الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :

السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج : "الإسلام منهج حياة ".

وأرحب بضيفي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ـ حفظه الله ـ الداعية الإسلامي ، أهلاً بكم فضيلة الدكتور .

الدكتور راتب :

بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .

الأستاذ جميل :

هنالك سلوكيات تضعف العلاقة بين المسلمين ، وتبعد الأخ عن أخيه ، هل لنا بتسليط الضوء على السلبيات حتى نجتنبها ؟.

العداوة بين المؤمنين والتحريش بينهم من عمل الشيطان :

الدكتور راتب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .

أستاذ جميل ، إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرض العرب ، ولكنه رضي فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم ، ورضي بالتحريش بين المؤمنين ، أحد مداخل الشيطان أن يوقع العداوة والبغضاء .

فلذلك هناك من يرى أن الشيطان يبدأ بوسوسة تعني الكفر بالله ، فإذا كان العبد على إيمان وسوس له بالشرك ، فإذا كان على توحيد وسوس له بالكبائر ، فإذا كان على طاعة وسوس له بالصغائر ، فإذا كان على ورع بقي معه ورقتان رابحتان ، إحداهما التحريش بين المؤمنين ، أن يوقع بينهما العداوة والبغضاء ، والثانية المباحات ، أن يغرق الإنسان في المباحات ، حتى ينسى المهمة التي جاء بها إلى الدنيا .

فهناك وساوس كبيرة إحداها التحريش بين المؤمنين ، لذلك حينما يستجيب المؤمن، ويسلك سلوكاً مضاداً تجاه أخيه ، فكأنه استجاب للشيطان ، وكأنه أعطى الورقة الرابحة للشيطان ، وكأنه أعان الشيطان على أخيه ، لكن التوجيه النبوي : " كونوا عوناً لأخيكم على الشيطان ، ولا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم " .

هذه قضية دقيقة جداً ، لذلك قالوا : لا بدّ للمؤمن من كافر يقاتله ، ومن منافق يبغضه ، ومن مؤمن يحسده ، ومن شيطان يغويه ، ومن نفس ترديه ، هذه الأخطار تهدد المؤمن ، فالبطولة أن يستجيب لأمر الله عز وجل فينجو من كيد الشيطان ، العداوة بين المؤمنين والتحريش بينهم هذا من عمل الشيطان .

الأستاذ جميل :

دكتور ، هل تبين لنا الفارق بين وسوسة الشيطان وبين وسوسة النفس ؟

وسوسة الشيطان و وسوسة النفس :

الدكتور راتب :

الحقيقة الفارق دقيق جداً ، وساوس الشيطان تبهم المؤمن ، لا يرضى بها ، ينزعج منها ، هي ليست منه ، وهذا تطمين ، لكن وساوس النفس يرتاح لها ، فالفارق الدقيق بين وساوس الشيطان ، وبين وساوس النفس ، وساوس النفس يرتاح لها ، هنا الخطورة ، أما الشيطان يقول لك : من خلق الله مثلاً ؟ تتألم أشد الألم ، تبحث عن جواب ، تسأل بعض العلماء ، فالذي يؤلمك من الشيطان ، أما الذي يريحك من نفسك .

الأستاذ جميل :

دكتور ، من لقي إذاً من أخيه المسلم مسوغاً ، له أن ينقلب على هذا المبدأ ، مبدأ الأخوة ، أم ماذا يفعل ؟.

المؤمن يجمع ولا يفرق ويقرب ولا يباعد :

الدكتور راتب :

والله الآية الكريمة دقيقة جداً ، قال تعالى :

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 1 )

أصلح أية علاقة بينك وبين أخيك ، بينك وبين أهلك ، بين أولادك ، أخوتك ، أخواتك ، جيرانك ، أصدقائك ، زملائك ،

﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾

الأصل أصلحوا العلاقة مع ربكم ، هذه الآية فسرها بعض العلماء على مستويات ثلاثة ، أصلحوا أولاً العلاقة مع الله ، فإذا صلحت العلاقة مع الله صلحت مع الخلق ، هذه الحقيقة دقيقة جداً ، والمستوى الثاني : أصلح علاقتك مع من حولك ، مع أهلك ، مع أولادك ، مع إخوتك ، مع أخواتك ، مع أقاربك ، مع جيرانك ، مع أصدقائك ، مع زملائك ، بالكلمة الطيبة ، والاعتذار عند الخطأ، والهدية عند الترميم ، هذا أصل العلاقة ، لكن الآية تحتمل معنىً ثالثاً ، أصلح بين أخوين ساءت العلاقة بينهما ، أنت أصبحت وسيطاً ، أول حالة والثانية أنت طرف ، أصلح علاقتك مع الله ، والحالة الثانية أصلح علاقتك مع أخيك ، أما الثالثة أصلح أية علاقة بين أخوين ، فالمؤمن يجمع ولا يفرق ، يقرب ولا يباعد ، هذه من صفات المؤمن .

الدنيا تفرق ولا تجمع و تستدعي السيطرة والكِبر والاستعلاء :

لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِىَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةَ الشَّعْرِ))

[البيهقي عن الزبير بن العوام ]

من أخطر الأحاديث هذا الحديث ، إياكم وفساد ذات البين ، تجد في عصر التخلف الدين الإيماني عداوات في البيت الواحد ، بين الأقارب ، بين أهل القرية ، بين أهل المدينة ، بين الدول ، بين الشعوب ، حياة قائمة على العِداء ، والعداوة لها قانون .

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

( سورة المائدة الآية : 14 )

حينما ندع منهج الله جميعاً ، الدنيا محدودة ، والدنيا تفرق ولا تجمع ، والدنيا تستدعي القتال ، وتستدعي سفك الدماء ، تستدعي السيطرة ، والعنجهية ، والكبر ، والاستعلاء ، لذلك الحديث الشريف :

(( الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِىَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةَ الشَّعْرِ))

[البيهقي عن الزبير بن العوام ]

أسباب العداوة والبغضاء التي تضعف العلاقة بين المؤمنين :

1 ـ السخرية :

أستاذ جميل ، هناك آية أصل في هذا الموضوع ، هي قوله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾

( سورة الحجرات الآية : 11 )

السخرية تضعف العلاقة بين المؤمنين ، المؤمن لا يسخر أبداً ، يحترم الآخر ، السخرية أحد أسباب العداوة والبغضاء ، ولو أن الذي سخرت منه كان قوياً وذكياً فضحك وجاملك ، لكنه يحقد عليك ، البطولة ألا تسخر .

﴿ لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ﴾

( سورة الحجرات الآية : 11 )

كل واحد منا له مقام عند الله ، قد يكون في مقاييس أهل الأرض في مستوى متدنٍ ، وقد يكون عند الله في مستوى راقٍ جداً .

فالنبي الكريم مرةً هش وبش لأحد الصحابة وكان فقيراً ، قال : أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه ، هذا الصحابي دُهش ، قال : أو مثلي ؟! قال : نعم يا أخي ، أنت خامل في الأرض علم في السماء ،

﴿ لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ﴾

﴿ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾

( سورة الحجرات الآية : 11 )

2 ـ التنابز بالألقاب القبيحة :

﴿ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾

أي أن يعير بعضكم بعضاً ، أن يقيّم بعضكم بعضاً ، أن يفضح بعضكم بعضاً ، أن يزري بعضكم ببعض ،

﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾

هذا أخوك إن حقرته حقرت نفسك ، إن سخرت منه سخرت من نفسك ،

﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾

﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾

( سورة الحجرات الآية : 11 )

الألقاب القبيحة التي يتداولها العامة من الناس هذه محرمة بين الإسلام ،

﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾

﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

( سورة الحجرات )

3 ـ الغيبة و تتبع الأخبار السيئة :

الآية الكريمة :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾

( سورة الحجرات الآية : 12 )

التجسس تتبع الأخبار السيئة .

﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾

( سورة الحجرات الآية : 12 )

والغيبة من الكبائر .

4 ـ الحسد :

هذه الآيات من سورة الحجرات أصل في هذا اللقاء ، أي مجموعة أخطاء كبيرة جداً ، إذا ارتكبها الناس نشبت بينهم العداوة والبغضاء ، بل إنه في بعض الأحاديث الصحيحة يقول عليه الصلاة والسلام :

(( ولا تحاسَدُوا ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

أي لا تعمل عملاً يسبب لك أن تُحسد ، أن تظهر ما عندك ، أن تفتخر بمالك ، ببيتك ، بمركبتك ، أن تقول : سافرت إلى المكان الفلاني ، أنفقت الآلاف المؤلفة ، الإنسان إذا تكلم عن إنفاقه ، وعن حجمه المالي ، وعن مكانته ، وعن استمتاعه بالحياة ، كأنه يقول للناس : احسدوني ، الحسد هنا يعني ألا تفعل شيئاً ينتهي بأن تُحسد .

5 ـ بيع النجش و التباغض :

(( ولا تحاسَدُوا ـ ولا تناجَشُوا ))

بيع النجش ، أن إنساناً يدخل ليشتري بضاعة بشكل تمثيلي ، ليقنع الشاري الأول بالسعر المرتفع ، هذه مخالفة شرعية وآثمة طبعاً .

(( ولا تناجَشُوا ـ ولا تَباغَضُوا ))

لا تفعلوا أسباب البغضاء .

(( ولا تناجَشُوا ـ ولا تَباغَضُوا ))

﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾

( سورة الحجرات الآية : 12 )

(( ولا تَدَابَرُوا ، ولا تَحَسَّسوا ، ولا يَبِعْ بعضُكم على بَيْعِ بعض وكونوا عبادَ الله إِخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يخونُه ، ولا يكذِبُهُ ، ولا يَخْذُله ، كلُّ المسلم على المسلم حرام : عِرْضُهُ ، ومالُه ، ودمُه ، التقوى هاهنا ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

( سورة الشعراء )

6 ـ التقليل من شأن الناس :

ثم يقول النبي الكريم :

(( بِحَسْب امرئ من الشَّرِّ أن يَحْقِر أخاه المسلمَ ))

أكبر شر أن تزدري لأخاك .

(( بِحَسْب امرئ من الشَّرِّ أن يَحْقِر أخاه المسلمَ ، كلُّ المسلمِ على المسلم حَرَام : دمُهُ ، وعِرْضُهُ ))

(( لا يحلُّ لمسلم أن يُروِّعَ مُسلما ))

[أخرجه أبو داود عن بعض الصحابة ]

ومن دعي فلم يجب فقد عصا الله ورسوله .

(( الكبِرْ : بطَرُ الحقِّ ، وغمطُ الناس))

[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود ]

أن تزدري الناس ، أو تقلل من شأنهم ، أن تزدري اختصاصهم ، أن تزدري علمهم .

المجتمع المتماسك قوام علاقاته المحبة والمودة والتناصر والتعاون :

هذه كلها من المنهيات التي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي منهج لنا ، والمجتمع إذا خلا من هذه المنهيات مجتمع متماسك ، قوام علاقاته المحبة ، والمودة ، والتناصر ، والتعاون .

فلذلك التعاون أصل في هذا الدين ، والتحابب ، كما قلت قبل قليل :

(( وجبت محبتي للمتحابين فيَّ والمتجالسين فيَّ والمتباذلين فيَّ والمتزاورين فيَّ يغبِطهم النبيُّون والشهداءُ يوم القيامة ))

[أخرجه ابن حبان عن معاذ بن جبل ]

خاتمة و توديع :

الأستاذ جميل :

جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور وأحسن إليكم ، شكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة ، نترككم في أمان الله .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

والحمد لله رب العالمين

http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2550&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=838