الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد العريفيحسن الحسيني


إن الله اصطفى الأنبياء وجعلهم رسلا إلى أقوامهم مبشرين ومنذرين وخص كل واحدٍ منهم بآيات بينات وبراهين ساطعات تدل على صدقهم وتوجب إتباعهم يطلق عليها المعجزات والمعجزة هي أمرٌ خارقٌ للعادة يجري على أيدي الأنبياء والرسل للدلالة على صدقهم مع سلامة المعارضة ..

الشيخ محمد العريفي : وإن كان الدليل على صدق الأنبياء لا ينحصر في المعجزات إلا أنها من الأدلة الصحيحة على ثبوت النبوة وما يجري على يد الأنبياء - عليهم السلام - من المعجزات لا يقع لغيرهم بحال وذلك سداً لذريعة تكذيبهم أو الاختلاف عليهم أو الكفر بما أرسلوا به وحتى يتميز الأنبياء عن الكاذبين فإن معجزات الأنبياء خاصةٌ بهم دون غيرهم معجزات الأنبياء كثيرة فمن معجزات صالح - عليه السلام - أن قومه طلبوا منه أن يخرج لهم ناقة عظيمة من صخرة عينوها له فدعا ربه بذلك فأمر الله العظيم - جل في علاه - أمر تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة على الوجه الذي طلبوه ومن معجزات إبراهيم - عليه السلام - عندما ألقاه قومه في النار جعلها الله تعالى عليه برداً وسلاما ومن معجزات موسى - عليه السلام - العصا الذي كان يلقيها على الأرض فإذا هي حية تسعى إلى غير ذلك من المعجزات ..

{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ..} [المائدة : 110] ،

الشيخ حسن الحسيني : إن اليهود قومٌ ماديون لا يصل إليهم الإيمان بمجرد الخطاب العقلي أو القلبي ولذلك منع الله تعالى مريم عن الكلام وجعل عيسى الرضيع هو الذي يتكلم ليخرصوا لكنهم لم يخرصوا بل للحدود تجاوزوا وإضافة على هذا فهم قومٌ مشككون فلا يكفيهم وقوع المعجزة مرة واحدة بل ولا حتى معجزة واحدة وقد أيد الله تعالى عيسى - عليه السلام - في دعوته بجملة من المعجزات الخارقة للعادة فبعث الله تعالى في زمنٍ برع فيه الطب والنحت وأمة كثر فيها الأطباء والنحاتون فكان لابد لعيسى من معجزات تنسجم مع علوم عصره وتقنع أهل زمانه وتصحح عقائد بني إسرائيل قال العلماء بعث الله كل نبي بما يناسب أهل زمانه فكان الغالب في زمان موسى السحر فبعثه الله تعالى بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإيمان وأما عيسى - عليه السلام - فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحدٍ إلا أن يؤيد ما جاء به المسيح فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد أو على مداواة الأكمه والأبرص ..

الشيخ محمد العريفي : وقد نوه القرآن الكريم إلى جملة من آيات عيسى - عليه السلام - البينات وكان عيسى - عليه السلام - عند دعوة قومه إلى الله يُذكرهم بما معه من هذه الآيات أي المعجزات ولأن المعجزات التي جاء بها ليست من جنس أفعال البشر يحيي الموتى يشفي المريض تكرر قول الله - جل وعلا - : { بِإِذْنِ اللَّهِ } .. إن أحيا الموتى { بِإِذْنِ اللَّهِ } .. وإن أشفى المريض الموتى { بِإِذْنِ اللَّهِ } .. وإن نبئهم بشيء في بيوتهم { بِإِذْنِ اللَّهِ } .. دفعا لأن يتوهم أحدٌ فيه الألوهية ولبيان أن المعجزات التي جاءهم بها لم يأت بها من عند نفسه فما له قدرة عليها وهو بشر إنما جاءهم بها من عند الله ولذلك قال عيسى - عليه السلام - { .. قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ .. } [آل عمران : 49] ، جئتكم بمعجزة من الله - جل في علاه - ..

الشيخ حسن الحسيني : ومن معجزات عيسى - عليه السلام - أنه كان يبرئ الأكمه بإذن الله والأكمه هو من كان أعمى منذ الولادة و يبرئ الأبرص بإذن الله والبرص مرضٌ يصيب الجلد ويكون على شكل بياضٍ يغطي مساحات من الجسم فتشوه من أصيب به وخُصَ هذان المرضان بالذكر لأنهما داءان معضلان ولأن الغالب على زمن سيدنا عيسى - عليه السلام - البراعة في الطب فأراهم الله - سبحانه تعالى - المعجزات على يدي سيدنا المسيح - عليه السلام - من جنس ذلك فكان - عليه السلام - يبرئ من يعجز الطب عن شفاءه فينطق الأبكم ويسمع الأصم ويبصر الأعمى ويمسح جلد الأبرص فيعود أحسن من جلد السليم ويقيم المقعد الأشَل ويبرئ الزَمِن اليائس من الشفاء ولا يتخذ على شيء من ذلك أجراً ولو أخذ أجراً لكان والله من أغنى الناس ومن المهم هنا أن نلفت الانتباه إلى الفرق بين الإبراء والشفاء فلم تقل الآية أشفي الأكمه والأبرص لأن الإبراء هو طلب الشفاء وليس الشفاء ذاته فعيسى - عليه السلام - يبرئ ولا يشفي لأن الله تعالى وحده هو الشافي ..

الشيخ محمد العريفي : وكان المسيح - عليه السلام - يخلق من الطين طيرا فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله نعم من الأرض التي يمشون عليها بترابها الذي خبروه هو ذلك التراب الذي عليه يعيشون وفيه يزرعون ومنه يبنون هو ذلك التراب الذي صار عندهم من الضروريات أنه جمادٌ ساكن ليس فيه حياة قعد عيسى - عليه السلام - وحوله الحواريون وجمعٌ من الناس مد يديه إلى تراب قد اختلط بالماء وحرك أنامله الشريفة في ذلك الطين بمهارة مذهلة بدأ يصنع من ذلك الطين أُنموذجا لطيرٍ ببراعة خارقة نحت أجزاءه وأطرافه بقدرة فائقة ذهل الجميع إلا أن ذلك الذهول تجلى في أعلى صورة بعد ذلك فبعد أن انتهى المسيح من ذلك الأنموذج حتى قرب فمه الشريفة منه وأخذ نفساُ ثم نفخ فيه وهناك صُعق القوم ففي ثوان معدودة تلاشت تلك الألوان القاتمة والملمس الخشن ثم نفض ذلك التمثال جناحيه وطار بعيدا في السماء طار هناك أمام أعينهم وهم ينظرون إليه هناك يرونه يحلق بعد أن كان طيناً بين يدي المسيح - عليه السلام - صار طيراً حقيقياً لكن ذلك حدث بإذن الله ..

ولو سأل سائل ما الحكمة في جعل الطين على صورة الطير فالجواب إن الرومان الذين كانوا يمثلون ذروة القدرة البشرية في تلك الحقبة الزمنية قد تفوقوا كذلك في فنون النحت والرسم والتصوير فكان تصوير الطين كهيئة الطير ابتداء ثم نفخ الروح فيه إعجاز يحقق هدف المعجزة في تحدي القدرة البشرية واثبات النبوة ..

الشيخ حسن الحسيني : لقد قام المسيح - عليه السلام - في بني إسرائيل ناصحا واعظا ولسان حاله يقول يا بني إسرائيل لقد بعثني الله إليكم لأبلغكم دعوته ولآمركم بإخلاص العبادة له وقد أعطاني - سبحانه وتعالى - من المعجزات ما يقنعكم بصدقي فيما أبلغه عن ربي ومن بين هذه المعجزات أني أبرئ الأكمه والأبرص وأصور لكم من الطين شيئا صورته مثل صورة الطير فأنفخ في ذلك الشيء نفخاً فيكون طيراً حقيقياً ذات حياة بإذن الله أي بأمره وإرادته لكن العجب العجاب من بني إسرائيل الذين أنزلت عليهم هذه الآيات ليعلموا أن هذه من فاطر الأرض والسماوات منعهم الحسد والجحود والكبر من الإيمان برسالة المسيح - عليه السلام - ..

الشيخ محمد العريفي : لم يكتفي بنو إسرائيل بتلك المعجزات لا بل هؤلاء قد سألوه إحياء الموتى بمناسبة إحياء الطير الطين الميت قالوا له أحيي لنا الموتى فأراد الله تعالى أن يستجيب لهم في كل ما سألوه ليبلغ لديهم في العذر منتهاه فمكن الله تعالى عيسى - عليه السلام - مما سألوه فكان يحيي الموتى بإذن الله وروي عن عيسى - عليه السلام - في إحيائه للموتى بإذن الله أنه كان يضرب بعصاه الميت أو القبر أو الجمجمة فيحيا الإنسان ويكلمه ويعيش وممن أحياهم بإذن الله أحد أصحابه واسمه عازر إذ لما مرض أرسلت أخته إلى سيدنا عيسى - عليه السلام - أن عازر يموت فسار إليها وبينهما ثلاثة أيام وصل إليه وجده قد مات فقال لأخته انطلقي بنا إلى قبره فانطلقت معهم إلى قبره فدعا المسيح الله - جل وعلا - أن يحييه ثم قال له قم بإذن الله فقام عازر بإذن الله وخرج من قبره وعاش زمانا وولد له ولد ومن الذين أحيوا بإذن الله على يد المسيح عيسى - عليه السلام - ابن العجوز فإنه مر به محمولا على سرير الميت فدعا له سيدنا عيسى - عليه السلام - أن قم بإذن الله فقام ونزل عن أكتاف الرجال ولبس ثيابه ورجع إلى أهله ..

الشيخ حسن الحسيني : ولكن اليهود بأمراضهم التي لا تنحصر لما رأوا ذلك تعنتوا وحاولوا أن يجدوا وسيلة ليعجزوا المسيح عيسى ويبطلوا أثر تلك المعجزات فيروى أنهم قالوا له إنك تحيي من كان موته قريبا فلعلهم لم يموتوا بل أصيبوا بإغماء فأحيي لنا سام بن نوح وقد مات قبل أكثر من آلاف السنين فقال عيسى - عليه السلام - دلوني على قبره فخرج عيسى - عليه السلام - وخرج القوم معه حتى انتهوا إلى قبره فدعا المسيح - عليه السلام - باسم الله تعالى الأعظم فخرج سام من قبره وقد شاب نصف رأسه خوفا من قيام الساعة فقال أقد قامت الساعة قال المسيح - عليه السلام - لا ولكن دعوتك باسم الله تعالى الأعظم فالتفت سام وقال للناس مشيراً إلى سيدنا المسيح - عليه السلام - قال صدقوه صدقوه فإنه نبي ثم عاد إلى حاله فآمن به بعضهم وكذبه آخرون فقالوا هذا ساحر فأرنا آية أخرى فنبأهم بما يؤكلون وما يدخرون في بيوتهم وكان يقول لهم المسيح يا فلان أنت أكلت كذا وكذا وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا .. أيها الأحبة إن الذي جاء به عيسى - عليه السلام - من الآيات والمعجزات من الله - سبحانه وتعالى - تحقق قوله وتصدق خبره أنه رسولٌ من رب العالمين يدعوهم إلى تقوى الله - سبحانه وتعالى - وطاعته حيث قال في نهاية ذكر هذه المعجزات {.. وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [آل عمران : 50/51] ، ومع ظهور هذه المعجزات على يد المسيح عيسى - عليه السلام - ليس أمام بني إسرائيل إلا الإيمان بالمسيح وبالنور الذي جاء به المسيح لذا توعد الله - سبحانه وتعالى - بالعذاب الأليم لمن ظهر بمنطقهم بعد ذلك ..

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } [الزخرف : 64/65] ..

لكن مع هذه العجائب الهائلة والمعجزات الخارقة التي جاء بها عيسى إلى بني إسرائيل إلى أنه لم يؤمن به إلا القليل واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم ولم يتوقفوا عند ذلك بل تجرءوا على عيسى واتهموه بالسحر كما هي سنة الطاغين الجاحدين في الأنبياء .

مع الشكر لفريق تفريغ منتدى العريفي : http://www.3refe.com/vb/showthread.php?t=254179&page=2