الحقوق محفوظة لأصحابها

مصطفى حسني
نُكمل معًا السير على طريق الله؛ لتعلم روح العبادة وفي كل مرة نحاول أن نبعد الحواجز بيننا وبين العبادات. عندما تنظر إلى كتب العلم نجد أن بعد الزكاة تأتي الصدقة، وسنتكلم اليوم عن الإنفاق في سبيل الله، وفقهها، وآدابها الظاهرة والباطنة، كيف يمكن أن تخرج الصدقة بطيب نفس وسعادة وإقبال وفرحة، والهدف أيضًا التأدب؛ لكي ننتفع فحب الجمع طبيعة في الإنسان كيف تغيرها إلى حب العطاء والصدق في إخراج الصدقة.

الصدقة:

هي التمليك في الدنيا بغير عوض تقربًا لله سبحانه وتعالى؛ وسميت صدقة لأنها تدل على الصدق، فالصدقة برهان أن حب الله تعالى في قلبك صار أكبر من حبك لذاتك ولأشيائك، وشعور بالأمان مع الله، يقول قال عزَّ وجلَّ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ﴿الحجرات: ١٥﴾.

الإنسان لا يتصدق من أمواله فحسب، بل من مقتنياته، ومجهوده البدني ووقته، وسعة صدره، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس من نفسِ ابنَ آدمَ إلا عليها صدقةٌ في كلِّ يومٍ طلعت فيه الشمسُ قيل: يا رسولَ اللهِ من أين لنا صدقةٌ نتصدَّق بها كلَّ يومٍ؟ فقال: إنَّ أبوابَ الخيرِ لكثيرةٌ: التَّسبيحُ، والتَّحميدُ، والتَّكبيرُ، والتَّهليلُ، والأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عن المنكرِ، وتميطُ الأذى عن الطريقِ، وتسمعُ الأصَمَّ، وتهدي الأعمى، وتُدِلُّ المستدِلَّ على حاجتِه، وتسعى بشدَّةِ ساقَيك مع الّلهفانِ المستغيثِ، وتحملُ بشدَّةِ ذراعَيك مع الضعيفِ؛ فهذا كلُّه صدقةٌ منك على نفسِك".

وعندما نقرأ أحاديث فضل الصدقة نشعر بكرم الله الواسع مع الجميع ولكن أهل الصدقة لهم مقام مختلف، قال صلى الله عليه وسلم: "كلُّ امرِئٍ في ظلِّ صدقتِه حتى يُقضى بينَ الناسِ أو قال حتى يُحكمَ بينَ الناس".

روح الصدقة:

هناك آداب ظاهرة وباطنة للمُتصدِق والمُتصدَق عليه، والتصدق بطريقة راقية على مراد الله لجعل العبد يشعر بأن ما أنفقه يؤثر إيجابيًا على روحه وقلبه.

الآداب الظاهرة:

- مراعاة القرابة: فالأقربون أولى بالمعروف وهم أولى بالصدقة، وثوابها أعلى لو كان لقريب يضمر لك العداوة.

- البحث عن الناس الأكثر احتياجًا: ابحث عن الأفقر والأكثر احتياجًا؛ لكي تفرج عنه كربته حتى لو كان يخالفك في العقيدة ولا تتكاسل، قال الله تعالى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ﴿الإنسان: ٨﴾.

- مراعاة السر والعلن وأيهما أفضل: يجب أن يكون لديك حس بالأفضلية، فالصدقة في العلن أنفع للفقراء، والصدقة في السر أنفع للقلب، للابتعاد عن الرياء، فلتنظر إلى قلبك وتقرر الأنسب لك.

- اختيار الأجود: فالله يحبك أن تنفق من أجمل ما تملك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتصدق من الرداء الذي عليه، قال الله تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ} ﴿آل عمران: ٩٢﴾.

- ترك المنِّ: أي لا تعاير من تصدقت عليه، يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} ﴿البقرة: ٢٦٤﴾.

- التأدب أثناء العطاء: أن تتأدب وتتواضع مع من تتصدق عليه، فلا تشعره أنك أفضل أو أحسن منه، فمن لم يرى نفسه أحوج من الفقير للصدقة التي يتصدق بها فقد أبطل صدقته.

الآداب الباطنة:

- حسن الظن في القبول والإخلاف: كن على يقين أن ما عند الله أكثر مما عندك وأن الله سيقبل منك الصدقة ويجازيك بأكثر منها.

- لا تمد يدك تكثرًا للشخص المُتصدق عليه: أي عدم الطمع في المزيد فيمد العبد يده وهو لا يحتاج، يقول رسول الله:"ما فتحَ رجلٌّ على نفسِه بابَ مسألٍة يسألُ الناسَ، إلا فتحَ اللهُ عليه بابَ فقرٍ لأنَّ العفةَ خيرٌ".



العائدون إلى الله

اسمي يونس مصطفى الشيخ من البرازيل، مسلم منذ 14 عامًا، واعمل رئيس المنظمة الإسلامية لتعليم القرآن والسنة في البرازيل. يقول الشيخ يونس: قبل الإسلام كنت موسيقيًا، ولدي درجة الماجيستير في الموسيقى، وألعب الجيتار. في يوم قابلت الشيخ محمد زكي في مقهى وهو يرتدي الزي الإسلامي، ولفت نظري تصرفه عند دخول النساء إلى المقهى، فكان لا ينظر إليهن وينظر إلى الأرض فسألته من أنت؟ ومن أين؟ فأجبني أنه من أمة محمد، ولم أكن أعرف مكانًا بهذا الاسم، فقال لي أنه مسلم وأن المسلمين أمة واحدة، وأعطاني كتاب عن الإسلام، ثم ذهبت معه إلي المسجد كحب استطلاع وهناك سمعت شيخًا يقرأ القرآن، ولم أفهم منه شيئًا حتى قرأ الآية { يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَ‌ابًا} فبكيت وقررت أن أكون مسلمًا.

الصدقة مهمة جدًا، فهي تجعلنا أكثر قربًا من الله وبما أن الأعمال بالنيات فلابد أن نستحضر النية قبل فعل أي شيء، فيجب أن نحمد الله على الصدقة، والله عظيم وسيكافئنا بعشرة أضعاف أو أكثر في الحياة وفي الآخرة، فإن نوينا إخراج الصدقة فأنا متأكد أن الله سيكافئنا بالمزيد، وفي شيء لا نصدقه.

http://web.mustafahosny.com/article.php?id=3405