الحقوق محفوظة لأصحابها

فهد الكندري
مهدي: اسمي مهدي (قالها بالعربية) بلجيكي، أبلغ من العمر ٣٢ عامًا، أعيش في هذه البلد، الحمد لله دخلتُ الإسلام عندما كان عمري ١٩ عامًا في عام ٢٠٠١.

فهد الكندري: مهدي البلجيكي، شخص رقيق القلب، سمْح التعامل، خلوق جدًّا، التقيت معه في بروكسل.

مهدي: تلقّيتُ التربية المسيحية عند رجال دين مسيحيين، عندما كان عمري ما بين السادسة إلى الثانية عشر، كانوا يلقنوننا بعض التعاليم والأمور، سبحان الله، أمور يقبلها الطفل ولا يفكر فيها، من الأمور التي علمونا إياها ونقلوها إلينا، الله ثالث ثلاثة، هناك الله، ابن الله، وهي أمور لم يقبلها عقلي أو قلبي على الإطلاق، وقد أراد الله أن يعصمني من كل ذلك، فاعتبرتُ الله دائمًا الأحد لم يلد ولم يولد، واعتبرتُ عيسى دائما ابن مريم، (يقول بالعربية): إنسـ.. هو إنسان.. دون أبٍ.. ابنُ مريم.

فهد الكندري: كان مهدي متطوع في مساعدة المشردين قبل إسلامه، وهذا إن دلّ، دلّ على قلبه الأبيض الذي يحب عمل الخير.

مهدي: في ذلك الوقت بدأتُ أعمل متطوّعًا في مركز الطالبين للاجئين، أُسرًا تحتاج إلى بيت الضيافة، حيث إنهم تركوا بلدانهم فرارًا من الحروب، وهم في وضع صعب لدى وصولهم إلى بلجيكا، في ذلك الوقت كان لدي انشراح في قلبي أكثر، بدون خطايا ولا ذنوب، ولولا فضل الله لما أدركت الإشارة، وخاصة الشباب في مثل هذا العمر يهتمون فقط بالمحرمات والمتعة، لا أدري هل هو فضل من الله سبحانه وتعالى الذي أراني الدليل وهداني؟ لأن في الحديث القدسي - طبعًا الشيخ أدري به مني - الذي يقول الله سبحانه وتعالى فيه: (مَن تَقَرّب إليَّ شبرًا تقرّبتُ إليه ذراعًا) فعندما نبحث عن الخير سنجده في المقابل، نبحث عن الله سبحانه وتعالى، ويكون معنا، وهنا نعرف كيف نتحدث عن الإسلام.

مهدي: وكان هناك علامات في هذا السفر، وهي علامات نفهمها لاحقًا، وقد تكون اختبارًا من الله سبحانه وتعالى ليرى ما إذا كان قلبي مستعدًّا، وصلتُ إلى بوركينا فاسو وسمعتُ أن نصف سكانها مسلمين، وعندما وصلتُ سمعتُ الأذان لأول مرة، طوال فترة السفر وإقامتي هناك، سبحان الله كنت أستيقظ دائمًا عند صلاة الفجر وأسمع الأذان، وخلال السفر صليتُ لأول مرة في المسجد وليس كمسجد نتصوره فاخرًا، بزخارف كثيرة، إنه مسجد بسيط، عندما دخلتُ للمرة الأولى هذا المسجد شعرتُ كأني أدخُل في بيت الله (يضحك الشيخ فهد) اندهشت كثيرًا ولم أتمكن من الجلوس فبقيت واقفًا أنظر إلى ما حولي، كان أمرًا مدهشًا.

فهد الكندري: كيف بدأت مع كتاب الله سبحانه وتعالى؟ مع القرآن، كيف هداك.. كيف بدأت تقرأ القرآن؟

مهدي: بعد هذا السفر وكل هذه الإشارات، اختبرني الله سبحانه وتعالى ليرى ما إذا كان قلبي مستعدًّا لقبول الرسالة، بعد هذا أهدى إلي أخو صديقي القرآن، وهو شخص لم أكن أعرفه جيّدًا، لقد كانت لحظة متوترة، وكان ذلك صباح الإثنين عندما استلمتُ المصحف،

وأتذكر كيف حدث ذلك، إنها لحظة أثّرت فيّ بشكل كبير، وكنتُ مندهشًا حيث أني تشرّفتُ حقًّا باستلام شيء بين يدي وهو ليس ككتاب عادي، شعرتُ باعتزاز واحترام كبير لهذا الكتاب الذي هو أفضل من أي كتاب عادي.

مهدي: كنتُ مستعجلًا وكنتُ أريد أن أقرأ القرآن بفارغ الشوق والحنان، لأكتشف ما بداخله.. كنتُ مستعجلا العودة للبيت وأقوم بذلك على أكمل وجه، حتى أعتني بالمصحف جيدًا، فتحتُه وشعرت بشيء من الخوف أنه ليس بكتاب عادي.. إنه قرآن.

فهد الكندري: كانت سورة إبراهيم لمهدي هي الإشارة الأولى لهدايته، يقول الله سبحانه وتعالى في بدايتها: {الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (إبراهيم: 1)، سبحان الله..

مهدي: وقبل أن أفتحه توضأت و لم أكن أعلم كيف أتوضأ، فغسلتُ يدي ووجهي، فتحتُ بدون أن أنظر الفهرس، وتصفحت قليلًا ووصلت عند سورة إبراهيم وسورة المائدة (فهد الكندري: نعم سبحان الله) سبحان الله، إنها السور التي بدأتُ قراءتها بالكامل وذلك بسبب مضمونها، وبعد فترة علمتُ لماذا قرأتُ هذه السور التي تضم إجابات وتوضيحات لتساؤلاتي.

فهد الكندري: الله سبحانه و تعالى يقول: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (المائدة: 116)

فهد الكندري: فوفقه الله سبحانه وتعالى وشرح قلبه بهذا القرآن فدخل الإسلام الشيخ مهدي (يبتسمان).

مهدي: أتذكر عندما يسألني بعض الناس هل أنت مسلم؟ أقول لهم إن شاء الله سأسلم، لأن الأمر لا يتعلق بأن أكون مسلمًا أم لا، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يقرر إسلامي، وهو الذي يشرفني بهذه المكانة، إن شاء الله سأكون مسلمًا، هل أستحق هذا الدين؟ هذا هو السؤال الذي كنتُ أطرحه على نفسي، قبل أن ألتقي بأشخاص يحدثوني قليلًا عن الإسلام، وحدثوني دائمًا عن القرآن، وقد طرحتُ تساؤلات عليهم ورتبتُ معهم موعدًا للنقاش، وحدثوني عن معجزات القرآن واكتشافاته العلمية، وهؤلاء الأشخاص ساعدوني في دخول الإسلام، فقالوا لي بأنه يكفيك النطق بالشهادتين وشرحوا معناها، وهكذا استطعتُ النطق بها، سبحان الله.. (يبكي)

مهدي: الإسلام شرف كبير ونعمة.. فبه ندخل الجنة وهي مسؤولية كبيرة، لا بد أن نهتم بالإسلام والإيمان لأنها أمور تزيد وتنقص، علينا أن نتساءل عن ما قدمناه للإسلام، لأن النبي ﷺ قد قام بما قام به ليصل الإسلام هنا في بلدي بلجيكا، إننا مسؤولون عن الإسلام، وعن ماذا سيكون وكذلك عن مكانته في قلوبنا، ونحن مسؤولون أيضًا عن ماذا سنقوم لنشره.

فهد الكندري: نحن الآن في طريقنا إلى المسجد، وهذا المسجد لك فيه قصة، قصة جميلة، وهو مسجد أبو بكر (مهدي: نعم) ما هي قصتك مع هذا المسجد؟

مهدي: في مسجد أبو بكر هناك قابلتُ الشيخ محمود الذي كان أستاذي والوحيد الذي ساعدني على تعلم القرآن.

فهد الكندري: حرص مهدي على تعلم القرآن واللغة العربية في المسجد القريب منه، على يد الشيخ محمود، وسبحان الله، قدر الله سبحانه وتعالى أيضًا أن هذا الشيخ من بوركينا فاسو!

الشيخ محمود (معلم مهدي القرآن): الشيخ مهدي وجدته ليس كما كان أرى من بعد الإخوان الذين دخلوا في الإسلام، هو ما شاء الله.. (فهد الكندري: مختلف عنهم) ما شاء الله.. (فهد الكندري: كيف؟ كيف هو مختلف؟ مثلًا..؟) هو عنده جهد كثير لتعليم (تعلُّم) الدين، هو يحب الدين، ويحب تعليم الدين، وهو دائمًا إذا كان يتكلم، يتكلم بالدين، ما رأيته واحد من الأيام يتكلم بالدنيا ولا بشيء إلا بالدين، هو يريد دائمًا أن يعرف دينه ويتعلم دينه.

مهدي: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} (الفاتحة)

مهدي: تعلمتُ سورة الفاتحة لأني كنتُ أحبها كثيرًا، وقد درستُها بالفرنسية قبل أن أدخل الإسلام، وكان صديقي من علمني سورة الفاتحة، وكانت مدوَّنة في كتاب علم الصوتيات، علمَني سورة الإخلاص وسورة الكوثر، ومن ثَم تواصلتُ بمفردي مع هذا الكتاب، ولكن بأخطاء كثيرة يصعب نطقها، وهي (يقول بالعربية): حروف عربية -مكتوبة- باللغة الفرنسية، حاء، قاف، خاء.. عندي.. (فهد الكندري: مشكلة..) مشكلة كثير (يضحكان)

فهد الكندري: كان مهدي حريص على الذهاب إلى المسجد وحضور الجماعة، حتى أنه إذا غاب المؤذّن، هو الذي يقوم بالأذان (يبتسم).

مهدي (يؤذّن): الله أكبر الله أكبر.. أشهد أن لا إله إلا الله..

الشيخ محمود (معلم مهدي القرآن): هو كان لا يعرف الأذان، ولكن إذا جاء يسمع واحد منا يؤذّن، شيئًا فشيئًا هو بدأ وقال لي واحد من الأيام هو يريد أن يؤذّن كما سمع في بوركينا فاسو.

فهد الكندري: شيخنا، بعد ما دخلتَ الإسلام واعتنقتَ الإسلام - الحمد لله سبحانه وتعالى - ما تضايق أهلك.. يعني..؟

مهدي: أمور كثيرة تتغير مع الإسلام والحمد لله، أمور كثيرة تتحسن مع الإسلام، العلاقات مع الأقرباء، الحمد لله هي علاقات قائمة على الاحترام، وإنهم بالمقابل لم يعترضوا على إسلامي، طالما لا يعنيهم أن أكون مسلمًا أو بوذيًّا أو أدين بدين آخر، ولم أواجه أي مشاكل، فما اعتبروا ذلك سيئًا، وأنه خياري ومن حقي أن أفعل ما أريد.

الشيخ محمود (معلم مهدي القرآن): هذا الدين هو رحمة من عند الله، أتى لنبينا محمد صلى لكي يخرجنا من الظلمات إلى النور، وهذا الدين لا بد إلا بالتعليم، كما ترى شيخ مهدي هو دخل في الإسلام لا يعرف شيء، ولكن اليوم هو والله أحسن من الذين ولد في الإسلام.

فهد الكندري: موقع نون للقرآن الكريم المهتم بالقرآن الكريم جزاهم الله خير وبارك الله فيهم شاركوا معانا في دعم هذا العمل الخيري كي يشاركونا الأجر بإذن الله عزَّ وجلَّ، ما هي أمنيتك يا شيخ مهدي؟

مهدي: مشروع صغير أعددته وهو مكتبة في مسجد أبو بكر، فقد وجهنا دعوة للداعمين لكي يتقدموا بكتب، لكن للأسف لاقت دعوتنا إقبال ضعيف، وبما أن الإمكانيات قليلة، لم نتمكن من شراء الأثاث لترتيب الكتب، إن شاء الله سيسرني جدًّا إذا تمكنتم من مساعدتنا في الحصول على مكتبة قيمة تحتوي على كتب وأسطوانات ومصاحف، حتى يتمكن الجميع من الاستفادة منها، ويتمكن كل مصلي في هذا المسجد من تلقي العلم، ونتعلم أكثر في مسجد أبو بكر إن شاء الله.

فهد الكندري: بإذن الله عزَّ وجلَّ وأنا أقول لك تتحقق هذه الأمنية بإذن الله بدعم من إخواننا في موقع نون للقرآن الكريم.. www.nquran.com بارك الله فيك.