الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي


التفسير المطول - سورة التوبة 009 - الدرس ( 55-70 ) : تفسير الآيات 83-85، عقاب الله للمنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله.

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2011-06-03

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

تمتع اللغة العربية في شتى بقاع الأرض بخصائص كبيرة :

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الخامس والخمسين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثالثة والثمانين وهي قوله تعالى:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾

أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً ﴾

[ سورة يوسف الآية: 2]

ولأن هذه اللغة اختارها الله لتكون لغة وحيه لذلك تتمتع لا في رأي علماء المسلمين بل في رأي علماء اللغة في شتى بقاع الأرض بخصائص كبيرة، من هذه الخصائص قضية التصرف.

على كلٍّ لهذا الموضوع بحث طويل لكن نكتفي من هذا الموضوع في قوله تعالى:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ ﴾

هناك آية أخرى عن سيدنا موسى أنه:

﴿ رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً ﴾

[ سورة الأعراف الآية: 150]

هناك رجعناك، وهناك رجع، ما الفرق بينهما؟ هذا الفعل يأتي فعلاً لازماً، وفعلاً متعدياً، والحقيقة أن الكلمة في اللغة العربية اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما دل على شيء، إنسان حيوان، نبات، جماد، الاسم ما دل على شيء، والفعل ما دلّ على حدث، الفعل يحتاج إلى فاعل ويحتاج إلى مفعول، لكن أحياناً يأتي الفعل مكتفياً بفاعله، نقول: هذا فعل لازم يكتفي بفاعله، كأن تقول: حضر فلان، أو نام فلان، أو غضب فلان، لكن أحياناً الفعل يحتاج إلى مفعول به تقول: أكل الطفل التفاحة، فالتفاحة مفعول به وقع عليه فعل الفاعل.

إلا أن الأفعال من بعضها يكون تارةً لازماً ويكون تارةً متعدياً، وهذا الفعل الذي تبدأ به الآية من هذا النوع.

النبي الكريم معصوم من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره :

الله عز وجل في آيات أخرى يصف سيدنا موسى:

﴿ رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً ﴾

أما هنا الآية الكريمة:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ ﴾

فالكاف ضمير متصل في محل مفعول به

﴿ رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ ﴾

فعل لازم، اكتفى بفاعله، أما

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ ﴾

ففعل متعد والمفعول به هو الكاف، إما أن يكون الفعل لازماً فيكتفي بفاعله، أو أن يكون فعلاً متعدياً فيحتاج إلى مفعول به، وقع عليه فعل الفاعل.

لكن ما الحكمة أن يكون الرجوع لازماً أو متعدياً؟ سيدنا موسى اتخذ قراراً ذاتياً

﴿ رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ ﴾

لكن الآية الكريمة

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ ﴾

حركات النبي صلى الله عليه وسلم بفعل الله عز وجل، كل حركاته، وسكناته، وأقواله، وأفعاله، ومواقفه، وإقراره، هذه سنة، هذا منهج، هذا تشريع، لذلك إذا قلت سنة النبي تعني أقواله، وتعني أفعاله، وتعني إقراره، وتعني مواقفه، وتعني صفاته، هذه سنة النبي.

والنبي عليه الصلاة والسلام بالمناسبة معصوم، عصمه الله من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، لذلك أمرنا أن نأخذ عنه، فقال تعالى:

﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر الآية: 7]

إذاً عودة سريعة إلى بعض مصطلحات اللغة، الكلمة في اللغة تكون اسماً، أو فعلاً، أو حرفاً، الاسم ما دلّ على شيء، إنسان، حيوان، نبات، جماد، الفعل ما دلّ على حدث، حدث وقوع شيء، أكل، شرب، خرج، حضر، أتى، كسر، ضرب، قتل، الفعل ما دلّ على حدث، هذا الفعل إن وقع في الماضي فهو فعل ماض، إن وقع الآن أو في المستقبل فهو فعل مضارع.

القرار إن كان من ذات الإنسان واستخدمنا كلمة رجع معنى هذا أنه قرار داخلي :

الآن الكلمة:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ ﴾

فالكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، هنا الفعل متعد، فلما

﴿ رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ ﴾

هذا فعل لازم، فالقرار إن كان من ذات الإنسان واستخدمنا كلمة رجع معناه قرار داخلي، أما إذا كان لفعل متعدٍّ كقوله تعالى:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ ﴾

فهذا فعل متعد بمعنى أنه يحتاج إلى مفعول به، والكاف كاف الخطاب ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.

إذاً الله أرجعه، هذا يفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم حركاته، وسكناته، وأقواله، وأفعاله، وإقراره تشريع، لأن الله عصمه، فلما عصمه أمرنا أن نأخذ عنه كل شيء.

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ سورة النجم]

الفرق بين مقام الألوهية و مقام البشرية :

لكن قد يسأل سائل: لعل الله عز وجل لحكمة بالغة بالغةٍ ترك له هامشًا اجتهادياً ضيقاً جداً، فالنبي الكريم إذا جاء اجتهاده وفق ما ينبغي أقره الوحي على اجتهاده، فإن فرضاً جاء اجتهاده بخلاف ما ينبغي فالوحي يصحح له، لماذا هذا؟ لماذا ترك الله لنبيه المعصوم هامشاً اجتهادياً ضيقاً؟ إن اجتهد النبي الكريم وأصاب في اجتهاده أقره الوحي على ذلك وانتهى الأمر، لكن فرضاً إن جاء اجتهاده بخلاف ما ينبغي لأنه بشر فيأتي الوحي ويصحح له لماذا؟:

﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة التوبة الآية: 43]

﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾

[ سورة عبس]

فإذا جاء اجتهاد النبي بخلاف ما ينبغي فيأتي الوحي ويصحح له، لماذا؟ السؤال الآن لماذا ترك الله عز وجل للنبي هامشاً اجتهادياً؟ ليكون هناك فرقاً بين مقام الألوهية، ومقام البشرية النبي بشر:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾

[ سورة الكهف الآية: 110]

لئلا يؤله فيما بعد.

(( اللهم إنما أنا بشر، أرضى كما يرْضى البشر، وأغْضَبُ كما يغضب البشر))

[أخرجه مسلم عن أنس بن مالك]

((وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))

[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك]

النبي بشر تجري عليه كل خصائص البشر :

لكن ملاحظة أخرى ودقيقة: لأن الأنبياء بشر، ولأنه تجري عليهم كل خصائص البشر، كانوا سادة البشر، هو يشتهي كما نشتهي، ويتألم كما نتألم، ويغضب كما نغضب، ويرضى كما نرضى، لأنه بشر، ولأنه تجري عليه كل خصائص البشر كان سيد البشر، لأنه انتصر على بشريته.

والنبي الكريم هناك من يقول- وهذه شطحة فيما أعتقد - إن الكون خُلق من أجل محمد، أنا أقول البشر خلقوا ليكونوا على شاكلة محمد، هو قدوة هم.

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ ﴾

[ سورة الأحزاب الآية: 21]

المبادئ والقيم إذا أُخذت من بطون الكتب تنتهي إلى الكتب :

الأخلاق، والمبادئ، والقيم، إن كانت في بطون الكتب لا يتأثر بها، يتأثر بها إذا رأى إنساناً أمامه يتمثل به، لذلك قالوا: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، الذي يؤثر في الناس أن يروا الآن مسلماً صادقاً، مسلماً أميناً، مسلماً مخلصاً، مسلماً ورعاً، هذه القيم الأخلاقية ينبغي أن تكون متمثلة في إنسان، تراه بعينيك، ترى خطواته، ترى أخلاقه، ترى عطاءه، ترى ورعه، ترى حلمه، ترى رحمته، ترى قربه من الله، فلذلك المبادئ والقيم إذا أُخذت من بطون الكتب تنتهي إلى الكتب، أما إذا أُخذت من واقع الحياة فتؤثر في الحياة.

لذلك النبي الواحد أهدى للبشرية شيئاً أفضل من آلاف الكتّاب، لماذا؟ لأن الناس رأوا فيه صدقاً، ما رأوا مسافة بين أقواله وأفعاله، ما رأوا تناقضاً بين واقعه وبين مآله.

لذلك أيها الأخوة، قضية القدوة شيء مهم جداً، والشيء بالشيء يذكر، إن أردت أن تكون داعية ينبغي أن تكون قدوة قبل أن تنطق، القدوة قبل الدعوة، إن أردت أن تكون داعية ينبغي أن تكون محسناً، ينبغي أن تفتح قلوب من حولك بإحسانك ليفتحوا لك عقلهم لبيانك، افتح قلبهم بإحسانك فيفتحوا لك عقلهم لبيانك.

المؤمن ما لم يبذل من وقته و جهده و ماله لن يصل إلى الله عز وجل :

أيها الأخوة الكرام، الآية الكريمة:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ﴾

كأن النبي الكريم ذهب إلى الجهاد، وفي المدينة من تخلف عنه، هناك من تخلف عنه لضعفه، أو لمرضه، أو لفقره، أو لأنه لم يجد ما يحمل نفسه عليه، هؤلاء ليسوا معنيين بهذه الآية، لكن الأقوياء والأغنياء الذين تخلفوا عنه هم من تعينهم هذه الآية، لذلك دقة القرآن عجيبة قال:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ ﴾

لم يقل إليهم، قال:

﴿ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ﴾

إلى هؤلاء الأقوياء، إلى هؤلاء الأغنياء الذين تخلفوا عنه وخالفوا منهجه، ولم يبذلوا، الحقيقة المؤمن ما لم يبذل من وقته، من ماله، من جاهه، من صحته، من أي شيء يملكه، لن يصل إلى الله عز وجل.

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾

[سورة آل عمران الآية:92]

فيبدو أن معركة مؤتة في الصيف، والحر لا يحتمل، والمسافة طويلة، ولكن بعدت عليهم الشقة، والخطر كبير سيواجهون الروم، وما أدراك ما الروم، فالعدو شرس، وقوي جداً، والمسافة طويلة جداً، والحر لا يحتمل، فهؤلاء ضعاف الإيمان تخلفوا عن رسول الله، هؤلاء المعنيون بهذه الآيات، أما الفقير الذي لم يجد ما تحمله عليه، وتولى وأعينه تفيض من الدمع حزناً لأنه لم يكسب شرف مشاركة النبي في الجهاد، هؤلاء المرضى، الضعاف، الفقراء، الصغار، الكبار، فليسوا معنيين بهذه الآية.

المنافق تحركه الغنائم و ليست طاعة الله عز وجل :

لذلك قال تعالى:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ﴾

هؤلاء المنافقون، والحديث في هذه الآيات من سورة التوبة عن المنافقين، هذا الذي يجد ويبخل، هذا الذي لا يحب أن يساهم، هذا الذي أراد أن يكون مرتاحاً في الدنيا سوف يعاني ما يعاني يوم القيامة.

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ﴾

طبعاً هذا نبي الله، والله عز وجل يؤيده بنصره، فحينما توجه النبي مع أصحابه المخلصين، الصادقين إلى ساحات الوغى، وعادوا بالغنائم، المنافقون رأوا الغنائم، مكاسب كبيرة، لذلك تمنوا أن يكونوا معهم، مادام هناك غنائم، ما الذي يحرك البعيد عن الله عز وجل؟ تحركه المادة، مادام هناك مكاسب مادية، مادام هناك أموال يشارك، لذلك النبي الكريم حينما ذهب إلى الجهاد ومعه أصحابه الصادقين، المخلصين، وعادوا بالغنائم، تمنى المنافقون أن يكونوا معهم، قال:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ ﴾

المعركة القادمة استأذنوه بالخروج، ما الذي حركهم؟ ليس طاعة الله، لم تحركهم طاعة الله، بل حركتهم المغانم، والغنائم والمكاسب المادية،

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ﴾

سبحان الله! لعله أكبر عقاب من الله لهؤلاء المنافقين أنهم محيت أسماؤهم من قائمة المجاهدين، والحديث:

(( من لم يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمه من النفاق، والجهاد ذروة سنام الإسلام))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]

أنواع الجهاد :

1 ـ جهاد النفس و الهوى :

والجهاد الحقيقي بالتعبيرات الدقيقة مراحله عديدة، هناك جهاد النفس والهوى فأنت حينما تحمل نفسك على طاعة الله، فهذا جهاد، هذا من جهاد النفس والهوى، وأنت حينما تمتنع عن كل معصية ومخالفة هذا من الجهاد، وحينما تبذل المال من أجل طاعة الله هذا جهاد، حينما تبذل الوقت، الجهد، المكانة، كل شيء تقدمه، وكل شيء تمتنع عنه هذا من الجهاد، وهذا الجهاد أصل كل جهاد هذا جهاد النفس والهوى، والمسلمون يتوهمون أحياناً أنه إذا ذكرت كلمة الجهاد تقفز إلى أذهانهم كلمة القتال، هناك أنواع من الجهاد غير القتال، والدليل جاهد تشاهد كما قالوا.

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ﴾

[ سورة العنكبوت الآية: 69]

أي جاهدوا أنفسهم، حملوها على طاعة الله، أبعدوها عن معصية الله، حملوها على البذل والعطاء، جاهدوا بأموالهم وبأنفسهم، فهذا الجهاد فرض في الإسلام، بل هو فرض عين أحياناً.

أيها الأخوة الكرام،

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ﴾

وهذه خسارة لا تعدلها خسارة، أن الله سبحانه وتعالى حذف أسماءهم من قائمة المجاهدين، بل منعهم أن يجاهدوا مع رسول الله، وقد حرموا هذا الفضل الكبير، والإنسان في الدنيا حجمه بحجم عمله الصالح فقط، جئت إلى الدنيا كي تعمل عملاً صالحاً يكون ثمناً لدخول الجنة، فالذي حُرم من الجهاد، وكما قلت قبل قليل: هناك جهاد النفس والهوى، وهو أصل كل جهاد، كيف أن التعليم الأساسي هو أساس التعليم، ثم التعليم الثانوي، ثم التعليم الجامعي، ثم الدراسات العليا، ثم الدكتوراه، فأصل كل هذه المراحل التعليمية التعليم الأساسي، فجهاد النفس والهوى هو الجهاد الأساسي الذي هو فرض عين على كل مسلم، والدليل:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾

[ سورة العنكبوت الآية: 69 ]

2 ـ الجهاد الدعوي :

ولكن هناك جهاداً آخر هو الجهاد الدعوي، لابد من أن تدعو إلى الله، لابد من أن تنقل حقاً إلى الآخرين، استمعت إلى خطبة ينبغي أن تنقل مضمونها إلى من حولك، استمعت إلى درس دينين، قرأت آية، قرأت كتاباً، شاهدت مناظرة تأثرت بها، أنت حينما تنقل الذي وصلك من الحق إلى الآخر تكون جاهدت جهاداً دعوياً، جهاد النفس والهوى كالتعليم الأساسي، كالجهاد الأساسي، هناك جهاد دعوي لنقل ما تعلمت، والجهاد الدعوي فرض عين على كل مسلم، في حدود ما يعلم ومع من يعرف، والدليل:

(( بلِّغُوا عني ولو آية ))

[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

دليل آخر:

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف لآية: 108]

هذا الجهاد الدعوي.

3 ـ الجهاد البنائي :

لكن بعد الجهاد الدعوي هذه أمة و هناك أمة أخرى قد تعتدي عليها، قد تحاربها، قد تسخرها لمصالحها، فلابد من جهاد بنائي، والجهاد البنائي أن تتقن عملك وأن تطوره، كل إنسان بمكانه، المعلم في صفه، الموظف في دائرته، التاجر في دكانه، كل إنسان بحسب ما أقامه الله، أنا أقول دائماً: الجهاد البنائي فيما أقامك الله، هذه امرأة، قال النبي الكريم:

(( اعلمِي أيتها المرأة وأعلمِي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله))

[ورد في الأثر]

هذه المرأة تعبد الله فيما أقامها، أقامها أماً، أقامها زوجة، أقامها بنتاً، أقامها في أي مجال يبغي أن تعبد الله فيه.

لذلك الغني عبادته إنفاق المال، أقامه الله غنياً، والقوي عبادته إحقاق الحق، وإبطال الباطل، والعالم نقل العلم للآخرين.

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾

[ سورة الأحزاب الآية: 39]

فالعالم له عبادة نشر الحق، والقوي له عبادة إحقاق الحق، وإبطال الباطل، والغني له عبادة إنفاق المال، فالعبادة تشمل كل طبقات المجتمع، وتدور مع الإنسان في كل شؤونه، وفي كل أحواله، وفي كل أوقاته.

الجهاد عقيدة صحيحة تنبع من داخل الإنسان :

الآية الكريمة:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ﴾

الآن رأوا الانتصار هؤلاء الذين تخلفوا، رأوا الغنائم، طاب لهم أن يشاركوا مرة ثانية، فجاء المنع الإلهي:

﴿ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ ﴾

لن تفيد النفي مع التأبيد،

﴿ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً ﴾

ما الفرق بينهما؟

﴿ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ﴾

إذا خرجنا لملاقاة العدو خارج المدينة، فلو جاء العدو إلى المدينة أيضاً ممنوعون أن يقاتلوا مع النبي الكريم، لا إذا غادرنا ولا إذا هوجمنا،

﴿ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً ﴾

لأن أصل الجهاد عقيدة صحيحة، أصل الجهاد رغبة في العمل الصالح، وكل شيء لا ينبع من داخل الإنسان لا قيمة له، الإنسان قيمته في عمله الصالح، وقيمة العمل الصالح في الإخلاص، الإخلاص هذا العمل ينبع من ذاتك، ينبع من اختيارك.

الله عز وجل أرادنا أن نأتيه عن حبّ و إخلاص :

لذلك الله عز وجل هو خالقنا، ومربينا، وإلهنا، ومسيرنا، ما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة إكراه، قال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 256]

أرادنا أن نأتيه عن حب، عن إخلاص، أرادنا أن نأتيه بمبادرة منا، فلذلك هؤلاء الذين تخلفوا عن رسول الله ولم يجاهدوا، وآثروا بيوتهم، والظل الظليل، والماء البارد، والراحة، وقدموا اعتذارات كثيرة للنبي الكريم، والنبي في أيام الحر الشديدة، في الصيف، والصحراء كلكم يعلم ما معنى الصحراء، ما مستوى الحر فيها، والمسافة بعيدة جداً.

﴿ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ﴾

[ سورة التوبة الآية: 42]

والعدو قوي جداً، الروم، فآثروا البقاء في بيوتهم، ومع أهلهم، وفي بساتينهم، هؤلاء الذين تخلفوا محيت أسماؤهم من قائمة المجاهدين.

﴿ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً ﴾

لا إذا خرجنا للقتال، ولا إذا واجهنا العدو في بلدنا.

﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾

من هم الخالفون؟ الذين خالفوا رسول الله، قالوا:

((لَخَلُوفُ فم الصائم))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

الإنسان إذا ترك الطعام لساعات طويلة يظهر في فمه رائحة ليست مستحبة، كأن هذه الرائحة شبهوا بها، أي فسدوا، هؤلاء فاسدون، أولاً خالفوا منهج النبي، أو وقفوا موقفاً مخالفاً له، هو في مكان، هم في مكان، مكانهم في بيوتهم مع أهلهم، مع أولادهم، في بساتينهم، ينامون مرتاحون، هو في القتال وفي الجهاد.

يدافع الله عن المؤمن حينما يلهم مؤمناً أن يدافع عن أخيه :

لكن هناك ومضة لطيفة أن النبي عليه الصلاة والسلام وهو في مؤتة، سأل أصحابه: أين فلان؟ فبعض من الناس قال: يا رسول الله شغله بستانه عن الجهاد معك، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الذي أفرحه قول أحد الصحابة وقد دافع عن أخيه وقال: يا رسول الله، والله لقد تخلف عنك أناس ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولكن مانعاً منعهم، فابتسم النبي وفرح لهذا الموقف الأخلاقي.

أنت عندما تدافع عن أخيك تعرفه صادقاً، وأميناً، و عنده أمر قاهر، فإذا جاء من يغمزه، ويقلل من نشاطه وإيمانه ينبغي أن تدافع عنه، والله عز وجل قال:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾

[ سورة الحج الآية: 38]

كيف يدافع عنهم؟ حينما يلهم مؤمناً أن يدافع عن أخيه، أنت كمؤمن لك أخ تعلم صدقه، وورعه، واستقامته، وهناك موقف ينبغي أن يكون فيه لم تجده، أحسن الظن به، وقيل: التمس لأخيك سبعين عذراً.

من تخلف عن رسول الله حجب عن الله و هذا أكبر عقاب له :

إذاً:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ﴾

والله أنا لا أرى عقاباً من الله أشد من أن يعبدك الله عنه، الآية:

﴿ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين]

حُجب عن الله عز وجل، هذا عقاب كبير جداً.

﴿ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾

الذين تخلفوا عن رسول الله، اقعدوا معهم، أو اقعدوا مع الذين خالفوا دعوة رسول الله، أو اقعدوا مع الفاسدين.

((لَخَلُوفُ فم الصائم))

أو إنه تخلف عن الجهاد مع رسول الله، أو أنه خالف أمر رسول الله، أو أنه حينما خالف أمر النبي الكريم شعر بصغره، وأصبح فاسداً كالرائحة الكريهة، قال:

﴿ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾

﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

[ سورة التوبة]

المنافق إنسان فقد مكانته عند الله :

الحقيقة نحن حينما نلفظ كلمة الكفر نتوهم أن الذي أنكر وجود الله هو الكافر، هذا معنى مقبول، وقد يسمى ملحداً، لكن الكفر درجات، واسع جداً، فأنت حينما لا تصلي كأنك أنكرت فرضية الصلاة، أنت حينما لا تؤدي زكاة مالك لم تعبأ بهذا الأمر الإلهي، لذلك سيدنا سعد بن أبي وقاص له كلمة رائعة، قال:" ثلاثة أنا فيهن رجل" أي بطل.

بالمناسبة: فلان ذكر غير رجل، ذكر تعني أنه ليس أنثى، رجل تعني أنه بطل، ولحكمة بالغة كلمة رجل في القرآن والسنة لا تعني أنه ذكر بل تعني أنه بطل، قال:

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة النور الآية: 37]

فالآية الكريمة

﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾

هذا الإنسان فقد مكانته عند الله.

بطولة الإنسان أن ينجح مع الله عز وجل :

بالمناسبة: لأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله، قد تكون فقيراً لكن عند الله كبيراً، قد تكون مريضاً لكن عند الله كبيراً، قد تكون تعاني ما تعاني لكنك عند الله كبيراً، لكنك إن سقطت من عين الله ولو كنت غنياً، ولو كنت قوياً، هذه أشياء زائلة، تزول هذه الأموال، وتلك المكانة، ويبقى البعد عن الله عز وجل.

لذلك:

﴿ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾

كان مع المتخلفين، لذلك يوم القيامة يقول الله عز وجل:

﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ﴾

[ سورة يس]

قفوا جانباً، أنتم مجرمون، فالبطولة أن تنجح مع الله.

بطولة الإنسان أن يكون مع الله ووفق منهجه وفي طاعته :

البطولة أن تأتي إلى الدنيا فتعرف أنك المخلوق الأول، لقوله تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾

[ سورة الأحزاب]

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء]

والبطولة أن تعرف أنك مكلف، مكلف أن تطيع الله، و أن تعبده، بل إن العبادة علة وجودك، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

﴿ وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

لذلك ابن أُبيّ طلب قميص النبي، النبي كان له ثياب يرتديها تلاصق جسمه تماماً، وثياب فوق هذه الثياب، فلما طلب ابن أُبي زعيم المنافقين وهو على فراش الموت، يبدو أنه كشفت له الحقيقة، فطلب قميص النبي، فالنبي يرتدي قميصاً ملاصقاً لجسمه، وقميصاً آخر فوقه، أعطاه القميص الآخر، فأصر على أن يأخذ القميص الملاصق لجسمه، أعطاه القميص، لكن هناك تعليق مخيف أعطاه قميصه، وارتدى قميصه، فقال النبي الكريم بعد أن مات ابن أُبي: الآن استقر في جهنم حجراً كان يهوي به سبعين خريفاً.

البطولة أن تكون مع الله، ووفق منهج الله، وفي طاعة الله.

لذلك:

﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

الإيمان بالله يحمل الإنسان على طاعته والإيمان باليوم الآخر يمنعه من أن يؤذي إنساناً:

فالإنسان إذا كان مؤمناً فالدنيا ساعة اجعلها طاعة، الله عز وجل وعد المؤمنين بالجنة، والجنة تسوى فيها الحسابات.

بالمناسبة: ما ذكر الله أركان الإيمان في القرآن أو ما ذكر ركنين من أركان الإيمان في القرآن متلازمين إلا الإيمان بالله واليوم الآخر، لأن الإيمان بالله ينبغي أن يحملك على طاعته والإيمان باليوم الآخر ينبغي أن يمنعك من أن تؤذي إنساناً.

إذاً

﴿ وَلَا تُصَلِّ ﴾

نهي للنبي أن يصلي

﴿ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

والكفر كما قيل: كفر دون كفر، الكفر دون كفر أنه ينافق مثلاً لا يطبق،

﴿ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

وهذه حالة ثانية خطيرة جداً، الإنسان العادي أحياناً له أعمال صالحة بحسب فطرته السليمة، لكن هذا مات وهو فاسق، لذلك الآية الكريمة:

﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾

[ سورة التوبة]

والحمد لله رب العالمين

http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=11180&id=97&sid=101&ssid=257&sssid=258