الحقوق محفوظة لأصحابها

عمرو خالد
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.



الموضوع الذى نتناوله اليوم من قصة سيدنا موسى في غاية الأهمية، نرى فيه كيف تتحقق وعود الله لعباده، تستشعر فيه قوة وعظمة الله لك إذا كنت مظلوم، وتستشعر فيه قوة وعظمة الله عليك إذا كنت ظالم. موضوع اليوم هو خروج سيدنا موسى من مصر وانشقاق البحر له وانتقام الله من فرعون وهامان وإغراقهم في البحر. هذه القصة سمعناها مرارًا ويعرفها الصغير منا والكبير، بل وتعلمها كل ثقافات العالم، ولتكرار سماعنا لهذه القصة، فقدنا إحساسنا بالمعجزة ولم نعد نستشعر قدرة الله، لذا فتخيل أن هذه هى المرة الأولى التي تسمع فيها هذه القصة، واستشعر أن الله قوي عزيز، وعندما تردد في ركوعك " سبحان ربىَّ العظيم" فاملأ قلبك باسمه "العظيم".



في قصة سيدنا موسى نجد الخطر محدق به منذ يوم ولادته وحتى اليوم الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن، وكان عمره فيه خمسًا وخمسين عامًا، وهو يوم يشبه يوم بدر. ولنبدأ بعرض سريع مختصرللطريق الذي سلكه سيدنا موسى وقومه أثناء خروجهم من مصر، خرجوا من العاصمة فى ذلك الوقت برعمسيس ومكانها الآن بالشرقية، واتجهوا للأسفل لعبور البحر الأحمر عند أضيق نقطة فيه وهى التي انشق عندها البحر، ويرجح الكثيرون أنها مكان خليج السويس الحالي، ثم مروا بسيناء واستمروا في الصعود لأعلى لدخول فلسطين فكتب الله سبحانه وتعالى عليهم ألا يدخلوها، وكُتبت لأمة سيدنا محمد كما سيرد الحديث فيما بعد، وانطلقوا إلى المكان الذي عاش فيه بنو إسرائيل حتى وفاة سيدنا موسى وأغلبه في دولة الأردن، لذا فهم لم يمكثوا بسيناء إلا فترات قليلة، مجرد عبور يريدون الذهاب للمنطقة التي بالأعلى في فلسطين، وقضوا فترة التيه في الأردن. وخريطة الخروج هذه متاحة لمن يريد الاطلاع عليها على موقع www.amrkhaled.net وستجد أن حياتهم كلها ترحال وانتقال من مكان لآخر في فترة التيه حينما جبنوا ورفضوا دخول الأرض المقدسة، يذكرونني في كثرة التنقل بالإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل، فحياتهما كلها كانت ترحال.



خروج اضطرار وآخر اختيار:

لنبدأ القصة: أوحى الله سبحانه وتعالى إلى سيدنا موسى كما يقول في كتابه العزيز " فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ" (الدخان:23) وكلمة أسر إشارة لسرعة التحرك قبل أن يعلم فرعون بخروجهم فيهاجمهم، فتحركوا من بيوتهم ليلًا مع سيدنا موسى وعندما علم فرعون بخروجهم أخذ في تجميع الجنود، يقول سبحانه وتعالى: " فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ " (الشعراء:53) واستغرق ذلك عدة أيام وهذا من ترتيب الله عز وجل حتى يكون سيدنا موسى وقومه قد قاربوا وصول البحر، فالله سبحانه وتعالى يريد أن تكون نهاية فرعون في البحر كما ذبح وأغرق الكثيرين من أطفال وأهل هذا البلد، فالجزاء من جنس العمل، أمهله الله كثيرًا، سنوات وسنوات، لكن من عظمة وقدرة الله أن الانتقام سيكون بنفس الطريقة. خرج بنو إسرائيل مع سيدنا موسى وخرج سيدنا هارون وخرجت أم موسى وأخته مريم ليلًا من السجن الكبير الذي احتجزهم فيه فرعون، خرج كل بنى إسرائيل حتى غير المؤمنين هربوا هروب المضطر فالعجز والذل اللذان تعودوا عليهما جعلهم يخشون البقاء وحدهم في مصر خوفًا من أن يعذبهم فرعون، فهربوا مع الهاربين المؤمنين. وفارق كبير بين خروج بني إسرائيل وهجرة الصحابة من مكة للمدينة، حقًا خروج بنى إسرائيل كان خروج مؤمنين كالصحابة، لكن بينهم كثيرين خرجوا خروج المضطرين وليس المختارين، بينما الصحابة خرجوا باختيارهم لله ولرسوله من أجل الرسالة والدعوة.



موقفنا الثابت مع الحق

وهكذا كان خروج بني إسرائيل من مصر، بعد أن دخلوها مع الهكسوس منذ أربعمائة عام في عهد سيدنا يوسف وكان عددهم ستين، خرجوا منها ستمائة ألف في عهد الفرعون رمسيس الثاني. وهنا نقطة يجب الإشارة إليها، وهى أن الفارق كبير بين خروج بني اسرائيل عام ثلاثة آلاف قبل الميلاد، وبين ما حدث في القرن العشرين، فقد خرجوا مظلومين، وعادوا ظالمين، خرجوا بالحق، وعادوا بالباطل، خرجوا هروبًا من الاستضعاف، وعادوا ليستضعفوا الناس، خرجوا هروبًا من العنصرية، وعادوا بالعنصرية، فالفارق كبير بين اللقطتين، بين من ظُلم بالأمس، فعاد يظلم اليوم. ونحن موقفنا ثابت، وهو: نحن مع الحق، نحن مع من ظُلم بالأمس، لكننا ضد الظالم اليوم حتى يأخذ المظلوم حقه. ولننظر للأمور بميزان العدل فلاحظوا أن القلة المؤمنة مع سيدنا موسى هى التي جرت القاطرة كلها بالناس المذلولين الهاربين لعدم وجود حل آخر، فلو لدينا أناس مؤمنين في كل زمان ومكان، وكلهم إيجابية وعقل وحكمة وحب للإيمان، فهؤلاء هم الذين سيجرون قاطرة الخاملين والسلبيين والصامتين، أين هم المؤمنون الذين يشدون القاطرة؟ فسيدنا موسى لم يكن باستطاعته إخراج ستمائة ألف عانوا هذا القدر من الذل بدون وجود مؤمنين أقوياء معه.



مع أي الفريقين كنت ستكون؟

خرج بنو إسرائيل ليلًا بمنتهى الحذر والهدوء يحملون معهم طعام بالكاد يكفيهم لحين عبورهم البحر ولم يكونوا يعلمون أنهم سيواجهون فرعون لكن كانوا متبعين لأوامر سيدنا موسى وكان منهم مؤمنون مطيعون، واسأل نفسك لو أنت مكان بني إسرائيل ففي أي الفريقين ستكون؟ أفي الفريق الخارج فقط هربًا من الذل والهوان أم في الفريق المحب للحق الرافض للهوان؟ هل أنت من المؤمنين الرافعين رؤوسهم الأعزاء أم من التابعين لغيرهم أينما ذهب الناس فهو معهم، إن تحركوا تحرك، وإن سكنوا سكن، إن تكلموا تكلم، وإن سكتوا سكت؟ ويبدو أن القلة المؤمنة غالية حقًا عند الله، لأن لأجلهم تحقق نصر الله وأغرق فرعون. ولنتخيل معًا خروج بني إسرائيل هربًا شباب، وشيوخ، ونساء، وأطفال، خارجين في رهبة وقلق وخوف، يتوكل المؤمنون منهم على الله، لم يكونوا يعلمون أن فرعون قد خرج خلفهم، وحده سيدنا موسى كان يعلم فقد أخبره ربه في قوله "فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ" (الدخان:23) وفرعون يحمس جنوده ضد بني إسرائيل يخبرهم بقلة عدد الهاربين ورغم ذلك يصرح بقلقه منهم في قول الله تعالى: " إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُون (الشعراء، 56:54). وتخيل بكم من الجنود تحرك فرعون بعد أن نادى في البلاد لتجميع الجنود، تخيل الفرسان، تخيل المركبات الهائلة، تخيل فرعون وهو يقود عربته الحربية وتخيل الغل والتحدى، اقترب هؤلاء وهؤلاء من البحر كلٌ في طريقه، والله يرتب ويختار الميعاد. "... وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ... " (الأنفال:42)، هذه الآيات قيلت في غزوة بدر، لكن هذا هو فعل الله تبارك وتعالى في كل زمان ومكان مع المؤمنين وضد الظالمين.



إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ:

واقترب الفريقان، تقول الآية: " فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ " (الشعراء:61 ) تراءى الجمعان تعني أنهم لم يسمعوا أصوات بعضهم البعض في البداية أو يستشعروا قرب أحد بل فجأة رأوا بعضهم البعض، تخيل هؤلاء عُزَّل من السلاح، معهم أطفالهم ونسائهم، سيبادون ويقتلون جميعًا، فقال أصحاب موسى "إِنَّا لَمُدْرَكُونَ " فليس أمامهم سوى البحر من جهة وفرعون وجنوده من الجهة الأخرى، فتخيل يأسهم في هذه اللحظة، وتخيل ضعفاء النفوس منهم وهم يلومون سيدنا موسى وإلى ماذا أوصلهم، فيرد سيدنا موسى بكلمة كلها استشعار لعظمة وقوة الله سبحانه وتعالى: " قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " (الشعراء:62 ) كلمة وأنت تقرأها تحب جدًا سيدنا موسى، قوي جدًا، عظيم جدًا، شجاع جدًا، وما هذه الثقة في الله، والتوكل على الله، ومدى شعوره بقوة ربنا، ما فرعون، وما الجنود، وما السيوف، وما الرماح، وما الفرسان، إن معي ربي، يقولها بمنتهى الثقة وهو لا يعلم كيف سينجو، ولا يعلم أن العصى ستشق البحر، فقط عرف أنها تتحول لأفعى بأمر الله، ولم يكن يعلم أنها ستلتقط حبال السحرة إلا عندما أخبره الله، أما ما يراه أمامه في هذه اللحظة فهو الواقع المادي الحقيقي أمام عينيه هو وبنى إسرائيل أن البحر أمامهم، وأن فرعون آخذ في الاقتراب منهم، وهو لا يعلم كيف النجاة، الشيء الوحيد الذي هو متأكد منه هو أن ربنا قوي، " إِنَّ مَعِيَ رَبِّي" أتستطيع أن تقولها بهذا الإحساس؟ أتستطيع أن تحيا بها مهما كانت الدنيا صعبة، وليس فقط مع من ظلمك، ولكن في حياتك كلها تكون مع الله لا تخشى شيئًا، وتحيا بإحساس "ربي لن يضيعني".



ثقة بقدرة وعظمة الله:

ويشرح القرآن كيف جاء نصر الله:" فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم"ِ (الشعراء:63 ). تخيل عظمة وقدرة الله في كلمة " فَانفَلَقَ "، والطود تعني الجبل، أى أن البحر انقسم فأصبح كوادي بين جبلين، من منا يتخيل أن يتحول بحر إلى وادي بين جبال في لحظة واحدة. " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون"ُ (يس:82) فأمر الله بين الكاف والنون، والبحر جندي من جنود الله، فلنعدد معًا جنود الله في قصة سيدنا موسى منذ بدايتها وحتى هذه اللحظة:

· البحر جندي.

· النيل الذي حمل صندوق الرضيع موسى فحفظه جندي.

· المحبة التي قذفها الله في قلوب من يقابل سيدنا موسى فمن لقيه يحبه جندي، يقول تعالى: " ... وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ... "(طه:39 ).

· تيار النيل الذي حمل صندوق موسى إلى بيت فرعون جندي.

· شفاه سيدنا موسى التي لم تقبل المرضعات جندي.

· قاع البحر الذي سيسيرون عليه ومشيهم بين الشعب المرجانية.

كل هذا من جنود الله، فالله سبحانه وتعالى لم يفتح لهم البحر ليعبروا عليه تاركه بحالته المائية وإلا لخافوا العبور بين جنبيه، ولكنه برحمته بهم سبحانه حول البحر من ماء إلى جبل، فمن الملك؟ من العظيم؟ من مالك الملك؟ نحن لدينا فيما يخص ديننا أفكار نظرية، الله سبحانه وتعالى يحولها لنا إلى تطبيقات عملية، من هذه الأفكار النظرية معرفتك بأن الله قوي عزيز عظيم، لكن هذا المشهد العظيم الذي أنقذ الله به سيدنا موسى يجعلك تردد: يا رب أنت الملك.

وانظر لتدرج سيدنا موسى مع الشعور بعظمة الله، أول مرة رمى فيها عصاه جرى من شدة الخوف، وثاني مرة أوجس في نفسه خيفة، وفي ثالث مرة والتي هى أصعب المرات؛ فمن خلفه فرعون وجيشه، لم يخف بالمرة، بل كان كله ثقة بقدرة وعظمة الله " قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" (الشعراء:62 )، فالشعور بعظمة الله لا يأتي دفعة واحدة أو من أول موقف، ولكن تأتي بالحياة مع الله، تأتى بالترقي بالقرآن، والحياة بالقرآن لتفهم ما به من آيات نظرية وتطبيقها العملي، وإلى هذا تهدف حملتنا لنحيا بالقرآن.



وتخيلوا معي شعور بني إسرائيل لحظة العبور في وسط البحر، وتخيل ماذا كانوا يقولون في هذه اللحظات، أنا أعتقد أنها كلمة واحدة: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، أنا لو مكانهم لكنت رددت هذه الكلمة وحسب، وأبكي وأنا أرى هذه المعجزة، تخيل شق البحر، وتفريق الأسماك على الجانبين وتمهيد قاع البحر ليسيروا عليه، وتخيل فرعون وهو يرى هذا المشهد، كيف لا يؤمن، ألهذا الحد يمكن أن يصل الكبر والعناد؟ وجنوده كيف لم يؤمنوا؟ أيعقل أن تكون قلوبهم قد عميت لهذه الدرجة؟ أيعقل أن هناك أناس لا يشعرون بعظمة الله أبدًا؟ وأنت أيضًا، أيعقل أن قلبك سيظل قاس ٍ بعد سماعك لهذه القصة؟



غرق فرعون وجنوده:

أصر فرعون على العبور خلف موسى حينما رأى البحر ينشق، نظر إلى جنده وقال أرأيتم سحر موسى، وكأنه صدق كذبه، فكان كذبه سبب هلاكه، ويموت بنفس الطريقة التي كان يقتل بها الأطفال الرضع ويلقيهم في البحر، ففور عبور موسى وقومه أراد موسى إغلاق البحر خلفه حتى لا يتمكن فرعون من العبور ورائهم، فضرب البحر بعصاه فأوحى الله إليه أن يترك البحر كما هو: "وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُون"َ (الدخان:24 )، فسيدنا موسى فكرته أن يغلق البحر بعده حتى لا يعبر فرعون وجنده، بينما الله سبحانه وتعالى يريد أن تكون هذه هى نهاية فرعون وغرقه، أراد فرعون العبور خلف موسى فأغرقه الله، يقول الله تبارك وتعالى: " ... حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " (يونس:90 )، وانظر لشدة الموقف في كلمة" أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ" حتى أنه لم يستطع نطق لا إله إلا الله، بل قال الذي آمنت به بنو إسرائيل. ويرجح العلماء أن فرعون هو رمسيس الثانى الذي وجدوا يده في موميائه مرفوعة لأعلى لا تستقيم بجوار جسده، وتختلف في ذلك عن سائر المومياوات، ويعتقد البعض أن رفعه ليده هذا وكأنه كان يدفع شيئًا عنه أثناء مماته، انظروا رد القرآن عليه: " ...آلآنَ .. " (يونس:91 ) أتريد أن تؤمن الآن؟ ألم تأتك تسع آيات تحذيرية في السابق؟ مات فرعون غرقًا فقد فات الأوان، أدرك نفسك يا من عصيت، يا من ارتشيت، يا من كذبت، يا من أكلت مال حرام، يا من ظلمت، أدرك نفسك فباب التوبة مفتوح حتى لحظة الموت، ففي لحظة الغرغرة يغلق باب التوبة فلا تقبل، فأدرك نفسك الليلة بالتوبة للقوي العزيز، استشعر عظمته، وتخلص من ظلمك للآخرين، أو من مال حرام، أو من معصية كبيرة؛ فغضب الله شديد.



احذر إعانة الظالم على ظلمه:

ويطبق البحر على فرعون، لكن ليس وحده، بل بكل جنوده، وقد يتسائل أحد، وما ذنب جنوده؟ نردعليه بأن أعوان الظلمة ظلمة مثلهم. يقول تعالى: " فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" (القصص:40 ) والسؤال: أكلهم ظالمون؟ ليسوا كلهم لكن ينطبق عليهم مايردده البعض دومًا: أنا عبد المأمور، أنا ليس فى يدي شىء، أنا فقط أنفذ ما أؤمر به، فلنتذكر أن أعوان الظلمة ظلمة. وفي هذا الأمر هناك قصة تخص سعيد بن الجبير، وكان من علماء المسلمين، أخذه الحجاج، وكلنا نعرف ظلمه، فسجنه وعذبه، وسجان ابن الجبير كان رجل لديه قليل من الإيمان، ويؤدي الصلوات، ورغم ذلك يعذب ابن الجبير، فسأله يومًا: "يا إمام، هل تراني من أعوان الظلمة؟" فقال له ابن الجبير: "لا، أعوان الظلمة من يغسلون لهم ملابسهم، ويحضرون لهمم طعامهم، وهكذا" ، فسأله السجان: " هؤلاء أعوان الظلمة، فمن أنا" فرد عليه ابن الجبير: " أنت من الظلمة أنفسهم". لذا احذر أن تكون ممن يعين الظالمين دون أن تدري.



يوم حاسم في قضية الدعوة:

مات فرعون، لكن هناك آية خطيرة للغاية تقول: " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ "(يونس:92 ) أي أن الله سبحانه وتعالى جعل جثته بعد موته تطفو على البحر ولا تغرق، وذلك حتى لا يعتقد أحد أنه إله كما نسب إلى نفسه أنه كذلك، فقد كان يقول: أنا ربكم الأعلى، فحتى لا يظن أحد من ضعاف الإيمان من بني إسرائيل أو من غيرهم أنه ذهب في موكب إلهي، تطفو جثته، ويراها الجميع جثة بشر، وتؤخذ وتحنط كما كان يفعل المصريون، وتظل في المتاحف ليرى الجميع من تجرأ على القوي العزيز وقال أنا ربكم الأعلى، وينظروا ماذا حدث له. وبهذا تنتهي المرحلة الثالثة في قصة حياة سيدنا موسى التي هى أربع مراحل، مرحلتان إعداد، ومرحلتان تنفيذ، وعمره هنا حوالي خمس وخمسون عامًا، أي تقريبًا نفس عمر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، واليومان كانوا حاسمين في قضية الدعوة لكل منهما. وبنهاية هذه المرحلة، ترى ما الذي نجح فيه سيدنا موسى حتى الآن؟ نجح في المهمة الأولى التي كلفه الله بها وهى إنقاذ بني اسرائيل معه وإخراجهم من مصر، كما جاء في القرآن الكريم: "... فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (الأعراف:105) فبعد خمس وخمسين سنة جهاد حقق هدفه، من منا يحقق هدفه لله في هذه الدنيا؟ خرج سيدنا موسى بقومه وفور عبورهم البحر وجدوا قومًا يعبدون أصنامًا لهم فقال البعض منهم لسيدنا موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، يا لتعبك يا سيدنا موسى ويا لعنائك مع بني إسرائيل، ما زال الكفاح معهم مستمرًا.



تبقى في هذه الجزئية نقطتان هامتان:

· النقطة الأولى: لماذا يصوم المسلمون يوم عاشوراء؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ذلك يوم نجى الله فيه موسى"، وأمرنا أن نصوم هذا اليوم صيام تطوع، كتقدير واستشعار لقوة وعظمة ربنا كل عام، فنتذكر أنه في هذا اليوم أحدث الله هذه المعجزة العظيمة، والسبب الآخر هو انتماء وحب لسيدنا موسى، يقول سيدنا محمد: " نحن أولى بموسى منهم".



· النقطة الثانية: نريد مقارنة فرعون قبل وبعد، في صور الفراعنة، نجد صورة فرعون في عنفوانه وقوته، صورته في معركة قادش منتهى العزة والقوة، وفي المقابل نجد صورته بعد وفاته صورة ممياء يقول الدكتور موريس بوكاى الذي حلل هذه المومياء، إنها لشخص مات غرقًا وتم انتشاله من الماء فور غرقه، فأخبروه أن هناك آية في القرآن تقول: "... فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً... "(يونس:92 ) فتعجب جدًا واندهش كيف عرف محمد نبي المسلمين هذا رغم حداثة الطريقة المستخدمة لمعرفة سبب وفاة صاحب المومياء ولقد أسلم الدكتور موريس عام 1982.





فرعون يوم القيامة:

نختم حديثنا بالآيات التي تتحدث عن فرعون يوم القيامة: "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ، وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّار، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ، قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ" (غافر50:45) تخيل عندما يعلم فرعون أن قرآنًا ذكر فيه، وأن قصته تعلمها الملايين، وحينما يأتي يوم القيامة يشير الناس إليه، هذا هو فرعون، هذا هو الظالم، فإياك والظلم، إياك والظلم، وتشير الآية بالضعفاء إلى جنود فرعون وكل من يعتذر أنه عبد المأمور، أو من لم يكن بيده شىء، وتتحدث الآيات عن نصر الله ليس لرسله فقط بل لكل المؤمنين، نسمع القرآن فكأنه يتحدث لكل منا، في قوله تعالى: " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ، وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (غافر53:51) وتختتم الآيات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم فعلاقة قصة سيدنا موسى بالنبى قوية جدًا، يقول تعالى: " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار" (غافر:55) يأمرنا الله باستشعار قوته وعظمته، وبالاستغفار من أخطائنا.

دار الترجمة

http://amrkhaled.net/newsite/articles1.php?articleID=NTM0MA==&id=5340