الحقوق محفوظة لأصحابها

فهد الكندري


ميكائيل: اسمي ميكاييل، عمري ٣٢ سنة، والداي من أصول إيطالية، نشأتُ في أسرة مسيحية ملتزمة، ومررتُ بمراحل الطقوس المسيحية.



فهد الكندري: شابٌّ ذكيٌّ طموحٌ مُحبٌّ لله، حتى قبل أن يدخل الإسلام، كان ملتزمًا بديانته السابقة المسيحية، إنه ميكائيل، الذي استضافني في منزله بفرنسا.



ميكائيل: تفضل في بيتي يا شيخ.



فهد الكندري: شكرًا على هذه الاستضافة، في هذا ما شاء الله البيت الجميل، الله يبارك فيك.. الشيخ حمزة، قبل الإسلام كيف كانت حياتك؟ كيف كنت تعيش.. هل كنت تذهب إلى الكنيسة وتعيش كل الأمور والطقوس الدينية التي.. يعيشونها النصارى؟



ميكائيل: كنتُ مسيحيًّا ملتزمًا وقمتُ بكل الطقوس الدينية، وكنتُ أتعلم مبادئ الدين المسيحي، خصوصًا الدين المسيحي مهم لوالديّ لأنهما إيطاليّان.



فهد الكندري: كان قلبه مُحبًّا لله، فكان حريصًا على دينه، مهتمًّا بالجانب الروحي في حياته.









ميكائيل: عندما بلغت سن الخامسة عشر، بدأتُ فعلًا بالبحث عن الروحانية، كنتُ أريد أن أطوّر شيئًا في هذا الدين، كان هناك شيء في قلبي يجذبني إلى الله، ما كنتُ أشعر بالسكينة ولم أكن مرتاحًا في المسيحية.



فهد الكندري: كيف بدأت تسأل عن الإسلام؟

ميكائيل: فكرة اعتناق الإسلام لمْ تأتِ في لحظة، كنتُ أبحث عن الازدهار والنشأة في الدين المسيحي، من الأسئلة التي كنتُ أطرحها على نفسي في ذلك الحين، ما الهدف من الحياة؟ ما المعنى من هذه الحياة؟ لماذا نحن هنا؟! سبحان الله، أرسل الله لي مسلمين لكي يحدثوني عن الإسلام، وما قاموا بدعوتي بـ قال الله وقال الرسول ﷺ، ولكن سألوني عن ديني وكتاب الإنجيل، للأسف كثير من هذه الأسئلة بقيتْ دون جواب، بل الأجوبة الموجودة كانت متناقضة!



فهد الكندري: وكان هذا ذكاء من أصحابه، فلم يدعوه إلى الإسلام مباشرة، بل تساءلوا عن دينه من غير تجريح ولا استهزاء، وهذا ما فعله نبي الله إبراهيم عليه السلام، حينما قال لأبيه في سورة مريم: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} (٤٢) فكان لهذه التساؤلات من أصحابه أثرًا كبير على ميكائيل من تقرّبه للإسلام.











ميكائيل: السؤال الأول الذي طرحوه علي كان حول خلق الله للكون، فسألوني كيف خلق الله الكون؟ قلتُ خلق الله في اليوم الأول هذا والثاني هذا والرابع... والسابع استراح الله، قيل لي: هذه آية من الإنجيل؟ قلتُ: نعم نقرأ هذه الآية، حيث نرى أن الله استراح اليوم السابع، لهذا السبب المسيحيون لا يعملون يوم الأحد، أنا كبرتُ على هذه الفكرة وتربّيتُ عليها، عشتُ مع فكرة أن الله استراح في يوم الأحد وكان منطقيًّا بالنسبة لي أن يوم الأحد لا نعمل فيه، وللمزاح كنا نقول: "سوف نعمل يوم الأحد" والرد يكون: "إنه يوم الرب"، قال لي: نحن في ديننا، واستدل بالآية التالية: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف: ٥٤/ يونس: ٣/ الحديد: ٤)، الله سبحانه وتعالى استوى في اليوم السابع على العرش، ومن هنا قمتُ بالمقارنة بين الإله الذي كنتُ أتبعه ويستريح، وبين الإله الذي خلق كل هذه الأمور بدون تعب، يقول للشيء "كُنْ فَيَكُونُ" ثم "اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ"! وهذه المقارنة سببتْ فقد الثقة بالإله الأول الذي كنتُ أؤمن به، وهو جزء أساسي في هذا الدين.



فهد الكندري: فلا يصحّ أبدًا أن نسأل عن شيء فعله الله سبحانه وتعالى، وخلقه الله سبحانه وتعالى، فنقول: لِم فعله؟ ولِم لمْ يفعله؟ فهو لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون، ولكن، دلّل العلماء وجعلوا أسباب، أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق السماوات والأرض في ستة أيام، جعلوا لها أسباب، من أظهر هذه الأسباب أنهم قالوا: أن سبحانه وتعالى يريد أن يبيّن للملائكة حكمته، حكمة الله سبحانه وتعالى في خلق السماوات والأرض ولمْ يبيّن للملائكة قدرته، فقدرة الله سبحانه وتعالى على الخلق، تكون كن، فيكون! الملائكة هنا استعظمتْ خلق الله سبحانه وتعالى بأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم قال الله سبحانه وتعالى قال: {ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْش} فاستوى الله سبحانه وتعالى على العرش استواء كبرياء وعظمة لله عزّوَجلّ.









ميكائيل: كان الشك يزداد في بالي، فكنتُ أذهب إلى القس لأستغفره لأني كنتُ أشكّ بالدين المسيحي، واقرأ الصلاة على مريم وعيسى والله... وأغفر لك وستنال الغفران، في هذه اللحظة قال لي الإخوة: هل اعترفتَ للقس وغفر لك؟ ولكن ما هو الشر الذي فعلتَه له؟ وهنا تساءلتُ: ما هو الشر الذي فعلتُه له؟ وما هي قدرته حتى يغفر لك مكان الله؟ الله سبحانه وتعالى في الإسلام هو الرحمن الرحيم الغفور، كان صديقي يقرأ لي آيات قرآنية حيث يقول الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ} (طه: ٨٢)، ومن هنا أعي أن هذا الدين هو المناسب لي، لأنه ذو صلة مباشرة بين الخالق والمخلوق.



ميكائيل: وضعتني الأسئلة التي طُرحتْ في حيرة تامة، ما كنتُ مسيحيًّا ولا مسلمًا ولا لدي دين، فبدأتُ وأنا على سريري أسأل الله أن يجد لي حلًّا لأني بدون دين.



فهد الكندري: يقول ميكائيل: في هذه المرحلة أحسستُ أني يتيمًا، لأنه دون دين، فلم يكن مسيحيًّا ولم يدخل في الإسلام، فبعد فترة من الزمن قرر أن يرجع إلى القس الذي يثق به في الكنيسة القريبة من منزله واعترف له بأنه تعرّف على مسلمين، وأنه يفكر بالإسلام.















ميكائيل: وكنتُ أعتقد بأنه سيكون لديه رأي محايد، ولكن مع الأسف العكس، تحدّث عن الإسلام بشكل سلبي للغاية. وهنا قال لي القس: الإسلام! لا لا هو دين الحرب والبغض وعدم السماحة والمرأة ليس لها مكانة فيه، فأعطاني أمورًا عدة متناقضة ليدفع بي إلى الخروج عن الإسلام وأنه ليس بالأفضل، ورجعتُ إلى هؤلاء الإخوة وقلتُ لهم كل ما قاله القس، فأثبَتوا لي بالأدلة الدامغة بأنه مُخطئ فيما قال، فبدأوا يجيبوني استدلالًا بالقرآن الكريم، فأخبروني عن السورة الطويلة التي ذكرها الله باسم النساء، وعندما قلتُ لهم بأن القس قال: الدين الإسلامي غير متسامح، فتحوا القرآن وقرأوا الآية: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون: ٦).



فهد الكندري: كل هذه القصة وهذه النقاشات مع أصحابه، كان وقتها عمر ميكائيل لم يتجاوز سبعة عشر عامًا، وهذه رسالة إلى الشباب الذين يقولون نحن صغار سن، فنهتدي عندما نكبر، أو نصلي عندما نكبر، وهذا خطأ كبير جدًّا، فاعتنق الإسلام ميكائيل وهو صغير سن وتقرّب من كتاب الله سبحانه وتعالى وتأثّرَ به كثيرًا.



ميكائيل: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)} (الواقعة).



ميكائيل: كنتُ أشاهد أن الدين المسيحي لا يستحق أن نؤمن به، وكنتُ منجذبًا جدًّا للدين الإسلامي، لا سيما بلاغة القرآن الكريم والآيات المرتلة، عندما نقرأ الإنجيل كأننا نقرأ مجرّد نص أو قصة، عندما نقرأ ونسمع القرآن الكريم.. ليس هناك من يبكي بعد قراءة الإنجيل! بالعكس مع القرآن الكريم نجد أُناسًا لا يفهمون ما يسمعون ولكن يبكون!







فهد الكندري: وكان يحب أن يسمع سورة الرحمن قبل إسلامه، وتأثر بمعانيها كثيرًا، وكانت هذه السورة هي السبب باتخاذه قرارًا مهمًّا، وهو النطق بالشهادة.



ميكائيل: وصلتُ لقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)}، هنا قلتُ لنفسي إن هذه الدنيا ستنتهي، اليوم عمري ١٨ وسوف أبلغُ الـ ٤٠-٥٠-٧٠-٨٠ سنة ثم أموتُ، وكل ما أنجزته في الدنيا سينتهي، إذا تمسّكنا بالله سبحانه وتعالى في الدنيا سنجده بالآخرة، سبحان الله، وفي هذه اللحظة قلتُ لنفسي إن هناك شيء في داخلي ينمو، فاتصلتُ بصديقين وكنتُ عادةً أتحدث معهم كثيرًا عن الدين، فقلت لهما إني جاهز الآن لاعتناق الإسلام، فقالا لي لا بد أن تقوم بالاغتسال، فكتبا على ورقة كيفية الاغتسال، اغتسلتُ ورجعتُ إليهم وكررتُ الكلام فقالا لي: أشهد.. أشهد.. لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، وكانا اثنين فقالا ما شاء الله.. الحمد لله أنتَ الآن مسلم، الحمد لله.



فهد الكندري: كان اختبار صعب، وتحدٍّ كبير على ميكائيل، إذا اعتنق الإسلام دون أن يعلم أبواه، فإذا علم أبواه عن إسلامه سوف يطردونه من البيت، وهو صغير سن ولا يملك المال أصلًا، السؤال: كيف سيصلّي؟ كيف سيصوم؟ اضطر ميكائيل في هذا الوقت أنه يفطر أحيانًا في رمضان، وأن يصلّي كل الصلوات في آخر النهار.











ميكائيل: أتذكر - سبحان الله العظيم - أن عيد ميلادي جاء في وسط شهر رمضان، والدتي دعتْ العائلة والأجداد والأعمام والخالات ليأكلوا الكعكة بالخامسة عصرًا، اضطررتُ أن أفطر ذلك اليوم لأني لم يكن لدي الاختيار، وما استطعتُ أن أُعلن عدم رغبتي بأكل الكعكة.



فهد الكندري: كان يأتي إلى ها هنا ميكائيل، يصلي كل الفروض، ولكنه كان يدعي دعاءً واحدًا، دعاء واحد: اللهمَّ اجعل أمي وأبي يتقبّلوني مسلم.



فهد الكندري: موقف صعب، كيف سيستمر هكذا ميكائيل؟ فأخذ يدعو الله سبحانه وتعالى أن يجد له حلًّا، واستجاب الله دعاءه، فعندما تخرّج من المدرسة مباشرة، تم قبوله في الخدمة العسكرية لمدة سنتين.



ميكائيل: خلال هذين العامين، استطعتُ أن أتعلّم ديني، هذا جعلني أقوى لأن الشيطان كان يضع في قلبي الشك، قائلًا: إذا استمريتَ في هذا الدين فسوف تفقد والديك. الله سبحانه وتعالى منح للذين وُلدوا في الإسلام والدًا يوقظه لصلاة الفجر، ووالدة تُحضّر له الفطور في رمضان، عادة الذين أسلموا يواجهون مشاكلَ مع أسرهم، أنا مثلًا واجهتُ مشاكلَ مع أسرتي.

فهد الكندري: اللي مو حاس بنعمة الأبوين المسلمين، الآن يدعي الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أمه وأبوه، والآن يذهب إلى الأم وإلى الأب، يحب راس أبوه ويحب راس أمه، يقول يا يمّه ويا يبه، احمد الله سبحانه وتعالى إني انولدت مسلم وانكم مسلمين، وانتوا تدعوني لصلاة، تدعوني لصيام، تدعوني لزكاة، تدعوني لحج، والله غيركم فاقد هذا، الآن هو مسلم وأمه وأبوه لم يدخلوا في الإسلام ويشعر بحسرة.

















فهد الكندري: أمنيته الجميلة دليل على ذكائه في الدعوة.



ميكائيل: اليوم أريد تأسيس قاعة لتنظيم مؤتمرات لاستقبال الدعاة، لكي يحدّثوا الناس عن الإسلام، لأن مسجدنا مسجد النور ما شاء الله في منطقتنا صغير، والناس يخافون أن يأتوا المسجد.



فهد الكندري: بإذن الله عزّوَجلّ تتحقق هذه الأمنية مع موقع نون. www.nquran.com