الحقوق محفوظة لأصحابها

فهد الكندري




باربرا: اسمي باربرا، أبلغ من العمر ٢٤ سنة، فرنسية الجنسية من مدينة ليل، طالبة في الماجستير علم الاجتماع والتنمية الاجتماعية، مسلمة منذ ثلاث سنوات.



فهد الكندري: التقينا مع بَرْبَرا في مدينة ليل بفرنسا وهي هناك للدراسة، ترعرعتْ في إحدى قرى شمال فرنسا، ولم تسمع عن الإسلام شيء.



باربرا: كان الدين بالنسبة لوالدي زيًا وملابس، فلا نقاش عن الله كثيرًا، ولكنني كنتُ دائمًا على صلة مع الرب بدون أن أعلم من هو، كنتُ أشعر به وأعلم بأنه يمكن أن أكون على صلة به بطريقة مختلفة، فقلتُ لنفسي ذات ليلة بأن هناك طريقة أفضل لمعرفة الخالق، وأنني أود يومًا ما أن أتمكن من القُرب منه.. (تبكي تأثُّرًا)



فهد الكندري: القرب من الله سبحانه وتعالى له، له لذة خاصة، لا يستشعرها إلا الصادق مع الله سبحانه وتعالى، تأثّرتْ بَرْبَرا جدًّا من رحمة الله سبحانه وتعالى عليها بأنه اختارها وهداها إلى الإسلام.

باربرا: انتقلتُ إلى مدينة ليل لمتابعة الدراسات العليا وحصلتُ على غرفة في سكن الطلاب، وتعرفتُ هناك على طالبة مغربية ولكنها غير متدينة، ولم تكن تتحدث عن الإسلام وكانت تعيش حياة الغرب، ولم أعرف شيئًا عن الإسلام من خلالها، اقترحتْ لي أن نزور والديها في المغرب لمدة أسبوعين، وبما أننا نملك سكن وطعام فالتذكرة كانت رخيصة، ذهبتُ واكتشفتُ شيئًا آخر، كانت صدمة بالنسبة لي، وكأننا نزلنا على كوكب جديد.

فهد الكندري: تقول بَرْبَرا أن الإعلام دائمًا يشوه صورة المسلمين، ولكنها عندما ذهبتْ إلى المغرب، اندهشتْ من تعامل أهل المغرب وطيبتهم وابتسامتهم اللي ما تفارقهم أبدًا.



باربرا: وعندما رجعتُ إلى فرنسا، قلتُ بأنه حان الوقت بأن يكون لدي فكرة خاصة عن الإسلام، وكان ذلك من باب الفضول دون حكم مسبق على الإسلام، فبدأتُ أقرأ القرآن وأتعلمه وأكتب الآيات بالفرنسية، فقررتُ أن أتراجع قليلًا، وكان كل ذلك خلال ٦ أشهر.



فهد الكندري: لم تكن ستة أشهر سهلة بالنسبة لبَرْبَرا، فقد قرأتْ ترجمة القرآن بشكل عميق ودقيق، وبحثتْ عن الشبهات والرد عليها، واكتشفتْ الجانب الآخر من شخصيتها: إنها بَرْبَرا المؤمنة بخالقها.



باربرا: حاولتُ قراءة القرآن وفهمه، وبما أن عندي ثقافة مسيحية كاثوليكية التي رأيتُ فيها أمورًا غير منطقية فابتعدتُ عنها.

فهد الكندري: تذكرتْ تلك الأيام التي قرأتْ فيها القرآن لأول مرة، وتذكرتْ كيف كان الله يخاطبها مباشرة، إنه شعورٌ جميلٌ وبنفس الوقت، مؤثّر.



فهد الكندري: ما هو شعورك الآن؟..

باربرا: عندما كنتُ أقرأ القرآن... (بكاء)

وبالرغم من أنني كنتُ إنسانة قوية أبكي نادرًا، أتحمل المشقّة وأدعم الآخرين، عندما قرأتُ القرآن وتقربتُ من الآخرين لأساعدهم، أصبحتُ أشعر بأنني مُلْك لله، وهذا ما أشعر به الآن، وأنني أَمَة لله هذا هو الإحساس القوي الذي أشعر به، وأننا قد نكون أقوياء ولكن لا قيمة لنا بدون الله، وكنتُ أبكي نادرًا أثناء الكلام، علمتُ أنه ربي وأنني لا شيء، لولا الإسلام لما كان لحياتي معنى.



فهد الكندري: سبحان الله.. يعني أحيانًا لما أجلس مع هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام، أشعر بأننا نحن مقصرون تجاه هذا الإسلام... (بكاء)

أقول ماذا قدمنا نحن للإسلام؟ يعني سبحان الله بنت في هذا العمر عمرها أربع وعشرون سنة عندما تتذكر كيف دخلتْ في الإسلام وكيف هداها الله سبحانه وتعالى، تشعر بأن الله سبحانه وتعالى أنعم عليها بأعظم نعمة على الإطلاق، وهي هذي النعمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بها وهي نعمة الإسلام العظيمة، لماذا نحن لا نشعر بهذه القيمة؟ وماذا نقول للنبي عليه الصلاة والسلام؟ الذي تعب واجتهد حتى نشر هذا الدين؟ ونحن ديننا لا يتعدى حدود منطقتنا ولا يتعدى حدود دولنا؟ متى نوصل الإسلام إلى هذا المكان؟ نحن مسؤولون والله أعلم.





باربرا: في الواقع - وليس بالكلام - نجد بأن المرأة في فرنسا ليس لها مكانتها المناسبة، ولكن الإسلام أعطى لها هذه المكانة العظيمة وأنها مكمّلة للرجل.

فهد الكندري: بسبب تقصيرنا في نشر الإسلام، والسبب الرئيسي بأن الإعلام الغربي يشوه صورة الإسلام، كانت من أكثر الشُّبَه التي أثّرتْ على بَرْبَرا، بأن الإسلام يضطهد ويظلم المرأة، ولما فتحتْ المصحف وجدتْ سورة كاملة باسم النساء.

باربرا: لأنني عندما بدأتُ قراءة القرآن أخذتُ أهتم أكثر بموضوع النساء، فقررتُ أن أقرأ سورة النساء، وهناك آية ٨٢ التي تقول بأن القرآن مختلف عن باقي الأديان التي يوجد فيها تناقض كبير في كتبهم {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء: ٨٢).

فهد الكندري: فعلًا، لو كان هذا القرآن من البشر، أو من عند غير الله سبحانه وتعالى، لوجدنا فيه تناقضات، لو كان هذا القرآن من البشر، لما وجدنا علم الغيب الذي تكلم عنه الله سبحانه وتعالى، لو كان هذا القرآن من عند غير الله سبحانه وتعالى لما وجدنا قصص الماضي التي تكلم عنها القرآن، بعكس ما نجد في الكتب السماوية المحرّفة التي نجد فيها كثير من التناقضات.





فهد الكندري: وفي ليلة من الليالي، جلستْ أمام أوراقها التي كانت تبحث وتقرأ فيها على ضوء الشموع، قالت لنفسها: ألم يأتِ الوقت للنطق بالشهادة؟ فتوجهتْ مباشرةً في صلاة الظهر إلى المسجد القريب منها ودخلتْ في وقت الصلاة.



باربرا: ولم أكن أرتدي الحجاب وكنتُ ألبس البنطلون الجينز، دخلتُ وسألتُ لكي أتحدث مع الإمام وأرى ماذا سيحدث، عندما دخلتُ توجهتُ مباشرةً نحو أخ وكان - بالصدفة - هو الإمام، فقلت له قصتي بأنني أريد الدخول في الإسلام، الحمد لله، كان إنسانًا حليمًا وطيبًا استمع لي حتى جاء أخ آخر قال لي بأنني أخاطب الإمام لكنه لا يفهم الفرنسية، تحدثتُ معه أكثر من عشر دقائق، صبر ولم يقاطعني، وكان هذا في يوم الأربعاء، فطلب مني الأخ أن أعود لهم يوم الجمعة.



فهد الكندري: فعلًا ذهبتْ بَرْبَرا إلى صلاة الجمعة وهناك أمام الجميع نطقتْ بالشهادة، وأعلنتها بَرْبَرا مُدوّية بأنه لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، فعلًا إنه شعورٌ لا يوصف أبدًا.

باربرا: لا أستطيع وصفه، لا معنى للحياة إذا فقدت هذه الصلة مع الله، هذا الشعور الذي ينتابني ويشعرني بأنني متكاملة ولستُ قوقعة فارغة تبحث عن الماديات، إنه يعطي معنى للحياة وقد أصبح الأمر واضحًا، وأعتقد بأن هذا الشعور من الأمور التي تثبت عظمة الله، إنه شعور عظيم، ليس هناك كلمة تستطيع وصفه.





فهد الكندري: لم يكن صعبًا على بَرْبَرا بأنها تبلغ أهلها في إسلامها، ولكن الصعب بأنها ترتدي الحجاب في مجتمع يرفض لباس العفة.



باربرا: ولم يكن هناك مشكلة بإسلامي، ولكن وبعد عام عندما ارتديتُ الحجاب أصبح الأمر صعبًا، لأن في فرنسا لا أحد يرتدي الحجاب، وعندما ترتديه يثبت بأنك مسلم، وينظر الناس إليك بشكل سيء وكأنه أمر مشين، صورة الإسلام هنا مشوهة، كانت الصعوبات خاصة مع والداي وكان لا بد أن أخبرهم بأنني أسلمتُ، ولا بد من تبادل المعلومات والحوار، أخبرت أمي بذلك هاتفيًّا ووضعتْ المسافة الأمنية بيني وبينها شرق فرنسا وجنوبها، وأخبرتها وقلتُ لها يا أمي سبق وأن قلتِ لي لا بد أن نتصارح في كل شيء، في البداية كنت أشعر بالخوف "من ارتداء الحجاب"، في الأسبوع الأول كنتُ أعتقد بأن الجميع كان ينظر إلي، وبعد أسبوعين لم يكن هناك أحد يلاحظني، فأصبح الآن طبيعيًّا، لأنني أفعله من أجل الله وهذا الاحتساب هو أفضل وسيلة للصبر ومواجهة العالم.

باربرا: النساء عندما يردن تسريح شعورهن وصبغها يأخذن وقتًا في البحث عن أمهر الصالونات، وعندما يتعلق الأمر بالأسئلة الشرعية أو عندما نريد التعمق في الدين لا بد أن نأخذ ذلك عن إمام أو عالم، لأن ذلك أهم من تسريحة شعر أو غير ذلك.







فهد الكندري: بَرْبَرا حريصة بعد إسلامها على دعوة غير المسلمات، وخاصة الفرنسيات.



باربرا: أعتقد عندما نكون في بلد غير مسلم فإن هذا مصيرنا وهذا يعني بأن لدينا دورًا نلعبه هنا، ولا نستطيع أن نقول بأنه بلد غير مسلم فلا بد من مغادرة، نحن هنا لأن لدينا دورًا نلعبه كسفراء للإسلام حتى لو كان هذا صعبًا فإنه بالنسبة لنا ابتلاء، ونحن المسلمون لدينا مسؤولية كبيرة باتجاه غير المسلمين، علينا أن نعلمهم بأن الإسلام دين حسن ويريد الخير للبشرية، ونساعدهم للدخول فيه.



فهد الكندري: أصبحتْ بَرْبَرا الآن مسؤولة عن المهتديات الجدد إلى الإسلام، وتحاول إقناعهم في دخول المسجد، وتناقشهم وتبين لهم الإسلام الحقيقي، بعكس ما يُعرض في الإعلام والإنترنت، حتى أمنية بَرْبَرا كانت من أجل هؤلاء المهتديات.



باربرا: مشروعي هو أن أتمكن من الحصول على كتب أهديها للمهتديات الجدد، فأتمكن من إعداد هذه الهدايا الصغيرة والتي ستكون بالنسبة للمهتديات أدوات ليبدأن بتعلم القرآن، والبعض الآخر يساعدهن على تعمّق المعرفة، على سبيل المثال: رياض الصالحين، الأربعون حديثًا للنووي.