الحقوق محفوظة لأصحابها

عمرو خالد
نية قوية دافعة:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلًا بكم وكل عام وأنتم بخير سنبدأ سويًّا رمضان لهذا العام بالدعاء بأن يسعدكم الله ويتقبل منكم رمضان، ويبلغكم ليلة القدر ويعتق رقابنا من النار، ويهدي أولادنا ويشفي مرضانا، ويرضى عنا ويغفر لنا، ويزيل الهم والغم والحزن ويجعل رمضان بركة علينا، ويبارك في بيوتكم ويوسع أرزاقكم رضي الله عنا وبلّغنا الجنة في رمضان هذا العام.



أتمنى أن أبدأ بعاطفة؛ وهي أني أفتقدتكم! وأنا سعيد لأن الله تعالى يجمعنا عاما تلو العام، فهذه هي السنة العاشرة وقد أصبح لنا ذكريات كثيرة جدًّا، والبعض منا له ذكريات مع "نلقى الأحبة" والبعض مع "صناع الحياة" والبعض مع "على خطى الحبيب" و"باسمك نحيا" و"الجنة في بيوتنا" و"خواطر قرآنية"، ذكريات أصبحت تجمعنا شهدت في حياتنا أمورًا جميلة.



وكذلك يجمعنا حب وأخوة وود! وأنا أستشعر هذا تجاه من أقابلهم ويرسلون لي، وحتى إن لم تلتقِ الأعين فالأرواح تلتقي؛ لأن الناس تُعرَف بأرواحها وليس بأشكالها، وقد جعل الله سبحانه للأخوّة بركة كبيرة جدًّا، وقد كانت بيننا عبادات كثيرة اتفقنا عليها وعلى أدائها، وبيننا عهود وإيمان، فالملائكة تشهد على عشر سنوات مما اتفقنا عليه وطبقناه من صلة أرحام وغيرها، فأصبح بيننا أخوّة في الله كبيرة، وأتمنى يوم القيامة أن يذكرنا الله بهذا، ويقول لنا: تعاونتم على طاعة الله وستستظلوا بظل الله، فوالله إنها عاطفة صادقة مني تجاهكم جميعًا، ورغبة في الشد على أيديكم، وطلبًا أن نشد الهمة في رمضان القادم وإن شاء الله ننادى بالآية: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ...} (الزمر: ٧۳)، لتعاوننا على طاعة الله دون أن نرى بعضنا، فيقال لنا: ادخلوا الجنة سويًّا، وينادي الله يوم القيامة: ((أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أُظِلُكُم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)).



دعونا نبدأ بسؤال مهم جدًّا وهو: بدأ رمضان فهل أنت مستعد؟ وعلى ماذا تنوي غير الصلاة والصوم وختمة القرآن؟ هل تنوي نية كبيرة؟ خذ نية كبيرة جدًّا وابدأ رمضان بنية غير عادية. وفي الحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) كلنا نعرف الحديث، لكن هل فكرت في معناه؟ فهو يعني أن قوة الأعمال ونجاحها وتحقيقها مرتبط بالنية التي بها، فعلى قدر كِبَر النية ينجح العمل ويقبل عند الله، وتنطلق به انطلاقة هائلة، ومثال على النية الكبيرة: "أنا تائب إلى الله"، "صفحة جديدة مع الله" وتكون كل العبادة في رمضان بهذه النية، مثال على نوايا أخرى: "من اليوم سأغير حياتي من فشل إلى نجاح"؛ سأقلع عن عادة سيئة، "من اليوم سأبحث عن عمل وأترك البطالة وسأتعلم". انظر لهذه النية: "من اليوم سأحيا لله وسأفعل شيئا للإسلام"، كل هذه مقترحات من عندي، فهل يمكنك أن تكتب أنت نيتك الآن؟ وأقسم لك أنك إذا أخذت نية جديدة ستصبح إنسانا آخر وسيختلف رمضان بالنسبة إليك.



فستصلي وتصوم وتختم لكن النية ستكون مثل القوة الدافعة لانطلاق سفينة فضاء لرضا الله إلى الجنة، فلتأخذ نية كبيرة وتكتبها ولتشترط على نفسك أن تقوم بها، وعلقها في غرفتك وعاهد الله عليها وراجعها في رمضان، واكتب لنا على www.amrkhaled.net لنقوي بعضنا البعض.



رمضان هبة من الله:

أنا أعتبر أن رمضان هبة من الله سبحانه وتعالى، فمن أسماء الله الحسنى "الوهاب"، الذي يعطي الهبات لعباده دون سابق استحقاق، ومعنى أنك عشت حتى يوم (١) رمضان أنك استلمت الهدية، فإياك ألا تشعر بها أو ترفضها أو تتركها وإلا لن يرسلها لك مرة أخرى، فأمسك بها بكل قوتك واقبلها. ولذلك فآيات الصيام في سورة البقرة آخرها: {...وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة :١٨٥)، ولكي تشعر بقيمة هذه الهبة سأذكرك ببعض الأحاديث الخاصة بثواب رمضان، والتي أعرف أنك تعلمها وقد ذكرها كل علمائنا من قبل، لكن أريد منك أن تسمعها بنية جديدة، ستجد أحاديث فضل رمضان على www.amrkhaled.net، فلتأخذها وتعلقها في حجرتك إلى جانب النية الكبيرة.



يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغُلِّقَت أبواب النار وسُلسِلَت الشياطين))، فهناك ظواهر غير عادية تحدث في الأرض، فالجنة أبوابها مفتوحة للذي يريدها، والنار أبوابها مغلقة للخائف منها، والشياطين سُلسِلَت، هيا فلتنطلق، والحديث الآخر: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))، إيمانًا واحتسابًا تعني أنه أخذ نية كبيرة، ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه)) من أدى قيام رمضان فكأنه لم يخطئ من قبل، وبدأ بداية جديدة ولم يفعل المعاصي ولا الكبائر، ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))، وحديث آخر: ((إن الجنة لتتزين من الحول إلى الحول في شهر رمضان، فإذا دخل شهر رمضان قالت الجنة: اللهم اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك سكانًا))، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فمن صان نفسه في شهر رمضان.... كان له قصر في الجنة لو أن الدنيا جُمِعَت فجُعِلَت في هذا القصر لم تكن إلا كمربط عنزٍ في الدنيا))، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولله عتقاء من النار في رمضان وذلك كل ليلة)).



يكتب عند الله أنه في يوم (١) رمضان قد أُعتِق فلان من النار ولن يدخلها، كلٌّ على قدر النوايا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ينظر الله في قلوب عباده فمن كان فيهم مخلصًا صادقًا أعتقه من النار))، ويقول الحديث: ((من أدى فيه نافلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه))، فإذا ختمت القرآن في رمضان فالحرف الواحد بـ 10 * سبعين، فهي كنوز من الحسنات تجدها يوم القيامة.



سنحيا بالقرآن:

استشعر اسم الله "الوهاب" وخذ النية وانطلق مع الختمات والقرآن، فهذا العام سنعيش لمدة ثلاثين يومًا مع القرآن في أطول قصة موجودة فيه. وقصة هذا العام تمثل حوالي ربع القرآن؛ لأن هناك العديد من السور التي تتحدث عنها بالتفصيل مثل: سورة القصص، وطه، والشعراء، والأعراف، فهي تمثل ثلاث أرباع سورة البقرة، وبالتالي فهذه فرصة - هذا العام - أن تفهم ربع القرآن. أسأل الله أن يفتح علينا ويتقبل منا وكل علمائنا في رمضان.



لذلك فإن هدفنا ونيتنا وشعارنا هذا العام: "سنحيا بالقرآن" نحبه ونحسه ونشعر به ونصلح به خلقنا ويكون هو طريقة حياتنا، ونحيا بالقيم التي به ونتذوقه. ولكي نتمكن من تنفيذ هذه الفكرة وتكبيرها لتملأ قلوب الناس فسنقوم بحملة في رمضان اسمها: "سنحيا بالقرآن" هدفها: (١۰) ملايين ختمة قرآن لكل المشاركين معنا في البرنامج، وهي كمية ليست بالكبيرة خاصة بعد أن يرسل كل منا لأقاربه ومن يعرفهم، وسنضع عدادا على www.amrkhaled.net لكي يرسل لنا كل من قام بختم القرآن، فإذا قامت جدتك بختمة مثلا فأرسل لنا، وهكذا.



ولكي نتذكر موضوع الختمة، فقد صممتا لنا ملصقا موجودا على الموقع حملُّه فعليه شعار: سنحيا بالقرآن- (١۰) ملايين ختمة – ولننشر هذا الملصق في كل مكان لكي يتذكره الناس ويقولوا سنحيا بالقرآن.





قصة موسى:

هذه هي المرة الأولى التي نستكمل فيها حديثنا عن موضوع ما في رمضان على عامين متتاليين وذلك لأهمية هذه القصة، فهناك الكثيرون بينهم وبين القرآن حاجز، ويشعرون بعدم الفهم مع رغبتهم في ذلك، فوضع الله سبحانه وتعالى القصة لأنها الوسيلة السهلة الشيقة المفهومة من كل الأجناس؛ لأن الله تعالى غرس في الجنس البشري حبه للقصة لكونها مشوقة وجذابة، فجعل ثلث القرآن قصصا. القصة في القرآن هي المعبر الذي تعبره لكي تفهم القرآن وتنطلق، مثل السفينة التي التي يوضع بها معبرا ليعبر الناس عليه إلى الأرض، فالقصة هي الطريقة العملية السهلة التي اختارها الله تعالى لتوصيل أفكار القرآن الكبرى: التوحيد ولا إله إلا الله وأسماء الله الحسنى، سنحيا هذا العام مع قصة موسى عليه السلام وبني إسرائيل.



وهي أطول قصة في القرآن وقد ذُكِرت في (٥۰) سورة من (١١٤) سورة، كما ذُكِر سيدنا موسى عليه السلام في القرآن (١۳٦) مرة، وبعده سيدنا إبراهيم (٦۹) مرة. فكم هي غلاوة سيدنا موسى عند الله! بالفعل فهو حبيب الله ومن أولي العزم من الرُسل وكليم الله {...وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:١٦٤). من أهداف برنامج قصص القرآن لهذا العام أن تحب سيدنا موسى بشدة والذي قال له الله: {... وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه:۳۹)، وأيضًا قال الله له: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:٤١)، وقال الله تعالى له: {... إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ...}(الأعراف: ١٤٤)، فهي قصة غالية جدًّا وكبيرة جدًّا وغنية بالأحداث، سنحيا معها (۳۰) يومًا وهي مليئة بالقيم، فسنركز كل يوم على قيمة وننفذها ونحيا بها لنستفيد من القصة في واقعنا.



قصة موسى أربع مراحل وأربعة فصول وحدثت في أربع دول: مصر، الأردن، السعودية، فلسطين، فلنذهب لبداية القصة في مصر على ضفاف النيل، فهناك بدأت القصة من زمن بعيد.





قبل مولد موسى عليه السلام:

حدثت القصة سنة ١۲۰۰ ق.م.، قبل ميلاد سيدنا عيسى بـ١۲۰۰سنة، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وسيدنا عيسى ٦۰۰سنة، ولذلك فبيننا وبينها ۳۲۰۰سنة، وستندهش من كثرة تشابه القيم والأحداث وتتساءل هل حدثت في١۲۰۰ ق.م. أم ۲۰۰۹ بعد الميلاد؟! وكان العالم يختلف تمامًا عما نحيا فيه الآن، فكان يتكون من آسيا وأفريقيا فقط، عالم ما قبل أوروبا وأمريكا، وكانت مصر هي مركز هذا العالم، مركز للحضارة والثقافة والقوة والثروة، وكان بها علماء من طراز نادر لم تكتشف علومهم إلى الآن: علم التحنيط والكيمياء، علم فن الرسم على المعابد والحوائط، علم المعمار والأهرامات، فلو كانت جائزة نوبل معروفة في ذلك الوقت لحصدت مصر 90% منها، لكن كان ينقُص مصر شيئين مهمين رغم كل ما كان لديها، وهما: الإيمان والعدل، ولهذا فهي أكثر القصص تكرارا في القرآن ولقد جاء من أجلهما بطل قصتنا فهو بطل الحرية ونصير المظلومين.



خرج بطل القصة من قلب مصر، وكان هناك نوعان من الناس: نوع غني ونوع فقير، النوع الفقير كان يسمى بنو إسرائيل، النوع الغني كان له كل الحقوق وكان يتمتع بكل ما يحتاج إليه الإنسان السعيد، أما النوع الفقير فكان محروما من كل الحقوق وكانوا يسمون بالعبيد على الرغم من كونهم أحرار وليسوا عبيدًا.



كان بنو إسرائيل يعيشون في أكواخ بائسة على ضفاف النيل، وكانت عاصمة مصر في ذلك الوقت مدينة تسمى رعمسيس، وكانت عاصمة العالم في ذلك الوقت، مثل لندن الآن، ومثل بغداد وقت الحضارة الإسلامية، وقد خرج بطل قصتنا منها وبدأت فيها أحداث القصة واستمرت فيها، واسم المدينة كلمة مصرية قديمة، فبر رع تعني: بيت الإله رع المتمثل في رمسيس، ومكان هذه المدينة اليوم بلدة تسمى: قمطير في الزقازيق بمحافظة الشرقية بمصر، وكانت فروع النيل الكثيرة وقتها تصل حتى هناك.



وكان قصر فرعون وسط أشجار تطل على النيل، وكانت هذه الأشجار تطل على مدينة بر رع مثل التي نحن عندها الآن، وكانت هناك طبقتان تعيشان على النيل: طبقة تحيا في قصور والأخرى تحيا في أكواخ، وفي كوخ من الأكواخ الفقيرة البائسة كانت هناك عائلة مكونة من أم حامل في شهرها الرابع اسمها يوكابد وزوجها يسمى عمران، ولديها ولد وبنت، البنت الكبرى شابة في العشرين من عمرها اسمها مريم، والابن الصغير يسمى هارون، وهي حامل في مولود سيأتي بعد عدة أشهر وهو بطل قصتنا.



المشهد المروع:

سننتقل الآن لأول مشهد وسامحونا لصعوبة المشهد ولكونه غاية في الوحشية، وهو في حي من أحياء بني إسرائيل في مصر القديمة، في سكون الليل بينما الحي نائما بأكمله، انقطع السكون فجأة على صوت صراخ رهيب لامرأة، وملأ الصوت الحي بأكمله فاستيقظوا وجروا على مصدر الصوت، فوجدوه بيت من بيوت بني إسرائيل ووجدوا جنودًا بعربات تجرها خيول يجرون مسرعين، فوجدوا أحد الجنود يمسك سكينًا يقطر دمًا، فجروا على البيت مصدر الصوت فوجدوا تحت الباب قطرات من الدماء، فدخلوا فوجدوا امرأة تصرخ وتبكي، كانت وضعت مولودها منذ شهرين، وفجأة اقتحم الجنود البيت وأزاحوا زوجها وسألوها إذا كانت وضعت مولودًا منذ شهرين، فردت: نعم! فطلبوا المولود، فأتى والده بالطفل فأخرج جندي سكينًا وذبح المولود، فصُدِمَت الأم وصُدِم كل بني إسرائيل، وتساءلوا عمن وراء هذه الجريمة؟!



سألوا والد الطفل عما فعله ليحدث معه هذا! وأيًّا كان ما فعله فهل يستحق هذا المشهد الوحشي؟! اجتمع بنو إسرائيل في حيهم بعد الفجر، يتحدثون عن الجريمة وسببها، وتساءلوا فيما بينهم: هل نشتكي أم نسكت؟ والعجيب أنهم خافوا من الشكوى حتى لا يحدث معهم أكثر من ذلك. وهنا ومع المشهد الأول تظهر أول صفة في قصتنا هذا العام وهي: الذل، الذي لم يترك لديهم أي قطرة نخوة حتى بعد ذبح أبنائهم.



وحدثت بعد أسبوع القصة نفسها لطفل آخر –ذكر- ذبح في بيت آخر، لكن الجديد في البيت الثاني شيء غريب! وهو أن الأم كان لديها ولد وبنت حديثي الولادة، فأخذ الجنود الولد وذبحوه، فجرت الأم على البنت واحتضنتها فضحك الجنود قائلين: لا تخافي فلدينا تعليمات ألا نقترب من الفتيات سنأخذها حين تكبر!



وتكررت الجريمة نفسها في الأسبوع الثالث في بيت ثالث، لكن هذه المرة قاموا بشيء جديد فبعدما ذبحوا الطفل ألقوه في النيل! تخيل معي مشاعر الأمهات! وبعد شهر وصل عدد الأطفال الذين ذُبِحوا عشرة أطفال في عشرة بيوت، تخيلوا الرعب الذي عاشه الناس والأمهات هناك في ظل هذه الجريمة الوحشية، حيث لا توجد جريمة مثلها في التاريخ، والعجيب أن من حدثت معهم هذه الجرائم من أطفال أبرياء تدور الأيام ويقوموا بفعل ما حدث نفسه معهم في العالم اليوم، يتكرر الماضي لكن من عجائب القدر أنهم هم من يفعلونه في أطفال فلسطين، واسألوا محمد الدرة.



أيقظ فطرتك:

ووسط دهشة أهل الحي بين كونها جريمة منظمة أم جندي مجهول أم تطهير عرقي؟ بدأ يدور في أذهانهم سؤال، أعرف أنكم أيضًا تسألونه الآن وهو: لماذا يا رب لم تمنع المجرم الذي قام بهذا؟ ولماذا لم يتدخل الله بمعجزة ببطشه ليقضي على هذا الوحش؟ ولماذا لم يتدخل القدر ليمنع هذه الوحشية التي هي أكبر من الظلم؟



قصة موسى مليئة بالقيم ونحن سنختار قيمة كل حلقة ونركز عليها ونتواصى بها، ونضع جدولا على www.amrkhaled.net بقيم كل يوم، ونطلب منكم أي إدخال فكرة أو خاطرة أو شعر أو صورة، أو موقف شخصي يقوي هذه القيمة وسنضع جائزة يومية على الموقع، وقيمة اليوم للإجابة على سؤال: لماذا يا رب تركته يحدث؟ هي ما تسمى: الفطرة البشرية، وقيمة اليوم: أيقظ فطرتك، والفطرة هي بذرة الحق التي غرسها الله في كل قلب بشري، وهي جرس إنذار داخل القلب مثل الوخز عندما ترى ظلما شديدا أو وحشية، وهو ختم الله الذي ختمه على كل قلب وتستحيل إزالته من كل البشر {... فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ...} (الروم:۳۰) ويكون هذا الختم على اختلاف أجناسهم وأديانهم وأعمارهم.



إنه جهاز وضعه الله في كل النفوس يضطرب عند الظلم الشديد أو الوحشية، حيث تستريح تلك الفطرة كلما اقتربت من الحق و تضطرب كلما اقتربت من الظلم وتغضب وتستيقظ، وتخرج خارج حواجز العقل وترفض أي مبرر للوحشية والظلم الشديد حتى تقف وتواجه الظلم وتنتصر عليه، فهي جهاز مثل العين والأذن، وإذا تدخل الله تعالى بمعجزته، إذن ما قيمة الفطرة التي خلقها؟ فهي أيضًا معجزته، وإذا تدخل الله سبحانه وتعالى ببطشه فإذًا لا داعي للقلب أو الفطرة، فهي تستيقظ عند حدوث وحشية لأنها دليل قدرة الله فحركتها دليل على أنك مستيقظ.



وعندما حدث هذا الحادث الوحشي في بيوت بني إسرائيل بدأت الفطرة تستيقظ وكأنها أول النجاة والعزة فبداية القصة (فِطَر مستيقظة)، وقيمة اليوم: أيقظ فطرتك، حلقة اليوم كلها تريد أن تنقل لك هذا المعنى: هل أنت صاحب فطرة مستيقظة؟



فحين بدأت فِطَر بني إسرائيل في الاستيقاظ أخرج الله سبحانه وتعالى من بينهم صاحب فطرة عظيمة مستيقظة أيقظهم كلهم هو موسى عليه السلام، هل تحب سيدنا موسى؟ هو حبيب الله وكليم الله الذي اصطفاه الله وقال له: {... يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي...} (الأعراف:١٤٤)، كما قال الله له: {... وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه: ۳۹)، وقال الله تعالى له: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:٤١)، وهو الذي كان يتأسى به النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يؤذيه أحد ويقول: ((رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من ذلك)) لأنه صاحب فطرة مستيقظة واجهت كل الظلم والوحشية التي رأيناها، موسى عليه السلام أكثر فطرة مستيقظة خرجت حين بدأت الفِطَر في بني إسرائيل تستيقظ في المكان الذي نحن نتحدث منه ونحكي عنه.



كيف تعرف إن كانت فطرتك مستيقظة أم لا؟ كلما اقتربت من الحق تستريح وتهدأ وكلما اقتربت من الباطل أو الظلم الشديد أو الوحشية تضطرب وتقلق وتريد أن تتحرك لتغيير هذا الظلم الشديد. سؤال اليوم: كم درجة من عشرة تعطيها لنفسك في يقظة فطرتك؟ فبنو إسرائيل كانوا نائمين لدرجة أن يُذبح أبناءهم فيخافوا من الشكوى أما موسى فقمة استيقاظ الفطرة، فكم من عشرة تعطي لنفسك ما بين موسى وبينهم؟ يوجد اليوم استقصاء على www.amrkhaled.net مكون من عشرة أسئلة تعرف بها إذا كنت صاحب فطرة مستيقظة أم لا؟



وبعدما حدث مع بني إسرائيل بدءوا يتساءلون: هل نقيم مأتما أم لا؟ فعدد الأطفال الذين ماتوا ليس قليلا، وبدءوا يسألون الحي الآخر لبني إسرائيل هل هو حادث فردي معهم لخطأ منهم أم لا؟ فكانت المفاجأة أنه ذُبِح من الحي الآخر عشرة أطفال أيضًا، فقرروا إقامة مأتم لأكبر مجزرة وحشية شهدها التاريخ، تخيل المأتم والأمهات العشرة الفاقدات أبناءهن في المأتم، وهذا مأتم آخر سيقام لأن عدد الأطفال وصل حتى ألف طفل، فمن المجرم الحقيقي؟ ولماذا قام بتلك الجريمة؟ وما السبب؟ سنعرف كل ذلك لاحقا بإذن الله.

دار الترجمة

http://amrkhaled.net/newsite/articles2.php?articleID=NTMyMQ==