الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ،، أما بعد :



أخي الكريم أختي الكريمة أنتم تعلمون أنه إذا زاد حبكم لله سيزيد خشوعكم في الصلاة ولا شك ، لأنك إذا قابلت من تحب ، فلن يكون شعورك كما لو قابلت من لا تشعر بحبه ... ( و لله المثل الأعلى ) كثير من الناس لا يشعر بمحبة الله أثناء الصلاة ، ولهذا فإنه لا يخشع ..

وأنت إذا أحببت أحدا إما أن تحبه لحسن جماله ؛ أو لحسن تعامله ؛ او لإنعامه .. و الله عز و جل جمع ذلك كله : أما الجمال فقد عرفت أن الله جميل ؛ و لا يُوجد من هو أجمل منه ؛ و أما محبة الله عز و جل لحُسن تعامله فإنك لن تُعامل أحدا في حياتك أسهل و لا ألطف و لا أحن من تعاملك مع الودود الرحيم .. الحليم الكريم .. فأكرم من تعامل هو الله عز وجل ..

قال ابن القيم في كتابه (( طريق الهجرتين )) : "ويُخاطبهم الله بألطف الخطاب ويُسميهم بأحسن أسمائهم ، كقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا } ، وفي موضع آخر { قل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفوا عَلَى أَنفسِهِم } ،،، [الزمر :53] .. فيُخاطبهم بخطاب الوداد والمحبة والتلطف والتحنن فيقول الله لهم : {وَاذكروا إِذ أَنتم قَلِيلٌ مستَضعَفونَ فِي الأَرضِ تَخَافونَ أَن يَتَخَطَّفَكم النَّاس فَآَوَاكم وَأَيَّدَكم بِنَصرِهِ وَرَزَقَكم مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكم تَشكرونَ} ،،، [الأنفال : 26]"



فإذا استشعرت هذا التعامل الرفيع والخطاب الودود من الله في صلاتك .. أحببته ولا شك ، وبالتالي فلن تكون الصلاة كما كانت فى السابق ،، تأمل تعاملك مع الله عز وجل .. عندما تقع في بلاء وضيق .. فيُسخر الله لك عبدًا من عباده لينقذك ويفك ضيقك .. فتشكر هذا العبد الذي بعثه الله ولا تشكر من سخره .. وهو الله سبحانه وتعالى !!

بل كل من أنعم عليك بنعمة فأحببته لأجلها ؛ كان من المفروض عليك أن تُحب الله عز و جل أكثر مما أحببت هذا الرجل .. لأن الله عز و جل هو الذي سخره لك .. فكيف تحب وتثني على الأجير الذي أوصلها إلى بيتك يعني الذي هو بمثابة ساع البريد ولا تحب الذي اشتراها وأوصى بإرسالها !!!بل تُقابل هذا العبد بالبِشر والحب والإحترام .. وتُقابل ربك جلّ جلاله في الصلاة بالسرحان و الرغبة في الإنصراف السريع منها ..

العجيب في الموضوع أن الله سبحانه و تعالى دائما يُرسل إليك الرزق و المال ... فلما منعه عنك مرة واحدة لخيرة يراها هو ؛ و انت لا تراها .. فتغضب و تتسخط .. { ...... وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم * و عسى أن تُحبوا شيئا و هو شر لكم * و الله يعلم و أنتم لا تعلمون } .. سورة البقرة : 216..

و سبحان الله لا يزال المُتسخط يتسخط ؛ و لا يزال المُتسخط عليه يُعطي المُتسخط .. و يتذمر العبد و يتذمر ؛ و بعد فترة طويلة يُدرك العبد أنه كان مُخطئا , و ان تقدير الله عز و جل أحسن من تقديره ؛ و أن الخيرة فيما اختار الله عز و جل .. بعد كل هذه السنوات من سوء الأدب مع الله عز و جل .. لكن الله الحليم الكريم يقبل من عبده اعترافه و رجوعه ..

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) .. ابن ماجه ، والطبراني في الكبير ، والبيهقي في الشعب ،

عجيب أمر العباد مع رب العزة سبحانه و تعالى : يخلق هو و يُعبد غيره ؛ و يرزق هو و يُشكر سواه .. يُخادعون الله عز و جل و هو يعرف ذلك .. نشكو للخلق كيف ان الناس تغيروا ؛ و كيف تبرجت النساء ؛ و كيف ظهرت الفاحشة .. ثم إذا ذهبنا للسوق فإننا ننظر إلى المُحرمات . يقول الله تعالى : { أو لا يعلمون أن الله يعلم سرهم و نجواهم و ان الله علام الغيوب } .التوبة : 78.

روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " قال الله تعالى شتمني ابن آدم ؛ و ما ينبغي له أن يشتمني ؛ أما شتمه إياي فقوله إن لي ولدا و أنا الله الأحد الصمد لم ألد و لم أُولد ؛ و لم يكن لي كُفُوا أحد " .. و مع هذا فإنه سبحانه و تعالى يُطعم الذي شتمه ؛ و يسقي الذي سبه ؛ و إذا مرض عافاه ؛ و إذا احتاج أعطاه .. وهو سبحانه و تعالى الغني ذو الرحمة لو شاء لأمر جُنديا من جنده أن يخسف الأرض من تحتهم .. فوالله لن يتردد في تنفيذ أمر الله ولو لحظة واحدة لكنه سبحانه غفور .. صبور . شكور .. حليم ..

يقول ابن القيم : و مع كل هذا فلم ييئس الله تعالى العبد من رحمته قال الله "متى جئتني قبلتك ؛ إن أتيتني ليلا قبلتك وإن أتيتني نهارا قبلتك و إن تقربت مني شبرا تقربت منك ذراعا .. وإن تقربت مني ذراعا تقربت منك باعا و إن أتيتني تمشي هرولت إليك .. و لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك و لا أُبالي .. " فهلا أحببتموه إخواني ..إذا استشعرتم ذلك في صلاتكم .. ستكون الصلاة شيئا آخر ..

يُنعم الله عليك بنعمة البصر و صحة الجسد ، ثم بعد ذلك لا تعصيه إلا بنفس النعم التي أعطاك إياها ، نُرخي الستور و تعصيه ، والله سبحانه يتركك تعصيه ولا ينتقم منك لحظتها ولو شاء لأهلكك في لحظتها ،، والله إنا لنستحيي من الله

أنا الذي أغلق الأبوب مُجتهدا .............. على المعاصي و عين الله تنظرني

يا زلة كُتبت في غفلة ذهبت .............. يا حسرة بقيت في قلبي تُحرقني

دعني أسح دموعا لا انقطاع لها .......... فهل عسى عبرة منها تُخلصني

دعني أنوح على نفسي و أندبها ............ و أقطع الدهر بالتفكير و الحزن

ما أحلم الله عني حيث أمهلني .................. و قد تماديتُ في ذنبي و يسترني

يقول ابن القيم : "يستحي الله من عبده ، حيث لا يستحي العبد منه .. ناداه الله إلى رضوانه فأبى ، فأرسل الله فى طلبه الرسل وبعث معهم الكتب ، ثم نزل سبحانه بنفسه فى الثلث الأخير من الليل وقال : من يسألني فأُعطيه ، من يستغفرنى فأغفر له .. أدعوك للوصل فتأبي ؛ أبعث الرسل ؛ أنزل إليك بنفسي ألقاك في النوم .. الله المُستعان ،،

ويقول ابن القيم في موضع آخر :"من عرف الله و عرف الناس آثر مُعاملة الله على مُعاملة الناس ؛ و من عرف الله لم يكن شئ أحب إليه منه ؛ و لم تبق له رغبة فيما سواه إلا فيما يُقربه إليه و يُعينه على سفره إليه "..

و يقول ابن القيم : ( وَكَيْفَ لا تُحِبُّ الْقُلُوبُ مَنْ لا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا هُوَ ، وَلَا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إِلَّا هُوَ ، وَلَا يُجِيبُ الدَّعَوَاتِ ، وَيُقِيل الْعَثَرَاتِ ، وَيَغْفِرُ الْخَطِيئَاتِ ، وَيَسْتُرُ الْعَوْرَاتِ ، وَيَكْشِفُ الْكُرُبَاتِ ، وَيُغِيثُ اللَّهَفَاتِ ، وَيُنِيلُ الطَّلَبَاتِ سِوَاهُ ؟ ...فهو أحق من ذُكر ؛ و أحق من شُكر ؛ و أحق من حُمد ؛ و أحق من عُبد ؛ و أنصر من اُبتغى ؛ و أرأف من ملك ؛ هو أجود من سُئل ؛ و أوسع من أعطى ؛ و أكرم من قُصد ؛ هو أرحم بعبده من الوالدة بولدها " . عجيب والله ما رأيت أحدا يتعامل مع أحد كتعامل الله مع خلقه ،، ألا تحس بالذي أحس به ؟ ألا تشعر بالذي أشعر به ؟؟

ثم يتحدث الشيخ مشاري حفظه الله تعالى عن مشهد يُصور كيف تقابل الحيوانات تعامل البشر معها بتعامل حسن .. . (( المشهد : شبل صغير رباه اثنان وأحسنا إليه يلعبون معه ويقدمون له الطعام والشراب ويقضون معه وقتا ممتعا ، منذ صغره كانوا قد أحضروه إلى المدينة وهو متعايش معهم ، ولكن كان لا بد من أن ينقلوه إلى افريقيا مرة أخرى حتى يتكاثر ويكون أسرة ، فلما أرادوا نقله لم يقبل وعندما وصلوا افريقيا ووضعوه في وطنه الجديد أصبح يدور حولهما وأخيرا ذهب عنهما وبالفعل بعد فترة كبر هذا الشبل وتزوج وأصبح لديه أشبال صغار ، وبعد فترة اشتاق هذان الشابان لذلك الأسد فرجعوا مرة أخرى وأخذوا يبحثون عنه فوجدوه ، نزل هذا الأسد وأخذ ينظر إليهما ويشم رائحتهما ويتذكر ولما تعرف عليها انقض عليهما وأخذ يضمهما بحب مشتاق لهما ، يضمه بيده ثم ينقض عليه يضمه ويحك رأسه برأسه ثم ينتقل إلى الأخر ويفعل معه نفس الشيء سبحان الله !!! )) ...

ثم يُعقب الشيخ حفظه الله على هذا المشهد فيقول : عندما رأيت هذا المشهد جلست أفكر بصدق .. الله عز وجل يُعاملنا طوال اليوم بأحسن تعامل ؛ يُطعمنا و يسقينا ؛ يرزقنا و يُعافينا ؛ و بعد ذلك لو أخطانا يغفر لنا إن تُبنا و رجعنا .. يُحسن إلينا طوال اليوم ؛ و عندما نقف بين يديه 10 دقائق لا نُحسن التعامل معه عز و جل ..

يقول الله عز و جل في سورة الرحمن : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) .. الآية : 60 ..

الأسود المفترسة التي لا ترحم فريستها أحسنت إلى من أحسن إليها ، ألا ترحم نفسك أنت وتحسن الوقوف بين يدي ربك ،،، نسأل الله أن يحسن وقوفنا بين يديه

إنك لو أردت الدخول على ملك من الملوك فإنك تحتاج إلى موعد ؛ و أن تتعرف على مدير مكتبه ؛ ثم إذا أدخلك عليه ( لربما يُدخلك عليه أو لا يُدخلك ) ؛ ثم إذا سمع حاجتك لربما أعطاك إياها ، أو لا يُعطيك إياها .. و إن أعطاك حاجتك أحسست بمنة ؛ أما الله عز وجل ((و لله المثل الأعلى)) فلا تحتاج إلا أن ترفع يديك و تقول الله أكبر .. فإذا أنت بين يديه .. أسأل الله أن يُحسن و قوفنا بين يديه .

في الغد عمق أخر تابعونا والحمد لله رب العالمين