الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله و الصلاة و السلام علي رسول الله و علي اله وصحبه ومن والاه سلام الله عليكم ورحمته و بركاته ، مفتاح النهاية الظلم ، اذا اراد سبحانه وتعالي ان ينهي دينا او دولة و شعبا او فردا ابتلاه بالظلم ، و لذلك يقول سبحانه وتعالي " و كذلك اخذ ربك اذا اخذ القري و هي ظالمة ان اخذه اليم شديد " و هي قاعدة شرعية و سنة كونية من سنن الواحد الاحد جل في علاه ، و مرت هذه السنن في الامم و الشعوب و اتفق علي ذ لك عقلاء العالم اذا اراد الله النهاية لقوم سلط الله عليهم الظلم فتظالموا فيما بينهم فاخذهم الله سبحانه وتعالي .

وانظر هذه العبارة وقوة اثرها و جمالها " و كذلك اخذ ربك اذا اخذ القري و هي ظالمة ان اخذه اليم شديد " و الله سبحانه وتعالي كما في الحديث الصحيح " ان الله ليمهل للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته " ، يعني يعطيه المهلة و تجد بعض الظلمة يبطش في الارض و يسفك الدماء و تظن ان الواحد الاحد غافل عنه " و لا تحسبن الله غافلا عما يفعل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار ، فسنته انه يمهل ثم ياخذ سبحانه وتعالي ، " واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " ،و اجمع العلماء علي ان الظلم مقدمة الخراب ،فالظلم يخلو القصور من سكانها و يكسر الجبابرة ، وهذه سنته سبحانه لان العدل قامت عليه السماوات و الارض و تقوم عليه الدنيا .

ومن الكلمات التي تناقلها اهل العلم عن ابن القيم ان الله ليقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة و يمحق الظالمة وان كانت مسلمة ، و استشهد بقول الله سبحانه " و كذلك اخذ ربك للقري و هي ظالمة " ، بين الرسول صلي الله عليه وسلم تحريم الظلم فالله تعالي يقول : " يا عبادي اني حرمت الظلم علي نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا " و سوف يقتص الله للمظلوم من الظالم الي درجة ان تقتص للوحوش و العجماوات من بعضها البعض ، و هو ينبت للشاة العجماء قرون و يقول لها انطحيها كما نطحتك ثم يقول لها كوني ترابا ، فيقول الكافر و هو ينظر للمشهد " يا ليتني كنت ترابا " ، و ذلك من الطافه بين البشر ، ويقول " لا ظلم اليوم , ويقول في الحديث " ان الملك اين ملوك العرب ، انا الملك اين ملوك العرب " فيحكم الله سبحانه للمغلوب ممن غلبه و المظلوم ممن ظلمه ، وانما اقول هذا لان نهاية كل شئ هي الظلم و قد حرم عليه الصلاة والسلام الظلم " من اغتصب مال امرء مسلم بات و الله عليه غضبان ، قالوا يا رسول الله ولو كان شئ يسير قال : و لو كان قضيبا من اراك " فما بالك اذا ظلم قد شبر و في اثر صحيح قالوا من اقتطع من حق امرء مسلم قيد شبر او مقدار شبر طوقه الله من سبع اراضين و ياتي يوم القيامة وهي في عنقة .

اما الظلم فهو انواع فمنه ظلم اللسان و هو الغيبة و السب والشتم و السخرية و اللعن و شهادة الزور ، والله لا يضيع هذه الامور ، ولذلك سمي اللسان ظالما و من اظلم ما يكون و هو امضي من السيف ظلما قال تعالي " يا ايها الذين امنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا " ، حتي النبي صلي الله عليه وسلم قال لمعاذ الا ادلك علي ملاك ذلك كله قال بلي يا رسول الله ، قال كف عليك لسانك ، قال اومآخذون بما نقول يا رسول الله ، قال ثكلتك امك يامعاذ و هل يكب الناس في النار علي وجوههم الا حصائد السنتهم

فاحذر لسانك ايها الانسان لا يلدغنك انه ثعبان

حين يترك الفاجر لسانه في الاعراض فيتكلم عن اعراض و يفرح في زلاتهم و يجمع اخطائهم و لكنه لا يري الجانب المشرق و لا يري الحسنات بل انه يتغافل عن الحسنات وينظر الي السوء في حياتهم ، حتي انمهم ليسمونهم انهم اصحاب النظارات السوداء و بعض الناس كالذباب لا ياتي الا علي الجرح ، وقد نظمت هذا المعني في بيتين فقلت :

نقل ابن سعد عن تقي الدين في مامونه كالخنس بعد ثواني

ياتي منه كالذباب لا يقع الا علي جرح من العدوان

و من ظلم الاعتداء علي الاخرين باليد كالبطش و الضرب و السرقة و السلب و النهب و نحو ذلك حتي يقول صلي الله عليه و سلم في شرح المسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " والاسلام معناه السلام و ان يامن مكرك و اذاك و يامن غيبتك ، حتي انه صلي الله عليه وسلم يعرف المؤمن " المؤمن من امنه الناس علي دمائهم و اموالهم " ، و الايمان الذي بعث به عليه الصلاة والسلام هو ذاك ، وقد حفظ التاريخ لنا مصارع الطغاة و هم يتساقطون ، فتجد الدولة تعيش ثم تظلم فتسقط و كذلك الرجل الظالم يكون ايه للمعتبرين و ابا العتاهية يقول في سجن الرشيد :

اما و الله ان الظلم شؤم و ما زال المسئ هو الظلوم

الي يو م الحشر نمضي و عند الله تجتمع الخصوم

و انتم تعلمون كما سلف معنا ان امراة ظلمها الوزير بن الفرات فدعت عليه فقطع راسه فقالت :

اذا جار وزير وكاتباه و كان العرض اذهب بالقضاء

فويل ثم ويل ثم ويل لقاضي العرض من قاضي السماء

و انما حذر صلي الله عليه وسلم من طلب القضا لما فيه من التعرض للمظالم حتى نقل عنه صلي الله عليه وسلم مرفوعا من تولي القضا فقد ذبح بغير سكين .

قال احد الشعراء

ولما ان توليت القضايا و فاض الظلم منك فيضا

ذبحت بغير سكين والا من الذبح بغير سيكن ايضا

هذا الحجاج يقتل سعيد بن جبير فيدعو عليه اللهم لا تسلطه علي احد بعدي ، فعبد ما قتل يقول راي بعد شهر يري انه يسبح في بركة من الدم و كان يصيح كما يصيح الثور اتته حبه ثم انتشرت في جسمه ثم اصبح كانه الثور يتقلب ، و كان يمروا بالقبر فاذا هو يصيح بالقبر ، و اخوه محمد بن يوسف كان حاكم باليمن و كان ظالما ودخل ينصحه عليه العابد الزاهد العالم المحدث طووس بن كيسان و هو مولي من الموالي ووقف و كان من تليمذ بن عباس ـ ان الله يرفع بهذا الكتاب اقواما ويضع اخرين ـ و الله سبحانه يمنح العلم لمن يشاء ليس لمن في الاسرة العريقة لكن الله يعطي العلم لمن يشاء

اذا فخرت باجداد بما كرموا لكن بئس ما ولدوا

و ايضا :

ليس الفتي من يقول كان ابي انما الفتي من يقول ها انا ذا

المقصود ان طاووس دخل علي محمد بن يوسف فالبسه محمد كساء فاخذ طاوس يحرك كتفيه حتي سقط الكساء ثم ذهب و تركه فقال من في الباب كساك الكساء قال كساه الله النار و الله لا البس له كساء ، ثم ذهب طاوس في الحرم و كان مدرس في الحرم اذا حرس الحجاج حاكم العراق اخو محمد يدخل و قالوا و كانوا معه الحراب و السيوف و اذا بحاج فقير من اهل اليمن اقترب من الحجاج فاذا بحربة نشبت في احرام الحاج اليمني فمسكه الحجاج فقال له من اين انت ، قال أنا من اهل اليمن قال كيف اخي عندكم ، قال تركته سيمنا بطينا قال ما سألتك عن صحته سألتك عن عدله ، قال تركته و الله غشوما ظلوما ، قال : اما تدري انه اخي ، قال له اتظن اني اعتز بك اكثر من اعتزازي بالله ، يقول طاووس والله ما بقيت شعرة في راسي الا قامت ، قال فتركه الحجاج ، هذه هي مصارع الطغاة في الدنيا .

محمد بن عبد الملك الزيات الوزير العباسي في عهد المتوكل، كان من اهل الرعي و دعا عليه الامام احمد فسلط الله عليه المتوكل وكان يضرب الناس اصلا و كان ياتي بالمظلوم فيضربه في راسه و يقال له اما ترحمه ايها الوزير فيقول الرحمة خبر في الطبيعة لانه درس الفلسفة و هذا من كلام الفلاسفة ، فابتلاه الله و سلط عليه المتوكل فكان يضع المسامير في راسه و كان يصيح ارحموني فيقول له المتوكل الرحمة خبر في الطبيعة ، و دعا احمد بن حنبل علي ان ابي دؤاد لانه ساهم في تعذيب و جلد الامام احمد فسلط الله عليه الفالج فكان مطروحا فقيل له كيفك يا احمد قال و الله اما نصفي هذا لو وقع الذباب عليه فو الله لظننت ان القيامة قامت و اما النصف الاخر و الله لو قرر بالمقارير ما احسست به ، ثم ذهب الي ربه ، وان المقصود من هذا الحديث ان يعرف الانسان ان هناك حساب ، و لابد ان يعلم الانسان ان الامور قد تتاخر الا المكر والظلم ، حدث قصص في العالم و اخري رايناها راي العين .

اذكر ان احد القراء المشاهير و كان يقرأ بالسبع وغيرها و جئ به الي احد الوزراء الظلمة فقال كيف تقرأ بقراءة منكرة ، قال له ايها الوزير انت لا تعرف القراءة الصحيحة ، قال له الوزير و الله لو قرات بها لقطعت لسانك قال الوزير و الله لو قرأت بها لقطعت لسانك ، قال ايها الوزير دع القراة و اشتغل بما وكلت به من اموال و اكل اموال الناس بالباطل فقام فضربه علي فمه فسال الدم علي فمه قال قاتلك الله اسال الله ان يقطع منك الاربع ، يقولون سمعناه و قد ارتعشت فرائصه ، و ما مر شهر الا ان غضب القاهر عليه فامر ان تقطع اطرافه الاربعة يوم الجمعة ، فخرج واطرافه الاربعة مقطعة في الزيت و تقلب فيه ثم مات

و المقصود من الحديث هذا الا يتساهل الانسان في ظلم احد و ان يقول انه نهب في هذه المسألة و ان يكون هو السبب و مثل من يتعرض لهم ، و هم حتي بني اسرائيل لما وصفهم الله قال "بغيا بينهم " و لما جاءهم الرسول صلي الله عليه وسلم كفروا به و بينهم تجد البغي و الخلاف و العتو ، حتي بعض اهل العلم علي صلاح وخير ولكنه يجعل اختلافه علي مسائل الفروع كانها من الاصول و احيانا اذا لم توافقه جعل هناك عداوة لانه يريد ان يكون هو الامام و و المتصدر و انه لا يحب ان يذهب طلاب العلم الي العالم الفلاني وانما يذهبوا اليه و حتي بعض الناس يسالوا فيفرح و اذا قلت له فلان ايه رايك فيه قال : الله يعافينا ، حتي ان ابن المبارك يقول " ان من الاستغفار ذنبا قيل كيف يا ابا عبد الرحمن قال اذا العالم امام الواحد قال استغفر الله .

فيا ايها الاخوة مسالة الظلم هي من اعظم المسائل التي عصى الله بها في الارض حتي العجيب ان الله تعالي " و ما كان الله ليهلك القري بظلم و اهلها مصلحون " يقول القرطبي ليس الظلم المقصود هنا الشرك لكن اذا كان اهلها لا يتناصحون الحقوق ، بل يقول هنا معني الاية ان الله لا يهلك القري لمجرد الشرك و ان كان يخرج من الملة و صاحب الشرك مخلد و ان كانوا يتناصحون يمهلهم الله في الدنيا و ياخذهم يوم القيامة ، ان الله سبحانه و تعالي لا يجعل الشرك سبب في الهلاك في الدنيا مادام اهل القرية يتناصحون بينهم ، فيكف ان كان اهل الايمان يجمعون بين الايمان و بين التناصح فيما بينهم و انها النجاة .

اسال الله باسمه الاعظم الاكرم الاجل ان يرحمنا و اياكم و ان يغفر لنا و لكم و ان يتجاوز عنا و عنكم و ان يجعلنا صالحين مصلحين و ان يجعلنا من اتباع خاتم المرسلين و وقفنا الي اتباع سنته وصلي الله علي محمد وعلي اله تسليما كثيرا .

المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=375_0_2_0