه ومالِهِ، فلم يرجعْ من ذلكَ بشيء"؛ لذلك الصالحين كانوا يروا هذه الأيام أيام جهاد النفس والسير إلى الله، وهناك معاني يأخذها المجاهدين كمعاني الخشوع وسكينة النفس والإحساس بالقرب من الله في هذه الأيام.

وسيدنا محمد يوضح لنا أن العتق من النيران غير مرتبط بفترة محددة أو بشهر رمضان فقط، وإنما هذه الأيام إجماعًا عند العلماء أنها أفضل من رمضان، وفي الحديث الشريف "ما مِن يومٍ أكثَرُ أنْ يُعتِقَ اللهُ فيه عبدًا مِن النَّارِ مِن يومِ عَرَفَةَ وإنَّه لَيدنو فيُباهي بهم الملائكةَ فيقولُ ما أراد هؤلاءِ"، وسيدنا محمد عندما يقول شيء يكون دقيق منتهى الدقة، فيقول على الإطلاق أكثر يوم يعتق الله الناس فيه من النار هو يوم عرفة.

فعظِم ما عظّم الله تعالى وتعلق بالأشياء التي أمرنا الله بها، والفقهاء لهم كلام في أعمال هذه الأيام لغير الحاج، فغير الحاج المقيم في بلده يحي القلب بالذكر، ويحي النفس بالصوم، ويحي الروح بالاعتكاف، وسيدنا محمد كان دائم الذكر لكنه كان يوصي بأذكار معينة في أوقات معينة، فكان يقول: "ما من أيامٍ أعظم عند اللهِ ولا أحبّ إليه العملُ فيهن من أيامِ العشرِ فأكثروا فيهنَّ من التسبيحِ والتحميدِ والتهليلِ والتكبيرِ"، وخير الدعاء دعاء يوم عرفة كما قال النبي، كما وصانا بذكر لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ ، له المُلْكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيٍء قديرٌ.

وعن إحياء النفس بالصوم، هذه النفس عندما تموت تعيش الروح، فأنت غير نفسك فنفسك لديها رغبات وشهوات، أما أنت الروح، والروح تكون فطرية متعلقة بالله والنفس تتعلق بالشهوات فتحتاج أن تتجاهلها، وأكثر شيء يُسكت النفس هو الامتناع، والامتناع في اللغة العربية يعني الصوم، فحاول صيام هذه الأيام ويوم عرفة، فمن يستطيع فليصمهم وإّذا لم يستطع بسبب مرض أو حيض أو عذر آخر ففضل الله سيشملك، فقال صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن صيام يوم عرفة "أحتسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبْلَه والسَّنةَ الَّتي بعدَه"، فالله أراد أن يقول لنا أنه يغفر لنا مغفرة مقدمة، فأراد أن نعلم من هو في حبه لنا وسعة عطائه ومغفرته.

ونصل إلى الأضحية، والأضحية بها معلومات مهمة، وسُميت أضحية؛ لأنها تُذبح في الضحى أي في النهار أو لأن المسلمين يضحوا بها في سبيل الله. ونذبح الأضحية بهذه الطريقة؛ لأن الله أمرنا بذلك، ولأن عند الذبح يبدأ الجسم بضخ الدم كله في مكان الذبح فتكون نظيفة طاهرة، ومن السُنة أن يشهد الإنسان الأضحية، والأضحية سُنة مؤكدة وليس فرض، ومن يتركها وهو قادر فهذا مكروه، ويستحب في المضحي بعدم قص الشعر والأظافر، وآخر وقت للأضحية هو مغرب يوم التشريق وهو اليوم الرابع. وأول سُنة من آداب المضحي هو الإحسان للذبيحة، وأن تكون الأداة المستخدمة للذبح حادة فلا يكون هناك معاناة، وكذلك ألا تذبح الذبيحة أمام بعضهم، وكان سيدنا محمد يذبح شاهين شاه له ولأهله، وشاه لمن لم يستطع من أمته أن يذبح. ويمكن الاشتراك في البقرة والجمل، وتقسيم الأضحية يكون ثلث لصاحب الأضحية، وثلث لأقربائه، وثلث للبسطاء المحتاجين وفقًا لرأي الأحناف والحنابلة، أما المالكية يرون أن ليس هناك ضابط للتقسيم.

فيا رب إن لم تكتب لنا الحج هذا العام فاكتبنا عندك من المقبولين المرحومين المغفور لهم، واجعلنا من أهل الصيام والذكر وأهل القرب منك.

http://web.mustafahosny.com/article.php?id=3566