الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، الزهد في الدنيا "وكان فيه من الزاهدين " الزهد في الإسلام ليس بتحريم الحلال ، ولكن أن يكون أن ما في يد الله عز وجل وأن تخرج المال بسخاوة ، قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم "دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس قال ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح " وقوله صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب لأن الغريب إذا نزل في ديار لا يستطيع أن يفعل كما يفعل المقيم في البلد ، فأي شيء يعطلك عن طاعة الله ويمنعك عن مرضاته فإنما هو يسدك وتركه واجب أي الزهد فيه حتى أحد الأئمة يرى أن الزهد ترك في الدنيا للآخرة ، يعني طعام يقويك على طاعة الله لا تتركه هذا يقويك في عيون الأعداء لا تتركه ، فإذا كان ترك هذا الشيء لا ينفعك في الآخرة تركه واجب أما إذا كان ينفعك فليس تركه من الزهد هذا هو الزهد والزهد بارك الله فيكم بعض الأولياء يقسمه ثلاثة / زهد العامة وهم يزهدون في الحرام وزهد الخاصة وهم يزهدون في فضول الحلال وزهد خاصة الخاصة وهم يزهدون فيما يشغلهم عن الله طرفة عين ، ولكن هذا التقسيم إذا رجعنا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يقول صلى الله عليه وسلم " مثلي ومثل الدنيا كرجل استظل بشجرة فقام وتركها " كان يحب الطعام والحلوى ويأكلها وكان يتزوج النساء صلى الله عليه وسلم وكان يلبس ولا يتكلف في الطعام واللباس ولكن عليه الصلاة والسلام لم يكن متعلق بهذه الدنيا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكن في غرفة من الطيب وبجريد النخل ، وكان ينام على الحصير حتى أثر في جنبه وكان صلى الله عليه وسلم يربط الحجر والحجرين على بطنه باليوم واليومين ولكن عليه الصلاة والسلام كان راض عن ذلك وكان معه ، فهناك ناس رفضوا الطيبات ورفضوا كل ما يطعم به من حلال فذم الله طريقتهم ، فأمر الله المؤمنين كما أمر الرسل" فقال يا أيها الرسل كلوا من طيبات ما رزقناكم " والنبي صلى الله عليه وسلم صاحب الشريعة ، وبعض الشباب ذكروا عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا أين نحن من الرسول صلى الله عليه وسلم وذكروا تقواه وخشيته وهو قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وكان عائشة تقول كان يداوم النبي صلى الله عليه وسلم علي العبادة ، لا يمكن فإن ركعة من ركعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من ركعاتك كلها لكن كان النبي يجتهد في غير الفرائض في السنن ركعتي بعد الظهر وكعتين قبلها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر ، فهذه من السنن سهلة يقوم بها كل الناس ، فالشباب أحدهم أراد غير ذلك فقال أحدهم أما أنا فوالله لا أفطر أبدا صيام كل يوم ، والثاني قال لا أنام الليل قيام حتى النهار ، والثالث قال لا آكل اللحم علشان لا يشغل نفسه في الطيبات ويكون في زهد وتقشف ، فذهب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم إني أخشاكم لله وأتقاكم له أنا ولكنني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم .

هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ الكتاب والسنة حتى ترى ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الزهد، يقول الله تعالى "كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " قال أحدهم ألهاكم التكاثر في الأموال والأولاد وغيرهم يتكاثر في اللهو ، تجد الإنسان يزهد في المال وهو عنده لا ينفقه ولا يأكل أكلة جميلة فهذا الرجل الذي ينفق ماله لا يتصدق منه لا يعطي فقيرا لا يعطي مسكينا هذا لا يؤدي حقوق الله "حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة " هؤلاء يعيشون حياتهم خذلان فقط لماذا لا ينفع أمته ولا يعمل الخير ولا يعطي المحتاج فهو غير ذلك يقول زهير الشاعر

ومنهم ذا مال يبخل بماله على قومه واشتغل عنهم به

يشتغلون عنه ، وقال " اللهم اعط ممسكا خلفا واعط ممسكا تلفا" فنعود أصل هذا من القرآن ، "من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأتي من الدنيا إلا ما كتب له " يكون بعض الناس حياته كلها ملايين وجاه وقد تفوته الصلاة أو تفوته صلاة الجماعة أو لا يذكر الله لأنه فتح شهيته على الدنيا فمات مديون الهوى ، والدنيا مصيرها للزوال ، افرض أن الدنيا كانت عندك ثم ماذا ، إن أبعد الناس عن الدنيا يكون هو الأقرب من الله ، هناك من جمع المال وغيره من قال وغيره من أخذ أين كل هؤلاء ،وأين من جمع القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، حتى يقول الله في التعبير القرآني الراقي " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة" هل سمعتم أن أحدا أخذ نصبه معه في القبر أو حدائقه أبدا فرادا كما خلقناكم أول مره ، عجيب من يترك هذا المال ليتمتع به ذريته وقد جمعه من مال حرام ويشعر هو بالذنب داخل القبر ، فقراء المسلمين من 1400 عام عرفوا ذلك ، وأيهما أفضل الغني الشاكر أم الفقير الصابر ، قالوا العلماء الفقير الصابر لأنه صبر على الفقر وعلى الجوع ، وقالوا بعض العلماء الغني الشاكر لأنه حمد الله على ما أعطاه من نعيم ، فإن بعض الأنبياء كانوا أغنياء مثل سليمان ، وإبراهيم ، وأيوب ، ومنهم من كان فقير موسى وعيسى ومثل بعض الأنبياء مثل هارون فالأفضل هو هكذا النبي صلى الله عليه وسلم جمع ذلك كله حتى قال بعض السلف هو الإمام صلى الله عليه وسلم يمكن أن تتأسى به على جميع الأحيان فإن كنت فقيرا فقد عاش فقيرا صلى الله عليه وسلم وكان عبدا صابرا محتسبا أقرب من الله متوكل على الله ، ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم سخيا وجوادا ووزع البقر ووزع الغنم والإبل على العرب ولم يأخذ بقرة ولا غنمة ولا دينارا ، فالناس في حنين قالوا اعطنا يا محمد مثل العرب والبدو فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو أن لي مثل جبال تهامى ذهبا ومالا لوزعته عليكم ثم لا تجدني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا ، علم الناس صلى الله عليه وسلم إذا كنت خطيبا فكان النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا وأفضل الخطباء وإذا كنت صاحب أسره كان صلى الله عليه وسلم صاحب أسره أيضا قاد الجيش ووزع الأموال العامة وحكم بين الناس في القضاء فهو كل شيء للإنسان يستطيع أن يتأسى به فهو للعالم للغني للمفتي للفقير حتى رعي الغنم ، قال ما من نبي إلا وكان يرعى الغنم ، الشاهد أن الإسلام لم يجد بالرهبانية كالتي عند النصاري قال صلى الله عليه وسلم همكم في الدنيا همكم في الحلال والحرام ، فمثل الشيطان فاتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " والنصاري تركوا كل شيء الطيب وغيره وكل شيء ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " فما رعوها حق رعايتها " فيقول النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولدت بالحنيفية السمحى " فأعطا الجسم حقه والعقل حقا حتى قال صلى الله عليه وسلم إن لنفسك عليك حقا ولبدنك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولضيفك عليك حقا ، هذا كله توازن بين حقوق الروح وحقوق الجسم وحقوق الروح حقوق النفس والضيف والمجتمع كما قال صلى الله عليه وسلم "اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الإسلام دينا " قال الله تبارك وتعالى " ليضع عنهم إسرهم والأغلال التي كانت عليهم " والتكاليف الباهظة والصعوبات حتى إذا كان أحدهم أذنب ذنبا كتب ذلك على جبينه،

بل كان أكثر الصحابة ينفقون بالمال كله يقول طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أحد العشرة المبشرون بالجنة قال رجلا يؤمن بالله واليوم الآخر يبيت وهذا الكيس في بيته قال به 100 ألف درهم قال وماذا تفعل قال أبيت وما في بيتي درهم واحد فأخذ المال ووزعه فقال اذهب لفلان بألف وفلا بألف قال والله الذي لا إله غيره ما بقينا منه درهم واحد ، يأتي 100 جمل محملة بالطعام وكل شيء فتصل إلى المدينة فلما وصلت الجمال على حمولتها في السوق قالوا الناس صفقة تهز البلد قالوا نحن نشتريها منك بن عوف قالوا ما تدفعون قالوا ندفع في الدرهم درهمين قال بن عوف وجدت من زادني ، قالوا نعطيك في الدرهم أكثر قال بن عوف وجدت من زادني قالوا يا بن عوف نحن تجار المدينة وليس ولن تجد عند غيرنا هذا فمن هذا الذي زادك قال والله وجدت من زادني في الدرهم عشر دراهم وأضعاف كثيرة وأشهدكم أنها بحمولتها وأقطابها وملابسها له قالوا ومن ذلك قال رب العالمين يقول الله تعالى " الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم " فتولى الفقراء والمساكين، هنيئا لهذه المثل العليا وهذه مكارم الأخلاق العظيمة فكان غيرهم كان شاكرا كلهم بالرسول صلى الله عليه وسلم عاشوا لله بأموالهم وأنفسهم وبعلمهم وكانوا أفقه وأعلم بذلوا كل شيء لله رب العالمين ، أما ما يكون ذلك أمام الطغيان المادي بشراهة فنسوا الناس حقوق الله ، أسأل الله أن يوفقنا وجعلنا من الأولياء الراغبين فيما عنده الزاهدين فيما عند الناس ، وعن المعاصي والمنكرات.

وصلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كبيرا.

المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=366_0_2_0